هل ينجح النظام الجزائري في شق الصفوف عبر حوار "الإبراهيمي"؟

زياد المزغني | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم يكن أكثر المتفائلين في الجزائر يتوقع أن تتحول دعوات أطلقت من على منصات التواصل الاجتماعي إلى حراك واقعي على الأرض ينجح خلاله الجزائريون في كسر حاجز الخوف والتمرّد على نظام يسيطر بقبضة من حديد على تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد.

وبإجماع المتابعين فإن الدعوات للحراك لم يكن يقف وراءها أي جهة سياسية أو حزبية في حالة مشابهة لدعوات النزول إلى الشارع التي شهدتها دول عربية بداية العام 2011 إثر نجاح التونسيين في خلع زين العابدين بن علي.

ومع تطور الأحداث خلال الأيام الأخيرة وتقديم النظام لتنازلات بعدم ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة وتأجيل الانتخابات الرئاسية، خرجت دعوات لاختيار ممثلين عن الحراك يتحدثون باسمه ويشاركون في الندوة الوطنية (الحوار الوطني) ويتفاوضون مع النظام، إلا أن هذه الدعوات فتحت تساؤلات وجدلا واسعا بين الناشطين حول الجدوى من هذه الخطوة في هذه المرحلة الحساسة.

مبادرات فيسبوكية

هذه المبادرات الفيسبوكية باختيار رموز وقادة للحراك من بين النشطاء والنخب السياسية الغير متحزّبة، البعض اعتبرها تأتي من منطلق الحرص على استمرار الحراك إلى حين تحقيق أهدافه وتأطيره وإيجاد جهة واضحة للدخول في مفاوضات مباشرة ِمع النظام من أجل قطع الطريق أمام أي مناورة للالتفاف على مطالب الحراك.

إلا أنّ آخرين أكّدوا أن هذه الخطوة تحوي في طياتها أخطارا جمّة، من تقسيم للحراك عبر إيجاد أسباب للخلاف والتفرقة على الأسماء المطروحة، وربط سقف المطالب الشعبية بإرادة ورغبة ممثلي الحراك، وهو ما اعتبره البعض أحد مناورات النظام للالتفاف على مطالب الشعب وضمان استمراره في إدارة البلاد.

الحوار الوطني

الناطق الرسمي باسم حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر حسين خلدون كان من أوائل الداعين لاختيار ممثلين للحراك وهو ما برره في تصريحه لوكالة الأناضول بأن "الحراك الشعبي لابد أن ينخرط في مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس بوتفليقة، كإطار للحوار الهادئ والمسؤول للانتقال السلس للسلطة".

وأضاف "على الحراك المسارعة في اختيار أو انتخاب ممثلين عنه سواء في لجان شعبية أو ولائية (محافظات)، خاصة مع بروز نخب من أساتذة ونشطاء شباب".

وشدد خلدون على أن "مؤتمر الحوار الوطني سيكون الهيئة الوحيدة التي تملك كل الصلاحيات وتمارسها بكل سيادة".

الدبلوماسي المنقذ

وفيما لم يحسم الحراك بعد قراره بشأن اختيار رموزه وقادته والمفاوضين باسمه، كان النظام على ما يبدو قد حسم أمره واختار رمزه في التفاوض والحوار مع الحراك ممثلا في وزير الخارجية الأسبق الأخضر الإيراهيمي مفوضا من أعلى هرم السلطة حتى الآن وهو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي حرص على الاجتماع مع الإبراهيمي فور عودته من رحلة علاجه بجنيف وبالتزامن مع إعلانه عدم الترشح لدورة رئاسية خامسة وتأجيل الانتخابات.

ورغم نفي الإبراهيمي لخبر تعيينه رئيسا للحوار الوطني لكنه أبدى استعداده لتولي المنصب، قائلا في لقاءه مع القناة الجزائرية الثالثة: "لم يحصل تعيين لي أبداً، ولو طلب مني وأنا أشك في ذلك، فهو عبء كبير جدا، ولكن هذا بلدي، وإذا طلب مني وأنا أقدر على ذلك، فلا أستطيع أن أقول لا".

وبعيدا عن تأكيد وسائل الإعلام المحلية بتوجه النظام نحو تعيين الإبراهيمي على رأس اللجنة الوطنية التي ستدير الحوار بين الفاعلين السياسيين وممثلي الحراك، بهدف إيجاد أرضية توافقية تسمح بتجسيد مطالب المحتجين، وبين نفي الإبراهيمي، فإن المعطيات على الأرض تكشف أن الرجل قد بدأ بالفعل التواصل مع أحزاب سياسية وشخصيات وطنية وبعض الناشطين في الحراك الشعبي.

