إجراء الانتخابات التشريعية بالعراق.. إنهاء للأزمات أم تعميق لها؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دخل العراق في فصل جديد من الجدل والمناكفات الحادة بين القوى والكتل السياسية الرئيسية، وذلك بعد إعلان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أن الانتخابات التشريعية المبكرة ستجري في 6 يونيو/ حزيران 2021، وحديثه عن سعيه من وراء ذلك لإنهاء الأزمات بالبلاد.

الكاظمي تعهد خلال كلمة تلفزيونية في 31 يوليو/ تموز 2020، بحماية "جميع القوى المتنافسة بالانتخابات"، مضيفا: "لسنا دعاة أزمات، بل نسعى للحل"، فيما خاطب الشعب العراقي بالقول: "إرادتكم ستغير وجه العراق وستزيل عنه آثار سنوات الحروب والنزاعات".

قرار رئيس الحكومة العراقية، أثار تساؤلات عن مدى قدرة الانتخابات التشريعية المبكرة في يونيو/حزيران 2021، على إنهاء أزمات العراق الكثيرة، أم أن إعلان موعدها له أهداف أخرى؟ وهل البيئة متوفرة حاليا لإجراء انتخابات نزيهة تلبي تطلعات العراقيين؟

مناكفات سياسية

قوبل قرار الكاظمي، بدعوة لحل البرلمان من رئيسه محمد الحلبوسي، الذي دعا إلى إجراء انتخابات "أبكر"، وذلك من خلال عقد جلسة طارئة وعلنية مفتوحة للمضي بالإجراءات الدستورية وفق المادة (64)، مشيرا إلى أنها المسار الحقيقي والدستوري لإجراء انتخابات مبكرة.

بيان الحلبوسي في الأول من أغسطس/ آب 2020، اتهم الحكومات المتعاقبة بعدم تنفيذ منهاجها الوزاري ما أدى إلى تواصل الاحتجاجات، بسبب قلة الخدمات وانعدام مقومات الحياة الكريمة، مطالبا الجميع أن يعي صلاحياته، ويتحمل مسؤولياته أمام الشعب.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال مصدر سياسي طلب عدم الكشف عن هويته: إن "ما يحدث الآن من كلام حول الانتخابات، إنما هو مناوشات بين الكاظمي والحلبوسي، فلو أراد الأخير مساندة قرار رئيس الحكومة، لحدد موعد جلسة للبرلمان، لكنه رمى الكرة بملعب الكتل حتى تستشيط غضبا من الكاظمي".

ولفت المصدر إلى أن "الحلبوسي يهدف من وراء خطوته هذه إلى معرفة مدى جدية الكاظمي، لأن الأخير عودنا على إطلاق بالون في كل مرة ثم يراقب الأوضاع، فإذا كانت هناك انتقادات كبيرة يتراجع عن موقفه؟".

وبخصوص مدى توفر البيئة الصالحة لإجراء هذه الانتخابات، قال المصدر: إن "الوضع السياسي غير مطمئن، لأن التزاحم الإيراني الغربي وكذلك الإقليمي لم يحسم بعد في العراق، والأمر نفسه بالصراع الشيعي الشيعي بالبلد، فإنه لم يحسم لطرف معين. إضافة إلى أن الساحة السنية لم تفرز جهة قائدة، والأمر هنا أشبه بالفوضى السياسية".

ونوهت إلى أن "خطوات قد تكون مدروسة ومخططا لها يقوم بها الكاظمي ولكنها بطيئة، مثل: السيطرة على المنافذ الحدودية، والبنك المركزي وإبعاده عن تأثير الأحزاب، وفرض سلطة الدولة على المطارات، وإعطاء دور للمخابرات والتناغم مع الجمهور في الخطاب الإعلامي العاطفي".

ورأى المصدر السياسي المطلع أن "كل هذه المقدمات التي ينفذها الكاظمي توحي إلى أن هناك أمرا ما سيحدث، إما على يديه أو يكون هو ممهد له".

وفي هذا الصدد، رأى الكاتب فارس كمال نظمي أن "قرار الكاظمي إجراء انتخابات في الموعد الذي حدده، يعد غير ملزم –رغم استناده إلى برنامج الحكومة المصادق عليه برلمانيا- ولا يمتلك سلطة التطبيق الفعلي".

وقال: "يبدو أنه اتخذ في سياق تنفيسي لنقل قطبية الضغوط التي تُمارس على الحكومة إلى ساحة البرلمان والزعامات السياسية المقتاتة على جثة الدولة، ولم يُتخذ في إطار شامل يراعي العواقب السياسية والمجتمعية العميقة المحتملة".

وفي أحسن الأحوال، يضيف الكاتب خلال مقال نشرته صحيفة "المدى" في 3 أغسطس/آب 2020 أنه قد يكون قرارا جرى اتخاذه –عمدا- بالاستناد إلى خلفية سياسية مناوراتية، ولا يمثل إرادة حقيقية للحكومة التي طرحته من أجل التفاوض وكسب الوقت، بما قد "يتيح" لها العمل في فضاء أقل تقييدا واستهدافا من الفضاء العدائي الحالي.

