تكليف المشيشي بالحكومة.. كيف ينقض رئيس تونس عرى الديمقراطية؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلافا لكل التوقعات والتأويلات الدستورية والقانونية، كلف الرئيس التونسي قيس سعيّد في ساعة متأخرة من مساء السبت 25 يوليو/تموز 2020، وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة هشام المشيشي بتشكيل حكومة جديدة.

تكليف المشيشي بالحكومة جاء بعد سويعات من انتهاء المهلة التي منحها سعيّد للأحزاب السياسية والكتل البرلمانية، لتقديم ترشيحاتهم، ورغم تقديم الكتل لأسماء عديدة قبل انتهاء المهلة في 24 يوليو/تموز 2020، إلا أن الرئيس لم يختر أيا منها.

هذا الوضع أثار استغراب طيف واسع من الناشطين السياسيين في تونس، وسط تساؤلات عن فرص المشيشي في نيل ثقة البرلمان، الذي بدوره يعيش أزمة إثر استعداده للتصويت على لائحة سحب الثقة من رئيسه راشد الغنوشي.

هشام المشيشي الذي يتولى حاليا منصب وزير الداخلية في حكومة إلياس الفخفاخ المستقيلة، سبق أن تولى منصب مستشار لرئيس الجمهورية قيس سعيّد، ولازال يحتفظ بعلاقات جيدة مع القصر والمحيطين بالرئيس.

وأمام انتظار استكمال مواقف الأحزاب من التكليف وفي انتظار البدء في مشاورات تشكيل الحكومة لازالت جميع الخيارات مفتوحة خلال هذه الصيف السياسي الساخن في تونس، من بينها خيار حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، قد تغيّر معالم الخارطة السياسية في تونس.

خارج المشاورات

مساء 15 يوليو/تموز 2020، كشفت رئاسة الحكومة التونسية عن تقديم رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ استقالته من منصبه، في استباق للائحة سحب الثقة التي تقدمت بها حركة النهضة الحزب الأول برلمانيا ووقع عليها 105 من أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان)، بعد اتهامات بالفساد وجهت للفخفاخ.

وحسب الدستور التونسي في فصله 89، "يقوم رئيس الجمهورية في أجل 10 أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر".

وقبل ساعات من انتهاء المهلة التي حددتها الرئاسة التونسية للأحزاب لتقديم أسماء مرشحة لرئاسة الحكومة الجديدة، أعلن المتحدث باسم حركة النهضة عماد الخميري عن ترشيح كل من: وزير الاستثمار السابق فاضل عبد الكافي، ورجل الأعمال والقيادي السابق في حزب التكتل الديمقراطي محمد خيام التركي. 

بدوره، اقترح حزب قلب تونس (27 نائبا) نفس المرشحيْن اللذين قدَّمتهما النهضة، وفق ما قال قياديون في الحزب لوسائل إعلام محلية، وهو ما يرجح أن اتفاقا تم بين الحزبين على تقديم نفس المرشحين.

كما ظهر اسم وزير الاستثمار السابق فاضل عبد الكافي ضمن مرشحين اقترحهم كل من حزب تحيا تونس (11 نائبا) بقيادة رئيس الوزراء السابق يوسف الشاهد، والكتلة الوطنية (11 نائبا)، ومجموعة من النواب المستقيلين من تحيا تونس، وحركة "تونس إلى الأمام" غير الممثلة برلمانيا.

أما حزب التيار الديمقراطي (22 مقعدا) فرشح للمنصب وزراءه الثلاثة في الحكومة المستقيلة، وهم: وزير الحوكمة ومكافحة الفساد محمد عبو، ووزير أملاك الدولة غازي الشواشي، ووزير التربية محمد الحامدي. 

في المقابل، رفضت كتلة الحزب الدستوري الحر ( 16 مقعدا) تقديم مرشح عنها لرئاسة الحكومة متمسكة بمقعدها في المعارضة بعد خسارتها في الانتخابات التشريعية الأخيرة. 

كما أعلنت كتلة ائتلاف الكرامة (20 نائبا) مقاطعتها للمشاورات الكتابية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، معترضة على شكلها الذي اعتبرته أفرغ المشاورات من محتواها.  

