عالية القصاص.. طبيبة سورية عالجت النازحين مجانا وكلفها السرطان حياتها

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تكد بيانات نعي طبيب الغلابة الدكتور المصري محمد المشالي تنتهي حتى فُجع الوسط الطبي السوري والعربي بوفاة طبيبة الفقراء الدكتورة السورية عالية القصاص.

ففي صبيحة يوم عرفة، الموافق 30 يوليو/تموز 2020، توفيت الدكتورة القصاص، بعد معاناة مع مرض السرطان، اكتشفته في فبراير/شباط 2019، في مكان إقامتها بمدينة سلقين بريف إدلب السورية.

خضعت الدكتورة القصاص لعمليات جراحية وعلاج كيميائي في تركيا، غير أن حالتها الصحية ساءت مؤخرا، فنقلت قبل نحو أسبوعين من وفاتها إلى تركيا، عن طريق معبر باب الهوى الحدودي شمالي إدلب، لكنها لفظت أنفاسها الأخيرة صبيحة يوم عرفة، وتم دفنها في ولاية أضنة التركية.

وقد تسبب خبر رحيلها بصدمة كبيرة في الوسط الطبي السوري، ومناطق الشمال السوري على وجه الخصوص، وشهد خبر رحيلها تفاعلا كبيرا لدى الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.

حالات إنسانية

عرفت الدكتورة القصاص بتعاونها مع مرضاها في المناطق المحررة في الشمال السوري، والنظر إليهم كحالات إنسانية لا كزبائن، خصوصا مع المهجرين من مدنهم وقراهم في مناطق الاشتباكات في المدن السورية.

كانت تأخذ منهم مبلغا رمزيا، فيما يبدو لحفظ ماء وجوههم، وأحيانا كانت تقدم لهم أدوية تفوق المبلغ الذي تتقاضاه، وهو 500 ليرة سورية، ما يعادل 20 سنتا أميركيا.

وبلغ بها الأمر أن اضطرت لتحويل منزلها إلى عيادة تستقبل فيه الحالات المرضية والإسعافية، في الفترة المسائية، بعد دوامها في عيادتها في الفترة الصباحية.

وبالرغم من كبر سنها، حيث كانت تناهز السبعين عاما، إلا أنها كانت تعمل بكامل طاقتها من الصباح حتى المساء، دون أجرة، أو بأجرة رمزية.

علاوة على ذلك، فقد رفضت عدة عروض بالسفر إلى تركيا والاستقرار فيها، وتحسين مستوى معيشتها، وأصرت على البقاء في المناطق السورية المحررة لتقديم خدمتها في معالجة النازحين والمهجرين والفقراء، بحسب مقربين.

وعلى مدى سنوات، ومنذ تطور الأزمة السورية وزيادة المعاناة بين السوريين، عملت الطبيبة القصاص في خدمة المرضى والمعدمين، بدون ضجيج، ولم تنتشر سيرتها ويسلط الإعلام عليها الضوء إلا بعد رحيلها.

وقد أطلق السوريون في وسط مدينة سلقين ومسقط رأسها حلب والبلدات المجاورة لها، عليها عدة ألقاب منها "طبيبة الفقراء" و"ملاك الرحمة"، للسيرة الحسنة والسمعة الطيبة وما لاقوه منها من تعاون مع المرضى والمحتاجين.

نعت صفحة "مدينة سلقين"، الفقيدة في تدوينة على تويتر قالت فيها: "الدكتورة عالية القصاص طبيبة الأطفال زوجة الصيدلاني أمين كوسا في ذمة الله بعد معاناة طويلة مع المرض، وداعا يا أم الفقراء.. الطبيبة الإنسانة الراقية، كنت وستبقين المثل الأعلى في العطاء والكرم والوفاء، من دون انتظار كلمة شكر من أحد، رحمك الله وأسكنك فسيح جناته". 

أما صفحة "مخيم" فقد كتبت تغريدة قالت فيها:  "فقدت مدينة سلقين شمال إدلب اليوم أبرز الوجوه الإنسانية، الدكتورة (عالية القصاص) التي عُرفت بخدمة المهجرين والفقراء دون مقابل أو بشكل رمزي، حتى سُميت طبيبة الفقراء".

