بدا وكأنه فيلم.. شهادات وقصص مأساوية من "مرفأ بيروت"

12

طباعة

مشاركة

تواجه المستشفيات في لبنان، آثار انفجار مرفأ بيروت الهائل، في ظل عدم توفر الموارد واكتظاظها بشكل كبير، وفي الآن ذاته، تعترف الحكومة اللبنانية بعدم وجود وسائل لمواجهة الكارثة. 

ونقلت صحيفة البايس الإسبانية عن جورج دباح، كبير أطباء خدمات الطوارئ في مستشفى أوتيل ديو في بيروت، قوله: إن "هذه الكارثة هي بلا شك أسوأ حرب شهدتها خدمات الطوارئ في المستشفى". 

وفي 4 أغسطس/آب 2020، قضت العاصمة اللبنانية ليلة دامية جراء وقوع انفجار ضخم في أحد مستودعات مرفأ بيروت، كان يحوي "موادا شديدة التفجير"، ما أسفر عن مقتل 154 شخصا، وإصابة نحو 6 آلاف آخرين، ومئات المفقودين والمشردين، إضافة إلى خسائر مادية باهظة قدرت بين 10 إلى 15 مليار دولار، بحسب تصريحات رسمية.

فوضى عارمة

وبخبرة 20 عاما في غرف الطوارئ في هذا المستشفى، كان الطبيب دباح شاهدا على الخراب الناجم عن عشرات التفجيرات بالسيارات المفخخة وحرب 2006 بين حزب الله الشيعي وإسرائيل، التي خلفت تفجيراتها أكثر من 1200 قتيل، غالبيتهم من المدنيين، وآلاف الجرحى.

وعلق: "حتى خلال الحرب الأهلية، التي امتدت من 1975 إلى 1990، لم يواجه المستشفى مثل هذه الفوضى على الرغم من الوسائل القليلة التي كان يملكها".

وأشارت الصحيفة إلى أن مستشفى أوتيل ديو هو واحد من خمسة مستشفيات جامعية في بيروت بها أكبر عدد من الأسرة والمتخصصين.

وتعد جميع هذه المستشفيات خاصة، في بلد تمثل فيه مستشفيات الصحة العامة نسبة 15 ٪ فقط. وقد استقبل المستشفى 500 جريح ومعهم 14 جثة بعد الانفجار في مستودع كان يخزن 2750 طنا من نترات الأمونيوم.

ونقلت الصحيفة أنه بعد أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ نصف قرن، يأسف الدكتور دباح لقلة احتياطيات الأدوية والعملات الأجنبية لاستيراد الأدوية الأساسية لغرفة العمليات والإنعاش أو حتى التخدير.

ومن بين المصابين، وصلت ريتا إلى المستشفى فاقدة للوعي وفي حالة حرجة مع كسر في الجمجمة، وفي وقت الانفجار، كان لديها موعد في مركز تجميلي. كانت تلك هي المرة الأخيرة التي تحدثت فيها مع زوجها زياد الخوري، بعد 20 عاما من الزواج. 

وخلال الكارثة، دفعت موجة الانفجار ريتا نحو حائط مركز التجميل، بينما تطايرت الكراسي في المكان، وبعد ذلك، نقلتها سيارة إسعاف إلى المستشفى، حيث تم إدخالها كمريضة مجهولة. 

وقبل الأزمة التي تسبب فيها الانفجار، شهد الخوري، البالغ من العمر 50 عاما، انخفاضا كبيرا في تجارته المعتمدة على استيراد معدات مكافحة الحرائق في ظل تراجع اقتصاد البلاد والجنيه الإسترليني، لكنه لم يتوقع أن تزداد الأمور سوءا. وبعد زيارة جميع المستشفيات في بيروت ليلة الانفجار، لم يتمكن من العثور على زوجته. 

وفي ظل هذا الوضع، صرح الخوري أنه "كان من الصعب بالنسبة له العودة إلى المنزل وإخبار ابنيه المراهقين بأنه لا يعرف ماذا حدث لأمها". 

