يغامر بجيشه.. لماذا حذرت الدولة الليبية السيسي من التورط في الحرب؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد نحو 30 عاما من إرسال مصر قوات برية إلى الخارج للقتال عام 1991 في الكويت، في إطار تحالف قادته الولايات المتحدة لطرد القوات العراقية، أصبح سيناريو مشاركة الجيش المصري ودخوله في حروب أخرى قائما وبقوة في ظل حكم الجنرال الانقلابي عبد الفتاح السيسي.

السيسي الذي اجتمع مؤخرا بوفد قيل إنه يمثل القبائل الليبية، أعلن بعدها حالة تعبئة قصوى لإرسال قوات إلى ليبيا لمساندة مليشيات صديقه الانقلابي اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تحت مسمى "حماية الأمن القومي للبلاد".

خلال لقائه في القاهرة مع شيوخ وأعيان قبائل ليبية (متورطة في جرائم حرب) في 17 يوليو/تموز 2020، قال السيسي: "مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التحشيد العسكري صوب مدينة سرت الليبية".

قبلها وفي 20 يونيو/حزيران 2020، حذر السيسي من أن تقدم قوات الوفاق المدعومة من تركيا نحو الشرق الليبي، وتحديدا مدينتي سرت والجفرة، سيدفع مصر إلى التدخل العسكري المباشر في ليبيا، قائلا: "سرت والجفرة خط أحمر"، وهو ما اعتبرته حكومة الوفاق بمثابة (إعلان حرب).

وفي 21 يوليو/ تموز 2020، أعلن البرلمان المصري موافقته على "قيام الجيش بمهام قتالية خارج الحدود، وذلك في سياق الاستعداد للتدخل العسكري في ليبيا". 

وأكد البرلمان أنه وافق "بإجماع آراء النواب الحاضرين على إرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية في مهام قتالية خارج حدود الدولة المصرية للدفاع عن الأمن القومي المصري في الاتجاه الإستراتيجي الغربي ضد أعمال المليشيات الإجرامية المسلحة والعناصر الإرهابية الأجنبية"، حسب زعمه.

تعبئة قصوى

التحركات السياسية وحالة التعبئة القصوى رافقتها دعاية وحملات دشنها إعلام السيسي، حيث هللت للقرار مواقع إخبارية مثل الوطن واليوم السابع وصحف رسمية مثل (الأهرام - الأخبار - الجمهورية) وقنوات فضائية، واستعانوا بآيات قرآنية، وأغاني وطنية لمواكبة الحدث.

في ذات السياق نشرت بعض تلك الوسائل "صورا من معركة قديمة لقوات الوفاق ضد مليشيات حفتر بطرابلس"، بل وتفاخروا بها على أنها "عمليات للجيش المصري في منطقة بئر العبد بسيناء ضد الإرهابيين". 

هذا ما أكده الناشط الليبي والصحفي الميداني إبراهيم قصودة، عندما فضح حقيقة هذه الصور وأكد أنها تعود لأحد معارك قوات الوفاق الشرعية في مايو/ آيار 2020 وتحديدا للفرقة 301 مُشاة في العملية المعروفة بكمين الزيتونة التي تمت في معارك تحرير جنوب طرابلس من مليشيات حفتر.

استخراج فتوى

لم يكتف نظام السيسي بالحشد الإعلامي، بل توجه إلى المؤسسة الدينية، حيث أصدر مفتي الديار شوقي علام بيانا أثنى فيه على قرار البرلمان.

وقال البيان: "يجب شرعا على الشعب المصري أن يقف صفا واحدا أمام هذه التحديات مع قواتنا المسلحة والقيادة السياسية لمواجهة كافة المخاطر التي تهدد أمننا القومي والإقليمي في هذا الظرف الدقيق".

وهو ما دعا الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي، إلى أن يذكر السيسي، بالحرب اليمنية، داعيا إياه إلى "الاتعاظ" منها حيث منيت فيها مصر فيها بخسائر فادحة في فترة الستنيات.

وقال القره داغي، في تغريدة على "تويتر": "الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي محظوظ بالتفويضات، لكن الذي يُخاف منه هو توريط الجيش المصري في حرب خارجية".

وأضاف: "لو وقع هذا التفويض فلا يعلم نتائجه الخطيرة إلا الله. فليتعظ من الحرب اليمنية أيام (الرئيس الراحل جمال) عبد الناصر (1962)، ومن الحرب اليمنية الحالية (منذ أكثر من 5 سنوات)".

