دراسة أميركية: هل تتحول "الحوثي" إلى حزب الله جديد؟

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

تحدثت دراسة أميركية عن آفاق تطور العلاقة بين إيران وجماعة الحوثيين في اليمن،  وسيناريوهات تحول المليشيا إلى "حزب الله" جديد في المنطقة، في ظل استمرار الحرب بينها وبين التحالف السعودي الإماراتي.

وقدمت مؤسسة راند البحثية الأميركية، أربعة سيناريوهات قالت: إنها ستحكم مستقبل العلاقة بين الحوثي وإيران التي تدعم الجماعة منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء عام 2015.

وقالت: "منذ عام 2015، أخذت إيران في الاستثمار بشكل كبير في حركة الحوثيين، مما جذب الأنظار والتكهنات إلى احتمالية تحول الحوثيين إلى وكيل إقليمي آخر يعمل على حماية وتعزيز المصالح الإيرانية في المنطقة".

لجأت إيران مرارا إلى بناء علاقاتها  على مبدأ "الداعم والوكيل" لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط وإضعاف خصومها مع التقليل من مخاطر الدخول معهم في صراع مباشر.

وتكمن أهمية الحوثيين بالنسبة لطهران، في تحقيقها هدفين رئيسين هما: تسهيل وصول إيران إلى البحر الأحمر وتزويد الجمهورية الإسلامية بوسيلة لمضايقة خصمها اللدود؛ المملكة العربية السعودية.

وبالنظر في استثمارات إيران في مجال الحرب بالوكالة، وجدت الدراسة تفاوتا ظاهرا في نجاحها في بعض المناطق، كما أنه لا توجد ضمانة للاستثمار الإيراني في تحويل الحوثيين إلى وكيل موثوق به يحقق مصالحها الخاصة.

سوق للمقاتلين

المرحلة الأولى من نموذج "دخول السوق والاستثمار" التي تستخدمه إيران هي استكشاف الفرص. تم افتتاح سوق الحرب بالوكالة في اليمن على نطاق واسع بعد عام 2011، مع انهيار الحكومة وزيادة الطلب من قبل الحوثيين في التوسع السياسي والعسكري السريع.

خلقت السيطرة الوطنية الضعيفة وطرق التهريب القوية ظروفا مواتية لإيران لدفع العتاد إلى اليمن دون مخاطر أو تكلفة عالية.

كما زادت جاذبية هذا السوق بالنسبة للإيرانيين نظرا للتوترات الإيرانية السعودية المتزايدة، وبعد التدخل السعودي في اليمن أتيحت الفرصة لإيران لتكبيد الجيش السعودي تكاليف مرتفعة بسبب الصراع هناك، مع انخفاض خطر المواجهة المباشر بالنسبة للإيرانيين.

وعلى الرغم من أن التركيز الإعلامي غالبا ما يكون على الدعم الإيراني للحوثيين، إلا أن إيران نظرت ودرست عددا من الوكلاء في اليمن.

المرحلة الثانية من نموذج دخول السوق والاستثمار، كانت مرحلة العوائق الطبيعية أمام الشراكة الحوثية-الإيرانية، مثل الاختلاف المذهبي بين شيعية الإيرانيين المنتمين للمذهب الإمامي الإثني عشري والحوثيين المنتمين للجارودية من فرقة الزيدية.

وقد كانت إيران قبل عام 2014 تستكشف العلاقات مع الشركاء المحتملين الآخرين، مثل الحركة الانفصالية الجنوبية، لتنويع وكلائها في المنطقة. 

ومع ذلك، أثبت الحوثيون أنهم الخيار الوحيد القابل للتطبيق في اليمن منذ بدء الحرب، وقد تحولت إيران إلى المرحلة النهائية من النموذج المطروح وهي: مرحلة الاستثمار.

اتخذ دعم إيران أشكالا مختلفة، لكن الأهم -على الأرجح- هو تزويد الحوثيين بالأسلحة المتطورة، مثل الصواريخ البالستية، التي أمدت المليشيا بقدرات جديدة. وبهذا اكتسبت الجماعة الحوثية في اليمن القدرة على ضرب الرياض وصارت هاجسا أمنيا يؤرق الحكومة السعودية.

