يحكم منذ عقود.. كيف يستثمر لبنان "مرفأ بيروت" لتفكيك البناء الطائفي؟

سليمان حيدر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مازال الغضب الشعبي يتصاعد في لبنان ضد الطبقة الحاكمة بسبب ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية الحادة، وما تسبب فيه انفجار مرفأ بيروت الذي زاد من أوجاع اللبنانيين ونخر في جسد الدولة شبه المنهارة.

متابعون يرون أن لبنان أمام فرصة تاريخية لتفكيك البناء الطائفي الذي يحكم البلاد منذ عقود وتأسيس جمهورية جديدة لا علاقة لها بالطائفية، مؤكدين أن الطائفية والمحاصصة هي التي أدت إلى كل تلك الأزمات التي يعيشها الشعب اللبناني.

نفاد الصبر

وعلى وقع الزلزال الذي هز العاصمة اللبنانية وأدى إلى وفاة نحو 158 شخصا وإصابة 6 آلاف (حصيلة غير نهائية) وتشريد نحو 300 ألف آخرين، خرج اللبنانيون في مظاهرات عارمة وسط بيروت رافعين شعار "يوم الحساب" للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت.

المظاهرات التي خرجت السبت والأحد 8 و9 أغسطس/آب 2020، عبر فيها المحتجون عن غضبهم من أداء الحكومة باقتحام عدد من الوزارات، بينها الاقتصاد، والبيئة، والخارجية، وجمعية المصارف اللبنانية، وأضرموا النيران في عدد من المقرات التي اقتحموها.

قوات الأمن أعادت السيطرة سريعا على تلك الأماكن وأخرجت المتظاهرين منها، بعد أن أصيب عشرات المحتجين جراء قنابل الغاز المسيل للدموع، بالإضافة إلى مقتل أحد قوات الأمن.

واعتبر البطريرك الماروني اللبناني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن التحركات الشعبية الغاضبة التي خرجت تؤكد نفاد صبر الشعب المقهور والمذلول وتصميمه على التغيير إلى الأفضل.

الحكومة عاجزة

تلك المظاهرات أدت إلى تقديم وزيرة الإعلام بحكومة حسان دياب استقالتها وقدمت اعتذارها للشعب اللبناني بسبب عدم تمكن الحكومة من تلبية طموحاتهم، وأضافت: "التغيير بقي بعيد المنال، وبما أن الواقع لم يطابق الطموح وبعد هول كارثة بيروت أتقدم باستقالتي من الحكومة".

الصحفي اللبناني مجاهد الشاتي علق على استقالة الوزيرة بأنها تأتي على أساس أن الوزراء بالحكومة لديهم معرفة بأن هذه الحكومة عاجزة تماما على حل أدنى مشكلة وهي رهينة التجاذبات السياسية الداخلية ومرهونة للتوافقات الحزبية.

وقال الشاتي في تصريحات خاصة لـ"الاستقلال": "إن الوزراء يدركون بأن الحكومة لا تتمتع بغطاء دولي ومحكوم عليها بالفشل". وأضاف: "هذه نتائج زيارة ماكرون وكلامه عن نظام سياسي جديد أو عقد سياسي جديد وإعطاء الطبقة السياسية فرصة حتى الأول من سبتمبر/أيلول 2020، واجتماعه بالطبقة السياسية في البلاد".

وعبر الشاتي عن اعتقاده بأن زيارة ماكرون إلى بيروت "رفعت الغطاء السياسي الدولي عن الحكومة اللبنانية"، مؤكدا "وجود مناخ دولي لتغيير الحكومة والذهاب نحو انتخابات نيابية مبكرة، وأنه لولا هذا المناخ لما تحدث حسان دياب رئيس الحكومة عن هذا الطرح".

وفي كلمة له عقب الاحتجاجات قال رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب: إنه سيطرح مشروع قانون لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، بهدف تنفيذ إصلاحات سياسية جذرية في البلاد خلال جلسة مجلس الوزراء المقرر عقدها الاثنين 10 أغسطس/ آب 2020.

