الحقوق البحرية تعمق خلافات تركيا واليونان.. أين يكمن الحل؟

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفتان تركيتان: إن لغة التهديدات "لن يكون لها أثر على سيادة أنقرة" التي تتزايد خلافاتها مع الاتحاد الأوروبي على خلفية الحقوق البحرية في شرق البحر المتوسط وسط مساع للسيطرة على موارد في أعقاب اكتشاف احتياطات غاز كبيرة في السنوات الماضية.

الكاتب إسماعيل شاهين قال في مقال له بصحيفة ديرليش بوسطاسي: إن تركيا ومن خلال سفينة التنقيب أوروتش ريس تحيط بكل من جزيرتي رودوس وميس اليونانيتين.

وأثار إخطار "نافتكس" البحري الذي أطلقته تركيا في 7 يوليو/تموز 2020، للتنقيب في المياه المتنازع عليها في شرق المتوسط، ردود فعل عالية المستوى في اليونان.

وقالت تركيا: إنها تجري مسوحات زلزالية بين 21 يوليو/تموز و2 أغسطس/آب، وقالت أثينا: إن هذه الحفريات تمس بصميم سيادتها وتنتقص منها.

وأعلنت أنقرة أنها ستجري مناورات في شرق المتوسط، عبر الرموز التالية “بربروس”، و”تورغوت رئيس”، و”جاكا بي”، وهي أسماء لقادة في البحرية العثمانية. 

تجادل أنقرة بأن الجزر اليونانية لها حق في المياه الإقليمية التي تقتصر على 6 أميال بحرية فقط وليس هناك جرف قاري آخر.

من جانبه قال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي: إن تصريحات اليونان المتعلقة بالجرف القاري تتعارض مع القانون الدولي وقرارات المحاكم.

وأشار أقصوي إلى أن سفينة "أوروتش ريس" للأبحاث ستبدأ اعتبارا من 21 يوليو/تموز أنشطة تنقيب جديدة في شرقي المتوسط، في إطار الأنشطة المتواصلة للتنقيب عن الهيدروكربون في المنطقة".

وأكد أن المنطقة البحرية التي ستجري السفينة التنقيب فيها هي ضمن حدود الجرف القاري لتركيا المحدد من قبل الأمم المتحدة والمناطق المرخصة من قبل حكومة أنقرة لصالح مؤسسة البترول التركية عام 2012.

النزاع بين البلدين

الكاتب في مقاله رأى أن السبب الرئيسي للنزاع بين اليونان وتركيا، على بحر إيجة، ​​يرجع إلى مشاكل رئيسية، منها أن المياه الإقليمية وحدود الجرف القاري لم تحدد بعد بين البلدين.

جرى ترسيم سيادة اليونان وتركيا في منطقة بحر إيجة بموجب معاهدة لوزان. وبموجب هذه الاتفاقية، تم تحديد وضع بعض الجزر والمياه الإقليمية للبلدين (3 أميال) فقط.

لذلك، لم تتضمن معاهدة لوزان أي لوائح تتعلق بالولاية البحرية خارج مياهها الإقليمية.

وهذا الأمر كان سببا في أن قضية الجرف القاري أثارت جدلا جديدا ظهر في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، لأنه في هذه الفترة، مع اكتشاف قاع البحر الغني بالنفط والغاز الطبيعي، زادت مطالب الدول السيادية في المتوسط.

اليوم، الزمن الأفضل من أجل خطوة تفضي لإنهاء المناقشات بين تركيا واليونان، وكذلك تحديد حدود الجرف القاري، لا بد أن يتم بموجب معاهدة لوزان لا تدشين اتفاقية جديدة، وفق تقدير الكاتب.

بالإضافة إلى ذلك، يرى أنه "يجب أن تحدد اليونان الحد الأقصى للمياه الإقليمية الذي تحاول زيادته إلى 6 أميال ثم إلى 12 ميلا، ومع ذلك، فإن الوضع المثير للاهتمام والمتناقض هو أن أثينا لم تتوصل قط إلى مثل هذا الاتفاق أو حتى سعت إليه".

في الواقع، من المعروف أن اليونان وقعت اتفاقية مماثلة مع إيطاليا في بداية يونيو/حزيران، وهي في مرحلة التفاوض مع ألبانيا ومصر.

عقلية توسعية

المزعج في هذا الأمر، والحديث للكاتب، أن اليونان تتفاوض مع كل الدنيا إلا تركيا وتحاول قدر الإمكان التهرب منها وعدم إجراء حوار يوصل لأي حلول ممكنة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن محاولة تحديد السيادة البحرية من جانب واحد عبر الاعتماد على دعم اليونان من الاتحاد الأوروبي وأميركا، بالإضافة إلى محاولة تسليح جزر بحر إيجة الشرقية، هي أعمال مستفزة آخرى.

