الخلافات تحتدم بين شيوعيي السودان وعسكره.. تحالف صلب أم سقوط مرتقب؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الخلافات تحتدم وتتصاعد بين شركاء السلطة في السودان، قادة العسكر والتيار الشيوعي، فالأخير يطمح إلى إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وإحكام سيطرته على السلطة خلال الفترة الانتقالية.

هذه الخلافات المستمرة تمس ملفات مفصلية، وتهدد المرحلة الانتقالية التي بدأت في 21 أغسطس/ آب 2019، ومن المفترض أن تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير (أغلبه من اليسار)"، قائد الاحتجاجات الشعبية.

السؤال المطروح الذي يفرض نفسه الآن وبقوة على الساحة السودانية، هل الضغط الذي يمارسه المكون الشيوعي على الجيش، سيؤدي إلى اكتمال هذه المرحلة والوصول إلى الهدف المحدد، أم سينتهي بانقلاب عسكري جديد؟.

المتتبع لتاريخ السودان الحديث، يجد أنه رزح تحت ظل أنظمة عسكرية أكثر مما عاشه في ظل حكومات مدنية، إذ لم يستمر السودان بحكومة مدنية أكثر من بضعة أعوام، وغالبا ما تنتهي باضطرابات، ونزاعات سياسية تؤدي إلى عدم استقرار، ما يستدعي تدخل الجيش.

للصبر حدود

في الآونة الأخيرة تصاعدت حدة الخلافات والإهانات بين عناصر شعبية على رأسهم ناشطون شيوعيون، والجيش السوداني، ووصل الأمر في منتصف يوليو/ تموز 2020، لتعلن المؤسسة العسكرية، أنها بصدد اتخاذ إجراءات قانونية بحق الصحفيين والناشطين الذين يوجهون "إهانات" تطال المؤسسة العسكرية.

الجيش قال في بيانه: إنه "تم رصد عدد من المخالفات والإساءات بحق القوات المسلحة التي باشرت فتح بلاغات مع النيابات المتخصصة".

وشدد البيان العسكري أن "الإجراءات اتخذت بعد تجاوز الإساءات والاتهامات الممنهجة حدود الصبر، وهي ضمن مخطط يستهدف جيش البلاد ومنظومته الأمنية".

بيان الجيش سبقه بيان الحزب الشيوعي على موقعه الرسمي بعنوان "الوحدة النضالية واليقظة والحذر شعار الساعة"، وجه من خلاله رسالة إلى المجلس العسكري.

نص البيان على "حلقات التآمر (اللعين) حيث تتحرك أطراف كانت في صف المعارضة داعية إلى تحالف جديد يستند على الطائفية وجماعة الإخوان المسلمين وفتح الطريق لمجموعات من داخل القوات النظامية لبناء جبهة سياسية عسكرية لوأد الثورة".

وسبق وأن كشفت صحيفة لوموند الفرنسية في أبريل/ نيسان 2020، عن خشية فصائل وبعض أعضاء تجمع المهنيين السودانيين من تحركات المجلس العسكري، الذي رأت أنه يهدف من خلال وجود بعض الموالين للنظام السابق والإسلاميين إلى موازنة تأثير ممثلي المتظاهرين وخلق انطباع بوجود فوضى ديمقراطية، يمكن للجيش الاستفادة منها مستقبلا من أجل التمسك بالسلطة.

في فبراير/ شباط 2020، دعا الجيش السوداني الصحافة إلى تعزيز ثقة المواطنين فيه، وطالبها بمراعاة "مهددات الأمن القومي"، وذلك على خلفية حملات صحفية شنتها صحف اليسار، اتهمت فيها القوات المسلحة بالتمهيد لانقلاب عسكري، ومحاولة إفشال السلطة القائمة والمرحلة الانتقالية.

