عقوبات خارجية وأزمات داخلية.. هل تتصاعد موجة الاحتجاجات بإيران؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع تدهور الوضع الاقتصادي واشتداد العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية، تستمر المظاهرات الشعبية في إيران بالخروج بين الحين والآخر احتجاجا على سياسات النظام في إدارة البلاد، ولا سيما في زجها بحروب المنطقة وترك الشعب يتضور جوعا.

لكن النظام الإيراني يقابل تلك الاحتجاجات بذات الطريقة التي أنهى فيها جميع المظاهرات التي خرجت في البلاد، ولا سيما بعد العقوبات الأميركية في مايو/ أيار 2018، وذلك باستخدام القبضة الأمنية واعتقال ومطاردة مئات الناشطين، بحجة السعي إلى "تدمير" إيران.

موجة قادمة

المظاهرات الجديدة التي خرجت بمدينة بهبهان الإيرانية في 16 يوليو/ تموز 2020، أثارت تساؤلات حول إمكانية تحولها إلى الشرارة التي يمكن أن تشعل الاحتجاجات مجددا بمدن أخرى في ظل ظروف معيشية صعبة وواقع مترد في مجال حقوق الإنسان.

وتعليقا على ذلك، توقع الباحث في الشأن الإيراني، سوران بالاني، أن تكون الاحتجاجات الجديدة مؤشر موجة قادمة من المظاهرات في وجه النظام الإيراني، لافتا إلى أن جميع مكونات الدولة الإيرانية غاضبة من تردي الأوضاع المعيشية رغم وفرة الثروات الطبيعية في البلاد.

وأشار بالاني، خلال تصريحات صحفية في 18 يوليو/ تموز إلى أن حالة الغضب من الحكومة، تعود أسبابها إلى تردي الخدمات الأساسية وارتفاع نسب البطالة، وانتهاج الحكومة سياسة القمع بحق مواطنيها، وتبديد ثرواتهم على التدخلات في شؤون الدول المجاورة.

وأكد الباحث أن "هذه الاحتجاجات تمنح الأمل للشعب الإيراني، وأن النظام الحاكم سيسقط لا محالة"، في إشارة إلى حالة الاحتقان التي وصل إليها الشعب الإيراني والتي عبرت عنها الاحتجاجات المتتالية في البلاد.

من جهته، علق الناشط السياسي محمد أحمد الأحوازي في تغريدة بموقع "تويتر" بالقول: "كما كان خلال الخمسة عشر عاما الماضية في الخط الأمامي لجميع الأنشطة الشعبية والجماهيرية في ايران، فإن الأسبوع المنتهي أيضا كان محاولة لتحريك الساحة في ايران".

وتابع: أن "مناضلي الأحواز خرجوا بوجه المدفع الفارسي، من معشور وخور موسى إلى باب هاني (بهبهان) وسنستمر حتى خلاص الوطن".

قطع للأنفاس

وردا على تلك الاحتجاجات وفي خطوة لإسكاتها، أعلنت السلطات الإيرانية في 20 يوليو/ تموز 2020 اعتقال جميع من أسمتهم "المحرضين" على المظاهرات في بهبهان بمحافظة خوزستان جنوب غرب البلاد، مدعية بأنهم رددوا شعارات "مخالفة للأعراف".

وقال قائد قوات شرطة خوزستان حيدر عباس زاده، في تصريحات لوكالة "إرنا" الرسمية: إن قوات الأمن والشرطة وقوات الباسيج في خوزستان اعتقلت جميع المحرضين على تجمع بهبهان الاحتجاجي مساء الخميس 16 يوليو/ تموز.

وصرح عباس زاده، بأن سبب الاحتجاجات التي اندلعت في بهبهان كانت تقتصر على "ارتفاع الأسعار"، لكنه قال أيضا: إن المتظاهرين رددوا شعارات "مخالفة للأعراف". ومع حضور قوات الشرطة والأمن والباسيج تم فض التجمع في "أقصر وقت ممكن".

لكن وكالة الأنباء الفرنسية قالت: إن الاحتجاجات جاءت بعد أيام على تأييد محكمة إيرانية عقوبة الإعدام بحق ثلاثة أشخاص على صلة باحتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني 2019 الدامية التي أثارها رفع أسعار الوقود.

وردد آلاف الشباب بمدينة بهبهان شعارات مناهضة للنظام الإيراني، منها: "لا نريد حكومة الملالي" و"أيها الباسيجي اخجل واترك البلاد" و"الموت لخامنئي" الأمر الذي دفع القوات الأمنية إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع وفض المظاهرة بالقوة.

وكشفت وكالة "هرانا" الحقوقية المعارضة للنظام الإيراني، أن القوات الأمنية شنت حملة اعتقالات في صفوف شباب بهبهان طالت أكثر من 30 شخصا، البعض منهم من ذوي ضحايا مظاهرات 2019.

"لا للإعدامات"

سبقت احتجاجات بهبهان حملة "لا للإعدامات" أطلقها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد إعلان المتحدث باسم القضاء الإيراني تأييد المحكمة لأحكام الإعدام بحق ثلاثة شبان.