وبالمثل، فإن العقلية التوسعية لأثينا التي تعتبر بحر إيجة جزءا لا يتجزأ من اليونان، تهدد السلام والأمن والاستقرار في جنوب شرق أوروبا وشرق البحر الأبيض المتوسط.

اليونان أعلنت أنها ستفعل "كل ما هو لازم للدفاع عن حقوقها السيادية" وذلك في مواجهة خطط جارتها تركيا الرامية إلى تنفيذ عملية بحث وتنقيب عن النفط والغاز جنوب جزر يونانية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.

لكن وبحسب الكاتب فالأمر واضح لا لبس فيه، حيث تعمد اليونان لمحاولات تسليح الجزر وتظهر بشكل واضح للمجتمع الدولي كيفية تصرفها وخطواتها الابتزازية المستفزة.

الإعلان البحري المضاد الذي نادت به أثينا ليس له أي بعد قانوني فيما التحرك التركي مرتبط ارتباطا وثيقا بسيادتها ووفق القوانين والمواثيق الدولية، وفق رأيه.

وكانت البحرية اليونانية نشرت بوارج عسكرية في بحر إيجة وأعلنت هي والجيش "حالة التأهب" بسبب الأنشطة التركية لاستكشاف موارد الطاقة، كما قطع رئيس الأركان العامة اليوناني الجنرال كونستانتينوس فلوروس زيارته لقبرص، وعاد لبلاده.

من ناحية أخرى، أضاف الكاتب: "تتم ممارسة الحقوق المشروعة الناشئة عن اتفاقية تقييد الترخيص البحري الموقعة مع ليبيا".

والخلاصة هنا أن تركيا ستواصل الدفاع عن حقوقها ومصالحها المشروعة النابعة من القانون الدولي في وقت تجدد فيه دعواتها لليونان إلى الحوار، الذي كررته في مناسبات عدة وعلى جميع المستويات.

خط أحمر

وبدورها، تحدثت صحيفة ملييت التركية عن خطوات اليونان في تسليح الجزر التابعة لها في البحر الأبيض المتوسط، لمواجهة خطط أنقرة في التنقيب عن النفط والغاز.

وكتب الكاتب عبد الله كاراكوش في مقال له بالصحيفة عن لقاء جمعه بنائب الرئيس التركي فؤاد أوكطاي وتطرقا فيها للكثير من الأمور منها تسليح جزر إيجة الواقعة تحت السيادة اليونانية أن "هذه الخطوة خط أحمر لا يمكن التهاون فيها".

ونقل عن أوكطاي أن حراك تركيا القانوني دوليا تجاه خطوات أثينا لتسليح الجزر، قد بدأ بالفعل.

ومن الواضح أن شرق المتوسط يزداد سخونة ولا شك أن المنطقة باتت مسرحا لألاعيب الكثير من الدول بدءا من الولايات المتحدة الأميركية وصولا إلى روسيا وأوروبا وبعض الدول العربية أيضا، وفق أوكطاي.

ورافق الكاتب نائب الرئيس في زيارة إلى قبرص بمناسبة الذكرى الـ46 لعملية السلام في 20 من تموز/يوليو في خطوة تؤكد أهمية جمهورية شمال قبرص التركية.

وبدون تركيا لا يمكن تنفيذ أي سيناريو أو التخطيط للعبة ما ليس من مصلحة أنقرة أن تكون، وبالتالي لا يمكن فرض أي أجندة خارجية تعادي مصالحها، بحسب الكاتب.

وأضاف: "لن تنتظر تركيا حلا يقوم به المجتمع الدولي لأزمة الجزيرة وهي في هذا الصدد تقوم بخطواتها الخاصة بها". وأوضح أوكطاي أنه سيكون لديهم خطوط حمراء على جزر بحر إيجة بالإضافة إلى التطورات في جمهورية شمال قبرص التركية وليبيا.

ولفت إلى أنه "ثمة اتفاقيات تمت قبل نحو 100 عام تتعلق بنزع سلاح هذه الجزر الرابضة على بحر إيجة ولكن ما يحدث في الوقت الراهن هو تسليح هذه الجزيرة والبدء بذلك فعليا وهذا بالنسبة لتركيا أمر لا يمكن قبوله وبالتالي ستفعل ما يجب لوقف هذه الخطوات. قد بدأنا بالخطوات القانونية بالفعل".

وتطرق أوكطاي إلى جزيرة كريت (يونانية) بالقول: "هي مكان يتعرض فيه المسلمون للإبادة الجماعية، ثمة الكثير من الألاعيب هناك بعضها في الجزيرة نفسها وبعضها شرق البحر المتوسط (..) وتركيا الآن دولة قوية ومركزية وإقليمية، لذا مهما كانت اللعبة التي يحاولون لعبها في المتوسط​​، فمن الواضح أنهم لن ينجحوا بها".

وواصل أوكطاي: "كل ما يحدث ببساطة هو حبس تركيا بين حدود بحري المتوسط وإيجة وإخراجها تماما من الكعكعة وهذا لا لبس فيه، فما يحدث في هذه الجزر ليس أمرا طبيعيا البتة وهو أقرب لعملية حصار، بدءا من تدمير الوجود التركي المسلم في جزيرة كريت في عملية أشبه بإبادة جماعية".