وتعد تكلفة ومخاطر الإمداد المادي منخفضة بالنسبة لإيران طالما أن الحوثيين يمكنهم الحفاظ على علاقات جيدة مع القبائل والجهات الفاعلة على طول خط الإمداد بين اليمن وعمان. 

ويبقى السؤال المحوري لهذا البحث هو: ما إذا كان الحوثيون سيوفرون عائدا جيدا على الاستثمار الإيراني في اليمن؟

وتقول مؤسسة راند: "لا يعتمد الحوثيون فقط على الدعم الإيراني، فقد أوجدوا مصادر دخل خاصة من خلال فرض ضرائب على الشحنات عبر ميناء مدينة الحديدة وتحصيل الإيجارات وأنشطة التهريب. وتوفر مصادر الدخل المستقلة هذه، بالإضافة إلى الدعم الإيراني، درجة من النفوذ للحوثيين أو على الأقل تسيير إدارة الحكم الذاتي".

ومما يجدر الإشارة إليه أن مصالح وأهداف الحوثيين والقيادة الإيرانية لا تتوافق بالضرورة في جميع القضايا.

فعلى الرغم من أن الاثنين يشتركان في عداوة السعودية، فإن الحوثيين يركزون على مصالحهم المحلية. فهم بالمقارنة مع وكلاء إيران الآخرين، أقل ميلا لتصدير الأيديولوجية الثورية.

ومن جهة أخرى، فإنه ومع رفع إيران لخطاب نصرة الجماعات المهمشة، فإنها تظل دولة براغماتية تبحث عن مصالحها الذاتية. وعليه فإن العلاقة بين الحوثي والإيرانيين أشبه بالعلاقة التجارية. 

سيناريوهات المستقبل

بسبب طبيعة العلاقة بين الطرفين، فمن الممكن أن تتغير الظروف التي يعمل فيها الحوثي فجأة وبشكل كبير، كما أن ثمة احتمالية لتطور العلاقة بينهما  في المستقبل واتخاذ مسارات مختلفة.

تطرقت الدراسة إلى 4 سيناريوهات لها آثار مختلفة على علاقة الحوثيين بإيران وآفاقها على المدى الطويل. تتمحور هذه السيناريوهات حول دافعين رئيسيين: نجاح الحملة العسكرية للحوثيين، ونجاح الحوثيين في تحولهم كلاعب سياسي شرعي في اليمن. 

السيناريو 1: يستمر الجمود السياسي والعسكري الحالي، ويسيطر الحوثيون على الأرض لكن حكومة عبد ربه منصور هادي والتحالف بقيادة السعودية يواصلان رفض أي حل وسيط مع الحوثيين.

في هذا السيناريو، نرى أن علاقة الشراكة الحالية بين الحوثيين وإيران لا تزال مرضية لكلا الطرفين. فالحوثيون الآن لا يفضلون الخضوع للأجندات الإيرانية بشكل تام، ولا يرغبون في أن يكونوا مرهونين لها.

ولكن في حال قبلوا المزيد من الدعم الإيراني بشكل كبير، فقد يصبح الحوثيون أكثر طواعية للأجندة الإيرانية، الأمر الذي من شأنه أن يقدم وظائف جديدة للمليشيا.

من ناحية أخرى يخدم هذا السيناريو المصالح الإيرانية؛ فالمستنقع العسكري يتماشى إلى حد كبير مع إستراتيجية إيران الإقليمية وأهدافها المباشرة للصراع وإنهاك السعودية، والحفاظ على عدم الاستقرار على طول حدود المملكة.

مع تحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية، من المرجح أن تقبل إيران الحد الأدنى من السيطرة التي تمارسها على الحوثيين. ومع أن هذا النوع من العلاقات بين الطرفين مستقر على المدى القريب، إلا أنه توازن هش على المدى الطويل بالنظر إلى أن عاملا ما في نهاية المطاف سوف يكسر الجمود العسكري الحالي.

