تنحي براين هوك عن ملف إيران.. رسالة طمأنة أم رغبة في التصعيد؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أبدت طهران تفاعلا كبيرا مع الاستقالة المفاجئة للمبعوث الأميركي إلى إيران براين هوك، ولاسيما أنها جاءت في وقت حساس للغاية يسبق انتخابات الرئاسة الأميركية، وتتزامن مع حشد واشنطن التأييد في الأمم المتحدة لتمديد حظر أسلحة مفروض على إيران.

هوك الذي كان يقود خط الرئيس ترامب المتشدد تجاه طهران، فاجأ الجميع بتنحيه من منصبه في 6 أغسطس/ آب 2020، كونه يُعد من أقوى الشخصيات الجمهورية بالخارجية الأميركية، والذي "أنجز نتائج تاريخية في التصدي للنظام الإيراني"، وفقا للوزير مايك بومبيو.

وفي معرض إشادته بالمبعوث الأميركي المستقيل، قال بومبيو في بيان: إن "هوك فاز بالإفراج عن الأسيرين الأميركيين اللذين احتجزتهما إيران، مايكل وايت وشيو وانغ. لقد كان مستشارا موثوقا لي وصديقا جيدا".

استقالة هوك المفاجئة، أثارت تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء الاستقالة المفاجئة؟ وما هي دلالات هذه الخطوة لأحد المسؤولين المؤيدين لمعاقبة طهران؟ وهل من تداعيات رحيل هوك على الملف الإيراني في هذا التوقيت؟.

رسالة طمأنة

تفسيرا لتلك التساؤلات، ربط الكاتب حازم عياد في مقاله بصحيفة "السبيل" الأردنية في 8 أغسطس/آب 2020، استقالة براين هوك وتعيين إليوت أبرامز مسؤولا جديدا للملف الإيراني، مع الوعد الانتخابي الذي قدمه مباشرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قوامه توقيع اتفاق جديد مع إيران وكوريا الشمالية في حال أعيد انتخابه رئيسا للبلاد.

عياد قال في مقاله: إن "وعد ترامب يطرح تساؤلا حول طبيعة الرسالة المقدمة من ترامب: هل هي موجهة فعلا إلى الجمهور الأميركي، أم إنها محاولة للتغطية على الأسباب الحقيقية لاستقالة هوك، أم إنها رسالة طمأنة لإيران بعد تعيين الصقوري إليوت أبرامز مسؤولا عن الملف؟".

ورأى الكاتب أن "دوافع الاستقالة ستبقى غامضة، ويزيدها غموضا وتعقيدا تولي أبرامز مسؤول ملف فنزويلا الحالي للملف الإيراني ليجمع بين ملفين زاد الترابط بينهما بكسر إيران حظر العقوبات على فنزويلا ونقل شحنات من النفط ومشتقاته إلى كاركاس".

الأكثر إثارة، بحسب عياد، أن استقالة براين هوك جاءت بعد أسابيع من الهجوم الغامض على منشأة نطنز النووية، وبعد سلسلة الحوادث الغامضة في إيران، ليتولى أبرامز المعروف بنزعته الصقورية للتدخل في العراق سابقا، نزعة عاد واختبرها مجددا في فنزويلا بمحاولة تنفيذ عمليات واسعة فاشلة قوامها الإطاحة برئيس الجمهورية نيكولاس مادورو، أحبطها الجيش الفنزويلي مؤخرا.

وتابع: "فإذا كان هوك ناجحا في أدائه (اغتيال سليماني، وتفجير نطنز): لماذا يستعان بشخص واجه الفشل في فنزويلا، أم أن إبرامز كان المدير الفعلي لملف إيران، وهوك كان مجرد واجهة أراد هوك التخلص من إرثها قبل فوات الأوان، ورحيل الرئيس ترامب، إذ تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة تراجعا كبيرا في شعبيته".

من جهتها، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" في 6 أغسطس/ آب 2020: إن "رحيل هوك، يبدو أنه يدفن أي فرصة متبقية لمبادرة دبلوماسية مع إيران قبل نهاية ولاية ترامب".