ثم تساءل القره داغي: "هل يُراد تحطيم الجيش المصري أيضا حتى لا يبقى جيش قوي في محيط إسرائيل؟".

إعلان حرب

في الجهة المقابلة، حذرت حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، وبرلمان طرابلس، مصر من مغبة التورط في الصراع الدائر على أراضيها، ودعم مليشيات انقلابية خارجة عن الشرعية والهيئات المنتخبة، ومتورطة في دماء الشعب الليبي.

وفي 21 يوليو/ تموز 2020، أعلن وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، أن "موافقة مجلس النواب المصري على نشر قوات قتالية خارج حدوده الغربية إعلان حرب على ليبيا، وخرق لميثاقي جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة".

وقال باشاغا، عبر "تويتر": "نعتبر أية قوات أجنبية داخل حدودنا هي قوات معادية، ونعلن بأننا لن نتردد في الدفاع عن سيادة أمتنا، وأمنها، وحريتها". 

وزير الداخلية الليبي حمل الدول الداعمة لحفتر، مسؤولية الأزمة في ليبيا، قائلا: "نحمل الدول الداعمة لحفتر مسؤوليات ما آلت إليه الأوضاع في ليبيا".

وتدعم دول غربية وعربية، على رأسها مصر والإمارات، قوات حفتر، التي تسيطر حاليا على حقول وموانئ النفط وتحاول خنق الحكومة والشعب الليبي اقتصاديا.

تحذير ليبي

بدوره حذر البرلمان الليبي في طرابلس من مغبة تدخل السيسي في شؤون بلادهم، حيث أعلن "رفضه التام لقرار نظيره المصري، بإرسال قوات خارج الحدود غربا المتاخمة للأراضي الليبية".

وشدد البرلمان الليبي في بيان: "نؤكد رفضنا التام لما جاء في قرار البرلمان المصري، والذي استند لدعوة غير شرعية ممن ينتحلون صفة مجلس البرلمان (في إشارة لبرلمان طبرق) وممن يدعون تمثلهم للقبائل الليبية".

كما دعا "المجتمع الدولي لتحمل مسؤوليته لإدانة التهديد (من البرلمان المصري) بشكل سريع". وأردف: "ندعو حكومة الوفاق للاستعداد التام للرد على هذا التهديد سياسيا وعمليا ورصد كل الخيارات المتاحة للرد المناسب".

وأوضح برلمان طرابلس، أن "ليبيا لا تشكل تهديدا للأمن القومي المصري ليلوح البرلمان المصري بالتدخل العسكري".

تحذيرات القبائل

في 21 يوليو/ تموز 2020، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تقريرا، حول التقاطعات الإقليمية في ليبيا، قالت خلاله: "لو كانت أفغانستان نموذج مقبرة الإمبراطوريات، فإن ليبيا أصبحت البوتقة للدول التي تحاول أن تكون قوى إقليمية. فالحرب الأهلية المستعصية التي قسمت الدولة الغنية بالنفط في شمال إفريقيا هي في الحقيقة لعبة شطرنج متعددة الأطراف بين قوى خارجية".

واستشهد التقرير بتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريش، الذي حذر من أن "التدخل الأجنبي في ليبيا وصل إلى مستويات غير مسبوقة".

المجلس الأعلى للمدن والقبائل الليبية أعلن "رفضه القاطع لتصريحات السيسي، معتبرا إياها إعلان حرب على ليبيا"، فيما أكدت قبائل ورفلة الليبية في بيان أن "المشروع الصهيوني يستهدف القضاء على الجيش المصري عبر الزج به في الأزمة الليبية".

وأضاف البيان: "لا نريد أن يكون ضياع ليبيا سببا في ضياع الجيش المصري، فهدف المشروع الصهيوني القضاء على الجيش من بوابة الأزمة الليبية"، مشيرا إلى أن "المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة، لا يقبل رهن السيادة الليبية على الأرض والقرار السياسي إلا لليبيين".

فيما طالب مجلس أعيان بلدية مصراتة في ليبيا حكومة الوفاق الوطني بمخاطبة النائب العام "لإصدار أوامر قبض وجلب بحق كل فرد من الوفد الذي التقى السيسي في القاهرة"، في حين عبّرت قبائل ليبية كبرى عن "رفضها تدخل الجيش المصري في الأزمة الليبية".

