كشف عنه الشمري.. لماذا كافأ الكاظمي قاتل متظاهري العراق بالترقية؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تزال السلطات العراقية تتكتم على نتائج التحقيق في قضية مقتل 700 متظاهر وإصابة نحو 30 ألفا آخرين خلال الاحتجاجات التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وسط مطالبات شعبية وسياسية للكشف عن المتورطين بإصدار الأوامر لإطلاق النار على المتظاهرين.

مطالبات الكشف عن قتلة المتظاهرين، لم ينقطع بعد مغادرة حكومة عادل عبد المهدي في مايو/ أيار 2020، إلا أنها تصاعدت بقوة بعدما كشف نجاح الشمري وزير الدفاع في عهد الأخير، عن الجهات التي كانت تعطي الأوامر لقتل المتظاهرين خلال تفجر الاحتجاجات.

كشف المستور

تصريحات الشمري خلال مقابلة تلفزيونية في 23 يوليو/ تموز 2020، كشفت عن خطة كانت معدة من قبل الحكومة والقوات الأمنية، لتنفيذ إنزال جوي على المطعم التركي المعروف بـ"جبل أحد" الذي يتحصن فيه المتظاهرون في ساحة التحرير وسط بغداد.

وأوضح أنه فوجئ خلال حضوره اجتماع خلية الأزمة لأول مرة، بناء على طلب عبد المهدي، بوجود نقاش عن تنفيذ عملية "إنزال جوي بالطائرات" على المطعم التركي، لافتا إلى أنه شرح فنيا لرئيس الوزراء خطورة الفكرة، لأن هواء الطائرات سيسقط عددا من المتظاهرين الموجودين أعلى البناية، فضلا عن أن أية حركة غير صحيحة للطائرة قد يسقطها وهذا سيؤدي إلى مقتل ما لا يقل عن 500 شخص، وذلك سيؤدي إلى تعقيد القضية.

وأكد الشمري: "بعد الحديث عن خطوة الإنزال، جرى الاتفاق على عدم تنفيذ الفكرة، لكنه فوجئ باتصال من قائد طيران الجيش آنذاك الفريق أول حامد عطية عند الساعة الثانية ليلا، يبلغه بتلقيه أوامر لإنزال جوي بسبع طائرات، فأخبره أن الموضوع تم إلغاؤه، وعاد ليتصل به بعد ربع ساعة وقال له: "سيدي اتصل بي الضابط (لم يكشف اسمه) وهو ضابط برتبة كبيرة وقال لي نفذ الأمر!! وهناك جهة ستقوم بالإنزال".

وأضاف الشمري أنه اتصل برئيس الوزراء ولم يرد، ما دفعه للاتصال برئيس الجمهورية وإبلاغه بالقضية، حيث أمر بتأجيل العملية. وبلغ قائد طيران الجيش بتأجيل العملية.. وفي اليوم التالي كان هناك اجتماع مع عبد المهدي، وأبلغ رئيس الوزراء عن ضابط كبير بمكتبه وجه بتنفيذ عملية الإنزال الجوي- وكان جالسا أيضا بالاجتماع- وتبين أن رئيس الوزراء لم يكن على علم بالأمر تماما.

لكن الأدهى من ذلك، أن الضابط الكبير الذي اتهمه الشمري بخلق الفوضى التي كانت سببا في قتل المتظاهرين، لم يتعرض له أحد، بل لا يزال يشغل منصبا كبيرا بالدولة، فضلا عن أن رئيس الحكومة الحالية مصطفى الكاظمي يعرف ذلك شخصيا، كونه كان جالسا حينها في الاجتماع بصفته رئيسا لجهاز المخابرات.

وتعليقا على ذلك، يقول الكاتب علي الكاش خلال مقال نشره بموقع "كتابات" في 29 يوليو/ تموز 2020: إن تصريحات الشمري تكشف أن رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي كان يكذب على الشعب عندما ادعى أنه شكل لجنة لمعرفة قتلة المتظاهرين، في إشارة إلى علمه المسبق بمن قتلهم كونه كان حاضرا للاجتماع ذاته الذي كشف تفاصيله وزير الدفاع السابق.

وبخصوص هوية الضابط التي لم يكشفها الشمري في حديثه، رأى الكاش أنه يقصد "الفريق عبد الأمير يار الله، هو من تمرد على أوامر القائد العام للقوات المسلحة، حيث أوعز لمدير طيران الجيش بتنفيذ المهمة رغم إلغائها من رئيس الوزراء، ولم يحاسبه عبد المهدي عن التمرد على أوامره".

ولفت إلى أن "يار الله مازال من كبار القادة في الجيش وتمت ترقيته في زمن الكاظمي وعينه رئيسا لأركان الجيش، فكيف عينه الكاظمي بهذا المنصب وهو يعرف أوليات الحادث وتمرد يار الله على القائد العام للقوات المسلحة؟".

الأمر الأكثر غرابة، بحسب الكاتب: لماذا تغاضى الكاظمي عن الحقيقة حول إكمال اللجنة السابقة التحقيق حول قتلة المتظاهرين، وأنها رفعت الملف كاملا إلى القضاء؟ ولماذا شكل لجنة جديدة للتحقيق في ملف القتلة، طالما أن التحقيق أنجز كاملا وأنه في عهدة القضاء؟ أليس الكاظمي أحد المشاركين في لجنة التحقيق وعلى معرفة بكل تفاصيلها، ألا يعني هذا أنه يماطل ويسوف بلجنته الجديدة؟ وهل يمكن الوثوق به بعد أن تكشفت الحقائق؟.

