أزمة تونس السياسية.. لماذا تعتبر قنبلة موقوتة للمنطقة بأسرها؟

12

طباعة

مشاركة

سلطت مجلة ''فورميكي'' الإيطالية، الضوء على تداعيات الأزمة السياسية في تونس خاصة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي بعد استقالة رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ والتوترات داخل قبة البرلمان.

كما تطرقت المجلة في تقرير لها، إلى الوضع الخارجي، خاصة في علاقة تونس بالمشهد الليبي والعلاقات مع الأطراف الإقليمية الأخرى في مقدمتها تركيا.

وكتب التقرير ''أومبرتو بروفازيو''، محلل وخبير بالشأن المغاربي بمؤسسة كلية الدفاع بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وحذر فيه من أن الأزمة التي تعيشها تونس يمكن أن تتحول إلى مشكلة للمنطقة بأسرها.

ويقول: إنه في سياق إقليمي يتسم بالتغيرات السريعة، تُظهر أزمة الحكومة في تونس تصدعات خطيرة داخل ما يُطلق عليه غالبا الاستثناء الديمقراطي لثورات الربيع العربي المندلعة منذ عام 2011.

عدم الاستقرار

كما أن استقالة إلياس الفخفاخ كانت علامة أخرى على عدم الاستقرار السياسي الذي أصاب المؤسسات الديمقراطية الشابة في البلاد لسنوات.

واستقال الفخفاخ بعد اتهامات وجهت له في ملف تضارب مصالح يوم 15 يونيو/حزيران، من قبل حزب النهضة، وهو حزب الأغلبية في البرلمان.

ويتابع الخبير الإيطالي: أنه "إذا بدت الأزمة، من جهة، تندرج ضمن الديناميكيات النموذجية لنظام شبه رئاسي مثل النظام التونسي، فإن وجود قوى إقليمية متعارضة يمثل عاملا حاسما واضحا يندرج في السياق الاقتصادي المالي الذي يظهر علامات واضحة للمعاناة".

ولفت المحلل الإيطالي إلى أن "قضية شركة فاليس كانت القطرة التي أفاضت الكأس، لا سيما بالنظر إلى تعنت الرئيس قيس سعيد، الذي بنى حملته الانتخابية التي قادته إلى النجاح في انتخابات العام 2019 على أساس الشفافية في الشؤون العامة".

وشركة فاليس المتخصصة في تدوير النفايات تمكنت من الفوز مؤخرا بمناقصات حكومية، وتبين لاحقا أن الفخفاخ ما زال يملك أسهما فيها، ما خلق أزمة دفعت لاستقالته.

لكن وفي قراءة معمقة، ساهمت عوامل أخرى بالتأكيد في استقالة الفخفاخ، بما في ذلك الاستقطاب الذي بات راسخا بين حزب حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي وتشكيلات علمانية بين النزعة الانتقامية والبصمة التصالحية الواضحتين.

وتتسع الفجوة بين هذين المعسكرين المعاكسين بشكل أكبر بعد ازدياد نشاط تركيا، التي تعتبر إلى جانب قطر الداعم الرئيسي للحركات الإسلامية في المنطقة، يقول المحلل. 

ويعتقد محلل مؤسسة كلية الناتو أن هذه الديناميكيات الإقليمية ساهمت بلا شك في تأجيج أزمة الحكومة الحالية، لا سيما بعد أن جاءت استقالة الفخفاخ بالتزامن مع مناقشة البرلمان لائحة حجب الثقة عن رئيس البرلمان راشد الغنوشي، زعيم حزب حركة النهضة.

ويُظهر هذه التشابك بوضوح كيف تم استخدام قضية فاليس كـ"ذريعة لإنهاء ائتلاف حكومي مر بصعوبات في الأشهر السابقة".

وقادت حركة النهضة حملة سحب الثقة من رئيس الوزراء، وعلى الرغم من حصولها على أغلبية المقاعد في الانتخابات الأخيرة، اضطرت إلى إجراء مفاوضات صعبة لتشكيل حكومة ائتلافية. ونتيجة لتفتيت المشهد السياسي التونسي، كان القبول باختيار الفخفاخ على مضض.  

وكان قرار إقالة وزراء النهضة دليلا على العلاقات المتوترة بين رئيس الوزراء المستقيل والحركة، التي اتُهمت أيضا بموقف غير مسؤول خلال إحدى المراحل الحرجة عبر تونس المعاصرة على حد تعبير الفخفاخ.

وتسلط هذه الخطوة، الضوء على مناخ عدم الثقة العميق بين سعيد والغنوشي، بعد أن تأثرت علاقاتهما بشكل واضح خلال الأشهر القليلة الماضية.

وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن استقالة الفخفاخ أُعلنت بعد زيارته إلى قصر قرطاج وقبل وقت قصير من التصويت بحجب الثقة بطلب من حركة النهضة.