واعتبر الائتلاف أنه كان محقا في عدم الدخول في المشاورات، بعد أن كلف رئيس الجمهورية شخصية من خارج المقترحات التي تقدمت بها الكتل النيابية، حيث عبّر رئيس الكتلة سيف الدين مخلوف في تدوينة على فيسبوك متهما رئيس الجمهورية بـ"ازدراء المؤسسات وتهميش نتائج الانتخابات والقدح في الشرعية والتعالي على الطبقة السياسية ورفض التحاور معها"، معتبرا أنه "يحلم بلعب دور المُستبد".

 ضد النظام  

مساء 25 يوليو/تموز 2020، استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد بقصر قرطاج هشام المشيشي وسلمه رسالة تكليف لتشكيل الحكومة الجديدة.

وفي إشارة إلى تزامن هذا التكليف مع الاحتفال بعيد الجمهورية، توجه رئيس الدولة للتونسيين متسائلا إلى متى وإلى أين، معبرا عن انشغاله لما استغرقه مسار تكوين الحكومة من نوفمبر/تشرين الثاني 2020. وأضاف أن الاستجابة لمطالب الشعب المشروعة والطبقات المحرومة من أبرز الأولويات.

وشدد قيس سعيّد في تصريح له أن "الحفاظ على السلم الأهلي واجب مقدس لا مجال للتسامح فيه وأن احترام القانون لا يقل قداسة عنه، وأضاف: "نحترم الشرعية لكن آن الأوان لمراجعتها حتى تكون بدورها تعبيرا صادقا وكاملا عن إرادة الأغلبية".  

هذا الموقف اعتبره عدد كبير من المتابعين للشأن التونسي مواصلة قيس سعيّد لنفس المسار الذي انتهجه منذ وصوله إلى رئاسة الجمهورية، حيث دعا في أكثر من مناسبة لسحب الوكالة (الثقة) ممن لم يحفظ الأمانة، وداعيا إلى تغيير النظام السياسي في البلاد.

خيار أمني

المستشار السابق لرئيس الجمهورية عدنان منصر اعتبر تكليف رئيس الجمهورية لوزير الداخلية هشام المشيشي لتكوين حكومة "تكليف السخرية والعقاب"، واعتبر أن "المزعج في عملية التكليف أن الرئيس اختار إحياء "تقليد" قديم، لا يرتاح له أحد، وهو إيصال وزير داخلية مباشر لرئاسة الحكومة.

وأضاف منصر في تدوينة له: "لا أعتقد أن المعنى كان غائبا عن الرئيس، ولا عن أحد من الذين شاركوا في تنضيج القرار، بل إن المسألة تأخذ بعدها الكامل بمراجعة تصريحات وتلميحات وزيارات واستقبالات الرئيس في المدة الأخيرة. الرئيس يرغب في وضع خيار التعامل الأمني كخيار جاهز ضد من يعتبرهم، منذ مدة، خصومه الأساسيين".

وأقر منصر أننا "أصبحنا واقعيا تحت نظام رئاسي، بدستور لنظام شبه برلماني، مع اتجاه واضح لمركزة القرار في يد شخص واحد مستفيدا من بعض ثغرات الدستور، وخاصة من عدم وجود محكمة دستورية. لسوء الحظ، نادرة جدا، في التاريخ، الحالات التي أسفرت فيها هذه الوضعية عن ترسيخ الديمقراطية !".

وذكر منصر "قيس سعيّد لن يكلف أحدا من مرشحي الأحزاب بتشكيل الحكومة، والمقياس الأساسي لديه في الاختيار هو الثقة في أن الشخصية المكلفة ستكون مستعدة لإعادة "الأمانة" إليه عند الضرورة، لأنه ببساطة لن يفرط في ورقة التكليف مجددا بعد أن قدمت إليه على طبق وردي. هذا يفترض ألا يكون لأي مكلف أي سند برلماني قد يشجعه يوما ما على شق عصا الطاعة، وعلى كسر المنطق الذي كلف على أساسه بمهمة تشكيل الحكومة".

كما اعتبر المحامي والقاضي السابق أحمد صواب في تصريح صحفي أن قيس سعيّد أصبح في نفس الوقت محكمة دستورية ورئيس حكومة ورئيس جمهورية.

