لإضعاف موقفها في ليبيا وسوريا.. كيف تضغط روسيا بأرمينيا على تركيا؟

سليمان حيدر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

اشتباكات متقطعة لكنها الأعنف منذ سنوات بين الجيش الأذربيجاني ونظيره الأرميني على الحدود بين البلدين، تثير القلق حيال تفجر نزاع كبير بينهما وسط دعوات للتهدئة وأخرى تطالب بانسحاب أرمينيا من الأراضي الأذربيجانية التي احتلتها عام 1992.

التصعيد هذه المرة جاء بعد أسبوع واحد من مباحثات جرت بين وزيرا خارجية أذربيجان وأرمينيا بحثا خلالها جهود حل النزاع على إقليم قرة باغ المكون من 5 محافظات الذي احتلته أرمينيا إلى جانب 5 محافظات أخرى غربي البلاد وأجزاء واسعة من محافظتي آغدام وفضولي تمثل 20 % من مساحة الأراضي الأذربيجانية.

بدأ التصعيد من الجانب الأرميني بقصف مواقع للجيش الأذربيجاني في منطقة توفوز الحدودية في 12 يوليو/تموز 2020، لتبدأ الاشتباكات المتقطعة بين الجيشين على مدار الأيام الماضية لكن الاشتباكات هذه المرة أخذت بعدا آخر بعد توسيع الجيش الأرميني مناطق القصف لأبعد من المناطق المعروفة بمناطق خط الجبهة أو مناطق خط وقف إطلاق النار.

ويرى الأذربيجانيون أن أرمينيا تهدف من خلال هذا التصعيد إلى التهرب من أزمات سياسية واقتصادية داخلية عبر خلق توترات مصطنعة.

يؤكد ذلك تصريحات وزير خارجية أذربيجان ألمار محمدياروف التي قال فيها: إن أرمينيا تهدف من خلال الاعتداءات الأخيرة  إلى إدخال دول أخرى في الصراع بين البلدين وإبعاد المجتمع الأرميني عن الأزمات الداخلية.

فيما اعتبر جيجون ممادوف عضو البرلمان الأذربيجاني وممثل البرلمان في منظمة المؤتمر الإسلامي في تصريحات تلفزيونية مع قناة "تي آر تي عربي" أن أسباب الاعتداءات المتواصلة من الأرمن هي أسباب عرقية عميقة مشيرا لوجود خطة أرمينية ونية لتأسيس ما يسمى بدولة أرمينيا الكبرى.

استهداف تركيا

تعد مقاطعة توفوز من أهم المواقع الإستراتيجية بين تركيا وأذربيجان حيث تقع عليها خطوط الطاقة والنقل عالية الأهمية في المشاريع المشتركة بين البلدين، وترى تركيا أن سعي أرمينيا للسيطرة على بعض المرتفعات في تلك المنطقة الهدف منه هو جعل تلك الخطوط في مرمى نيرانها. 

يقول أستاذ القانون الدولي بجامعة إسطنبول سمير صالحة: "المسألة هذه المرة تختلف عن أزمة قرة باغ"، معللا ذلك باختيار مكان القصف الذي يقع على بعد 300 كم من الإقليم وبالتحديد بمنطقة توفوز ذات الموقع الإستراتيجي الهام.

وأوضح صالحة في مقابلة تلفزيونية مع قناة "تي آر تي عربي" أنه يمر عبر منطقة توفوز الحيوية خط السكك الحديدية (باكو - تبليسي - قارص)، وخط أنابيب النفط (باكو - تبليسي - جيهان)، وخط أنابيب الغاز الطبيعي الأذربيجاني التركي، مشيرا إلى أن المنطقة جزء من خطة خط الحرير المرتبط بالإستراتيجية الصينية التي تعتبر تركيا نفسها جزءا منها.

وتشير عضو البرلمان الأذري عن منطقة توفوز، غانيرة باشاييفا، في تصريحات لوكالة الأناضول إلى أن "توفوز هي المنطقة البرية الوحيدة التي تصل بين أذربيجان وتركيا عبر جورجيا وأن خطوط الطاقة والنقل التي تمر من المنطقة تربط أذربيجان بالغرب"، مؤكدة سعي أرمينيا لقطع هذا الطريق وأنها يمكن أن تلجأ لاستهداف خطوط الطاقة والنقل في أي لحظة من أجل السيطرة على هذه المنطقة الإستراتيجية.

وربما تكون تلك الأسباب جزءا من الدوافع التي جعلت تركيا تعلن صراحة وقوفها بكامل قوتها خلف أذربيجان لصد العدوان الأرميني على أراضيها. 

