مانويل مسلّم.. كاهن فلسطيني يؤيد قرار آيا صوفيا ويدعو لمقاومة إسرائيل

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في ظل الحملة المحمومة التي نشأت نتيجة صدور قرار تركي بإعادة تحويل آيا صوفيا في إسطنبول إلى مسجد، منتصف يوليو/تموز 2020، والتي أثارت انزعاج عدد من الأنظمة الغربية والعربية، برزت أصوات مؤيدة للخطوة ومشيدة بها.

ففي تصرف غير معتاد ومفارقة مثيرة للانتباه، ومناقضة تماما لما صدر عن رجال دين مسلمين، أيد الأب المسيحي مانويل مسلّم، هذا القرار، وأشاد به باعتباره خطوة تاريخية.

وقال مسلّم، أحد أشهر الكهنة المسيحيين في فلسطين، عبر تسجيل مصور: إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "رفع قدر وكرامة آيا صوفيا من متحف إلى جامع يسبح فيه اسم الله".

وخاطب مسلّم الذي يشغل منصب رئيس الهيئة الشعبية العالمية لعدالة وسلام القدس، المسيحيين قائلا: "انتبهوا أيها المسيحيون، أردوغان رفع قدر وكرامة كنيستنا آيا صوفيا من متحف تدوسه أقدام الأمم، إلى عظمة ومحبة واحترام وتقدير جامع، يسبح فيه اسم الله ويمجد".

وعدد الأب المسيحي الكوارث التي حلت بمساجد وكنائس فلسطينية جرى تحويلها إلى متاحف وحظائر الماشية وكُنس يهودية وصالات أفراح وملاه ليلية وزرائب حيوانات.

وأشار إلى السياق التاريخي لتحول الكنيسة قديما إلى مسجد، وربط تحولها بتحول المجتمع كاملا إلى الإسلام، قائلا: "شاءت الأقدار والتاريخ أن تنتقل هذه الكنيسة العظيمة من أهلها إلى الإسلام، ونحن نتمنى من كل قلبنا أن تعود المسيحية، ولكن كما جرى في إسبانيا وأرضنا العربية، تحولت بعض كنائسنا إلى جوامع، وبعض جوامعهم إلى كنائس".

وأوضح أن ذلك التحول أتى في إطار تحولات ثقافية وحضارية ودينية شملت الهوية والدين واللغة، قائلا: "الشعوب تتنقل وتغير لغتها ودينها، ومع الشعوب تدخل الجوامع في المسيحية كما تدخل الكنائس في الإسلام، وهذا ما جرى في إسبانيا وهو ما يجري في بلادنا العربية".

ورأى الأب المسيحي أن المسألة لا تحتمل كل تلك الجلبة، وقال: "المسيحيون كانوا يقرؤون في آيا صوفيا الإنجيل، واليوم يقرؤون القرآن، وفي كثير من البلدان التي اندحر عنها الاحتلال والاستعمار خاصة في البلاد العربية، سلمت الكنائس وقد أقفرت من أهلها إلى الحكومات الإسلامية لتتحول إلى جوامع، وفي بعض كنائس المدن في أوروبا يتناوب المسيحيون والمسلمون الصلاة".

وأكد رئيس الهيئة الشعبية العالمية لعدالة وسلام القدس أن المسلم طالما يحترم الكنيسة فهو يحترم المسيحيين، وحث على ضرورة أن يحمي المسيحي المسلم، والمسلم المسيحي العربي.

من هو؟

هو مانويل حنا شحادة مسلّم، ولد في 16 أبريل/نيسان عام 1938، لأبوين مسيحيين، في بيت جالا بفلسطين ونشأ في مدينة بيرزيت بالضفة الغربية، ويقطن فيها لحد الآن.

يعرف مسلّم بمعارضته الشديدة للاحتلال الإسرائيلي وبنشاطه ضده وتصديه لتهويد القدس، كما اشتهر بدعم مواجهة "إسرائيل" وإشادته بحركة المقاومة الإسلامية حماس، ولطالما انتقد تطبيع بعض الأنظمة العربية مع "تل أبيب".

هو صاحب الجملة المشهورة التي قالها في أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014: "إن هدموا مساجدكم فارفعوا الأذان من كنائسنا".

وخاطب في تلك الكلمة المقاومة في قطاع غزة، قائلا: "احفروا الأنفاق وتقدموا، يجب على كل الفلسطينيين الدفاع عن حماس لأنها فصيل مقاوم".

من بين أشهر مواقفه، تضامنه مع خطيب المسجد الأقصى، ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري، بعد قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي إبعاده عن الأقصى ومنعه من دخول المسجد.

ففي يناير/كانون الثاني 2020، خاطب الأب مسلّم الشيخ صبري قائلا: "تحية بيرزيت وأهلها إليك وإلى القدس وأهلها"، مضيفا: أن "سفاهة التاريخ وقذارة زمن الزّفْت هذا أن يحاول جندي صهيوني محتل- الله وحده يعلم أصله وفصله- يتجاسر ويتطاول ويستدعي ويحذر ويعاقب رئيس الهيئة الإسلامية العليا ليربيه ويدله على الخير والصواب".