حينها قال الناطق باسم الجيش العميد عامر الحسن: "يجب على تلك الصحف العمل على تعزيز الثقة بين الجيش والمواطنين"، مؤكدا أن "القوات المسلحة الآن أقرب إلى الشعب من أي وقت مضى".

خرج بعدها الفريق محمد حمدان حميدتي نائب رئيس المجلس السيادي، ليقول: إنه "لا توجد أي فرصة لحدوث انقلاب عسكري لأن الجيش يحمي الديمقراطية بنفسه".

أحداث فبراير

تمثل أحداث 20 فبراير/ شباط 2020، أبرز مراحل الخلاف بين اليسار والشيوعيين من جهة والمجلس العسكري من جهة أخرى، وذلك بعد أن اندلعت مظاهرات في الخرطوم يقودها الشيوعيون تندد بإقالة عدد من ضباط الجيش الذين انحازوا إلى الثورة في الأيام الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير.

وكان من بين الضباط المقالين، المفتش العام للجيش الفريق عبد الله المَطري، ومحمد صديق "الذي تصدى للشرطة لمنعها من فض الاعتصام أمام القيادة العامة". 

في ذلك اليوم، صب اليسار السوداني جام غضبه على قيادات الجيش، وطالب المتظاهرون بإعادة هيكلة القوات المسلحة وإقالة قائد الشرطة ووزير الداخلية، وإزالة عناصر النظام السابق من صفوفها، وتفكيك المليشيات، وبناء جيش وطني قومي، وإعادة كل الضباط المستبعدين من الخدمة العسكرية.

سرعان ما اتجهت المظاهرات صوب القصر الجمهوري، وهتف المتظاهرون ضد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان واتهموه بالعمل على تصفية الثورة.

ومع ازدياد خطورة الأوضاع استخدمت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع والعصي لتفريق آلاف المحتجين، وأدى التدخل العنيف إلى سقوط عدد من المصابين.

وذكرت لجنة "أطباء السودان" التابعة لليسار، أن 17 شخصا على الأقل أصيبوا في الاشتباكات، موضحة أن كثيرا منهم أصيبوا بقنابل الغاز، وأن أحد المصابين تلقى عيارا ناريا بينما أصيب آخر برصاصة مطاطية.

وفي نفس التوقيت أصدر تجمع المهنيين، بيانا أدان فيه ما وصفه بـ"الاستخدام المفرط للعنف والقمع ضد المواكب المليونية السلمية المطالبة بإعادة هيكلة القوات المسلحة".

أبعاد الخلاف

طرح اليسار حول إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، يمثل الحاجز الأكبر بين الشيوعيين وغيرهم من ممثلي قوى الثورة من جهة، والمجلس العسكري الذي يقود شراكة المرحلة الانتقالية مع قوى الحرية والتغيير، من جهة أخرى. 

في 30 يونيو/ حزيران 2020، في إطار المليونية الضخمة لفئات وقوى سياسية متعددة من سائر الشعب، طالب الحزب الشيوعي بشكل واضح بضرورة إقالة الولاة (المحافظين) العسكريين، وتكليف ولاة مدنيين، وتشكيل المجلس التشريعي ومجالس الولايات والمفوضيات فورا، وإنفاذا للوثيقة الدستورية".

جاءت الدعوة للمليونية من تجمع المهنيين السودانيين (قائد الحراك الاحتجاجي)، في البلاد، لتحقيق ما أطلقوا عليه استكمال هياكل السلطة الانتقالية، وإصلاح قوى الثورة، وإعادة هيكلة القوات النظامية. 

أما الخلاف الأكبر بين اليسار والجيش، فيتعلق بقوات الدعم السريع نفسها، ودورها في المرحلة الانتقالية القائمة، وهو ما عبر عنه بوضوح الباحث بمركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط سامويل راني، في تقرير بعنوان "حرب العصابات في السودان"، بتاريخ 20 فبراير/ شباط 2020.