فندق العمليات

وحسبما كشفت عنه صحيفة الخبر الجزائرية في 16 مارس/ آذار 2019 فإن الإبراهيمي انتقل إلى الإقامة بفندق الأوراسي بالعاصمة الجزائر، من أجل ترتيب عدد من اللقاءات التشاورية مع قيادات الأحزاب وممثلين عن الحراك الشعبي، وهو ما تحوّل إلى خبر متداول على وسائل الإعلام المحلية.

وسائل الإعلام تحدثت أيضا عن أن الجناح الرئاسي الذي يقيم به الإبراهيمي قد تحوّل إلى قبلة لعدد من قيادات المعارضة والناشطين من الذين تم توجيه الدعوة لهم.

بعدها سارع عدد من الأحزاب بنفي هذا اللقاء وفي مقدمتها حزب العمال الذي نفى لقاء زعيمته لويزا حنون بالإبراهيمي حيث عبّر في بلاغ نشره على صفحته الرسمية بأن "قيادة حزب العمال تنفي نفيا قاطعا هذه الافتراءات جملة وتفصيلا، وتؤكد أن ما تم الترويج له عار من الصحة ولا أساس له، ولا يحتاج الحزب إلى التذكير بمواقفه التاريخية في اللحظات الحساسة والمحطات الفارقة في تاريخ الجزائر".

في المقابل اعترف الرئيس السابق للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، سعيد سعدي باللقاء الذي جمعه بالإبراهيمي في الفندق الشهير ووصف اللقاء بأنه ودّي ولم يكن له أي صفة رسمية، إلا أن عددا من الناشطين قد كشفوا عن فحوى اللقاء.

الصحفي والناشط محمد علال كشف في تدوينة على صفحته بـ"فيسبوك" عن تفاصيل لقائه بالإبراهيمي، نافيا عقد اللقاء في فندق الأوراسي، لكنه أكّد حضور عدد من النشطاء الذين استمع لهم الابراهيمي بكل إنصات حسب تعبيره.

علال قال "الإبراهيمي كشخصية هو هادئ الطبع، لا يقاطع كلامك، حتى وأنت تتكلم بحدة وحرارة قد تصل إلى حد التهجم عليه، كما فعلت سيدة من بين الذين حضروا اللقاء، تحدثت قبلي ثم غادرت المكان".

وأضاف أنّ الإبراهيمي أجاب على تساؤل حول الصفة التي يحملها لمقابلة السياسيين والنشطاء "أنا مواطن جزائري ولا أملك أي صفة، لا أحد دفعني وأريد فقط فهم الوضع وربما تقديم المساعدة"، ولكن يبدو أن هذا الحديث لم يرق لعدد واسع من السياسيين والناشطين الذي شككوا في نوايا الإبراهيمي ومن يقف وراءه.

تقسيم الحراك

هذه اللقاءات التي عقدها الإبراهيمي وتزامنت مع الدعوات لاختيار ممثلين عن الحراك الشعبي فتحت الباب على مصراعيه أمام موجة من التشكيك والتفتيش في النوايا وصل بالبعض بتخوين كل من التقى بالإبراهيمي.

النائب البرلماني عن حزب جبهة العدالة والتنمية حسن عريبي اعتبر أن الإبراهيمي يسعى من خلال لقاءاته لاختراق الحراك وتقسيمه قائلا "وصلتنا أخبار أن ممثل السلطة بدون منصب رسمي الأخضر الإبراهيمي وفي إطار سعي السلطة لاختراق الحراك وتقسيمه وإذهاب ريحه ومحاولة زرع الشقاق بين أهله يسعى حاليا لجذب بعض النشطاء والالتقاء بهم في الأوراسي".

وأضاف "نطالب الشباب والقيادات عدم الاستجابة لهذه الإغراءات بمزيد وعي لإفشال كل المطبات ومحاولات ضرب الحراك من الداخل، يجب علينا السعي الجدي والقوي نحو مزيد من الحراك السلمي والحضاري تبلغ رسالته الداخل والخارج".

خيارات غامضة

لا يمكن الجزم بحقيقة ما يجري في كواليس النظام الجزائري في ظل تواصل الحراك الشعبي الذي يمثل ضغطا متواصلا عليه، إضافة إلى الضغط الزمني حيث يقترب الموعد الرسمي لانتهاء المدة الرئاسية الرابعة لبوتفليقة في 28 أبريل/نيسان المقبل، والذي سيمثل أزمة دستورية حقيقية.

كل ذلك قد يضع الدبلوماسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي والبالغ من العمر 81 عاما في ميزان التاريخ الذي لا يرحم كل من يحاول أن يقف أمام إرادة الشعوب أو يقامر بطموحاتها.