هيلا ميفيس ليست الأولى.. من يقف وراء اختطاف الأجانب في العراق؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حوادث اختطاف الأجانب في العراق بدأت تأخذ منحى تصاعديا ملحوظا، كان آخرها الناشطة الألمانية ومديرة القسم الثقافي في معهد غوتا الألماني، هيلا ميفيس، التي اختطفت على يد مسلحين مجهولين قبل 4 أيام، وأفرج عنها الجمعة 24 يوليو/تموز 2020.

في 20 يوليو/ تموز 2020، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، يظهر عملية اختطاف ميفيس أثناء قيادتها دراجة هوائية قرب موقع "بيت تركيب" الذي تديره على شارع أبو نواس وسط العاصمة العراقية بغداد.

وبعد 4 أيام فقط من واقعة الاختطاف، أعلن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، اللواء يحيى رسول، أن القوات الأمنية حررت الناشطة الألمانية هيلا ميفيس، دون ذكر تفاصيل أخرى عن عملية التحرير.

ساندت المحتجين

لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن عملية الاختطاف، بيد أن تكهنات انتشرت في وسائل الإعلام المحلية أشارت بإصبع الاتهام إلى مليشيا "كتائب حزب الله" الموالية لإيران بالمسؤولية عن الاختطاف، لكنها نفت بدورها وجود أي علاقة لها بالعملية.

واتهم المسؤول الأمني لـ"الكتائب" المعروف بـ"أبو علي العسكري" في بيان على "تويتر" في 21 يوليو/ تموز 2020 رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالوقوف وراء اختطاف الناشطة الألمانية، لتأليب الرأي العام ضد الكتائب.

وقال العسكري: "إخفاء الناشطة الألمانية هيلا ميفيس يحمل بصمات عصابات كاظمي الغدر، لغرض تأليب الرأي العام ضد أبناء العراق الغيارى الذين يرفضون رفضا قاطعا مثل هذه الأعمال التي لا تتناسب والقيم العربية الأصيلة".

وأمهل المسؤول الأمني لـ"الكتائب" حكومة الكاظمي مدة لم يحددها للإفراج عن الناشطة الألمانية، بالقول: "سننتظر قليلا ليفرجوا عنها، وفي حال عدم القيام بذلك، سنكشف عن أسماء عناصر تلك العصابات وبعض أعمالهم الخبيثة".

لكن ما ذهب إليه ناشطون من اتهام "كتائب حزب الله" بالوقوف وراء اختطاف هيلا ميفيس، كونها شوهدت مرارا في ساحة التحرير وبالقرب مما يدعى "خط الصد" (الخط الفاصل بين المتظاهرين والقوات الأمنية)، حيث كانت تساند آمال الشباب البغدادي على وجه الخصوص من خلال دعمها لهم.

وقالت ذكرى سرسم للوكالة الفرنسية: إن هيلا ميفيس كانت تشعر بالقلق بعد مقتل الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي. وأضافت سرسم: "لقد تحدثت إليها، الأسبوع الماضي، وهي كانت بالفعل منخرطة في الاحتجاجات أيضا، لذلك كانت تشعر بالتوتر بعد الاغتيال".

من جهته، قال حامد المطلك العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان لـ"الاستقلال": "الجهات التي اختطفت الناشطة الألمانية هي ذاتها التي تُغيب آلاف الأشخاص ولا يعرف مصيرهم منذ سنوات، وقتلت الخبير الأمني هشام الهاشمي وغيره، فهم لا يعرفون فضيلة ولا جانب إنساني"، في إشارة إلى المليشيات.

وأشار المطلك إلى أن "اختطاف الناشطة الألمانية سيعطي صورة على أن الحكومة غير قادرة على القيام بمهماتها، وهذا إضعاف لهيبة وسلطة الحكومة ومصداقية الأجهزة الأمنية".

وشدد على أن "اختطاف الناشطة الألمانية فيه استهداف لأكثر من جانب بالعراق، لا سيما موضوع الاستثمار الأجنبي في البلد، إضافة إلى ذلك فللأمر أيضا أبعاد سياسية ويعطي دلالات كثيرة".

وضع مزر

المطلك أكد أن اختطاف هيلا ميفيس أظهر الواقع العراقي مؤلما، فبالإضافة إلى ما يعانيه من وضع اقتصادي بسبب جائحة كورونا، فإن الوضع الأمني مزر، فعندما تسقط صواريخ في بغداد ولا يأمن الإنسان العراقي والأجنبي على حياته في قلب العاصمة، فكيف يكون الوضع؟".

ولفت إلى أن "اختطاف الناشطة الألمانية يعطي صورة واضحة على أن الوضع الأمني مزر في البلد، خصوصا فيما يتعلق بالجانب الإنساني والأخلاقي لأنها امرأة أجنبية وتقوم بمهمة إنسانية، لذلك هذه الخطوة تعطي صورة للعالم بأن الوضع الأمني غير جيد".

ودعا عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية السابق، الحكومة وأجهزتها الأمنية إلى ضرورة أن "تولي أهمية كبيرة لمواجهة هذه الجماعات ووضع حد لهم وكشفهم للرأي العام ومحاسبتهم بعقوبات رادعة".

من جهته، اعتبر عضو مفوضية حقوق الإنسان بالعراق علي البياتي حادث الاختطاف بأنه "مؤشر خطير على عدم قدرة الحكومة والقوات الأمنية على حماية الرعايا الأجانب الموجودين في العراق بشكل رسمي، والذين يقدمون خدمات مستمرة إنسانية وثقافية للشعب".