وبالنظر إلى الطبيعة البناءة للتصويت بحجب الثقة بموجب الدستور التونسي، كان من الواضح أن الاستقالة كانت تهدف إلى حرمان النهضة من إمكانية تعيين رئيس وزراء من اختيارها، وإعادة هذه السلطة إلى نطاق الامتيازات الرئاسية.

الحياد والتدخلات 

وبالتالي، فإن المهمة الموكلة إلى وزير الداخلية السابق هشام المشيشي (رئيس الوزراء الجديد) تقع ضمن الخطة الرئاسية لإبطال مفعول ضغط النهضة القوي، التي أصبح موقفها حازما بشكل متزايد على مدار الأشهر الماضية.

ويعتبر المشيشي مستقلا، وكان أيضا عضوا في لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، وهي هيئة لمكافحة الفساد تم إنشاؤها خلال المرحلة الأولى من الانتقال الديمقراطي التونسي. وبالتالي، الملف الشخصي كاف لتلبية المطالبات بمزيد من الشفافية من قبل الناخب التونسي، خاصة بعد اندلاع قضية فاليس.

ويرى الخبير الإيطالي أنه على الرغم من أن الأزمة السياسية الداخلية أثارت بعض القلق، إلا أن هذه الأحداث تظهر في الواقع حيوية المسار الديمقراطي التونسي. وإذا كان هناك شيء يثير القلق، فهو اتساع الفجوة بين حزب النهضة وأحزاب المعارضة الرئيسية بدفع من التغيير السريع في السيناريوهات الدولية.

وكان الفشل في الموافقة على لائحة سحب الثقة ضد الغنوشي في 30 يوليو/تموز مؤشرا واضحا على المتغيرات التي يشهدها البرلمان، والتي يمكن على ضوئها افتراض أغلبية برلمانية جديدة.

وقد أثارت اتصالات الغنوشي المتكررة مع القادة الأتراك، ولا سيما مع الرئيس رجب طيب أردوغان، العديد من الشكوك حول التواطؤ، ليس فقط في البرلمان ولكن أيضا داخل المؤسسات التونسية الأخرى، فضلا عن غضب الرئاسة بشدة من التدخلات المتكررة في الصلاحيات المحفوظة دستوريا لرئيس الدولة، وفق الخبير الإيطالي.

وإدراكا منه بزيادة قوة الجذب التركية في "المغرب الكبير"، التي لم تقتصر على التدخل العسكري لدعم القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، ولكن أيضا على الدفعة الدبلوماسية التجارية التركية المستثمرة في الجزائر وتونس بين أواخر 2019 وأوائل 2020، يحاول الرئيس سعيد رفع الحواجز.

وفي هذا الإطار، يجب قراءة الزيارة الرسمية التي أجراها الرئيس التونسي في شهر يونيو/ حزيران 2020 إلى باريس، حيث أكد مجددا على الحياد التونسي في الصراع الليبي.

لكن التأكيد على الطبيعة الانتقالية لحكومة الوفاق الوطني والحاجة إلى تجديد شرعيتها يمثل بالتأكيد تحولا حظي بتقدير نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي وجه اتهامات لاذعة لتركيا بسبب تدخلها في ليبيا، حيث تدعم باريس قوات اللواء الانقلابي خليفة حفتر. 

وفي الوقت نفسه، يسلط التقرير الضوء على حاجة سعيد إلى خلق توازن ضد ما أسماها "الدبلوماسية الموازية للغنوشي، التي تمثل مقترحاتها بشأن الحياد النشط في الصراع الليبي انبطاحا خطيرا للنهضة أمام المواقف التركية".

ولفت الخبير الإيطالي إلى أن تونس تخاطر بتجاهل أولوياتها الاقتصادية والمالية بسبب تأثير جائحة كوفيد 19 على الأسس الاقتصادية الضعيفة إلى حد كبير، بعد أن باتت محاصرة بين القوى الإقليمية المتعارضة التي تضخم الفجوة الداخلية القائمة بالفعل.  

وخلص إلى أن اتهام الحكومات الانتقالية المختلفة بعدم تمكنها من تطوير سياسات تنموية قادرة على الحد من البطالة والقضاء على الفوارق الجهوية القوية، يسلط الضوء على استمرار الوضعية الحرجة وقابليتها للانفجار بالنظر إلى العواقب الحتمية للوباء على اقتصاد البلاد.

وفي مواجهة تجدد متوقع للاحتجاجات، تخاطر الأزمة السياسية بحرمان تونس من مسؤول تنفيذي قادر على تجاوز الوضع الاقتصادي الصعب ووضع الأسس لبدء انتقال اقتصادي ضروري ومُكّمل للانتقال السياسي الذي اكتمل بنجاح.