لا جبهة موحدة.. هذا ما يواجه لبنان بعد استقالة الحكومة

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

تمهد استقالة رئيس الوزرا اللبناني حسان دياب، الطريق لفترة مقلقة، في بلد يواجه، بالإضافة إلى فيروس كورونا، أزمة إنسانية خطيرة ناجمة عن الانفجار والانهيار الاجتماعي والمالي الناجم عن تدهور الاقتصاد.

وتقول صحيفة لوموند الفرنسية: إن الاستقالة تأتي بالتوازي مع ما تواجهه البلاد من أزمة إنسانية خطيرة ناجمة عن انفجار مرفأ بيروت، وانهيار اجتماعي بسبب الأوضاع الاقتصادية التي سببها الفيروس والفساد معا.

وبعد ستة أشهر فقط من تنصيبه، ألقى دياب المسؤولية من على عاتقه يوم 10 أغسطس/آب، بعد أسبوع من الانفجار القاتل في ميناء بيروت، والذي خلف 171 قتيلا وأكثر من 6000 جريح.

تقول الصحيفة: إنه "أصبح لا مفر من هذا القرار بعد استقالة عدد من الوزراء". وقد دعا المتظاهرون الذين تجمعوا في شوارع بيروت، يومي 8 و9 أغسطس/آب إلى استقالة السلطة التنفيذية.

وفي خطابه الذي دام عشر دقائق، رفض رئيس الوزراء تحميل حكومته مسؤولية الكارثة، وألقى باللوم على "الفساد المؤسسي" الذي أدى إلى الانفجار المميت.

يهدف التحقيق الحالي، كما تذكر الصحيفة إلى تحديد المسؤوليات في تخزين 2750 طنا من نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت لمدة ست سنوات.

وبحسب ما ورد، أُبلغت الحكومة في نهاية يوليو/تموز بخطورتها، كما قال الرئيس ميشال عون للصحافة يوم 7 أغسطس/آب. ولم تكن الاستقالة الخيار الأول لرئيس الوزراء الذي قال بعد تصريح عون بيوم: إنه يؤيد تنظيم انتخابات نيابية مبكرة.

في اليوم التالي كان عليه أن يواجه الاستقالات الأولى لأعضاء حكومته، مبررين ذلك بحجم الكارثة التي حلت بالبلد. وقد دقت استقالة وزير المالية الذي "اختاره" رئيس مجلس النواب نبيه بري، ناقوس الخطر.

كانت العلاقات متوترة بين حسان دياب ورئيس مجلس النواب، داخل الحياة السياسية، وسط اتهامات بالفساد.

تشير الصحيفة إلى أن نوايا بري لم تتضح بعد: فتصفه بأنه "عراب" الحكومة مع حزب الله ومعسكر الرئيس ميشال عون، وتقول: إنه يحتفظ بقنوات للتفاوض مع قادة مؤثرين آخرين، مثل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

"الكل ضدنا"

وفي اعتراف مرير بالعجز، استنكر دياب "معركة غير متكافئة" واجهها فريقه طوال فترة ولايته.

فبرنامج الإصلاح الذي وعد بتحقيقه لم يتم الالتزام به، مثل مكافحة الفساد وإصلاح نظام العدالة، وقد أضرت هذه التراجعات بمصداقيته واستنكر ذلك بقوله: "كنا وحدنا وجميعهم ضدنا"، دون أن يذكر أسماء. 

ولكن، كما يشير لذلك التقرير، فالمسؤولون دائما يطلقون النار كالعادة بالكرات الحمراء ضد جميع القادة السياسيين. وتذكر "لوموند" أنه ردد ثلاث مرات عبارة: "حفظ الله لبنان!".

تشير لوموند إلى أن الأغلبية الساحقة من أعضاء مجلس الوزراء المنتهية ولايتهم ليس لديهم خبرة سياسية حيث كانوا ضعفاء في التعامل مع سلسلة من الأزمات.

وتذكر أن وصولهم إلى السلطة أثار توقعات محدودة على الرغم من أن الحكومة أطلقت على نفسها اسم "التكنوقراط"، لكنها كان يُنظر إليها على أنها حكومة واجهة، مع بقاء السلطة في أيدي رعاتها السابقين.

وتوضح وزيرة العدل المستقيلة ماري كلود نجم في دفاعها عن التقدم الذي أحرزته حكومتها أن "هذه هي المرة الأولى التي تخبر فيها حكومة اللبنانيين بحقيقة حالة الخسائر المالية (في إشارة إلى خطة الإنقاذ التي وضعتها للحصول على مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي).

 وأضافت أن الحكومة التي تنتمي لها خاضت معركة كبيرة لفرض رقابة مالية على البنك المركزي (الذي رفض إبلاغ أرقامه للحكومة)، ليكون بذلك سببا في وصول البلد إلى "الأزمة المالية". 

تقول لوموند: إن تصلب نواب المعسكرات المتنافسة - وأيضا البنوك وهي لاعب رئيسي آخر في المشهد اللبناني - قد أدى لتحدي خطة الحكومة وتعليق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

تغيير عميق

توضح الصحيفة الفرنسية أن مجلس الوزراء كان مسؤولا عن إدارة الأعمال اليومية. وتذكر دعوة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأخيرة إلى "تشكيل سريع لحكومة تثبت نفسها للشعب". 

وفي إشارة للتجاذبات السياسية داخل بلد الأرز، تقول لوموند: إن ذلك قد يستغرق شهورا، اعتمادا على الصراع بين الفصائل المتصارعة فيما بينها.