وأكد في تصريحاته أنه لن تكون هناك مظلة سياسية تحمي المتورطين في انفجار مرفأ بيروت وشدد على وجوب خضوع كل المسؤولين للتحقيق في انفجار بيروت.

كما طالب الناشط السياسي مروان سلام في تغريدة له على تويتر نواب البرلمان بالاستقالة مؤكدا أنه لا معنى للاستقالة بعد ذلك.

تفاقم الأزمة

أما رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة فاعتبر في تصريحات لقناة فرانس 24 أن الخسائر المادية الهائلة التي خلفها تفجير المرفأ أدت إلى تفاقم الأزمة التي كانت تتعاظم في لبنان وهي فقدان الثقة بين اللبنانيين وحكومتهم ورئيس الجمهورية.

وأكد السنيورة أيضا على فقدان المجتمعين العربي والدولي الثقة في الدولة اللبنانية والحكومة، نتيجة الاستعصاء والامتناع عن القيام بالإصلاحات ما أدى إلى عدد من العوامل التي أدت إلى هذا الانهيار في الثقة بالدولة اللبنانية وكذلك انهيار الأوضاع المعيشية.

وأوضح أن الفساد في لبنان هو فساد سياسي عبر من يريدون أن يستتبعوا الدولة اللبنانية لخدمة مصالحهم وزيادة شعبيتهم إضافة إلى الأغراض المالية. 

وأضاف السنيورة: "الأحزاب الطائفية والمذهبية والمليشيات وحزب الله كل يحاول أن يأخذ إقطاعا معينا بوزارة أو بإدارة معينة وأصبح ولاء هؤلاء الموظفين للسياسيين والأحزاب، وبالتالي شهدنا كيف بدأت الدولة اللبنانية تتشرذم". 

وتابع: "لبنان خلال الـ 12 سنة الماضية لجأ إلى أسلوب ما يسمى بحكومات الوحدة الوطنية، وانتهى المطاف إلى حكومات تمارس فيها الأحزاب دور الفتوات المتبادلة، ما أدى إلى ترسيخ ما يسمى المستعمرات المختلفة بكافة الأحزاب الطائفية والمذهبية".

السنيورة ختم حديثه بالقول: "من يحترم نفسه ويشاهد المتظاهرين ويستمع إلى الناس يقدم استقالته".

ضغوط داخلية 

برزت على الساحة اللبنانية العديد من الأسئلة بعد انفجار بيروت كان أهمها هو السؤال حول مدى إمكانية استمرار الحكومة الحالية وهل تستطيع أن تستمر رغم المظاهرات العارمة المستمرة في الشارع اللبناني؟.

تواجه الحكومة الحالية ضغوطا داخلية تتمثل في الشارع الذي خرج رافضا لها وأخرى خارجية من الدول المانحة من أجل تغيير المنظومة الحاكمة. 

الصحفي اللبناني مجاهد الشاتي أكد في تصريحاته للاستقلال أن استجابة الحكومة لضغط الشارع مرهون بموقف حزب الله اللبناني حيث وصفه بأنه "صاحب الكلمة العليا في هذا الشأن ومدى استجابته للضغوط الداخلية والخارجية".

وأضاف: "أعتقد أن زيارة ماكرون ولقاءه برئيس كتلة حزب الله داخل البرلمان ومن ثم كلام ماكرون مع ترامب لتخفيف الضغط على لبنان يشير إلى الاتجاه الإيجابي بهذا الملف، وربما يكون هناك تفاهمات فرنسية أميركية إيرانية بالملف اللبناني تفضي إلى انتخابات مبكرة وحكومة جديدة".

وأشار الشاتي إلى وجود توافق أميركي فرنسي تمثل باتصال ترامب وماكرون مع احتمال وجود موافقة تركية من أجل الذهاب إلى تغيير الحكومة مع انتخابات نيابية مبكرة كمقدمة لإعادة الإعمار ومساعدة لبنان في أزمته الاقتصادية.