السيناريو 2: يحتفظ الحوثيون بأرض ولكن المجتمع الدولي يضغط على التحالف وحكومة هادي لتبني اتفاقية تقتضي تقاسم السلطة في حكومة انتقالية جديدة.

إذا تحقق هذا السيناريو، فإننا نتوقع أن يظل الحوثيون مجموعة عسكرية مسلحة إلى جانب وجودهم كمنظمة سياسية، على غرار حزب الله (في لبنان).

وفي مثل هذا السيناريو، سيكون الحوثيون شريكا أكثر جاذبية لإيران، وستسعى طهران لتوسيع استثماراتها في جماعة الحوثي لتحويلها إلى شريك دائم.

من المرجح أن تستفيد إيران من حاجة الحوثيين إلى قدرات عسكرية كبيرة ودعم مالي لتعزيز نفوذها السياسي والاستفادة من هذه الاحتياجات لرعاية اعتماد الجماعة على الدعم الإيراني.

وقد يكون هذا السيناريو هو الأكثر خطورة على الأمن الإقليمي والمصالح الأميركية، كما أنه لن يؤدي فقط إلى زيادة تأثير إيران، وإنما ستساهم نقاط ضعف الفصائل السياسية الأخرى في اليمن إلى تحويل هذا العلاقات بين الحوثيين وطهران إلى تحالف أكثر نضجا وإلى قوة مهيمنة في السياسة اليمنية

السيناريو 3: يقتصر الحوثيون على صعدة ويتم استبعادهم من السلطة السياسية. سيزيد هذا السيناريو من طلب الحوثيين للدعم الإيراني بالطريقة نفسها التي أنتجتها الحرب اليمنية الحالية، حيث ساهم الضغط السعودي على الحوثيين إلى الاقتراب أكثر من إيران.

حتى في وضع ضعيف إستراتيجيا، يمكن للحوثيين أن يظلوا وكيلا قيّما لإيران؛ فهم في هذه الحالة قادرون وعلى أتم استعداد للضرب في عمق الأراضي السعودية. 

كما قد يعزز وضع الحوثي الضعيف من مصلحة إيران، حيث يمكن أن يحوله اليأس إلى وكيل أكثر مرونة ومطاوعة للتعليمات الإيرانية. 

حينها يمكن جعل دعم إيران مشروطا، مما يجبر الحوثيين على تركيز المزيد من عملياتهم على المملكة، وبالنظر إلى تدهور القدرات العسكرية الحوثية والعداء المتزايد للسعوديين، فإنه من الراجح جدا أن يبادر الحوثيون إلى قبول العرض الإيراني.

ومع ذلك، قد ترتفع مخاطر وتكلفة الدعم العسكري المقدم للحوثيين، وقد تؤدي التكاليف الباهظة إلى جعل إيران تبحث عن شركاء محتملين آخرين.

السيناريو 4: يفقد الحوثيون أراض لكن المجتمع الدولي يضغط بشكل أكبر على هادي وحلفائه في التحالف للتوصل إلى حل سياسي يتضمن على الأقل بعض التمثيل للحوثيين.

يمكن أن يتسبب هذا السيناريو في حدوث انقسام في حركة الحوثيين، بحيث يستفيد المعتدلون من الاندماج السياسي ويختار المتشددون بدلا من ذلك الدعم الإيراني ووضع أنفسهم ضد الحكومة.

حتى في وضع ضعيف كهذا، ستمثل عناصر الحوثي المتشددة وكيلا جذابا لإيران، ومن المرجح أن يهتم النظام الإيراني بإطالة العلاقة مقابل استمرار العمليات ضد المملكة العربية السعودية.

ومع ذلك، قد تجد إيران بسبب المشاكل التي تعانيها داخليا صعوبة متزايدة في دعم العناصر الحوثية المتشددة ضد الحكومة اليمنية الانتقالية الجديدة.

في حين أن الحكومة اليمنية لا تزال محدودة في نطاقها العام، فإن إدراج عناصر الحوثي المعتدلة سيزيد من الوصول العسكري إلى صعدة.