 الكتل النيابية التي تنتمي غالبيتها الساحقة للقوى السياسية التقليدية هي التي ستضطر إلى تعيين رئيس الوزراء المقبل وهو بالكاد ما ينذر بتجديد داخل الطيف السياسي.

وتشير لوموند لما قاله وزير الخارجية الفرنسي عن الوضع في لبنان بأن "الناس يريدون تغييرا عميقا، لاحظنا ذلك قبل أيام قليلة لدى زيارة إيمانويل ماكرون إلى بيروت".

ولفت الوزير: "لم يتغير أي شيء أبدا، وبالتأكيد ليس ذلك في بلد مثل لبنان، منفتح على كل التأثيرات الخارجية وفي سياق من التناقضات الداخلية، يجب أن نجد طريقة سياسية لحل الأزمة المستمرة منذ شهور ”.

وتضيف الصحيفة أن الحكومة المقبلة ستواجه التحدي الهائل المتمثل في إعادة بناء الثقة مع الشعب وحشد الدعم من القوى المتنافسة المؤثرة مثل طهران والرياض.

"وضع خطير" 

وأوضحت الصحيفة أن "حزب الله" الذي يتمتع بثقل سياسي كبير، والذي دعم تشكيل حكومة حسان دياب، لم يتخذ أي رد فعل حتى الآن. 

وترى أن الوضع السياسي الراهن كان أكثر ملاءمة للحركة الشيعية المسلحة، التي تشعر بأنها "محاصرة"، في حين أنها مستهدفة من سياسة "الضغط الأقصى" التي تنتهجها واشنطن ضد معسكر طهران.

وتصف لوموند الوضع بأنه "خطير وغامض". ونقلت عن مصدر داخل حزب الله يتحدث بصفته الشخصية عن أن سقوط الحكومة لم يكن متوقعا، متسائلا هل نتجه نحو اتفاق وطني أم سيناريو آخر؟

ويضيف هذا المصدر: "سمعنا في الشارع شعارات ضد سلاح حزب الله لا علاقة لها بمأساة لبنان ومع الحداد على الضحايا"، قبل أن ينتقد بشدة محاكاة لمشنقة استهدفت حسن نصر الله، زعيم الحزب الشيعي، خلال مظاهرة في بيروت.

ولفتت الصحيفة إلى أن حزب الله لم يكن مستهدفا على وجه التحديد من قبل تيار الانتفاضة الذي اندلع في لبنان في أكتوبر/تشرين الأول 2019، لكنه تعرض للتوبيخ مثل غيره. 

ومنذ الانهيار الاقتصادي، يتهم جزء من الرأي العام اللبناني، ولا سيما المؤيد للأطراف المعارضة لحزب الله، الأخير بأنه عجل من عزل لبنان بمواقفه ضد السعودية، الداعم المالي التقليدي للبلد.

ونقلت لوموند عن خبير على صلة بمصادر سياسية بأن "حزب الله بالكاد يرى أن هناك غضبا شعبيا عفويا وأن الناس يطالبون بالتغيير في مواجهة عدم الكفاءة على نطاق واسع في الداخل".

وأضاف الخبير: أنه "في الوقت نفسه، صحيح أن أشخاصا لهم أجندة سياسية، أنصار فصائل، مثل تلك التابعة لحزب القوات اللبنانية (اليمين المسيحي المعارض لحزب الله) الذين رأيتهم شخصيا، شاركوا في الاحتجاجات الأخيرة. هذا يمكن أن يجعل الحزب محموما".

لا جبهة موحدة

تقول الصحيفة: إن الأحزاب السياسية التقليدية الرئيسية، مثل تيار المستقبل لسعد الحريري، وحزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، والتي تحولت إلى "المعارضة" أثناء تشكيل حكومة حسان دياب في يناير/كانون الثاني، حتى الآن لم تشكل جبهة موحدة.

لكن العديد من هذه الأحزاب أعلنت تأييدها لإجراء انتخابات مبكرة.

وأعلن حزب الكتائب اللبناني (يميني مسيحي) استقالة نوابه من البرلمان على غرار معارضته تشكيل هذه الحكومة المستقيلة منذ البداية.

تذكر لوموند أنه من الطبيعي أن تستقيل الحكومة بعد المأساة (في مرفأ بيروت)، فيما يجب أن تستمر الاستقالات في البرلمان. 

يؤكد سامي الجميل زعيم حزب الكتائب، الذي أدى دعمه للاحتجاج إلى انقسام صفوف المتظاهرين أن مجموعات كبيرة مسؤولة عن الأزمة الاقتصادية الكارثية، لقبولها قبضة حزب الله الخانقة التي أدت إلى عزل لبنان على الساحة الدولية والفساد الذي عصف بخزائن الدولة.

وتشير الصحيفة إلى أن الانتخابات المبكرة ليست من أولويات الشارع المكون من حركات متباينة تكافح من أجل التوحد والتوصل إلى بديل، حيث يخشى الكثير من الوقوع في الفخ، لأن القانون الانتخابي مصمم خصيصا للمؤسسة الحاكمة. 

وتقول لوموند: "مساء 10 أغسطس/آب، كانت الحشود قليلة في وسط بيروت لكن الضغط يجب أن يستمر للمطالبة بالعدالة بعد مأساة الميناء".

وبحسب ماري كلود نجم، أصدرت الحكومة قرارا بإحالة القضية إلى محكمة العدل.

تقول نجم، كما تذكر الصحيفة: "يرأس هذه المحكمة قاضي صلح معترف به، صحيح أنه لن يعيد الموتى لكن هذا أقل ما يمكن أن تفعله الدولة للضحايا".