وبعد أن شوهها الانفجار، لم تتعرف أي ممرضة على زوجته على الرغم من أن الخوري قد نشر صورتها، وأخيرا مكنهم من بعض التفاصيل مما سمح بتحديد مكان ريتا. وفي غضون 48 ساعة، سيعرف الخوري ما إذا كانت زوجته ستنجو أم لا.

وفي فترة الانتظار اللامتناهي، يؤكد المواطن اللبناني أنه "لا يستطيع أن يغفر للطبقة الحاكمة اللبنانية" التي يلقي باللوم عليها ويحملها مسؤولية الانفجار بسبب إهمالها، حيث كانت المواد الكيميائية موجودة في الميناء لمدة ست سنوات". وقال غاضبا: "عندما تغتصب سبع مرات، من المستحيل أن تسامح المغتصب".

وأضافت الصحيفة أنه في غرف الانتظار، تحمي عائلات ضحايا الانفجار والممرضات أنفسهم بأقنعة بينما تصل حالات الأشخاص المصابين بفيروس كورونا إلى أسوأ أرقامها منذ بداية الوباء؛ مع 200 حالة يومية جديدة و70 حالة وفاة و5672 إصابة في الإجمال.

ونقلت عن الدكتور دباح قوله: "في العشرة أو الخمسة عشر يوما القادمة سنرى ما إذا كانت المأساة ستتضاعف مع انتشار الفيروس". وقد جاءت تصريحاته بعد صدور تقارير تفيد بأنه "من المستحيل الحفاظ على إجراءات الحماية". 

وذكرت الصحيفة أن 30 ٪ من المرضى ذهبوا مباشرة إلى الإنعاش ولم يعد لدى المستشفى دليل على وجود الفيروس. وخلال ساعات الإنقاذ، تواصل مئات الأشخاص أيضا بشكل مباشر مع الضحايا لإنقاذ حياتهم دون أي حماية.

وفي الساعات الأولى، كانت خدمات الطوارئ في أوتيل ديو مكتظة، وتفاقم الوضع بسبب التدمير الجزئي لمستشفى الجعيتاوي والتدمير الكامل لمستشفى سان جورج، حيث كان كلاهما قريبا من مكان الانفجار.

ويقول طبيب الطوارئ في سان جورج، صبحي فارس، من وسط 350 سريرا مغطى بالغبار والدم: "لقد كان أسوأ يوم في حياتي". ويشرح قائلا: "لقد عالجت قدر استطاعتي الضحايا المنتشرين في الشارع، بينما أجلى زملائي جميع المرضى من الطوابق التسعة إلى المراكز الطبية في مدن أخرى".

وأشارت الصحيفة إلى أنه في الطابق التاسع، تناثرت برك من الدماء بين ملصقات سبونجبوب المنشورة في جناح الأطفال، حيث توفيت أربعة ممرضات من زملاء فارس بسبب موجة الانفجار الوحشية. وإلى جانبهم، فقد 14 مريضا حياتهم. 

وعلى بعد شوارع قليلة، تجول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد وصوله إلى بيروت في 6 أغسطس/آب، في الأحياء الأكثر تضررا من الحادث.

ورافقه عشرات الجنود اللبنانيين الذين عملوا كحاجز في وجه أكثر من مائة محتج هتفوا منادين "الثورة، تسقط الحكومة الفاسدة!، لا تقدموا المساعدة لقادتنا!".

من جانب آخر، حاول قلة من السياسيين والوزراء اللبنانيين الخروج في منطقة الكارثة، لكن، استقبلهم السكان بالحجارة وصيحات الاستهجان وألقوا عليهم الزجاجات.

وفي ظل اقتصاد منهار بالفعل قبل هذه المأساة الأخيرة وخزائن الدولة المدمرة ونقص العملة الأجنبية، لا يستطيع لبنان التعامل مع إعادة إعمار المنطقة المدمرة أو مواجهة حالة الطوارئ الصحية.

