تركيا وقطر ترعيان مصالحة للسنة بالعراق.. ماذا عن أبوظبي والرياض؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد خصومة دامت نحو عامين، وبرعاية تركية قطرية، جرت مصالحة بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي يرأس تحالف "القوى العراقية" (أكبر كتلة برلمانية سنية تضم 40 نائبا)، وبين خميس الخنجر رئيس تحالف "المحافظات المحررة" (20 نائبا).

المصالحة التي جرت في يوليو/ تموز 2020، وكشفت عنها قوى سياسية، جاءت ضمن مساع تهدف إلى تشكيل جبهة واسعة تمثل المكون السني استعدادا للانتخابات التشريعية المقبلة، المقررة في 6 يونيو/ حزيران 2021.

مصالحة وتمرد

عودة العلاقة بين أبرز قوتين سنيتين جرت في بغداد برعاية تركية - قطرية، بحضور القياديين الحلبوسي والخنجر، حيث اتفق الجانبان على توحيد الموقف السني في الوقت الحالي على مجمل القضايا التي تخص المكون وأبرزها العمل على حصد أكبر عدد من المقاعد للسنة في البرلمان المقبل.

وكشف مصدر سياسي مطلع لـ"الاستقلال" أن "الحلبوسي تحول من المحور السعودي الإماراتي إلى المعسكر الآخر الذي تدعمه قطر وتركيا، وكان من أول بوادره الاتفاق على اختيار وقاص العاني المنتمي لتحالف الخنجر، ليكون رئيسا لديوان الوقف السني في العراق".

ولفت المصدر الذي طلب عدم كشف هويته إلى أن "سبب انسحاب الحلبوسي من المحور السعودي الإماراتي المدعوم أميركيا غير معروف حتى الآن، لكن ذلك بالتأكيد يشكل ضربة قوية للرياض وأبوظبي، لأنه يشغل أعلى منصب مخصص للسنة وهو رئيس البرلمان وذلك يفقدهم تأثيرهم السياسي بالكامل".

من جهته، أكد السياسي والنائب السابق مشعان الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية في 28 يوليو/ تموز 2020، أن مصالحة الحلبوسي والخنجر تعد إنجازا كبيرا ومهما وسيغير من قواعد اللعبة السياسية في الأيام المقبلة، لكنه أشار إلى أنها تحققت بجهود ونشاط إيراني كبير وبتعاون تركي قطري.

وأوضح أن السعودية والإمارات كانوا قد مولوا "حزب تقدم" الذي يرأسه الحلبوسي، وعبر السفير ثامر السبهان، فتحت الرياض خزائنها للتحالف الذي رأسه الحلبوسي، لكنه تمرد على الدولتين الخليجيتين وذهب إلى المشروع القطري التركي.

وأشار الجبوري إلى أن الأتراك طلبوا من الحلبوسي أن يتصالح مع الخنجر، وبعد لقاء المصالحة الأول في بغداد، ركبا في صباح اليوم التالي طائرة خاصة وتوجها لعقد لقاء ثان في أنقرة، وأن رئيس البرلمان ذهب إلى المحور الآخر دون التشاور مع السعودية.

وتابع: "البعض في السعودية ربما غاضب من الحلبوسي، رغم نشر الأخير خبرا أنه اتصل بولي العهد محمد بن سلمان للاطمئنان على صحة الملك سلمان". وأكد أن "أقوى أدوات السعودية والإمارات هو الحلبوسي تمرد عليهما، وذهب مع الخنجر إلى المحور التركي القطري".

بنود الاتفاق

وبعد المصالحة بين الطرفين بأيام قليلة، كشفت وثائق تناقلتها وسائل إعلام محلية عن اتفاق سياسي بين الحلبوسي، والخنجر.

وأكدت الوثائق أن بنود الاتفاق طرحت موضوع الانتخابات خلال اجتماع لقيادات ائتلاف المحافظات المحررة في 20 يوليو/تموز 2020 بمقر حزب الخنجر وكان الحضور لأغلبية الأعضاء إما شخصيا أو عبر "سكايب" لمن كان خارج بغداد.

وأوضحت أن الاجتماع تداول العلاقة مع تحالف "القوى العراقية" واللقاء بين الحلبوسي والخنجر.

وحسب الوثائق، فإن "الاتفاق تضمن موضوع الانتخابات والترشيح لرئاسة الوقف السني حصرا بالمجمع الفقهي (أكبر مرجعية للسنة بالعراق) وملف التوازن في القيادات الأمنية والهيئات والمؤسسات المدنية، والعمل المشترك للقيادات السنية على عودة النازحين".

ونص الاتفاق على ضرورة "استغلال الموقف الدولي تجاه المليشيات والسلاح المنفلت ومعالجة الوضع في محافظاتنا (السنية) أما الدمج في المؤسسات الأمنية والرجوع إلى ملف الصحوات (تشكيلات قاتلت تنظيم القاعدة سابقا) وربطهم مع الحشد العشائري والعمل والضغط لغرض تسمية نائب رئيس الجمهورية من المكون السني".