وقال البياتي خلال تصريحات صحفية في 22 يوليو/ تموز 2020: "بكل تأكيد، ومن دون إجراءات حقيقية جدية للتحقيق والمساءلة والمعاقبة، ستتكرر هذه الحالة، وسيؤدي ذلك إلى انسحاب كل هذه البعثات من بغداد إلى أربيل في إقليم كردستان أو إلى خارج العراق".

وعقد ائتلاف من المنظمات الحقوقية والمدنية، في 21 يوليو/ تموز 2020، مؤتمرا صحفيا في مقر مؤسسة "برج بابل" ببغداد دان فيه حادث الاختطاف، وطالب السلطات الأمنية بـ"وضع حد لعصابات القتل والاختطاف التي تعمل منذ سنوات ضد الناشطين العراقيين دون رادع، ما دفعها للانتقال إلى اختطاف الناشطين الأجانب".

إجراءات حكومية

وتعليقا على واقعة الاختطاف، أعلن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أن وزارته دعت إلى اجتماع فريق الأزمات الخاص بها، على خلفية اختطاف المواطنة الألمانية في بغداد.

وقال ماس خلال زيارته العاصمة اليونانية أثينا، في 21 يوليو/ تموز 2020: إنه لا يعتزم التصريح بشكل واضح بشأن القضية "مراعاة لمشاعر المتضررين"، مضيفا: "لكننا بدأنا في وزارة الخارجية الألمانية الاهتمام بالقضية والتوصل إلى حل".

وعلى نحو مماثل، طالب عضو مجلس الأمناء في الحزب الألماني الحاكم مصطفى العمار بضرورة العمل الجاد للكشف عن مصير الناشطة الألمانية هيلا ميفيس. ودعا العمار الحكومة والجهات المختصة لتحمل مسؤوليتها وإعلان الجهة المسؤولة عن اختطافها.

وأشار الى أن اختطاف ميفيس في بغداد "أمر غير مقبول وصدمة كبيرة لنا جميعا ولكل ممثلي التنمية الإنسانية في الخارج"، مؤكدا أن النساء الألمانيات مثال للحرية والديمقراطية بالنسبة لنا وهذا الأمر غير مقبول إنسانيا.

وشدد العمار على أهمية أن تقوم الحكومة الألمانية بالدفاع عن مواطنيها في الخارج وعدم الرضوخ لابتزاز الإرهابيين والمليشيات، فالمليارات من الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية التي تدفع هي لأجل حماية البشرية وحماية مواطنينا.

"عاشقة بغداد"

هيلا ميفيس المولودة بالعاصمة الألمانية برلين، تعيش في منطقة الكرادة ببغداد منذ عام 2011، ويحلو لأصدقائها من العراقيين أن يسموها "هيلة"، وهو اسم عراقي محبب مشتق من حب الهال "الهيل باللهجة العراقية"، ويصفها بعضهم بأنها "عاشقة بغداد".

بعدما استقرت في بغداد، قررت العيش هناك والعمل على تأسيس مشروعها الفني الشخصي في "بيت تركيب"، كما كانت تتعاون في نشاطات معهد "غوته" الثقافي الألماني في بغداد وتسهم أيضا بتدريس اللغة الألمانية فيه.

وقالت إحدى صديقاتها، الفنانة التشكيلية العراقية ذكرى سرسم من مؤسسة "برج بابل": إن ميفيس "عشقت بغداد منذ زيارتها الأولى عام 2010، التقيتها في منتدى المسرح حيث كانت برفقة فرقة مسرحية من ألمانيا، ثم تكررت زيارتها لبغداد وكانت تعمل على التخطيط لمشاريع فنية مشتركة".

وذكرت سرسم خلال تصريحات صحفية في 23 يوليو/ تموز 2020 أن الألمانية هيلا "أسهمت في التنسيق لتقديم المسرح العراقي في ألمانيا ونجحت في إرسال فريق من الفنانين لتقديم عروض مسرحية في برلين". وأضافت: "هيلا قررت أن تستقر في بغداد لأنها تحب الشمس والبيوت التراثية وعانت كثيرا في موضوع الحصول على الإقامة وتجديدها".

افتتحت هيلا مشروعها الفني "بيت تركيب" في بغداد عام 2015، الذي يهدف وفقا لموقعه على الإنترنت: إلى أن يقدم مكانا آمنا "للشباب والشابات البغداديين للتعبير عن أفكارهم عبر معارض فنية وفعاليات أدائية عامة؛ فضلا عن إقامة ورشات عمل وتدريب لهم".

ونظمت هيلا الكثير من النشاطات عبر عملها قيمة فنية لحساب مؤسسات أخرى قبل افتتاح مشروعها الذي بات مركزا لإقامة معارض فنية وورش تعليمية ونشاطات ثقافية للفنانين الشباب في العراق. وغالبا ما شُوهدت، وهي تجلس في المقاهي الشعبية، وتتجول على دراجة هوائية في بغداد.

وصفها الروائي العراقي المقيم في ألمانيا، نجم والي، في صفحته على فيسبوك بأنها "عاشقة بغداد بحق. أعرف هذه المرأة الرائعة منذ عام 2011 عندما جاءت من القاهرة إلى بغداد، أحبت بغداد، وقررت العيش فيها مخاطرة بحياتها، افتتحت بيت تركيب الذي هو مشروعها الخاص رغم اعتراض الحكومة الألمانية ممثلة بالسفارة الألمانية على إقامتها في بغداد خشية على حياتها".