الاتفاقية مع ليبيا

وأكد أن تركيا بدأت بالفعل خطوات حقيقية لإيقاف ذلك ومنها الاتفاقية البحرية مع ليبيا مؤخرا.

وأعلنت تركيا وليبيا، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن توقيع مذكرتي تفاهم، الأولى حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية بشأن تحديد مناطق النفوذ البحرية، تهدف إلى حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي، في خطوة اعتُبرت مكسبا لسياسات أنقرة في شرقي البحر المتوسط.

وهذه الاتفاقية ليست فقط لمصلحة تركيا أو ليبيا أو العلاقة بينهما على وجه الخصوص بل هو رسالة واضحة لقبرص الرومية ومن خلفها الذين يحاولون رسم خريطة لمصالحهم دون أي اعتبار لأنقرة ولا وجودها وهذا يعني أن جميع الألعاب التي شاركت فيها بعض الدول الأخرى معطلة، وفقا لأوكطاي.

ويبقى السؤال: هل يمكن أن تحاول اليونان استمالة ليبيا لصفها؟ هنا يجيب أوكطاي بالقول: "لا يمكن لتركيا ولا الحكومة الليبية الراهنة أن تقبل بذلك وهذا هو السر في أنهم يحاولون تقوية (اللواء الليبي المنقلب) خليفة حفتر ويدعمونه أملا في أن يسيطر على البلاد الثري بالنفط والمطل على المتوسط".

ويرى أنه "لو نجح حفتر وبات هو الحاكم الفعلي لليبيا ستكون الاتفاقية الأخيرة بين أنقرة وطرابلس في خبر كان، لكن تركيا لن تأذن بذلك".

وقال: "لا شك أن باريس وراء الكثير من هذه الألاعيب وتسعى لألعاب لا يمكن تصورها، وأصبحت اليونان ومصر لعبة في أيدي دول أخرى، كما أضحت الإمارات لعبة روسيا".

وفي الحقيقة، باتت فرنسا بالذات بلدا لا يعرف جغرافيته، والأمر نفسه وقعت فيه الولايات المتحدة التي لم تحدد موقفها بعد مما يجري هناك.

فهل يعقل مثلا أن تخطط فرنسا مؤامرات مع دول أخرى ضد دولة حليفة لها في الناتو (حلف شمال الأطلسي). وبين أوكطاي أن الاتحاد الأوروبي من مصلحته أن تكون علاقته حسنة مع تركيا، الدولة التي لها مصالح معه لمدة تزيد عن 500 سنة.

وعن خطوط تركيا الحمراء، قال أوكطاي: "إذا حاول شخص ما أن يقوم بتهديد مصالح تركيا، فسيتم قطع أنفاسه بل ويصبح غير قادر على التنفس، لذا فإن البحر الأبيض المتوسط ​​هو وطننا الأزرق، وقبرص (التركية) خط أحمر كذلك".

وتابع: أن "النصيب العادل من أي حل لا يقوم إلا على المساواة وكذلك الثروة التي يمكن اكتشافها واعتبارها ثروة طبيعية، هي خطنا الأحمر أيضا".

وقال: "قبرص جزيرة تركية تم سلبها من يدينا عنوة ولكن شمال الجزيرة لا يمكن بحال أن تتنازل عنها تركيا وهي لم تترك أي فرصة إلا لحل هذه المشكلة، حتى أنها أبقت ماراس (منتجع فاروشا)، وهي أرضها الخاصة ومركز السياحة في المنطقة مغلقة، كمؤشر على حسن النية، وقد استمر الوضع كذلك لـ46 عاما".

وبين أن "كل من يحاول حل هذه المشكلة هم مجرد دمى كإسرائيل ومصر واليونان وقبرص الرومية والإمارات، هؤلاء جميعا ليسوا فاعلين حقيقيين لكن غيرهم يحركهم وهو يستفيد وهم يحاولون تخويف دول المنطقة بتركيا وأنها وحش يريد أن يستأثر بكل شيء لنفسه وأنهم، أي أوروبا ودول الغرب موجودون لحمايتهم".

هذا الأسلوب ليس بجديد، يقول أوكطاي: "فالكثير من الدول لا تمتلك أدنى مقومات لكن تصدر قرارات". وختم أن تركيا دائما "ستكون سباقة للحل، لكن لا يعني ذلك أننا سننتظر للنهاية".

وأردف: "ليس لدى تركيا الرفاهية لذلك ولا يمكن أن نسمح بمرور الألاعيب التي تحاك أمامنا بكل بساطة. والضروري سنقوم به مهما كلف ذلك، الجميع يسعى وراء الثروات الطبيعية وهذا منطقي لكن ما يقع في حدود شمال قبرص التركية فهو من حقنا".