وأوضحت أنه "في السنوات الأربع التي أصبح خلالها هوك وجه عقوبات الولايات المتحدة ضد طهران، لكنه أشار أيضا إلى إمكانية استئناف المحادثات المباشرة، بالطريقة التي اتبعتها إدارة أوباما".

وتابعت الصحيفة الأميركية: "لكن بالنسبة للإيرانيين - وإلى بعض منتقديه في أوروبا وفي الداخل - كان هوك مجرد مدافع عن سياسة تهدف إلى كسر البلاد وإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإعادة التفاوض على صفقة توصلوا إليها والامتثال لها، مع إدارة أوباما في عام 2015".

دلالات وتداعيات

وبخصوص دلالات استقالة المسؤول الأميركي في هذا التوقيت الحساس، أرجع الكاتب الإيراني صابر كل عنبري في مقاله بصحيفة "عربي21" في 8 أغسطس/ آب 2020، الدوافع إلى 3 احتمالات: أولها أن هوك يتوقع خسارة ترامب الانتخابات المقبلة.

وأضاف عنبري: "بالنظر إلى أن إستراتيجيته ضد إيران لم تحقق أهدافها في إجبارها على الجلوس إلى طاولة التفاوض، والتوصل إلى اتفاق شامل بديلا للاتفاق النووي بشروط أميركية، رغم أنها خلقت مصاعب اقتصادية كبيرة لإيران، لذلك يحاول هوك استباق تلك الخسارة الانتخابية، تهربا من تحميله مسؤولية الفشل في تحقيق أهداف إستراتيجية أقصى ضغط".

أما الاحتمال الثاني، بحسب الكاتب، فهو ما أشارت إليه صحيفة "واشنطن بوست" في عددها الصادر الجمعة 7 أغسطس/ آب 2020، إذ عزت الاستقالة إلى ضغوط رجال في البيت الأبيض لإقالته بغية تحميله مسؤولية إخفاق الإستراتيجية الأميركية في تحقيق أهدافها المرجوة، وفي المقابل كانت النتيجة هي تخلي طهران عن تعهدات نووية وكسر قيود فرضت على برنامجها النووي بموجب الاتفاق النووي، بحسب الصحيفة.

وفي الاحتمال الثالث، رأى الكاتب أنه "مسعى ترامب لتصعيد التوتر مع طهران والانتقال إلى مرحلة جديدة من إستراتيجية الضغط الأقصى قد تتخذ طابعا أمنيا، وما يعزز هذا الاحتمال هو هوية من خلف هوك في المنصب، حيث أعلن وزير الخارجية الأميركي تعيين إليوت أبرامز في مكانه، الذي كان من مهندسي الحرب على العراق عام 2003، وحاليا يتولى مهمة المبعوث الأميركي لفنزويلا".

وفي السياق ذاته، رأى الباحث في الشأن الإيراني محمد صالح صدقيان أن "إقالة براين هوك لا يمكن تفسيرها، إلا أنه فشل في مهمته مع جون بولتون ومايك بومبيو، لاعتقادهما أن مثل هذه الضغوط الاقتصادية الكبيرة على إيران سترغم طهران على رفع الراية البيضاء خلال 3 أو 6 أشهر على أكثر تقدير، لكن هذا الأمر لم يحدث".

وأصاف صدقيان خلال مقابلة تلفزيونية في 7 أغسطس/ آب 2020: أنه "الآن أقيل هوك من منصبه وجيء بشخص آخر أكثر تمرنا وتمرسا وأكبر عمرا في سلك الدبلوماسية الأميركية، لذلك أنا أعتقد أن مجرد الإقالة والإتيان بشخص آخر، ليس في صالح الولايات المتحدة، ولا أعتقد أمام المبعوث الجديد الكثير من الفرص".

وأوضح الباحث أن "الإقالة تحمل رسالة أميركية لإيران مفادها بأننا أزحنا شخصا وأتينا بآخر أكثر تمرسا يمكن أن تتعاونوا معه من أجل الجلوس على طاولة مفاوضات خصوصا وأن الولايات المتحدة أمامها استحقاقان، الأول: هو موضوع تمديد حظر الأسلحة على إيران، والثاني: الانتخابات الرئاسية الأميركية".

ورأى صدقيان أن "فرص زيادة العقوبات الأميركية على إيران بعد تعيين مبعوث جديد أعتقد أنها غير موجودة، لأن كل العقوبات فرضت على إيران حتى على الغذاء والدواء، وبالتالي أعتقد أن شيئا سيتغير، إلا إذا كانت هناك إدارة أفضل من إدارة براين هوك".

"وزير الحروب"

وفي المقابل، رأى تقارير صحيفة أنه أيا تكن أسباب استقالة براين هوك، فإن الأهم هو تعيين إليوت أبرامز، كونه أحد صقور المحافظين الجدد، ومنحدر من عائلة يهودية، ولديه تاريخ حافل من التورط في حروب الولايات المتحدة وانقلاباتها منذ عهد رونالد ريغان في الثمانينيات وصولا إلى اليوم.

وأشارت صحيفة "الأخبار" اللبنانية التابعة لحزب الله إلى أن "تعيين وزير خارجية "الحروب القذرة"، كما يصفه البعض، دق ناقوس الخطر في فنزويلا، نظرا إلى تاريخه الحافل في تأييد الحروب والانقلابات في أميركا الوسطى وأميركا الجنوبية والعراق وغيرها".

وتابعت: "بالفعل شهد ملف فنزويلا، في العام ونصف العام من إدارة الدبلوماسي المتطرف، تصعيدا خطيرا ضد نظام نيكولاس مادورو، استخدمت فيه مختلف الوسائل القذرة للضغط، أمنيا وإعلاميا واقتصاديا، على كاراكاس".

وأشارت الصحيفة إلى أنه "في توقيت حساس، لا تزال فيه الحملة الأميركية ضد إيران على أشدها، بل وتتصاعد في ظل الأعمال الأمنية الغامضة التي تشهدها إيران، وتتداخل الرهانات المتناقضة على الانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة، وينظر إلى تعيين أبرامز على أنه ميل لواشنطن نحو تصعيد أكبر ضد طهران، وتعزيزا للصقور من حزب الحرب الذين يتقدمهم مايك بومبيو".

وعلى صعيد الدبلوماسية الإيرانية، أكد المتحدث باسم ممثلية إيران لدى الأمم المتحدة، علي رضا میر يوسفي، أن بلاده لا تعتبر استقالة المبعوث الأميركي الخاص لإيران، براين هوك، تغييرا في نهج واشنطن تجاه طهران.

وقال میر يوسفي خلال تصريحات صحفية في 7 أغسطس/آب 2020: "رحيل هوك لا يزعجنا، وليس شيئا نعتبره تغييرا في اللعبة السياسية". وأضاف: "فشلت حملة الضغط الأقصى المزعومة من الحكومة الأميركية، وإيران لم تركع ولن تفعل ذلك مهما كان المسؤول عن تنفيذ هذه السياسة الفاشلة".

واتساقا مع ذلك، علق أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني على تنحي المبعوث الأميركي الخاص بإيران براين هوك من منصبه بأن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو "سيلملم حقائبه".

وفي تغريدة عبر تويتر، أضاف شمخاني: أن "براين هوك أيضا كجون بولتون خرج من البيت الأبيض. ربما مايك بومبيو أيضا سيضطر إلى لملمة حقائبه قبل رحيل دونالد ترامب".

من جهته، غرد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي بتويتر قائلا: "لا فرق بين جون بولتون وبراين هوك وإليوت أبرامز، عندما تكون السياسة الأميركية تجاه إيران هي المقياس". وأضاف: "السلطات الأميركية تلتقط لقمة أكبر من فمها. بالنسبة لمايك بومبيو ودونالد ترامب أيضا، الأمر كذلك".

ومثل ذلك، قال محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني: "الإشارات التي تصلنا من البلدان الأوروبية والآسيوية ودول أخرى، هي أن العقوبات (المفروضة على إيران) تعيش أيامها الأخيرة".

وأردف: "هؤلاء يعلمون أنهم لم يحققوا أيا من أهدافهم، سواء الأهداف السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية. ولأنهم لم يحققوا أيا منها، لذلك هناك بعض الشواهد التي تشير إلى أن الوضع في الأيام والأشهر المقبلة سيكون أفضل بكثير".