جورج عبدالله.. لبناني تسجنه فرنسا منذ 36 عاما وتعرقل واشنطن خروجه

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 7 أغسطس/آب 2020، استقبل لبنانيون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهتافات تطالب بالإفراج عن جورج عبد الله، وتنادي بالحرية للمناضل اللبناني الذي يقبع في السجون الفرنسية منذ أكثر من 36 عاما.

ويعد جورج عبد الله من أبرز المناضلين اللبنانيين في الثمانينيات ضد إسرائيل والولايات المتحدة، ومن رواد حركات الكفاح المسلح الذين قاتلوا في صفوف الحركة الوطنية اللبنانية، وأسسوا الفصائل الثورية المسلحة اللبنانية في عام 1981، والحركة الماركسية الموالية لسوريا في العام 1980.

انضم جورج إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقاتل في صفوف المقاومة، دفاعا عن القضية الفلسطينية، وأصيب أثناء قتاله ضد إسرائيل خلال الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978.

وأثناء ملاحقة الموساد الإسرائيلي لعبد الله في مدينة ليون، ألقت السلطات الفرنسية القبض على المناضل الشيوعي في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1984، بتهمة حيازة جواز سفر مزور، وأصدرت حكما عليه في 10 يوليو/تموز 1986 بالسجن 4 سنوات، بتهمة حيازة أسلحة ومتفجرات بطريقة غير مشروعة.

يعد جورج عبد الله المناضل المثقف الذي يتحدث عدة لغات أقدم سجين سياسي في أوروبا، حيث تم اعتقاله وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، ويبلغ الآن 69 عاما، وانتهت مدة سجنه عام 1999 وحصل على حكم بالإفراج المشروط عام 2003، لكن المحكمة استأنفت القرار وألغي في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2004 بعد ضغوط أميركية.

روح ثورية

القضبان لم تكن قادرة على إطفاء الروح الثورية التي يحملها جورج بين جنبيه، برغم مرور أكثر من 36 عاما على اعتقاله، فالنضال الذي عرف به في الجبهات والمعارك وساحات القتال ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم في لبنان وفلسطين، هو ذاته الذي يحمله الآن في معتقله، روح ثورية متقدة، صمود لا يعرف اليأس، نضال بلا سقف.

في ديسمبر/كانون الأول 2019، وبالتزامن مع الحراك الثوري اللبناني وكذلك اللقاء التضامني الذي عقد في مدينة صيدا اللبنانية، بعث المناضل جورج عبد الله رسالة صوتية وجهها للحشود الجماهيرية، حيا فيها روح الصمود والنضال، وروح الالتزام والقوة من قبل الشعب اللبناني.

في الرسالة، حيا جورج الحراك الجماهيري في الجزائر والسودان، ووجه للجماهير تحية إكبار وتقدير، وتحدث عن الحشود الإمبريالية في الخليج بقدراتها التدميرية الهائلة، ومبادرات التطبيع مع إسرائيل، والتأخر المفضوح عن إنهاء الحرب في سوريا، والتعنت تجاه الحل السياسي.

وأضاف جورج، بصوت ثوري، أن القوى الإمبريالية لم تتوقف عن ترسيخ ملامح شرق أوسط جديد، إثر حرب الخليج الثانية وتدمير العراق، مضيفا: "متاهات أوسلو وما تلاها تتجلى كلها بوضوح فيما نراه اليوم، وهي تصب في إطار إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها للأبد. وختم جورج رسالته الصوتية بإعلانه بناء الجبهة العربية الثورية انتصارا لفلسطين.

السجن المؤبد

كان مقررا لجورج أن يخرج من السجن بعد 4 سنوات من اعتقاله، غير أن السلطات الفرنسية أعادت محاكمته أول مارس/آذار 1987، بتهمة التواطؤ في أعمال إرهابية، والمشاركة في تأسيس الفصائل الثورية اللبنانية المسلحة.

ومن التهم التي وجهت له المشاركة في عدة حوادث اغتيال، من بينها محاولة اغتيال السكرتير الثاني للسفارة الإسرائيلية في فرنسا، باكوف بارسمنتوف، في 3 أبريل/نيسان 1982.

كذلك تهمة التدبير لاغتيال الملحق العسكري الأميركي في باريس تشارلز روبت راي في 18 يناير/كانون الثاني من نفس العام، بالإضافة إلى محاولة قتل القنصل الأميركي العام في ستراسبورغ بفرنسا، روبرت هوم عام 1984، وحكمت عليه هذه المرة بالسجن المؤبد.