استحالة المحاكمة

التساؤل الأكثر أهمية بعد المعلومات التي كشفها الشمري، يدور حول مدى إمكانية أن تتعاطى السلطات العراقية مع شهادة وزير الدفاع في عهد عبد المهدي، وتميط اللثام عن التحقيق بخصوص قتل المتظاهرين، وإحالة المتورطين إلى القضاء؟.

وفي هذه النقطة، أفاد الكاتب علي الكاش: "أقول للمتظاهرين: لا تظنوا أن الكاظمي سيثأر لدماء شهداء وجرحى انتفاضة أكتوبر، ولا أن يكشف الحقيقة، ولا أن يعترف بفشله، ولا تظنوا أن القضاء سيفتح أيا من ملفات القتل والفساد، فالعراق بحاجة إلى ثورة تقتلع الفاسدين والإرهابيين، وليس إلى انتفاضة سلمية تكون أشبه بريشة تتلاعب بها رياح المليشيات الولائية (موالية لإيران) وقوات مكافحة الشعب (الشغب)".

أما السياسي العراقي عقيل الرديني، فكشف خلال تصريحات صحفية في 30 يوليو/ تموز 2020 عن الطريقة التي يمكن فيها التحقيق مع المسؤولين المتهمين بقتل وقمع المتظاهرين أو من يمتلكون معلومات ومن بينهم رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.

وقال الرديني: "التحقيق الذي جرى بشأن عمليات القتل والقمع بحق المتظاهرين إداري، والتحقيق الإداري لا يمكن له أن يستدعي شخصيات أو يصدر مذكرات قبض".

ولفت إلى أن "حكومة الكاظمي، عليها إحالة نتائج هذا التحقيق الإداري إلى مجلس القضاء الأعلى حتى يكون الملف قضائيا، وللقضاء الصلاحيات في استدعاء أو القبض والتحقيق مع أي شخصية يمكن أن تفيدها في هذا الملف، بما فيها رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي أو أعضاء حكومته، ممن يمتلكون معلومات أو أدلة عن الجهات والشخصيات المتورطة بعمليات قمع وقتل المتظاهرين".

وفي السياق ذاته، طالب رئيس لجنة الأمن والدفاع، محمد رضا آل حيدر، الشمري بأن يكشف عن الضابط الذي تمرد على عبد المهدي، لمحاكمته، لأنه ضابط غير كفء وتعمد قتل المتظاهرين من خلال طرح مثل هذه الخطط لمواجهتهم.

إسقاط التهم

ما قدمه الشمري من معلومات، جاءت بعد تبرئته من اتهامات رفعت ضده في السويد بالمساهمة في قتل المتظاهرين العراقيين في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، كما أنه تمكن من العودة إلى السويد، حيث يقيم حاليا كونه يحمل الجنسية السويدية.

أفادت صحيفة " إكسبريسن" السويدية، بأن السلطات في البلاد أسقطت الشبهات الجنائية المتعلقة بوزير الدفاع السابق نجاح الشمري الذي عاد إلى المملكة الإسكندنافية مؤخرا، خاصة تلك المرتبطة بقتل المتظاهرين.

وناقش تقرير صحفي عددا من الجزئيات المتعلقة بملف اتهام الوزير السابق بقتل المحتجين، والاتهامات الموجهة له في السويد، وملف ما يعرف إعلاميا بـ"الطرف الثالث"، والفساد في وزارة الدفاع، والجهة التي رشحته لتولي الحقيبة الوزارية السيادية.

واتهم الشمري خلال تصريحات أطلقها من باريس في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، "طرفا ثالثا" (لم يسمه) بالوقوف وراء قمع المتظاهرين وقتلهم باستخدام بنادق وقنابل غازية لم تستوردها الحكومة، وإنما جاءت خارج سياق الدولة، حسب تعبيره.

صحيفة "إكسبريسن" السويدية نقلت في 29 يوليو/ تموز 2020، تأكيد مصلحة الضرائب السويدية الحكومية والمدعي العام وأحد أقرباء الشمري عودة الوزير السابق إلى السويد. كما نقلت الصحيفة عن مصادر في وزارة الدفاع أنه غادر العراق قبل شهرين. 

وكانت النيابة العامة السويدية قد حققت في صحة بلاغات اتهمت الشمري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية تشمل قتل متظاهرين خلال احتجاجات في العراق الأخيرة، وفقا لوسائل إعلام سويدية. 

وقال نائب رئيس الادعاء العام في "الوحدة الوطنية لمكافحة الجريمة الدولية والمنظمة"، مونس بيوركلوند، لـ"إكسبريسن": إن التحقيق الأولي في جميع التهم جرى إغلاقه بقرار من المدعية العامة نيلا فريسيل. ولم تتمكن الصحيفة من الحصول على تعليق منها لكونها في إجازة. 

وجاء في قرار إغلاق التحقيق الأولي أنه "لم يعد هناك من موجب لاستكماله، وأنه لا يمكن إثبات أن الشخص أو الأشخاص المشتبه بهم قد ارتكبوا جريمة"، حسبما نقلت الصحيفة السويدية. 

وبيّن الشمري في مقابلته التلفزيونية أن أحدا لم يسأله في السويد أو من أية جهة أخرى عن أية جرائم ضد المتظاهرين، وأن الادعاء العام السويدي برّأه من كل ما وُجه إليه من تهم في الصحف السويدية ومواقع التواصل الاجتماعي.