وكتب عنها الدكتور أحمد نجيب: فقدت مدينة سلقين شمال إدلب اليوم أبرز الوجوه الإنسانية الدكتورة “عالية القصاص” والتي عرفت بخدمة المهجرين والفقراء دون مقابل أو بشكل رمزي حتى سميت بطبيبة الفقراء. وكانت الدكتورة عالية زوجة الصيدلي “أمين كوسا” مثالا يحتذى به في الإنسانية والأخلاق.


 
وكتب الدكتور نصر الحريري في حسابه على تويتر: "نعزي عائلة الدكتورة عالية القصاص طبيبة الفقراء ووجه #سورية المشرف".

وتابع: "وفاتها خسارة كبيرة للسوريين وللمؤمنين بالإنسانية، ثقتنا مستمرة بالشعب السوري وبأن رسالة د. القصاص ليست استثناء وأن الكثيرين من أطبائنا يحملون هذه الروح الراقية". 

السيرة الذاتية

عالية القصاص من مواليد مدينة حلب، عام 1951، درست في كلية الطب، وتخرجت عام 1974، اختصاص أمراض أطفال، وكانت من أوائل دفعتها، وأنهت اختصاص الأمراض وحديثي ولادة عام 1979، وفي عام 1980، بدأت العمل كطبيبة أطفال بمدينة سلقين في ريف إدلب.

كانت تقيم في مدينة حلب مسقط رأسها، وبعد زواجها من الصيدلاني الشهير أمين كوسا انتقلت للعيش معه في مدينة سلقين بريف إدلب الغربي، وهناك بدأت ممارسة العمل في عيادتها الخاصة.

ومع اندلاع الحرب، لم تكتف القصاص بمعالجة الأطفال، حيث هو تخصصها، بل كانت تقدم الاستشارات الطبية العامة للمرضى الكبار، وهي تلك الاستشارات التي لا تتطلب طبيبا مختصا.

بحسب شبكة شام، فإن الدكتورة القصاص لم تكف عن تقديم الاستشارات الطبية لمرضاها عن طريق التلفون والإنترنت حتى وهي تعاني من السرطان، وكان متحدثون قد أفادوا لـ"العربي الجديد" أن القصاص كانت قد أصبحت على دراية وخبرة بجميع الفقراء في تلك المناطق رغم كثرتهم، وكانت تضع إشارة على الوصفة الطبية التي تكتبها لهم، وترسلهم لأخذ الدواء من صيدلية زوجها بالمجان.
 

مشالي سوريا

وبالقدر الذي حظي به الطبيب المصري الدكتور محمد مشالي من شهرة واسعة لقاء تعاونه مع الفقراء والمعوزين، لقيت القصاص ذات القدر من محبة الناس، حتى أن البعض سماها مشالي سوريا.

وغيب الموت الطبيب المصري محمد مشالي، المعروف بـ"طبيب الغلابة"، فجر 28 يوليو/تموز، عن عمر يناهز 76 عاما، إثر وعكة صحية مفاجئة، وفق إعلام محلي.

ومشالي، طبيب مصري من مواليد عام 1944، تخرج في كلية طب جامعة القاهرة عام 1967، ولقبته وسائل إعلام محلية وأجنبية بـ"طبيب الغلابة".

وكرس الراحل حياته في خدمة المرضى الفقراء؛ وكان يقدم الكشف بعيادته في مدينة طنطا، بـ5 جنيهات (أقل من 0.25 دولار)، كما كان يشتري العلاج على نفقته الخاصة للمرضى المحتاجين.

وتفتقر المجتمعات العربية إلى ظاهرة "الطبيب المتعاون"، في وقت تتزايد الحاجة لتعاون الأطباء بعد أن تدهورت الأوضاع الاقتصادية لدى كثيرين وتوسعت رقعة الأزمة الاقتصادية بسبب الحروب ووسط تفشي فيروس كورونا.