الجارديان: كورونا وبريكست يصيبان الاقتصاد البريطاني في مقتل

12

طباعة

مشاركة

توقعت صحيفة الجارديان البريطانية، أن يدعو رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى العودة للعمل من المكاتب والرجوع للحياة الطبيعية بحلول أعياد الميلاد المسيحية (في 25 ديسمبر/كانون الأول).

وورغم ذلك، قال تقرير للصحيفة: إن "الشعور بالخوف الذي يخيم على هذا الصيف الغريب غير المستقر أصبح لا مفر منه"، وذلك بسبب تفشي جائحة كورونا التي تضرب العالم من ديسمبر/كانون الأول 2019.

وأضاف: "يبدو أن الموجة الثانية من الفيروس التاجي المستجد أصبحت مؤكدة. ويشهد التراجع الهائل في المؤشرات على كارثة اقتصادية ربما تكون قد حدثت بالفعل".

النموذج الاقتصادي

وبحسب التقرر، فإن النموذج الاقتصادي الذي يعمل فيه الناس في المتاجر لإنفاق الأموال في متاجر أخرى، قد فشل بشكل ذريع في القدرة على الاستمرار، وربما نشهد زواله.

فقد شهد شهر أبريل/نيسان انخفاض الناتج القومي بنسبة 20.4 ٪، وعلى الرغم من أن الاقتصاديين كانوا يتوقعون نموا بنسبة 5.5 ٪ في مايو/أيار، فإن الرقم الفعلي تحول إلى انخفاض بنسبة 1.8 ٪.

ووفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يمكن أن يؤدي تفشي كبير آخر للفيروس التاجي في المملكة المتحدة إلى معدل بطالة يبلغ 15٪. 

وتظهر أرقام من مكتب الإحصاءات الوطنية أن 650 ألف شخص فقدوا وظائفهم منذ بدء الإغلاق بسبب الفيروس، وأن الوظائف الشاغرة في أدنى مستوياتها منذ بدء التسجيل منذ عقدين.

ويُعتقد الآن أن ما يصل إلى 3 ملايين وظيفة في المملكة المتحدة معرضة لخطر ديون الشركات غير المستدامة. 

وردا على دعوات وجهت للحكومة للنظر في برنامج عمليات الإنقاذ، قال وزير الخزانة البريطانية ريشي سوناك، الذي من المقرر أن ينهي مخطط الإغلاق في أكتوبر/تشرين الأول: "حتى الآن، لا (لإنهاء الإغلاق)".

ويقول التقرير: "إذا كنت تريد إشارة حاسمة على اتجاه المحافظين إلى سياسات سريالية عبثية قاتمة، فيكفي أن تنظر إلى الـ 705 مليون جنيه إسترليني، التي على وشك أن يتم إنفاقها على حدود بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)".

جمود سياسي

وتابع: "وفي الوقت نفسه، يعاني اليسار من مشاكله الخاصة. حتى لو بدا أن حزب العمل في المراحل الأولى من إعادة التواصل مع الناخبين، فإن أفضل وصف لرد فعله على هزيمة كوادره في الانتخابات الأخيرة هو الجمود السياسي الواضح". 

وأردف: "يقدم اليمين أيضا مثالا صارخا على ضيق الرؤية السياسة في مواجهة التحديات الضخمة، بإصراره على حملته الغريبة جدا ضد أقنعة الوجه".

كيف نتغلب إذن على الشعور المتزايد بالعجز والخوف؟، يقول كاتب التقرير في الجارديان: خلال يوليو/تموز 2020، انغمست في أحدث الكتابات من أنتوني بارنيت، المفكر والناشط المخضرم الذي شكلت أعماله نقطة تحول منذ عام 1968، وكان كتابه الضخم، المليء بالأفكار "إغراء العظمة"، أفضل دراسة على الإطلاق حول بريكست.

الآن، وفي مقال موسع عبر الإنترنت بعنوان مبهج هو "الخروج من بطن الجحيم"، وجه انتباهه إلى أزمة الفيروس التاجي المستجد، وكيف كانت الطريقة التي أدارت بها العديد من البلدان على مدى العقود القليلة الماضية. 

ما هو مقنع حول ما يقوله هو مسحه التاريخي الطموح وإحساسه بالإمكانية: بإصراره على أن الفيروس هو هبة، وذلك لأنه "يوضح أن مستقبل البشرية هو أمر من اختيارنا"، وفق التقرير.

