"القائمة المشتركة" بالداخل الفلسطيني.. من التأسيس وحتى التفكيك

القدس المحتلة – الاستقلال | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

"خلّي الشعب يقرر"، بهذه الكلمات انتهت رحلة القائمة المشتركة في الداخل الفلسطيني، التي كانت أول تحالف انتخابي شامل لكل الأحزاب العربية المشاركة في انتخابات الكنيست "الإسرائيلي".

القائمة المشتركة: هي قائمة انتخابية تجمع الأحزاب العربية- في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 - المُشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلية.

رفع حجم المشاركة

في عام 2014 تم (تعديل قانون أساس: الكنيست) رقم (844)، والذي بموجبه تم رفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست، وموجز القانون كما يُلخصه مركز عدالة: "ينص القانون على رفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست من 2 بالمئة إلى 3.25 بالمئة".

هذا التعديل القانوني، دفع الأحزاب العربية المشاركة في "الكنيست" إلى الالتئام وتشكيل قائمة انتخابية واحدة، أُطلق عليها اسم القائمة المشتركة، للترشح من خلالها لانتخابات الكنيست ال 20، والتي جرت في 17 مارس/آذار عام 2015 م.

ضمت القائمة المشتركة أربعة أحزاب. الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (الجبهة عبارة عن تحالف عربي-يهودي، مكونه الأساسي الحزب الشيوعي الإسرائلي، ويضم جهات يسارية أخرى). المركّب الثاني للقائمة المشتركة، القائمة العربية الموحدة، وهي قائمة انتخابية تمثل الحركة الإسلامية الشق الجنوبي.

أما الثالث، التجمع الوطني الديمقراطي. الحركة العربية للتغيير بقيادة النائب أحمد الطيبي. هذا التحالف جمع بين مختلف الانتماءات الآيديولوجية في الداخل الفلسطيني، جمع الشيوعي، الإسلامي، القومي، والوطني تحت قائمة واحدة.

القائمة المشتركة وإن كانت في صلبها قائمة عربية، إلا أنها لم تعرّف نفسها كذلك، السبب الأول لوجود الحزب الشيوعي الإسرائيلي كمركب أساسي لهذه القائمة، والذي يضم في داخله أعضاء من اليساريين اليهود. السبب ثاني ربما كان بهدف سياسي، حتى لا تضيّق القائمة المشتركة على نفسها في الساحة السياسية الإسرائلية.

وفي 12 فبراير/ شباط 2015، نظّمت القائمة المشتركة مهرجانها الافتتاحي في مدينة الناصرة. شمل كلمات لجميع ممثلي الأحزاب، وكانت تلك اللحظات تعبّر عن لحظة تاريخية بالنسبة للأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني، ولحظة لا تقل أهمية للناخب العربي، بتجسيد وحدة حقيقية في انتخابات الكنيست.

قال النائب أحمد الطيبي خلال كلمته في المهرجان الافتتاحي للقائمة المشتركة: 'ليس حدثا عاديا أبدا أن نلتقي كلنا معا في قائمة واحدة. قد يبدو أن هناك أربعة ألوان ولكن الحق يقال بأن ما يملأ هذا العمل ويصبغه من رأسه إلى قدميه هو ألوان نعرفها جميعاً، هي ألوان الشعب الفلسطيني". 

من جهته، جمال زحالقة -ممثل حزب التجمع الوطني الديمقراطي- على نفس  المعاني: "'إنني اعتبر أن الوحدة حدث تاريخي، وأطلب منكم تسجيل هذا التاريخ لتحدثوا أولادكم أنكم كنت جزءا من هذا اليوم التاريخي لشعبنا'".

بدوره صرّح أيمن عودة - عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة - رئيس القائمة المشتركة: "لأول مرة نستطيع أن نقول نتحدث باسم كافة فلسطينيي الداخل، فليعتز شعبنا بذلك وليرتجف الثلاثي ليبرمان ونتنياهو وبينيت، نحن لبينا نداء الناس التي ألحت علينا وطالبتنا بأن نتوحّد".

يمكن للمتابع العادي، أن يلحظ أجواء الفرحة، والعاطفة الجياشة في كلمات ممثلي الأحزاب، لكن هذا لم يدم طويلا، أو لربما كان واضحًا لمن تابع كل التفاصيل أن التحالف السياسي الذي تبلور في القائمة المشتركة لم يكن ورديًا كما يظهر من تفاعل الأحزاب وآراء الناس بعد الإعلان الرسمي عن القائمة المشتركة.

الاتفاق على تركيبة القائمة المشتركة كان نقطة خلاف منذ البداية، وقد تركز معظم عمل لجنة الوفاق الوطني - وهي لجنة وطنية عملت بهدف تشكيل القائمة المشتركة - على التوفيق بين الأحزاب، والوصول لتوافق حول ترتيب المقاعد. وبعد جولات من المفاوضات، توصلت اللجنة للاتفاق حول صيغة توافقية، بحيث يتم التناوب على المقاعد 12-15 بين الأحزاب.

وكانت لجنة الوفاق قد اقترحت على الأحزاب التناوب على المقاعد من 12 حتى 15، بحيث يشغل في نصف المدة الأولى المقعد الـ12 مرشح العربية للتغيير (امرأة) والمقعد الـ13 مرشح الجبهة (من الطائفة المعروفية)، وفي النصف الثاني يتناوب مرشح الحركة الإسلامية (النقب) مع مرشح العربية للتغيير على المقعد 12، فيما يتناوب مرشح التجمع (النقب) مع مرشح الجبهة على المقعد 13".