وتابع: "يا لفضائح الزمن والاحتلال، أنت يا شيخنا الجليل شمس تضيء لنا الطريق ولكنك تعمي عيون البُوم"، مضيفا: "بيتي وقلبي وأهلي يرحبون بك لتقيم عندنا، وتعلمنا كيف نقاوم معك هذا الباطل الذي يأسر الحق في مدينة الحق قدس العرب والمسلمين".

وأضاف: "لا أستنكر ما حدث لك أو جرى معك، فهو تصرف صحيح في الاتجاه الخطأ، هذه هي الحقيقة تحت الاحتلال أن يُستهدف الأحرار، لكن عذاباتهم هي الضامن لأفراح الأبناء والأحفاد والشعب".

مسؤوليات ومناصب

تولى رئاسة وعضوية العديد من الهيئات والمؤسسات الناشطة في مجال مقاومة الاحتلال والدفاع عن القضية الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها.

وتقلد عدة وظائف ومسؤوليات دينية، فعمل راعيا مساعدا لكاهن الرعية اللاتينية في الزرقاء والرصيفة في الأردن للفترة بين عامي 1963 و1968، ثم كاهنا لرعية عنجرة بالمملكة الهاشمية عام 1968، ثم كاهنا لرعية جنين ومدرسا للتعليم المسيحي في مدرسة تراسنطة في الناصرة.

وفي العام 1975، أصبح مانويل مسلّم كاهنا للرعية الكاثوليكية في الزبابدة بفلسطين، ثم كاهنا لها في غزة في الفترة من 1995 إلى عام 2009، وفي ذلك العام تقاعد في مسقط رأسه ببيرزيت، ومنحه بابا الفاتيكان الأسبق بنديكت السادس عشر، لقب مونسينيور (أسقف) في يناير/كانون الثاني 2006.

وإلى جانب نشاطه الديني، شغل مانويل عدة مناصب سياسية، لها ارتباط وثيق بالنشاط الحقوقي.

فقد عينه رئيس السلطة الفلسطيني محمود عباس رئيسا لدائرة مسيحيي وزارة الخارجية الفلسطينية، لكنه تقاعد في مايو/أيار 2009، لأسباب صحية.

كما شغل عضوية الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، ومنصب رئيس الهيئة الفلسطينية المستقلة لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين (حكم)، وعضو هيئة العمل الوطني غزة.

أيضا، هو عضو مؤسس لمؤسسة بيت الحكمة في قطاع غزة، وعضو مؤسس في لجنة كسر الحصار المفروض على القطاع، وعضو ناشط أيضا في لجان مهتمة بالمصالحة الوطنية الفلسطينية.

مواقف راسخة

 وكان الأب مانويل مسلّم، قد دعا في ديسمبر/كانون الأول 2019 جميع الفلسطينيين للعصيان المدني، سبيلا للتحرير، ودعما للأسرى المحررين المقطوعة رواتبهم من قبل السلطة الفلسطينية بضغط من إسرائيل.

وقال مسلّم في مقطع فيديو نشره على حسابه: "أيها الفلسطينيون اصرخوا فإن الأمم جميعا أداروا أعينهم وآذانهم نحو بيت لحم وفلسطين، هذا زمان الصراخ فاصرخوا في آذان العالم، وهذا زمان الغضب فاغضب يا شعبي واشتدي يا سواعده".

وطالب مسلّم "بإشعال الثورة والمقاومة للظلم والظالمين وقرارات السجن التعسفية والتوقيف الإداري وسجن النساء والأطفال وقطع رواتب السجناء والمعارضين للنظام الشيطاني القائم".

وفي نفس الشهر، عبّر الأب مانويل مسلّم، عن استهجانه لما ورد في بطاقة معايدة كان قد بعث بها رئيس السلطة محمود عباس بمناسبة أعياد الميلاد، بسبب صياغتها حول الحدود.

وكتب مسلّم في منشور على حسابه في فيسبوك: "أنا لست مسيحي دولة أوسلو، أي الضفة الغربية وقطاع غزة، أنا مسيحي فلسطين التاريخية من رأس الناقورة إلى أم الرشراش ومن البحر إلى النهر. أنا فلسطيني مسيحي أسكن في كل ذرة تراب من فلسطين هذه، لأنها كلها لي، وكل ذرة من ترابها تسكن فيّ، لأني أنا وكل شعبي لها".

وأضاف قائلا: "فاعذرني وسامحني واقبل أسفي وحزني، يا سيادة الرئيس، أن حرمت نفسي من فرح تسلّم بطاقة معايدتك في عيد الميلاد 2018 لأنها حجمتني وحجمت شعبي وقسمتني وقسمت أرضي وشعبي المسلم والمسيحي في فلسطين التاريخية". 

وتابع: بيت لحم ليست بيت لحم "القدس، وغزة، ورام الله، وبيت جالا، وبيت ساحور، وبيرزيت، والطيبة، وجفنا، والزبابدة، ونابلس، وأريحا"، كما جاء في رسالتكم بل هي أيضا مدينة الناصرة وحيفا ويافا والرملة واللد وبيسان وبئر السبع وعكا وجبل طابور وطبريا والرامة وصفد، فليس لبيت لحم حدود حتى يكون لأي كيان غاز غريب صهيوني في أرضي غربها أو شرقها أو شمالها أو جنوبها حدود".