وفي الوقت نفسه، سيكون لدى الحوثيين المهمتين بالحفاظ على مواقفهم السياسية الجديدة والمزايا المرتبطة بها، حافز للمساعدة في إرجاع القوات المتشددة وضبطها في صعدة.

مثل هذه الظروف ستقيد تحركات إيران وعملياتها ليس فقط في صعدة فقط ولكن في كل اليمن.

في نهاية المطاف، ستزداد تكاليف إيران لدعم الحوثيين، في حين ستقل الفوائد المتوقعة منهم. كما أنه سيكون من الممكن لحكومة هادي تقويض المنظمة من خلال اختيار أجزاء من حركة الحوثيين ودمجها في العملية السياسية، مما يقلل من قيمتها المحتملة لإيران.

سيناريوهات مرجحة

هناك عاملان رئيسيان من المحتمل أن يساعدا المراقبين على فهم السيناريوهات التي يمكن أن تحدث وهما: إحياء المؤتمر الشعبي العام، والصراع الداخلي بين أعضاء التحالف. 

من الممكن إعادة تشكيل شبكة (الرئيس السابق علي) صالح السياسية من قبل حكومة الجمهورية اليمنية وقواتها العسكرية التي أعاد التحالف بناءها.

ولكي يحدث ذلك، قد يحتاج شخص ما إلى المطالبة بمنصب صالح القيادي وحشد الحرس القديم في المؤتمر الشعبي العام، وتتوقع الدراسة أن نجل صالح، أحمد علي والقائد الميداني للحكومة اليمنية ونائب الرئيس، علي محسن الأحمر، يمكن أن يكونا على رأس الترشيحات لهذه المهمة.

العامل الحاسم الآخر الذي سيرجح أحد السيناريوهات هو مستوى التفاهم والتنسيق بين أعضاء التحالف.

كانت القوات الإماراتية والسعودية حاسمة في المجهود الحربي، وستلعب خياراتهم المستقبلية دورا رئيسيا في تحديد مقدار وسرعة خسارة الحوثيين للأراضي، وفق الدراسة.

أهم هذه الخيارات يتعلق بالحملة التي طال انتظارها لاستعادة مدينة الحديدة الساحلية من الحوثيين، وهو أمر حاسم بالنسبة لخطوط الإمداد الحوثية. في حالة سقوط الحديدة، يجب أن نتوقع أن يعاني الحوثيون مزيدا من الخسائر الإقليمية مع تقدم قوات التحالف نحو صنعاء من الغرب والشرق.

في حين لا يبدو أن السعودية ولا الإمارات العربية المتحدة على استعداد لتصعيد القتال بشكل كبير في اليمن، فإن هذا الموقف يمكن أن يتغير فجأة إذا استهدف الحوثيون السكان في أبوظبي أو الرياض بصاروخ. لكن في الوقت الحالي، يبدو أنه من المرجح انهيار التحالف، أكثر من تصعيد إجراءاته ضد الحوثيين. 

ويمثل الصراع الداخلي للائتلاف فرصة نادرة للحوثيين، الذين كانوا الطرف الخاسر في هذه الحرب منذ بدء التدخل السعودي في عام 2015.

وتقول الدراسة: "لدى الحوثيين فرصة لاستغلال هذا الانقسام لدفع الهجوم أو ببساطة تعزيز قبضتهم على صنعاء وسيقدم المسار الذي يسلكونه لمحة عن أهداف تحركاتهم طويلة المدى ويلعبون دورا حاسما في تشكيل المسار المستقبلي للعلاقات بينهم وبين إيران".

وتابعت: "إذا لجأ الحوثيون إلى الحكم الفعال والمنفتح، بدلا من مجرد الحكم عن طريق الإكراه، يمكنهم كسب الشرعية والدعم لضمان طول عمرهم على المشهد السياسي اليمني. القيام بذلك يمكن أن يوفر لإيران حليفا أكثر شراسة، ويعزز قدرة طهران على تشكيل السياسة اليمنية وصد التأثير السعودي".