اتفاقية الرياض المعدلة.. كيف مكنت الانقلابيين من السلطة جنوبي اليمن؟

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 11 أغسطس/آب 2020، أدى أمين عام المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، وعضو هيئة رئاسة المجلس حامد لملس، اليمين الدستورية محافظا لعدن جنوبي اليمن، بموجب الصيغة المعدلة من اتفاقية الرياض.

نجح بذلك المجلس الانتقالي المتمرد على الحكومة الشرعية في السيطرة سياسيا على العاصمة المؤقتة عدن إلى جانب سيطرته عسكريا بموجب اتفاقية الرياض، التي قضت بضرورة أن يكون مدير أمن عدن من أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي أيضا.

كانت الرياض قد فرضت تعديلا مطلع أغسطس/آب 2020، على الاتفاقية التي رعتها ووقعتها الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وأسهمت تلك الصيغة المعدلة بتمكين مليشيا الانتقالي المتمردة وتحويلها إلى سلطة شرعية ومكنتها من إدارة عدن وعدد من المحافظات الجنوبية.

قضت التعديلات الأخيرة بمنح الانتقالي 4 حقائب وزارية، بالإضافة إلى تعيين محافظ ومدير أمن منهم لعدن، ما يجعل العاصمة المؤقتة تحت سيطرة الانتقالي سياسيا وعسكريا، ويصادر حق الحكومة الشرعية في إدارة هذه المدينة التي تخضع لإدارة مليشيا مدعومة من قبل الإمارات.

تلغيم الاتفاق

كانت اتفاقية الرياض تنص على البدء بتنفيذ الشق العسكري وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من المحافظات الجنوبية، ثم تنفيذ الشق السياسي، وإعادة انتشار القوات العسكرية التابعة لها، لضمان عدم استخدام السلاح من قبل الانتقالي في فرض واقع سياسي أو عسكري معين بعد توقيع الاتفاقية.

 لكن الرياض أصرت على إجراء التعديل بتقديم الشق السياسي والإبقاء على القوات العسكرية التابعة للانتقالي مسيطرة على المحافظات الجنوبية، ومنحت الحكومة الشرعية ضمانا بالتزام قوات المجلس الانتقالي بإعادة الانتشار والانسحاب من المدن الجنوبية بعد الاتفاق على الشق السياسي في إجراء المحاصصة ومنح الانتقالي الحقائب الوزارية ومنصب مدير أمن عدن ومحافظ عدن.

ذلك الضمان كان حبرا على ورق، فعقب الاتفاق على الصيغة النهائية، حصلت خروقات عدة، وتجددت المعارك بين القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا في محافظة أبين، لتؤسس بذلك دورة جديدة من الصراع، لكنها هذه المرة ليست بين مليشيا وحكومة شرعية، بل بين طرفين شرعيين بموجب اتفاقية الرياض.

استمر المجلس الانتقالي بتنفيذ حملات الاعتقالات للرافضين للانقلاب والوجود العسكري للمليشيات التابعة له في الجزيرة.

 في 21 يوليو/تموز 2020، صرح مستشار رئيس الجمهورية ونائب رئيس مجلس النواب عبد العزيز جباري في حديث لقناة "الجزيرة" أن السعودية تسعى لاتفاق بديل عن اتفاق الرياض لتنفيذ الشق السياسي فقط، مشيرا إلى أن اتفاق الرياض مشروع سعودي إماراتي وقع عليه اليمنيون ولم ينفذ.

وأضاف: "أن اتفاق الريتز كارلتون المقترح يركز على تعيين المسؤولين ويتجنب الشق الأمني"، مشيرا إلى أن كل الأوراق بيد التحالف ولو أراد تنفيذ اتفاق الرياض حرفيا فسيتم ذلك.

وغادر جباري الرياض معترضا على آلية عمل المفاوضات التي تشرف عليها السعودية بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا.

فخ كبير

الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي قال لـ"الاستقلال": "في واقع الأمر فإن السعودية هي من تريد اليوم تمرير هذه الصيغة التي ستمكن المجلس الانتقالي من الحصول على 4 حقائب وزارية، ولم يعد المطلوب أن يتخلى المجلس الانتقالي عن نفوذه العسكري والسياسي في المحافظات التي استولى عليها بقوة السلاح، وإنما تقديم بعض التنازلات مثل التخلي عن الإدارة الذاتية".

مضيفا: "هذه الإدارة الذاتية لا قيمة لها في مقابل أن يحوز المجلس الانتقالي على 4 حقائب وزارية والسيطرة المطلقة على المناطق التي يتحكم بها حتى هذه اللحظة، مع بقاء السلاح مكدسا بيديه، وبقاء السيطرة الأمنية والعسكرية لقواته في المناطق التي يجري حولها التفاوض".