وعلق صواب على تصريحات قيس سعيّد بأن "الشرعية تحتاج لمراجعة في اتجاه الأغلبية"، بقوله: "أعتقد أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد جهّز لكل شيء ..هناك مراحل سابقة لهذه المسألة وأولها تجاهل الأحزاب والبرلمان وثانيها خطاباته في ثكنات القوات الحاملة للسلاح وخاصة منها العسكرية ثم تلميحه غير المباشر لاعتزامه تفعيل الفصل 80 من الدستور"، مشيرا إلى أن كل هذه التطورات جاءت في ظل غياب أغلبية ائتلافية واضحة.

واتجه عدد آخر من التونسيين لاعتبار أن طريقة الاختيار وشخص رئيس الحكومة يجعل منه "وزيرا أولا " في نظام رئاسي لا رئيس حكومة في نظام برلماني يمتلك صلاحيات واسعة وقادرا على إدارة السلطة التنفيذية دون الرجوع إلى الرئيس والالتزام بقراراته وخياراته وهو ما يعتبر تهديدا للديمقراطية التونسية التي لا تزال نموذجا وحيدا منفردا في المنطقة العربية. 

الناشط السياسي أمان الله الجوهري اعتبر أن "قيس سعيّد بصدد مصادرة العملية السياسية وإتلاف نتائج الإنتخابات الأخيرة فقط لأنها لم تعجبه".

وأضاف في حديث للاستقلال: "لا أدري إن كانت حكومة المشيشي ستمر أم لا،  لأنني أعرف أن الانتهازية هي سيدة الموقف في الحياة السياسية في تونس، لكنني أعلم جيدا أن كل من سيصوت على حكومة المشيشي سيصوت ضد الديمقراطية وسيمنح الشرعية لها، كي نعوض قواعد الديمقراطية بأهواء رئيس يدفع البلاد نحو الفوضى ويغتال الديمقراطية، فمرور المشيشي الذي لا ندري من أين أتوا به سيكون عروة أخرى تُنقض من عرى الديمقراطية التي ضحت من أجلها أجيال بينما كان قيس سعيّد ينعم في أحضان نظام بن علي".

مواقف مترددة

في لحظة أولى انتابت الأحزاب التونسية مثل عموم الشعب لحظة دهشة من تكليف وزير الداخلية هشام المشيشي بتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن عددا منها سارع بإصدار مواقف مرحبة بهذا التكليف. 

حيث قال الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي: إن حركته مرتاحة لاختبار هشام المشيشي من طرف رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة القادمة، وأكد المغزاوي في تصريح لإذاعة "شمس إف إم"، أن هشام المشيشي تتوفر فيه الكثير من المعايير التي كانت قدمتها حركة الشعب في المراسلة الموجهة لرئاسة الجمهورية.

كما عبّر حزب قلب تونس على لسان رئيس كتلته النيابية أسامة الخليفي عن ترحيبه بتكليف المشيشي مؤكدا أن ليس لحزبه أي تحفظ على هذا التكليف.

وكتب الخليفي في تدوينة على فيسبوك: "سنتابع هذا التحول على رأس الحكومة الذي جاء خارج مسار ما يسمى بالمشاورات.. ليس لدينا أي تحفظ على شخص السيد هشام المشيشي بل بالعكس لم نر منه إلا خيرا".

ومع انتظار بدء المشاورات لمعرفة شكل الحكومة المقبل، ومدى قبول الأحزاب بها من أجل منحها الثقة في البرلمان، يتردد الحديث عن إمكانية تشكيل حكومة مصغرة من خارج الأحزاب، أو اختيار عدد من الوزراء من الحكومة المستقيلة دون محاصصة حزبية.

ويوضع مجلس النواب أمام خيار قد يلتجئ إليه رئيس الجمهورية في صورة عدم منح الثقة للحكومة الجديدة، بحل المجلس النيابي ودعوة الناخبين لاختيار برلمان جديد، قد يأتي بشكل مختلف عن البرلمان الحالي، خاصة بعد استطلاعات الرأي الأخيرة في شهر يوليو/تموز 2020، والصادرة عن مؤسستي "إمرود كونسيلتينغ" و"سيغما كونساي"، والتي أظهرت تنافسا حادا بين حركة النهضة والحزب الدستوري الحر على المرتبة الأولى وسط تراجع أحزاب قلب تونس وحركة الشعب والتيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة.