مسجد بابري التاريخي.. كيف انتزعه الهندوس من المسلمين لبناء معبد؟

عبدالرحمن محمد | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

وسط أجواء يسيطر عليها لون الزعفران (المقدس عند الهندوس) قام رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، في 5 أغسطس/ آب 2020، بوضع حجر الأساس لمعبد هندوسي يقام على أنقاض مسجد "بابري" التاريخي في مدينة أيوديا شمالي البلاد، ليبدأ بذلك فصل جديد في سلسلة صراعات أهلية دامت عقودا من الزمن.

توقيت الحدث وتفاصيله أثارت شجونا لدى قطاعات واسعة من المسلمين على المستويين الداخلي والدولي، إذ قفزت إلى الأذهان تلك الأحداث المؤسفة التي راح ضحيتها الآلاف على خلفية الصراع على الموقع المقدس، وخصوصا تلك الفاجعة التي راح ضحيتها ما يقرب من 2000 مسلم، أثناء اقتحام متشددين هندوس لحرم المسجد، قبل ما يقرب من 28 عاما.

نشوة الانتصار

استحوذ رئيس الوزراء الهندي على اهتمام الصحافة العالمية أثناء أداءه الطقوس الهندوسية ضمن مراسم وضع حجر الأساس للمعبد، حيث قدم الماء المقدس، ولبس عمامة زعفرانية اللون، وقام بالركوع أمام صورة للآلهة، كما اختار وقتا مقدسا لدى طائفته (في تمام الساعة 12.55 مساء)، يوم الأربعاء 5 أغسطس/ آب 2020.

من جانبها، قالت صحيفة نيويورك تايمز: إن "مودي قام بتلك المراسم بصحبة بعض القوميين الهندوس الأكثر دفاعا عن ذلك التوجه في البلاد"، ومن بينهم أشخاص نافذون كانوا مشاركين في أحداث هدم المسجد التاريخي عام 1992.

ونقلت الصحيفة إعلان مودي عن "انتهاء الانتظار الطويل الذي استمر قرونا"، مشيرة إلى أن لحظة انتصار رئيس الوزراء الهندي تصطدم بواقع أليم، يتمثل في الضربات القوية التي تسبب فيها فيروس كورونا للهند، حيث تتزايد أعداد المصابين بالعدوى أكثر من أي دولة أخرى باستثناء الولايات المتحدة والبرازيل.

وذكرت "نيويورك تايمز" أن الاقتصاد الهندي سقط في هوة بئر لا قرار لها، إذ يتوقع الاقتصاديون فقدان أكثر من 100 مليون هندي وظائفهم بسبب قرارات الإغلاق المفروضة بسبب انتشار الفيروس، كما أقروا باحتمالية انكماش الاقتصاد بنحو 10%، ما يدفع بالملايين إلى العودة إلى مستنقع الفقر.

ونقلت الصحيفة عن المعلقة السياسية أراتي جيراث، قولها: "الحفل الضخم الذي أقيم لتلك المناسبة يرمز إلى هيمنة السيد مودي الكاملة على الهند"، مضيفة: أن "المقصود إظهار أن رئيس الوزراء وحزبه يبنيان دولة هندوسية، وأن الهند دولة ذات أغلبية هندوسية، وليس الهند النهروية – إشارة إلى الزعيم التاريخي جواهر لال نهرو- العلمانية التي عرفناها طيلة الأعوام الماضية".

 

مسجد تاريخي

بناء على أوامر أول إمبراطور مغولي مسلم حكم الهند، ظهير الدين بابر، بني مسجد بابري عام 152 على هضبة راماكوت في مدينة أيوديا شمال الهند، ويعد واحدا من أكبر المساجد في ولاية أوتار براديش.

واحتوت أجزاء كبيرة من المسجد على نقوش عربية وفارسية تدل على تاريخ المسجد، لكن الهندوس يعتقدون أنه أقيم على مسقط رأس إلههم "راما"، وأن الإمبراطور المغولي هدم معبدا هندوسيا كان قائما على المكان وقتها، لكن علماء التاريخ الهنود لم يستطيعوا إثبات ذلك بشكل قاطع حتى الآن، بحسب مصادر تاريخية.

ظل المسلمون في مدينة أيوديا يصلون في هذا المسجد من دون انقطاع لأربعة قرون إلى أن بدأت المشاكل للمرة الأولى عام 1855 خلال عهد الأمير "واجد علي شاه" حاكم إقليم أوده، حين ادعى الهندوس للمرة الأولى أن جزءا من فناء المسجد يحتوي على المكان الذي ولد فيه الإله الهندوسي راما.

اعتداء هندوسي

كانت النقطة الفاصلة في تاريخ الصراع الإسلامي- الهندوسي حول موقع مسجد بابري، يوم 6 ديسمبر/ كانون الأول 1992، حيث أقدم أكثر من 15 ألفا من المتعصبين الهندوس من أنصار حزب بهاراتيا جاناتا على هدم المسجد على مرأى ومسمع من الحكومة الهندية.

ما لبثت أن تحولت عملية الهدم إلى مصادمات عنيفة قتل وأصيب فيها العشرات من المسلمين الذين تمسكوا بإعادة بنائه والوقوف في وجه الاعتداءات الهندوسية التي تسعى لإقامة معبد الإله "راما" على أنقاض المسجد.

لم تكن تلك أول الاعتداءات، فحسب مصادر تاريخية، فإن بداية الاعتداءات على مسجد بابري، تعود إلى ما يزيد عن 70 عاما، حيث قامت مجموعة من الهندوس يقدر عددهم بنحو 60 شخصا، في 22 ديسمبر/ كانون الأول 1949، بالهجوم على المسجد ووضع تماثيل لـ"إلههم المقدس"، وادعوا لاحقا أن الأصنام ظهرت بنفسها في مكان ولادته، ما اضطر الشرطة إلى إغلاق المسجد ووضعه تحت الحراسة لكونه محل نزاع طائفي.

وفي 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 1984، سمح رئيس وزراء الهند السابق، راجيف غاندي، للهندوس بوضع حجر أساس لمعبد في ساحة المسجد، وتبع هذا حكم صادر بمحكمة فايزباد بتاريخ 1 فبراير/ شباط 1986، إذ سمح فيه بفتح أبواب المسجد للهندوس، وإقامة شعائرهم فيه.

 

تقاعس حكومي

بحسب صحيفة إنديا تايمز، وصحيفة ذا دون، فإن موقف الحكومة الهندية اتسم بقدر كبير من التناقض والضعف في أعقاب الأحداث الدامية بين المسلمين والهندوس بعد هدم مسجد بابري، حيث شجعت تصرفاتها كثيرا من المتطرفين الهندوس على المضي قدما في ترتيبات هدم المسجد.

وكان آلاف الهندوس يرددون أهازيج الانتصار معلنين العزم على البدء في بناء معبد هندوسي مكان المسجد، ومرددين بأنه قد آن الأوان لخروج المسلمين من الهند، في الوقت الذي التزم فيه المسلمون منازلهم في المدينة، أو غادروها فرارا من بطش الهندوس، الذين قتلوا ما يزيد على 2000 مسلم في تلك الأحداث.

من جانبها، تقاعست الحكومات الهندية المتعاقبة عن تنفيذ وعودها للمسلمين بإعادة بناء المسجد، حيث لاحظ مراقبون تواطؤا من قبل رئيس الوزراء السابق ايتال بيهاري فاجبايي، الذي صرح في أواخر عام 2000، بأن "بناء المعبد الهندوسي مكان مسجد بابري يأتي تعبيرا عن الأماني القومية، ليتراجع عن تصريحاته تلك بعد ضغوط شعبية تعرض لها.

ثلث وثلثين

خاض مسلمو الهند نزاعا قضائيا طويلا للمطالبة بإعادة بناء المسجد بعد هدمه على يد متطرفين هندوس، لكن محكمة هندية قضت في سبتمبر/ أيلول 2010، بتقسيم موقع المسجد إلى 3 أقسام، ثلث للمسلمين، وثلثين للهندوس.

وحسب وكالة الأناضول، فإن محكمة مدينة "الله آباد" العليا في لوكنو، اقترحت على جميع الأطراف حل القضية من خلال نقاش ودي، ولم يلق أية استجابة، حيث قامت المحكمة بعد ذلك بتقسيم الأرض المتنازع عليها إلى ثلثين للجماعات الهندوسية المختلفة، وثلث لمجلس الأوقاف الإسلامي، وقامت جميع الأطراف بالطعن على القرار في المحكمة العليا المركزية.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، اتهم تقرير حكومي تم تسريبه للبرلمان، زعماء من المعارضة الهندوسية بلعب دور في تدمير مسجد بابري، وجاء فيه أن زعماء حزب بهاراتيا جاناتا، لعبوا دورا في التخطيط لتدمير المسجد، وجاء من بين الأسماء الواردة في التقرير، رئيس الوزراء السابق فاجبايي.

وفي عام 2011، أيدت تلك المحكمة حكم نظيرتها في مدينة "الله آباد"، بشأن تقسيم الأرض المتنازع عليها، واستعادة الوضع الراهن آنذاك.

حكم بالأحقية

في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، قضت المحكمة العليا في الهند بأحقية الهندوس في موقع مسجد بابري التاريخي، بعد صراع دام عشرات السنين، بحسب رويترز.

وبعد إعلان قرار المحكمة أطلق الهندوس ألعابا نارية في مدينة أيوديا، ابتهاجا بالحكم القضائي، في ظل انتشار كثيف لقوات الأمن والشرطة، منعا لوقوع اضطرابات.

ونقلت رويترز وقتها تصريحات رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، الذي قال: إن "قرار المحكمة العليا اليوم أعطى الأمة رسالة مفادها أن أصعب المشكلات تقع في نطاق الدستور وضمن حدود النظام القضائي" داعيا إلى "هند جديدة" خالية من الكراهية، على حد تعبيره.

"بابري" جديد

في منشور على منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، يتساءل الأستاذ بالجامعة الإسلامية دار العلوم في الهند، محمد نوشاد النوري القاسمي، عن مصير مسجد "غيان وابي" في مدينة وارانسي، وهل سيكون "البابري" الثاني.

ويقول القاسمي: إن "المسجد فخم، يتعرض لما تعرض له المسجد البابري الشهير، من تهديدات المتعصبين من الهندوس" مشيرا إلى أن المسجد بناه الملك المغولي "أورنغ زيب عالم غير" عام 1669م، بجانب المعبد الهندوسي، ولكن المتطرفين من الهندوس يزعمون أنه هدم المعبد وأقام المسجد على أنقاضه.

وأكد القاسمي أن "المسجد قد تم هدم بعض أجزائه"، مضيفا أن قضيته مرفوعة أمام المحكمة الإقليمية، ثم رفعت إلى المحكمة العليا، التي أصدرت أحكاما سابقة بشأن مسجد بابري.

ويتساءل القاسمي عمن سيقرر مصير المسجد، "أهو الإرهاب القانوني المحكمي أم الإرهاب الغوغائي"، بحسب تعبيره.