وتابع نظمي: القرار سيبقى شكليا أو متاحا للمزايدة والابتزاز والتفاوض ما لم يسارع البرلمان لاتخاذ الخطوة الدستورية "الحتمية" بحل نفسه تمهيدا لانتخابات مبكرة، أو قد يعمل على تسويف ذلك إلى أمد غير محدود.

قلب التحالفات

تباينت تفسيرات المحللين بخصوص قرار الكاظمي تحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة والهدف من ذلك، فقد رأت الكاتبة مينا العربي في مقال نشرته صحيفة "الشرط الأوسط" في 4 أغسطس/ آب 2020 أن "الانتخابات بحد ذاتها لن تحل أزمات العراق، خاصة أن المليشيات والجهات الفاسدة في البلاد تعمل بالتوازي مع العملية السياسية".

وتابعت أن الاستعداد للانتخابات قد يقلب بعض التحالفات في البلاد ويضطر الأحزاب السياسية إلى إعادة حساباتها، "خاصة أن كثيرا منها يعاني من تراجع حاد في شعبيته. والاستعداد لعملية الاقتراع من شأنه أن ينظم حركة المحتجين والناشطين ويدفعهم إلى عمل سياسي منظم لإحداث التغيير السلمي".

وعلى الرغم من أن فترة 10 أشهر لحين إجراء الانتخابات قصيرة في الحياة السياسية، فإنه من الممكن أن يحدث كثيرا من المتغيرات في هذه الفترة. والأمر الأهم في هذه الفترة سيكون في تقليص دور المليشيات ومنع الخارجين عن القانون من استهداف الناشطين والساسة المستقلين، بحسب الكاتبة.

ونوهت إلى أنه سيكون على الكاظمي وحلفائه أن يعملوا يوميا لتشجيع الشباب الذي ذكرهم تحديدا في خطابه لخوض العملية السياسية وإحداث التغيير المنشود.

وقالت: "عملية اغتيال هشام الهاشمي (الخبير الأمني العراقي) في يوليو/ تموز 2020 تدل على الخطورة التي تواجهها الأصوات المستقلة، والتي تتحدى تلك المجموعات".

ورأت الكاتبة أن الانتخابات ستشكل فرصة مهمة للشباب الذين يتظاهرون بشكل مستمر منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وعليهم الإعداد للمرحلة المقبلة، مبينة أن هناك تأييدا شعبيا واسعا للحراك الشعبي العراقي، ما يبشر بإمكانية إحداث خرق حقيقي في الانتخابات المقبلة.

وتابعت: "لكن خصوم هؤلاء لديهم أذرع طويلة وأموال طائلة ونفوذ من خلال السلاح والدعم الخارجي. فقبل إجراء الانتخابات، يجب أن تقطع تلك الأذرع أو على الأقل تكبل، وإلا فالانتخابات المقبلة لن تجلب التغيير المؤمل به".

من جهته، قال الكاتب العراقي إياد الدليمي: إن "الثوار في احتجاجات تشرين، طالبوا بانتخابات نزيهة، وحتى يتحقق هذا الشرط، أكدوا أن على الحكومة المؤقتة أن تسن قانونا للانتخابات، يمكن للعراقي أن يوصل الشخص الذي يريده إلى البرلمان، لا الشخص الذي يختاره الحزب أو الكتلة، وتشكيل لجنة مفوّضين جديدة مستقلة، وإشراف دولي على سير الانتخابات، لضمان عدم تزويرها".

وأضاف في مقال نشرته صحيفة "العربي الجديد" في 4 أغسطس/ آب 2020: أن "متظاهري تشرين طالبوا بحصر السلاح بيد الدولة، لأنه لا يمكن لأي انتخابات أن تجري تحت ترهيب سلاح المليشيات وتهديده، وأن يُسن قانون يجرم الأحزاب الطائفية والعنصرية، وأن يعلن كل حزب أو تيار مصادر تمويله".

بل الأكثر من ذلك طالبت ثورة تشرين بمنع ترشيح أي شخصية شاركت في العملية السياسية منذ 2003، كون تلك الشخصيات وأحزابها هي المسؤولة عن الفساد والطائفية وتفشي القتل، وفق الكاتب.

وأوضح الدليمي: "لا شيء حققه مصطفى الكاظمي من هذه الشروط حتى يقفز إلى الانتخابات المبكرة، فقد تبين، منذ أول مجابهة مع حيتان الفساد والمليشيات، أنه ضعيف، وغير قادر على المواجهة، أو لا يمتلك الأدوات اللازمة، هذا إذا أحسنا الظن به".

وتابع: "ليس سرا أن الرجل جاء بمهمة واحدة ومحددة، تسويف مطالب المتظاهرين، والانحناء للعاصفة الشعبية حتى حين، وإجراء انتخابات تستعيد فيها القوى والأحزاب والتيارات السياسية ما يمكن أن تكون قد خسرته بعد ثورة تشرين".