ويجسد الموقف التركي تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان في 14 يوليو/تموز 2020، التي أكد فيها أن تركيا لن تتردد في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان التي وصفها بـ"الدولة الشقيقة والصديقة"، معلنا في الوقت ذاته إدانته للاعتداءات الأرمينية. 

وتوالت ردود الأفعال التركية بعد ذلك على جميع المستويات وكان أبرزها تصريحات رئيس قطاع الصناعات الدفاعية، إسماعيل دمير، عبر حسابه بتويتر، في 17 يوليو/ تموز 2020، والتي قال فيها: إن الصناعات الدفاعية التركية هي دائما تحت تصرف أذربيجان.

مناطق اشتباك 

تشتبك كل من روسيا وتركيا في العديد من الملفات الهامة في الشرق الأوسط ويربط الكثير من الخبراء بين ما يحدث في أذربيجان والصدام الروسي التركي في ليبيا وسوريا ومناطق أخرى. 

وتصطدم التطلعات الروسية في الشرق الأوسط بحاجة تركيا لحفظ أمنها القومي وحدودها ووقعت الدولتان اتفاقا للتهدئة في مارس / آذار 2020، في شمال سوريا حيث تدعم روسيا تنظيم واي بي جي/ بي كا كا الإرهابي التابع لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا والذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية وترفض وجوده بالقرب من حدودها لنزعته الانفصالية. 

كما تشتبك روسيا مع تركيا في ليبيا حيث تدعم أنقرة حكومة الوفاق المعترف بها دوليا برئاسة فايز السراج مقابل دعم روسيا للانقلابي خليفة حفتر خلال هجومه على العاصمة الليبية طرابلس منذ أبريل/نيسان 2019، حيث أرسلت له المئات من مرتزقة فاغنر ومدته بالعتاد والسلاح. 

أبعاد أخرى

في مقالة نشرتها إندبندنت عربية بتاريخ 18 يوليو/تموز 2020، قال الباحث السياسي باسل الحاج جاسم: إن "الاشتباكات بين البلدين لم تتوقف قط منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 1994، وأن البلدين يشهدان نزاعا منذ القرن الماضي حول إقليم "قرة باغ" الذي يسكنه غالبية أرمينية.

لكنه يرى أن المواجهات التي وقعت هذه المرة على بعد 300 كيلو متر من ذلك الإقليم وبالتحديد في منطقة توفوز لا يمكن النظر إليها بعيدا عن أبعاد إقليمية ودولية تعيشها منطقة الشرق الأوسط الكبير (الشرق الأوسط، آسيا الوسطى، القوقاز).

ويبرر جاسم التأثير الروسي على أرمينيا من خلال حاجة الدولتين لبعضهما ويقول في مقالته: إن روسيا تحتاج إلى أرمينيا كحليف تقليدي كما أن أكبر جالية أرمينية خارج البلاد تقع في روسيا.

وأضاف جاسم: "تدخل أرمينيا مع موسكو في منظمة الأمن الجماعي، وتحالفات اقتصادية إقليمية أخرى، وفي ظل النزاع الجورجي - الروسي، تحتاج موسكو أيضا إلى أذربيجان كبلد يحتل موقعا جغرافيا سياسيا مهما".

ويشير جاسم إلى حاجة أرمينيا إلى موسكو في ظل العداء التاريخي بينها وبين تركيا، لكن أرمينيا تتردد في زيادة التقارب مع روسيا رغم إبرامها تحالفا طويلا يتضمن بقاء القاعدة العسكرية الروسية على أراضيها حتى 2044 . 

ويرى سمير صالحة، أن التنسيق التركي مع أذربيجان معروف وله أكثر من سبب ورابط سواء عرقيا أو سياسيا أو تاريخيا أو اقتصاديا، مشيرا إلى وجود الكثير من المصالح المشتركة بين البلدين، وأن الهدف من الاستفزازات الأرمينية هو توجيه رسالة إلى تركيا وأنه لا يمكن فصل هذا التصعيد عما يجري في ملفات ساخنة أخرى.

واعتبر أن تجديد التوتر هو رسالة روسية بالدرجة الأساسية لإزعاج أنقرة ومحاولة لإرباك أنقرة في أكثر من جبهة إقليمية موضحا أنه لهذا كان الرد التركي واضحا ليس فقط بالوقوف إلى جوار أذربيجان بل ومسارعتها بتنسيق الزيارات والمواقف على مستوى القيادات العسكرية. 