وأكد المجلس في بيان أن "من يمثل ليبيا وشعبها هي حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، والهيئات المنبثقة عن اتفاق الصخيرات السياسي، مشددا على أن القبيلة في ليبيا هي مظلة اجتماعية ولا علاقة لها بالشأن السياسي، في الماضي ولا في الحاضر والمستقبل".

فيما قال مجلس حكماء زليتن الليبية: إن "من التقوا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باسم قبائل ليبيا لا يمثلون إلا أنفسهم".

وشدد حكماء زليتن (غربي ليبيا) في بيان له نشرته وسائل إعلام ليبية على أن "المجتمعين مع السيسي باسم القبائل الليبية لا يمثلون إلا أنفسهم، لأنهم بانضمامهم إلى من يقاتل الشعب الليبي قد انسلخوا عنه".

وقالت الأمم المتحدة، في 24 يوليو/ تموز 2020: إن قرار "البرلمان المصري بإرسال قوات خارج الحدود بالاتجاه الغربي يعد مصدر قلق كبير"، محذرة من إضافة "الكيروسين إلى النار"، وفق المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك.

وفي 23 يوليو/ تموز 2020، دشن مغردون مصريون هاشتاج بعنوان "أنا مافوضتش"، حظي بآلاف المشاركات التفاعلية بالكلمات والصور، للتعبير عن رفض تفويض السيسي بالتدخل العسكري وإراقة دماء الليبيين.

حيث أعرب مئات المغردين، عن مخاوفهم حيال ما أطلقوا عليه توريط الجيش المصري في حرب خاسرة وسقوط آلاف الضحايا من المجندين البسطاء، فيما استشهد آخرون بخسائر مصر في حرب اليمن عام 1962 إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث دخلت مصر بقرار من عبد الناصر حربا في الستينيات، لمساندة أحد الأطراف المتصارعة على الحكم في اليمن، قبل أن تتلقى خسائر في أرواح الجنود، وزيادة في ديونها قبل أن تنسحب عام 1967.

صورة تم تداولها للقاء عبد الناصر بقبائل اليمن على غرار لقاء السيسي بقبائل ليبيا

لن ننسى

الصحفي الليبي عمر الحاسي، قال "للاستقلال": إن "الشعب الليبي لن ينسى من وقف بجواره في أزمته، ومن خذله بدعم مليشيات انقلابية متورطة في دمائه، وتسببت في تدمير ليبيا، وتحويلها إلى قبائل متناحرة، ومناطق متفرقة، وقد رأينا ذلك بأعيننا في مناطق مثل ترهونة، عندما اكتشفنا مقابر جماعية لعائلات وأفراد على يد تلك الجماعات المارقة". 

وأكد: "على مدار سنوات كانت مصر والإمارات يدعمون خليفة حفتر بالمال والسلاح، وكل أشكال الدعم اللوجيستي الممكن، لخلق دولة ليبية على شاكلة الدولة القديمة أيام حكم البائد معمر القذافي، وحطموا التجربة الديمقراطية الليبية الوليدة، ولم يكتفوا بذلك بل ساهموا في إراقة دماء أبناء الشعب، ووجهوا ضربات جوية مباشرة على الأراضي الليبية، مستبيحين حرمتها بلا رادع". 

وأردف: "مع كل ما تعرضت له ليبيا، لم يتدخل هؤلاء لوقف الحرب والقتال، بل كانوا يسعرونها، واليوم يريدون التدخل وإعادة الأوضاع إلى نقطة الصفر، وسحق مكتساباتنا وانتصاراتنا على الأرض، تحت ذريعة حماية الأمن القومي!" 

وتساءل: "لماذا تعتبر مصر ليبيا خطرا على أمنها القومي؟! ونحن لدينا حدود مشتركة مع 7 دول ضمنهم مصر! فلماذا لا يعتبر البقية أن ليبيا خطر عليهم، ولكن الحقيقة أن السيسي بدافع من الإمارات يريد تدمير مشروع الثورة والديمقراطية في بلادنا، ولن يسمح أي ليبي حر بذلك، بل نحن كما أعلنت حكومة الوفاق مستمرون حتى تحرير آخر ذرة من التراب الليبي، وتوحيد بلادنا كاملة بلا تقسيم أو تفريط".