وتساءل الدليمي: "أليس الأجدر بالكاظمي أن يعمل على سن قانون الانتخابات في البرلمان، قبل تحديد موعد الانتخابات؟ أليس الأجدر أن يكشف قتلة المتظاهرين، وقد وعد بذلك، قبل تحديد موعد الانتخابات؟ هناك مليون ونصف مليون عراقي في مخيمات اللجوء منذ أربع أو خمس سنوات، أليس الأجدر بالكاظمي وفريقه أن يعيدوهم إلى منازلهم؟".

تأييد شيعي

وعلى صعيد القوى السياسية ورأيها بتحديد موعد الانتخابات، فقد رأى رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم في تغريدة على "تويتر" أن "تحديد موعد لإجراء الانتخابات المبكرة من قبل السيد رئيس الوزراء خطوة موفقة وبالاتجاه الصحيح وهو مؤشر لعزم الحكومة على الإيفاء بوعودها".

وطالب الحكيم "الجهات التشريعية بمساندتها واستكمال تمرير قانون انتخابي رصين يضمن إجراءها بصورة شفافة وعادلة ومعبرة عن إرادة الشعب وبعيدا عن الضغوط والتسييس".

أما زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، فقد كتب على حسابه في "تويتر" قائلا: "حل مجلس النواب يعتمد مرحلتين: الأولى الجهات التي لها حق طلب الحل، والثانية الجهة التي بيدها قرار الحل، ويكون بتصويت المجلس على حل نفسه ولا صلاحية لأي جهة بحل المجلس دون موافقة المجلس على حل نفسه".

وأكد المالكي أن "رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية لهما حق الطلب فقط وليس قرار الحل وثلث أعضاء  مجلس النواب أيضا لهم حق الطلب ولكن في الحالتين لا حل إلا بتصويت المجلس على حل نفسه بالأغلبية المطلقة لأعضائه".

وفي السياق ذاته، أعلن زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، في 2 أغسطس/ آب 2020 موقفه من موعد إجراء الانتخابات المبكرة، وقال في بيان مقتضب: "نرحب بإجراء الانتخابات المبكرة، ونعتقد أن الوقت الأفضل لها هو بداية شهر أبريل/ نيسان من العام 2021". 

وأعربت كتلة صادقون النيابية التابعة لحركة عصائب أهل الحق، في وقت سابق، عن تحفظها على موعد الانتخابات المبكرة الذي حدده رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، مطالبة بموعد "أبكر" وهو ما سبق أن طالب به رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. 

وقال رئيس الكتلة عدنان فيحان، خلال بيان في 1 أغسطس/آب 2020: إن  "اجراء الانتخابات النيابية أصبحت ضرورة لإعادة الثقة بين الجماهير والعملية السياسية"، مضيفا: "كلما كانت أبكر فهي أفضل وباعتقادنا الشهر الرابع أفضل ومدة (8) أشهر كافية لإكمال متطلبات إجراء الانتخابات وحتى تكون خطوات إعادة الثقة صحيحة وبناءة". 

وبخصوص موقف الأكراد، فقد أكد الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني أن الكتل الكردية لم تعلن موقفها الرسمي حول موعد الانتخابات، وأنها بانتظار ردود أفعال القوى السياسية.

وقالت رئيسة كتلة الحزب البرلمانية فيان صبري لوكالة الأنباء العراقية، في 3 أغسطس/ آب 2020: إن الاتفاق السياسي يعد أبرز الضرورات لإنجاح الانتخابات المبكرة التي حدد موعدها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

وأضافت: أن "الانتخابات القادمة يجب أن تكون حائزة على ثقة الشعب، وأن تتميز بالنزاهة والرصانة الانتخابية لكي ينزل المواطن للشارع ويدلي برأيه ولدرء الشكوك بالتزوير ولكي تكون نتائجها ومخرجاتها مقبولة للشعب أولا والمجتمع الدولي ثانيا".

وبينت البرلمانية فيان صبري أن "هنالك تحديات كثيرة أمام إجراء انتخابات نزيهة وموثوقة؛ منها ذاتية كاستكمال قانون الانتخابات المعقد الجوانب واستكمال جسد المفوضية، ومنها موضوعية كالأزمة الاقتصادية والأمنية والصحية والنازحين بالإضافة إلى أزمة المحكمة الاتحادية".

أما الأحزاب والكتل السياسية السنية، فقد طالب تحالف "القوى العراقية" و"المحافظات المحررة" وجبهة "الإنقاذ والتنمية" بضرورة إعادة النازحين الذين غادروا منازلهم بسبب المعارك ضد تنظيم الدولة منذ عام 2016 وحتى اليوم، إضافة إلى إنهاء سطوة المليشيات، وضرورة الاعتماد على البطاقة البايومترية في التصويت بالانتخابات، ومن دون ذلك فإن الانتخابات ستكون صورية.