روسيا وأرمينيا

رئيس مركز الشرق للبحوث في واشنطن د. سمير التقي، يرى أن المنطقة التي تم قصفها لها علاقة مباشرة بقضية أنابيب النفط وامتدادها نحو البحر المتوسط وبالتالي هي تشكل تهديدا لأذربيجان وتركيا بالذات مؤكدا في تصريحات إعلامية أن القضية لها أبعاد جيوإستراتيجية وهي ليست فقط قضية عرقية يستخدم فيها العرق والدين.

واعتبر التقي أن أرمينيا اتخذت من الخلاف التركي الروسي في عدة مناطق فرصة لاصطياد الوضع إلا أنه أكد أنها عمليا لن تستطيع تحقيق أي شيء ملموس من الناحية العسكرية وأن هذا التوتر يفيدها في أن تبرر وجودها عمليا كمنصة يمكن لروسيا استخدامها للضغط على تركيا. 

وأكد أن أرمينيا لا يمكن لها أن تغامر في أي عملية عسكرية رئيسية أو حتى بهذه التحرشات بدون أن يكون هناك تغطية عسكرية وأمنية روسية.

وحسب وكالة سبوتنيك الروسية تمتلك موسكو قاعدة عسكرية في أرمينيا تحتوي نحو 5 آلاف جندي.

كما نشر موقع "تي آر تي وورلد"، تقريرا فند فيه أسباب الدعم الروسي لأرمينيا وقال: إن أرمينيا نظرت إلى روسيا باعتبارها حامية لها ويرجع هذا إلى حقيقة أنها دول  تشترك في العقيدة المسيحية الأرثوذكسية في المقام الأول، وفي الوقت نفسه، تطلبت سياسة موسكو من الحكومة أن تقمع التطلعات الإسلامية والتركية عبر تلك المناطق، بينما تتحالف مع دول صديقة مثل صربيا وأرمينيا، وتستخدمها لخلق مناطق نفوذ عبر البلقان والقوقاز.

كما تبدو أرمينيا بحكم الواقع منطقة من مناطق روسيا، حيث تسيطر موسكو على الاقتصاد الأرميني تقريبا، كما أن دفاع أرمينيا أيضا يقع على عاتق روسيا من خلال القاعدة العسكرية الموجودة على أراضيها.

يقول بولنت أراس، أستاذ العلاقات الدولية في مركز إسطنبول للسياسات: إن الدولتين الروسية والأرمينية تتمتعان بعلاقات عسكرية واقتصادية وثيقة تتجاوز حدود التحالف الطبيعي، كما أن وجود القاعدة العسكرية الروسية جعل الأرمن يشعرون بالدعم الروسي مقابل شعور الأذريين بأن تركيا معهم حيث تمتلك أنقرة قاعدة عسكرية في أذربيجان وتقف تاريخيا مع باكو ضد يريفان.

ويعتبر المحلل السياسي في أوراسيا أشرف يالينكيليكي في تصريحات لموقع "تي آر تي وورلد"، عدم وجود علاقات رسمية بين تركيا وأرمينيا بسبب مشاكل سياسية حادة بين البلدين، تتراوح بين حوادث عام 1915 وعلاقات يريفان الضمنية مع حزب العمال الكردستاني والجماعات الإرهابية الأرمينية السابقة مثل "أصالة"، التي اغتالت العديد من الدبلوماسيين الأتراك في السبعينيات والثمانينيات. 

كما نوه إلى استخدام روسيا للصراعات العرقية في منطقة جنوب القوقاز لمصلحتها الخاصة، وتتمثل إستراتيجيتها في منع الصراعات من الانفجار لكنهم يريدون إبقاءهم متوترين حتى لا تشعر أذربيجان ولا أرمينيا بالقوة الكافية لتشعر بالاستقلالية.

وأضاف يالينكيليكي: "هناك أيضا جهد روسي ضمني للحد من التأثير الجغرافي السياسي لتركيا في القوقاز وعبر مناطق أخرى، حيث تواجه موسكو وأنقرة بعضها البعض مؤخرا". 

وفي تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية اعتبرت أن الوضع القائم بين باكو ويريفان حاليا وسيطرة أرمينيا على عدة مناطق أذربيجانية يرضي مصالح روسيا الساعية إلى ترسيخ نفوذها في الجمهوريات السوفيتية السابقة. 

وفي الفترة بين 1991 و1993 احتلت أرمينيا إقليم قرة باغ وعدة محافظات أخرى محيطة بالإقليم غربي أذربيجان خلال الحرب التي دارت بينهما في تلك الفترة، حتى تم التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النار بينهما في عام 1994. 

وحسب "تي آر تي وورلد"، يمكن القول بأن اللوبي الأرميني هو أقوى اللوبيات في موسكو حيث يدير بعض الصحفيين البارزين من أصل أرميني وسائل الإعلام الروسية كما أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والده أرميني.