وفي ظل هذه الكارثة، افتتحت روسيا مستشفى ميدانيا في لبنان، وستضاف وحدات أخرى مماثلة وممولة من قطر والمغرب والأردن وإيران، بحسب وزارة الصحة. 

من جانب آخر، أدت الأزمة إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية في البلاد، حيث يمتلك 5 ٪ من السكان أكثر من 65 ٪ من الثروات، كما أن خمس من الثروات اللبنانية الستة المدرجة في قائمة مجلة فوربس لسنة 2019، تعود لسياسيين. 

ونقلت الصحيفة عن المهندس موسى فارس أنه يأمل في أن يكون "سبب الانفجار هو صاروخ، كي يكون الشعب أقل اشمئزازا من قادته".

ويتفق الكثيرون معه؛ حيث أثار الانفجار الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي استنفدت قوتها خلال الأزمة الصحية. تبعا لذلك، وحّد الغضب مرة أخرى طبقات وطوائف مختلفة يحملون نفس المطلب، ألا وهو: "طرد السياسيين الذين كانوا في السلطة لمدة 30 عاما". 

وفي هذا السياق، تقول مروى، طالبة جامعية تبلغ من العمر 24 عاما: "لا نتوقع شيئا من الحكومة سوى المغادرة وتركنا نعيد بناء البلد الذي نستحقه". 

حادثة مأساوية

في الأثناء، يواصل اللبنانيون، الذين ما زالوا لا يصدقون ما عانوه، البحث بين ضحايا الحادثة المأساوية التي تسببت في ذعرهم.

وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "أ بي ثي" الإسبانية عن جورج جونيور مغامراته للوصول إلى المستشفى وشهاداته حول الدمار التام الذي تعيشه المدينة.

وقال جورج في حديثه مع الصحيفة الإسبانية عبر الهاتف: إن "الجميع ظن عند سماع الانفجار الأول أن طائرة قد تحطمت. وفي لمح البصر، انتقل كل الموجودين في المكتب إلى الشبابيك لمشاهدة ما يحدث، وفي غضون دقيقة، نشب انفجار ثان جعلهم يطيرون حرفيا". 

وواصل: "لم نتمكن من رؤية أي شيء بسبب الدخان الذي أحدثه الانفجار وأصابنا بريق ألسنة اللهب بنوع من الذهول". وتجدر الإشارة إلى أن مكتب الشاب البالغ من العمر 25 سنة، يقع في منطقة الكرنتينا، على بعد 850 مترا من ميناء بيروت. 

وأوردت الصحيفة أن الشاب اللبناني جورج يعترف أنه ما زال تحت وقع الصدمة بسبب الأحداث التي عاشها خلال الساعات الأخيرة. وأضاف قائلا: "لقد شاهدت الكثير من زملائي وهم مجروحون. أما بالنسبة لي، فقد عانيت من شظايا الزجاج التي غرست في ظهري". 

وأشار قائلا: "بدأنا بجمع أغراضنا بأكبر سرعة ممكنة، ثم أخلينا المكان، بينما كنا نساعد الجرحى، لقد ظننا أننا تعرضنا إلى قصف".

يتذكر جورج جونيور كيف اهتز المبنى من الأعلى إلى الأسفل، وكيف انفجر البلور على وجوههم وكيف تطاير كل شيء دون استثناء في الهواء. وقال: إن "المشهد كان فظيعا، حيث أننا لم نستطع أن نصدق ما يحدث".

وأضاف: أنه "في الطريق إلى المستشفى، كان الجميع يحاول إزالة الزجاج من على أجسامهم. وبمجرد النظر من شباك السيارة، يبدو المشهد وكأنه فيلم؛ حيث كانت المباني مدمرة والناس جرحى والبعض الآخر ميت في الشارع، لقد كانت هناك دماء في كل مكان".