وفي نهاية حديثه قال الشاتي: "أعتقد أنه في نهاية المطاف سنكون أمام مشهد سياسي جديد، وأرجح انتخابات مبكرة وحكومة جديدة، لكن لن يتغير الموضوع كثيرا، بل ستعود هذه الأحزاب للحكم من جديد، إلا بتغييرات طفيفة تكون من المجتمع المدني".

إصلاحات واسعة

تتداخل المصالح اللبنانية مع العديد من الدول الداعمة ومن خلال ذلك الدعم تمارس هذه الدول ضغوطا غير مباشرة ومباشرة على النظام اللبناني من أجل إجراء إصلاحات واسعة تلبي طموحات الشعب.

فمثلا أعلنت الحكومة الكندية أنها ستوجه دعما قدره 5 ملايين دولار كمساعدات إنسانية للمنظمات الإنسانية التي وصفتها بالموثوقة وقالت إنها لن تقدم دعما للحكومة اللبنانية. 

وأعلنت الحكومة الفيدرالية، الكندية أن من بين تلك المساعدات سيتم توجيه مليون ونصف المليون دولار للصليب الأحمر اللبناني لتقديم الخدمات الطبية الطارئة ومأوى وطعام للمتضررين من انفجار مرفأ بيروت. 

وفي البيان الختامي لمؤتمر الدول المانحة الذي عقد 9 أغسطس/آب 2020، عبر الدوائر التلفزيونية، شددت هذه الدول على أن المساعدات الموجهة للبنان يجب أن توجه بشكل مباشر إلى الشعب وضمن إطار الشفافية. 

وتعكس القرارات التي اتخذتها الدول المانحة وكندا وغيرها من الدول عدم الثقة الواضحة في النظام اللبناني والدعوة لتغيير هذا النظام.

كما أشار البيان الختامي الصادر عن 30 دولة شاركت في المؤتمر إلى التوافق على وجوب أن تكون المساعدات منسقة في شكل جيد برعاية الأمم المتحدة، وأعلنت فرنسا أن المساعدات العاجلة التي تعهد بها المشاركون في المؤتمر تجاوزت 250 مليون يورو. 

تحقيق دولي

لم تتوقف المطالبات بفتح تحقيق دولي سواء من داخل لبنان أو خارجه، حيث طالب المتظاهرون وعدد من الأحزاب السياسية اللبنانية بإجراء تحقيق دولي شفاف ومستقل في انفجار بيروت لمحاسبة المسؤولين عنه وضمان تعويض الضحايا وتحقيق إصلاح سياسي.

رئيس الوزراء السابق سعد الحريري من بين أبرز الشخصيات اللبنانية التي طالبت بتحقيق دولي معلنا ذلك في بيان عقب اجتماع كتلة المستقبل النيابية والمكتب السياسي والمجلس التنفيذي لتيار المستقبل.

وقال البيان: "كي يصل اللبنانيون إلى تحقيق شفاف على هذا المستوى لا بد من طلب مشاركة دولية وخبراء دوليين ولجان متخصصة قادرة على كشف الحقيقة وتحقيق العدالة لبيروت وأهلها".

كما طالب الحريري الأمم المتحدة والجامعة العربية بتشكيل لجنة تحقيق دولية أو عربية لكشف ملابسات الكارثة.

لكن الرئيس اللبناني ميشال عون، رفض تلك الدعوات وقال: إن الهدف من إجراء تحقيق دولي هو إضاعة الوقت وطالب القضاء المحلي بتسريع التحقيق والتأكد من المتسبب في الانفجار.

تصريحات عون جاءت قبل ساعات من عقد مؤتمر المانحين الذي اشترط إجراء تحقيق دولي موسع حول الحادث من أجل توجيه دعم واسع للبنان، وأكدت عدد من هذه الدول استعدادها للمساعدة والمشاركة في هذا التحقيق ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.

كما دعت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى إجراء تحقيق دولي وأكدت على ضرورة استعجال المساعدات للمتضررين من الانفجار المروع الذي راح ضحيته 158 شخصا على الأقل وأكثر من 6 آلاف جريح وألحق أضرارا بالمستشفيات والمنازل والمؤسسات التجارية والبنية التحتية.