يتابع التميمي: "من يحتاج الصيغة الجديدة من اتفاقية الرياض هي المملكة العربية السعودية وليس أي طرف آخر، لأن المجلس الانتقالي أداة من أدوات السعودية، وأنا أعتقد أن هذا فخ كبير نصبته الرياض للحكومة الشرعية منذ محادثات جدة التي استهدفت التوصل إلى اتفاقية الرياض، واليوم هذا الفخ يستمر حفره بعمق لكي تقع فيه السلطة الشرعية ولا تقوم لها قائمة فيما بعد".

الكاتب اليمني أوضح أنه "من المفارقات العجيبة أن الرئيس عبد ربه منصور هادي يطلب ضمانات من السعودية بأن المجلس الانتقالي سينفذ هذا الاتفاق، هذا يعني أن الحكومة الشرعية تفاوض على منطقة لا تسيطر عليها".

وأضاف: "هذا يعني أن السلطة الشرعية باتت طرفا هزيلا ضعيفا جدا، لا يمتلك القدرة على التحكم بمجريات الأحداث في الأراضي التي يفترض أنها منطقة نفوذ لهذه الشرعية، وفي هذا أيضا إشارة واضحة إلى أن الحوار اليوم ليس بين السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي، وأن الحوار بين السلطة والشرعية والمملكة العربية السعودية".

ويختم التميمي بالقول: "الرياض اليوم لم تعد تطرح موضوع القوات العسكرية، مع أن الشق العسكري هو الأهم في اتفاقية الرياض، هذا الشق الآن لم يعد محل اهتمام السعودية، بل الشق السياسي وهذا يعني أن الرياض ذاهبة إلى حد أقصى في تمكين المجلس الانتقالي، من السيطرة على المحافظات الجنوبية مع استمرار تحركاته باتجاه المهرة".

أداة الرياض

وفق مراقبين، فإن الرياض توعز للانتقالي بممارسة هذه الضغوط على الحكومة الشرعية حتى تصل إلى هدفها النهائي في سلخ اليمن الجنوبي عن اليمن الشمالي، هذا هو الهدف النهائي، لكنها تريد أن يكون هذا بإمضاء الرئيس.

تأكيد المراقبين بأن المجلس الانتقالي غدا أداة بيد الرياض تمرر من خلاله أجندتها يستند إلى أن السعودية تجاهلت كل الخطوات التي قام بها المجلس الانتقالي، في تمرده على الحكومة الشرعية، وأن الرياض غدت تتحايل على الحكومة الشرعية في كونها وسيطا يرعى الاتفاق بين طرفين متصارعين.

خلال سيطرة المجلس الانتقالي على سقطرى، في يونيو/حزيران 2020، سحبت السعودية، وهي الطرف المسؤول عن تأمين الجزيرة، قواتها التي يبلغ قوامها 1000 جندي، ومنحت الانتقالي فرصة السيطرة على الجزيرة والمؤسسات الرسمية التابعة لها، في موقف كاشف لحجم دعم المملكة للمجلس الانتقالي.

رمزي محروس محافظ سقطرى صرح وقتها أن "القوات السعودية انسحبت من أمام إدارة الأمن في سقطرى، وسمحت بعبور ترسانة من الأسلحة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا".

وأضاف محروس: "قوات الشرعية تلقت ضمانات من القوات السعودية بوقف التصعيد، لكن تلك القوات تراجعت عن ضماناتها وتركت الانتقالي يسيطر على الجزيرة".

 

بروفة أغسطس

نائب رئيس البرلمان عبد العزيز جباري حمل ساعتها التحالف السعودي الإماراتي "مسؤولية استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على جزيرة أرخبيل سقطرى".

 ودعا جباري في مقابلته مع "الجزيرة"، التحالف السعودي الإماراتي للتوقف عن خلق المشاكل بإنشاء تشكيلات مسلحة خارجة عن سلطة الدولة في اليمن.

السيناريو السعودي الذي تم تنفيذه أثناء الانقلاب على الشرعية في سقطرى، جرت له بروفة في أغسطس/آب 2019 بمدينة عدن، عندما انسحبت القوات السعودية المكلفة بتأمين المدينة، مانحة  قوات الانتقالي المجال للسيطرة على القصر الرئاسي وإعلان الانقلاب، لتنكشف بذلك الإستراتيجية الميدانية للقوات السعودية في تمكين الانقلابيين.

وإلى جانب انسحاب القوات السعودية من الجزيرة ومنح الانقلابيين فرصة السيطرة على أرخبيل سقطرى، فإن قادة المجلس الانتقالي يقيمون في الرياض، وينسقون مع القوات الإماراتية والمليشيات التابعة لهم من قلب الرياض.

وفي 20 مايو/أيار 2020، زار رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، الرياض، ومنذ ذلك الحين وهو يقيم هناك ويجري مقابلات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومع سفراء عدد من الدول الغربية من أجل الحصول على ترحيب بموقف الانتقالي الذي يسعى لإعلان الانفصال في وقت لاحق.