وتابع: "إن للعولمة، كما يراها بارنت، جانبين لا يمكن التوفيق بينهما بشكل متزايد، أحدهما هو تعظيم الربح والأسواق المفتوحة، والآخر هو إحساس الناس عامة بالمواطنة والانتماء، مع توقعات بالحقوق والحماية".

قد يتم استغلال الملايين منا، ولكن لدينا أيضا وعي عميق بأننا "نتشارك الكوكب نفسه في نفس الوقت مع بعضنا البعض"، يقول التقرير.

وواصل: "ولفترة من الزمان تدبرت العولمة أمورها بدون تعارض كبير بينهما، ولكن يبدو أن الوباء يعمل من أجل ضمان تصادم أحد هذه الجوانب مع الآخر، حيث بدأ الوباء حقبة جديدة".

حتى الآن تتجلى هذه الحقيقة، ليس فقط في سياسات التعامل مع الفيروس نفسه، ولكن أيضا في ما يدور حوله: وما حركة "حياة السود مهمة" (في الولايات المتحدة) إلا مثالا صارخا، وسيكون هناك المزيد قريبا.

انهيار أيديولوجي

تغير كل شيء عندما تم تعليق الاقتصادات فعليا لإنقاذ الأرواح: ونتيجة لذلك، فإن الفيروس "عجل فقط بانهيار أيديولوجي".

ويوضح التقرير الفرق بين الانهيارات والثورات، بالقول: "بعد التعرض لانهيار يمكنك التعافي وأن تصبح أكثر قوة، من خلال التجربة، أو على الأقل العودة إلى ما كنت عليه، النتيجة أيا كانت هي ما يتم تحديدها بعد ذلك والعمل على تحقيقها، فهي ليست متأصلة في الأزمة". 

ويقول كاتب التقرير: "نحن نواجه الآن عدم التوافق بين عقيدة السوق الاقتصادية، التي ادعت أنها تشكل تكوين الثروة في العالم، وتوقع الحق في الحياة، الذي اتضح أنه رافق نموه".

وتابع: "السؤالان الرئيسيان في عصرنا هما: هل يمكن في النهاية نهج طريقة أكثر إنسانية وجماعية للتفكير إلى الأمام؟، وكيف يمكن أن يكون الشكل المختلف من الاقتصاد والمجتمع؟".

إذا كان غياب هذه المواضيع الكبيرة من المحادثة السائدة حول الفيروس التاجي أمرا محبطا، فمن المؤكد أن الحل هو البدء في طرحها للنقاش على أي حال، والتفكير على نطاق يتناسب مع حجم الأزمة نفسها. 

وترى الصحيفة أننا "يمكن أن نضطر على المدى القصير إلى المتوسط، إلى الانتقال لاقتصاد موجه جزئيا، حيث نتبنى منطق صفقة جديدة خضراء، ونحول العمالة والموارد من أجزاء الاقتصاد قصيرة الأمد إلى أخرى أكثر استدامة، من خلال وضع الناس في العمل والبدء في التحرك ضد الظروف الاجتماعية التي أدت إلى تفاقم تجربة بريطانيا في تفشي المرض".

وأشار إلى أننا  "نحتاج إلى برنامج إسكان عام ضخم، يركز جزئيا على إعادة استخدام البلدة ومراكز المدن الاجتماعية التي هي الآن في حاجة ملحة إلى إعادة الاختراع". 

يجب أن يكون الخط الفاصل بين العمل بأجر والنشاط التطوعي والرعاية غير واضح من خلال الدخل الأساسي.

وتابع التقرير: يجب إعادة تشكيل الطريقة التي نقدم بها بشكل جماعي الخدمات العامة من خلال ما يسميه بارنت "انفجار التعاطف والوعي الاجتماعي والتواصل"، الذي شوهد مؤخرا في الطريقة التي ساعد بها العمل المجتمعي العفوي الأشخاص المتضررين من الفيروس.

يقول الكاتب: "وهذا ما يقودنا إلى أي شكل نريده من الدولة". 

وأضاف: "كما كتبت كثيرا مؤخرا، فإن معالجة إنجلترا للوباء تثبت أن نظام الحكم المركزي الصاخب، المليء بالممارسات المتحجرة والتحيز المؤسسي، يجب أن يكون محليا بالكامل وديمقراطيا". 

وختم التقرير: "أكثر من أي فترة أخرى في معظم حياتنا، هذا وقت له أهمية كبيرة، يجلب معه شعورا بالأزمة والفرصة. وسط التحولات والانحرافات المستمرة، يجب علينا جميعا التفكير في المستقبل قبل أن يضربنا مثل المطرقة".