راني قال: "رغم أن رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يصر على أن الجيش السوداني استعاد السيطرة التامة على جهاز المخابرات، لكن لا تزال قوات الدعم السريع تعرقل المسار السوداني نحو الديمقراطية".

وأضاف: "قد تسببت هذه القوات بتعطيل الانتقال السياسي في البلاد من خلال تنظيم حركات تمرد دورية واتخاذ إجراءات عدوانية لتدعيم السلطة المؤسسية". 

وذكر: "عمدت قوات الدعم السريع، إلى جانب تقويضها للديمقراطية في السودان من خلال التمرد، إلى توسيع وصولها إلى الموارد الاقتصادية التي من شأنها أن تضمن قوتها المؤسسية في المدى الطويل". 

واختتم "سامويل راني" تقريره قائلا: "عملية الانتقال السياسي تتوقف على قدرة الخرطوم على إنهاء النزاعات الأهلية، واستقطاب الدعم الأميركي للإصلاحات الاقتصادية، ووضع حد للتأثير الخبيث الذي تمارسه الجهات الخارجية الراعية لقوات الدعم السريع".

وفي هذا الصدد يمثل الدور المتصاعد والقوي لقوات الدعم السريع، تحديات ليس أمام قوى الثورة والشيوعيين فقط، لكن أمام الجيش نفسه، الذي قد لا يقبل بسعي اليسار إلى إعادة هيكلته وإضعافه بصورة لا تمكنه من خلق توازن داخل الدولة.

مآلات متوقعة

السياسي السوداني الدكتور إبراهيم عبد العاطي، قال "للاستقلال": "اليسار بشكل عام والشيوعيون تحديدا يتصورون أنهم سيخوضون تجربة الحكم منفردين في السودان، ساعين إلى تأسيس نموذجهم الخاص بعيدا عن باقي تشكيلات المجتمع، ومن أصعب نقاط مخيلتهم، تلك المتعلقة بتعاملهم مع الجيش والمؤسسات الأمنية، إذ يتصورون أنهم سيعيدون هيكلة هذه المؤسسات بما يوافق أجندتهم".

وأضاف: "الشعب السوداني في عمومه لا يقبل إهانة المؤسسة العسكرية، أو تعرضها لخطر التفكيك والتقسيم، لأنها حاليا الضامن الوحيد لأمن البلاد، وبالضغط المستمر الذي يمارسه اليسار على الجيش، سيذهب بنا إلى مراحل مستقبلية صعبة، مع التعثر الواقع في المرحلة الانتقالية، وفشل الحكومة الحالية في مجموعة من الملفات على رأسها الملف الاقتصادي، وفرض الاستقرار داخل أجهزة الدولة، وتعبيد الطرق للوصول إلى الانتخابات المنشودة". 

وتابع: "لكن الإخفاقات التي منيت بها حكومة حمدوك، مع استفزازات تجمع المهنيين، والحزب الشيوعي السوداني ضد الجيش، ستجعل من مسألة الصدام وحل الأجهزة برمتها أمرا متوقعا، لا سيما وأنه على جانب آخر يظهر قائد قوات الدعم السريع (حميدتي) في المشهد هذه الفترة، ويقدم نفسه على الصعيد الشعبي والسياسي في صورة الرجل القوي، وصاحب الأمر والنهي في السودان". 

واختتم السياسي السوداني حديثه: "اليسار لم يتعلم من ماضيه حتى الآن، ويسير على نفس الخطى، وإذا اصطدم بمكونات الجيش سيصل إلى ذات النتيجة المأساوية التي وصل إليها قديما، ولن تنفعه وقتها القوى الخارجية، والدول التي يعتمد عليها في مساره الحالي، وبلا شك أن التوجهات الفكرية للشيوعيين تؤثر عليهم، مع اعتمادهم على أساس هدم السلطات من القاعدة وإقامة الدولة وفق معاييرهم، ما يؤطر لصراعات وصدامات دموية لا تنتهي، وهو الأمر الذي لن يتحمله السودان دولة وشعبا".