وبينت الصحيفة أنه عند وصول جورج ومرافقيه إلى المستشفى اللبناني "الجعيتاوي" -الواقع على بعد سبع دقائق من الميناء- حيث أخذوا زملاءهم الجرحى، أدركوا أن المكان قد دمّر تقريبا بالكامل.

وعلق على المشهد قائلا: "كان الناس ينزفون خلال خروجهم من المستشفى، ولم يكن هناك كهرباء كما انهارت خدمات الطوارئ بالكامل". ويقول الشاب، متذكرا المشاهد الأخيرة التي صدمت العالم بأسره: "لقد رأيت رجلا يحمل ابنته الصغيرة الميتة بين ذراعيه".

وفي الختام، أكد جورج أن منزل جدته كان في المنطقة التي حدث بها الانفجار ودمّر بالكامل، لكن لحسن الحظ، فإن جميع أفراد عائلته بخير على الرغم من صعوبة الاتصال بهم. 

من جهتها، نقلت صحيفة "لافانغوارديا" الإسبانية رواية خوانا خاندجيان كشاهدة على الوضع الذي تعيشه العاصمة اللبنانية بعد أن اهتزت بسبب انفجار شعرت به على بعد 15 كيلومترا. 

وقالت الصحيفة: إن لبنان تحول إلى مسرح لكابوس بعد أن دمر أكثر من نصف بيروت. وأكدت خوانا أن "الكارثة تركت الشوارع مدمرة والسيارات محطمة في كل مكان". 

وذكرت الفتاة اللبنانية التي تعمل في برشلونة، وكانت في زيارة لعائلتها في بيروت، أنها "كانت قبل ساعة من الانفجار قرب المخزن والذي يقع في مركز المدينة". 

وأضافت خوانا قائلة: "نحن نعيش في قرنة الحمرا، على بعد 15 كيلومترا من المدينة، وعلى الرغم من المسافة، إلا أن الانفجار كان شديد القوة، وفي بداية الأمر، شعرنا وكأنه زلزال، ثم، حدث انفجار ضخم، لم أسمع مثله أبدا في حياتي".

نقلت خوانا أنه بعد الانفجار الأول، تنقل شقيقها، جون خاندجيان، عبر الدراجة النارية للوصول إلى مكان الحادث، حيث كان من المستحيل القيادة بين الأنقاض بالسيارة. وعند وصوله، كان الوضع كارثيا للغاية، وأكد أن مركز المدينة قد تضرر بالكامل تقريبا.  

وعبرت عن استيائها من الوضع، وتحدثت عن حالة صديقة لها تعيش على بعد خمسة كيلومترات "تحطمت جميع نوافذ منزلها".

ويجدر التذكير بأن الانفجار وقع في مستودع بوسط المدينة يحتوي على 2750 طنا من نترات الأمونيوم، وهي مادة متفجرة تستخدم في صنع القنابل.

وعلقت خوانا قائلة: "لا يعرف ما إذا كان حادثا، أو له أسباب سياسية، أم هو من تنفيذ الإسرائيليين، أو حزب الله... أنا لا أعلم ما إذا كنا سنعرف الحقيقة".

وذكرت الصحيفة أن السياق الحالي لبلاد الأرز يعقد عملية انتعاشه الصعبة للغاية. وتشدد خوانا على أن "الوضع الاقتصادي مروع للغاية في لبنان، كما أن النظام السياسي فاسد، وزادت الأزمة الصحية من تعقيد المشهد".

علاوة على ذلك، فإن الوضع صعب للغاية بالنسبة للكثيرين، وفي الوقت الراهن، هناك آلاف الأشخاص الذين أصبحوا دون مأوى، ودون إمكانية للحصول على الغذاء. 

وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد الانفجار، فتحت عديد المنظمات منصات للتبرع للشعب المتضرر من هذه الكارثة. ومن بين هذه المنظمات، يبرز الصليب الأحمر وفرح العطاء وإمباكت ليبانون، وغيرها.