وبعد جدل واسع ورفض شعبي كبير، أفادت تقارير في 16 يوليو/ تموز 2020، أي في يوم الاحتجاجات ذاته بمدينة بهبهان، بأن السلطات الإيرانية قد توقف تنفيذ عقوبة الإعدام على ثلاثة من المحتجين المناهضين للحكومة.

وأعلن محامو المحتجين الثلاثة، أن المحكمة العليا في إيران وافقت على إعادة النظر بقضية الثلاثة المحكومين بالإعدام، حيث قالت صحيفة "شرق" الإيرانية التابعة للإصلاحيين -الذي يعتبر الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني قريبا منهم-: إن "هناك إرادة شعبية تطالب بوقف هذا الحكم".

وألقي القبض على أمير حسين مرادي ومحمد رجبي وسعيد تمجيدي، وجميعهم يعتقد أنهم في العشرينيات من العمر، خلال الاحتجاجات الشعبية في نوفمبر /تشرين الثاني 2019 التي اندلعت أحداثها بقرار من الحكومة برفع أسعار الوقود.

وبحسب وكالة "فارس" الإيرانية، فإن إيقاف تنفيذ الأحكام جاء بعد طلب رئيس السلطة القضائية الإيرانية، إبراهيم رئيسي، العمل وفق المادة 477 لقانون الإجراءات الجنائية في ملف الشباب.

وتنص هذه المادة القانونية على أنه "إذا ما اعتبر رئيس السلطة القضائية أن الحكم القطعي الصادر عن إحدى المرجعيات القضائية يتعارض مع الشرع، فبإمكانه إحالة الملف على المحكمة العليا، لكي تُعاد دراسته في محكمة يختارها رئيس السلطة".

وعلى إثر ذلك، ذلك أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تعاطفه مع الشبان الثلاثة، بالقول: إن إعدامهم يبعث برسالة مؤسفة إلى العالم.

وذكر في حسابه على "تويتر" عبر تغريدة باللغة الفارسية، في 15 يوليو/ تموز 2020 أنه "حُكم على ثلاثة أشخاص بالإعدام في إيران لمشاركتهم في الاحتجاجات، ومن المتوقع إعدامهم في أي لحظة. هذا يبعث برسالة مؤسفة إلى العالم ولا ينبغي القيام بذلك".

وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن العديد من المعتقلين أثناء الاحتجاجات معرضون حاليا لخطر التعذيب والسجن الطويل وأحكام الإعدام، مشددة على أن عقوبة الإعدام تنتهك الحق في الحياة كما هو معلن في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

قتل فظيع

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 تدفق ملايين الإيرانيين إلى الشوارع، للتعبير عن غضبهم مما تعاني منه البلاد من فقر وتضخم وسوء إدارة اقتصادية، لكنها قوبلت بعنف شديد من جانب قوات الأمن وقتل فيها أكثر من ألف شخص.

ويعود سبب اندلاع هذه الاحتجاجات إلى الإعلان المفاجئ عن رفع أسعار الوقود بنسبة 200 ٪، إلا أن السلطات قمعتها بسرعة وفرضت تعتيما شبه كامل على الإنترنت لمدة أسبوع.

ونقل تقرير لمنظمة العفو الدولية في ديسمبر/ كانون الأول 2019، عن فيليب لوثر، رئيس الأبحاث بالمنظمة في الشرق الأوسط، قوله: إن عدد القتلى "دليل على أن قوات الأمن الإيرانية نفذت موجة قتل فظيعة"، داعيا المجتمع الدولي إلى العمل على ضمان محاسبة المسؤولين.

وقال لوثر: إن "عمليات القتل نتجت كلها تقريبا عن استخدام الأسلحة النارية". وأضافت المنظمة: أنه طبقا لمعلومات جمعتها فإن "عائلات الضحايا تعرضت للتهديد والتحذير من التحدث إلى الإعلام أو إقامة جنازات"، كاشفة أن "بعض العائلات أجبرت كذلك على دفع مبالغ طائلة لاستعادة جثث ذويها".

وأفادت وكالة "رويتر" في حينها بأن الاحتجاجات التي خرجت في إيران، نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 قمعت بشدة، ما أسفر عن مقتل 1500 شخص واحتجاز الآلاف. كما ارتكب الحرس الثوري مجزرة في إقليم الأحواز ضد المتظاهرين راح ضحيتها العشرات.

ووفقا لتقرير صادر عن مركز أبحاث البرلمان الإيراني في أبريل/ نيسان 2020، فإن التضخم في البلاد سيزيد على 20 ٪ خلال السنة التقويمية الإيرانية الحالية (مارس/آذار 2020 – مارس/آذار 2021).

وخلص تقرير البرلمان، إلى أن عدم اليقين جنبا إلى جنب مع الركود الاقتصادي أو التراجع الاقتصادي سيؤدي إلى انهيار العديد من الشركات. وبالتالي زيادة الفقر.

ويقدر صندوق النقد الدولي معدل التضخم في إيران عند 34.2 ٪، ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي عند -6 ٪، والبطالة عند 16.3 ٪ في عام 2020، حسبما أفاد بحث لمؤسسة "أتلانتك كونسل" في مايو/ أيار من ذات العام.