في 1999، كان عبد الله قد استوفى شروط الإفراج عنه وفق قانون العقوبات الفرنسي، لكن باريس لم تفرج عنه، وقالت النيابة العامة: إن صورة فرنسا سوف تهتز أمام الولايات المتحدة وحلفائها، وأن ترحيله إلى لبنان لا يشكل ضمانة لعدم تكراره الأعمال التي قام بها، وهي الحجة التي كررتها النيابة العامة في 2006، عندما تم مطالبتها بالإفراج عن عبد الله، وكررتها مرة أخرى، عندما تم الطلب بالإفراج المشروط لعبد الله.

كانت السلطات الفرنسية قد منحت الحكومة الجزائرية تعهدا بالإفراج عن جورج عبد الله، غير أنها تنصلت عن تعهداتها لاحقا، واستمرت في اعتقال الرجل، كما تراجعت عن صفقة تبادل عام 1985 كان مقررا فيها أن تطلق سراح جورج عبد الله مقابل الإفراج عن الدبلوماسي الفرنسي المختطف في لبنان جيل سيدني بيرول.

وكشفت وثائق ويكليكس أن طلبا تقدمت به واشنطن لوزير الخارجية الفرنسي الأسبق لوران فابيوس، للبحث عن مسار لعرقلة مساعي الإفراج عن جورج عبد الله.

وحسب شقيقه روبير عبد الله، في تصريحات صحفية، قال: "الإفراج عن جورج ممنوع من قبل الولايات المتحدة. الإدارة الأميركية كلفت الإدارة الفرنسية بالبحث عن أي مسار لعرقلة الإفراج عن عبد الله قضائيا".

وبالفعل عطل وزير الداخلية الفرنسي منوال فال في 2013 أمرا قضائيا من قبل محكمة الاستئناف بالإفراج عن عبد الله، وهو الأمر الذي تم أيضا في 2003، حيث أصدرت المحكمة قرارا بالإفراج عن عبد الله لكن النيابة العامة استأنفت ورفضت الإفراج.

تهم ملفقة

لم تكن أي من التهمة التي وجهت لجورج عبد الله ثابتة بالأدلة، وكان يفترض وفق القانون أن يقضي 18 شهرا بالسجن لحيازته جواز سفر مزور، غير أن القضاء الفرنسي حشد جملة من التهم وقضى فيها على الرجل بالسجن المؤبد، استجابة لضغوطات إسرائيلية وأميركية.

في مذكرات جاك أتالي مستشار الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران التي نشرت في 1988 جاء فيها: "لم تكن هناك أي أدلة ضد جورج إبراهيم عبد الله،  سوى امتلاكه جوازا مزورا، وكان يفترض أن يقضي عقوبة هذه التهمة في السجن لمدة 18 شهرا فقط".

وفي 2002، كتب النائب السابق في البرلمان الفرنسي ألان مارسو، الذي كان القاضي المعني بمكافحة الإرهاب، والذي رتب لعملية المحاكمة: "حكمنا على جورج عبد الله بما لم يقم به".

في واقع الأمر، فإن كلا من اللوبي الصهيوني الذي يتغلغل في دوائر الحكم الفرنسية وكذلك الولايات المتحدة بتمثيلها الرسمي، قد مارسا ضغوطا على فرنسا، بعدم الإفراج عن الرجل، ومارس الرئيس الأميركي دونالد ريغان ضغوطا على الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران لعدم إطلاق سراح عبد الله.


نضال مبكر

ولد جورج عبد الله في بلدة القبيات، عكار شمال لبنان، في 3 آذار/ مارس 1951 وتابع دراسته في دار المعلمين في الأشرفية، وتخرج عام 1970.

التحق عبد الله بالنضال في سن مبكرة، ففي سن الخامسة عشرة، نشط في الحزب القومي السوري الاجتماعي، وخلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978 جرح وانضم مع أستاذه وديع حداد إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وبعد سنتين أسس مع 10 آخرين، الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية، وخلال محاكمته بمدينة ليون عام 1986 قال جورج عبد الله للقضاة: "الرحلة التي قطعتها فرضتها الانتهاكات لحقوق الإنسان في فلسطين وأنا مناضل ولست مجرما".

أول زيارة رسمية لجورج عبد الله في معتقله كانت في 22 ديسمبر/كانون الأول 2018، حيث قام السفير اللبناني لدى فرنسا رامي عدوان بزيارته في السجن.

وحسب شقيقه روبير، فإن جورج يطالب ويكرر في كل مرة بالقول: "لا تتسولوا حريتي"، بالرغم أنه أمضى أكثر من نصف عمره في المعتقل، وأضاف روبير: لو كان جورج طائفيا أو سارقا أو مهربا أو فاسدا أو عميلا، لتسابق المسؤولون لخدمته.

ووفق متابعين فإن، جورج عبد الله يعد رمزا وطنيا في لبنان، ولدى حركات الكفاح المسلح، وتعد قضيته من القضايا الوطنية، التي تحضر في أولوية الأجندة الثورية في لبنان وغيرها من الدول.