وأشارت بنود الاتفاق إلى "مناقشة وضع إدارة محافظة نينوى، حيث تعهد الحلبوسي بإيقاف حملة استهداف القيادات السنية وتوحيد الخطاب الإعلامي السني".

ونوه الاتفاق إلى أن "الحلبوسي إذا أوفى بكل ما تقدم من التزامات فيجب على نواب ائتلاف المحافظات المحررة ألا يكونوا جزءا من أي إجراء يستهدف إبعاد الحلبوسي عن منصبه".

فيما رد ائتلاف "المحافظات المحررة" على تلك الوثائق بإصدار بيان في 24 يوليو/ تموز 2020 جاء فيه: "تفاجأنا بما نشر في بعض مواقع التواصل الاجتماعي عن اتفاق بين الخنجر والحلبوسي وعن ورقة فيها بنود تفصيلية".

وفي الوقت الذي لم ينف فيه البيان وجود مصالحة بين الحلبوسي والخنجر، فإنه أكد أن "نواب ائتلاف المحافظات المحررة ليسوا طرفا في أي اتفاق أو محور داخلي او خارجي". وأضاف: "نؤكد أن قرارنا نابع من إرادتنا الوطنية ومن وحي الشراكة مع بقية مكونات الشعب".

صراع ثلاثي

في 30 سبتمبر/ أيلول 2019، كشف تقرير لموقع "المونيتور" الأميركي عن صراع بين 3 أطراف سنية بارزة، على زعامة المشهد السني، في مقدمتها اتحاد القوى العراقية بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي يمتلك 40 نائبا من المحافظات السنية، وكتلة المحور بزعامة خميس الخنجر.

أما الطرف الثالث، فهي جبهة "الإنقاذ والتنمية" بزعامة رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي، والتي تتبنى المطالبة بحقوق النازحين والمغيبين السنة وتحسين الأوضاع في المحافظات المحررة من تنظيم الدولة.

ورأى التقرير، أن "اللافت هو أن الخلافات بين هذه الأطراف ظهرت بعد تشكيل الحكومة الاتحادية (برئاسة عبد المهدي) والصراع على المناصب المهمة، فانشقاق الحلبوسي عن الخنجر ومحافظ صلاح الدين السابق أحمد الجبوري كان بعد اعتراض الأول على ترشيح منصور المرعيد إلى منصب محافظ نينوى، وهو سني ينتمي إلى تحالف عطاء بزعامة فالح الفياض (شيعي) مدعوم من قبل الخنجر".

فيما ضم تحالف النجيفي شخصيات وأحزاب ترى أنها لم تحصل على استحقاقها في المناصب العامة واحتكار السنة في تحالف البناء (كتل الخنجر والحلبوسي) كل المناصب التنفيذية المهمة".

ولفت "المونيتور" إلى أن "الحلبوسي يبرز بالمقابل على أنه الزعيم الشاب القادر عمليا، ومن خلال منصبه وتكتله الكبير في البرلمان، على تحقيق ما يمكن للمحافظات السنية، وأن حملة الإعمار التي شهدتها محافظة الأنبار تعود إلى الجهود التي بذلتها كتلته المسيطرة أيضا على مجلس المحافظة".

وقبل المصالحة الحالية بين الطرفين، كان الخنجر قد أعلن في أبريل/ نيسان 2020 تشكيل تحالف "المحافظات المحررة" من 20 نائبا في البرلمان، في خطوة لإنهاء سيطرة تحالف "القوى العراقية" بقيادة الحلبوسي على القرار والمكتسبات السياسية السنية.

وتفجر الخلاف بين الطرفين بعد استقالة حكومة عبد المهدي، وترشيح رئيس حكومة جديد، إذ سعى الحلبوسي والخنجر للحصول على الحقائب الوزارية المخصصة للمكون السني في الحكومة التي شكلها فيما بعد مصطفى الكاظمي.

وانتهت الأزمة بتقاسم 5 وزارات خصصت للسنة، وهي: "الدفاع، التجارة، والتربية، الشباب والرياضة، التخطيط"، إذ حصل تحالف الحلبوسي (40 نائبا) على 3 وزارات، وجرت المشاركة في وزارتين مع تحالف الخنجر (20 نائبا).

ولا تزال القوى السنية تطالب بمناصب كبيرة في الدولة، ومن أهمها رئيس جهاز المخابرات الذي كان يشغله رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي بالوكالة، إضافة إلى قادة فرق بالجيش ووكلاء وزراء وسفراء مدراء عامين في الوزارات والمؤسسات الحكومية.

وحسب التجارب السابقة للتحالفات السنية، فإن الصراعات سرعان ما تنشب بين الزعامات السياسية بعد أي انتخابات برلمانية، بسبب الخلافات على تولي المناصب العليا المخصصة للمكون، وعلى رأسها منصب رئيس البرلمان الذي أصبح من يظفر به بمثابة الزعيم السياسي الأول للسنة بالعراق.