عقدت لجنة الوفاق مؤتمرا للإعلان عن تشكيل القائمة المشتركة في مدينة الناصرة، وذلك يوم الجمعة الموافق لتاريخ 23.1.2015، تكللت جهود لجنة الوفاق بالنجاح بعد تعثر المفاوضات عدة مرات.

حقيقة المفاوضات وما جرى فيها، يُضعف ما صرحه به نواب المشتركة من قبيل أن الوحدة جاءت كاستجابة لمطلب الشعب، وليس ردا على رفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست.

قال النائب المحامي طلب أبو عرار في كلمته خلال مؤتمر الإعلان عن تشكيل القائمة المشتركة: "نشكر الجميع وحققنا رغبة الجمهور العربي. نقول لإسرائيل إنّ هذه القائمة والوحدة لم يكن سببها رفع نسبة الحسم، إنما سببها عنصريتكم وهو قتلكم لنا وهدم بيوتنا ومصادرة أرضنا والتعامل معنا بعقليّة الاستعلاء. أصبح أمركم لا يطاق وحقيقة أصبحنا نشعر أنّه يتم التعامل معنا كأعداء".

خاضت "القائمة المشتركة" انتخابات الكنيست الـ20، وحصدت 13 مقعدا من إجمالي 120 في الكنيست الإسرائيلي. حصلت القائمة المشتركة على ما مجموعه 10.60 بالمئة من نسبة المصوتين في انتخابات الكنيست، وكانت القوة الثالثة في الكنيست من حيث عدد المقاعد.

أزمة التناوب

إذا ما اعتبرنا شأن القائمة المشتركة قصة، أو رواية في تاريخ الشعب الفلسطيني في الداخل المُحتل عام 1948، فإن أزمة التناوب هي الحبكة الرئيسية لتلك القصة. في تلك الأزمة رست الخلافات على الشاطئ وانكشفت القناعات السابقة بخصوص تركيب القائمة وترتيب المقاعد والمحاصصة وتبدد كل أمل حقيقي من وراء جسمي تمثيلي يقرب من المثال، ودلّت على مستقبل القائمة الشائك والصعب في ظل وجود هذه النوايا والمكائد بين الأحزاب.

ظهرت أزمة التناوب بعد استقالة النائب باسل غطاس عن التجمع الوطني الديمقراطي، بعد قضية إدخاله هواتف للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. حمّل البعض حزب التجمع فعل غطاس، وتم استغلال عدم وجود أي بند في اتفاق القائمة المشتركة ينص على موضوع الاستقالة وكيفية التعامل مع تلك الحالة.

وعلى ما يبدو، فإنه من غير المعقول أن يصل الحال في قائمة مشتركة على أسس وطنية إلى تغطية هذه الجوانب في الاتفاقية، لكن الأحزاب الأخرى استغلت هذه الثغرة في الاتفاق وتجاوزت الشعارات الوطنية والدوافع الجمعية وراء تأسيس "القائمة المشتركة"، ومن هنا بدأت أزمة التناوب، التي كانت بداية انكشاف الأزمة الحقيقية في موضوع تقسيم المقاعد، وكان لها تبعات لاحقة في تفكيك هذا الكيان الموحد.

المقعد الذي تركه باسل غطاس ليواجه محاكمته في قضية إدخال الهواتف للأسرى هو من حق حزبه، أي من حق حزب التجمع الوطني الديمقراطي. إلا أن حزبي الجبهة والعربية للتغير تعاملا مع المسألة بروح غير تلك التي عبروا عنها عند تأسيس القائمة المشتركة، وبقيت المقاعد في يد الجبهة والعربية للتغيير مدة طويلة، وهذا أخل بالاتفاق الأخلاقي قبل أن يخل بالاتفاق الموقع.

كانت الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) هي الطرف الوحيد الذي عمل بواجب الأخلاق الجامعة، حيث تنازلت الحركة الإسلامية عن المقعد البرلماني عندما جاء الدور لإبراهيم حجازي رئيس مكتب الحركة السياسي.

بعد أكثر من عام على أزمة التناوب، دخلت نيفين أبو رحمون عن التجمع الوطني الديمقراطي إلى الكنيست في تاريخ 14.8.2018.

ظن البعض أن إنهاء أزمة التناوب كان بهدف إعادة اللحمة، وإصلاح الوضع الداخلي قُبيل الانتخابات القادمة، وأن الأحزاب أدركت حجم الخسارة الشعبية التي تكبدتها في خضم أزمة التناوب، وللأسف، ذلك لم يكن. مطلع العام الجاري، أعلن الطيبي - رئيس الحركة العربية للتغيير عن انسحابه من القائمة المشتركة وتقديمه قائمة ترشيحية مستقلة لانتخابات الكنيست ال 21، المزمع إقامتها في أبريل/نيسان 2019.

تفكيك "القائمة المشتركة"

وفي 8 يناير/كانون الثاني 2018، انشق النائب أحمد الطيبي عن القائمة المشتركة، وتقدم بطلب لرئيس "الكنيست" لانفصال العربية للتغيير عن "القائمة". الطيبي منذ المفاوضات الأولى للقائمة المشتركة لم يكن راضيا عن تقسيم المقاعد، حيث حصل على مقعد ونصف (نصف دورة بالتناوب مع حزب آخر) في الكنيست، ويرى الطيبي نفسه الشخصية الأكثر تأثيرا وشعبية من بين النواب العرب.

بعد انشقاقه عن القائمة المشتركة، أطلق حملة إعلامية بعنوان: "خلّي الشعب يقرر"، في إشارة لمطالبته بإجراء انتخابات داخلية على ترتيب القائمة المشتركة وعدد المقاعد التي يستحقها كل حزب.

رد الحركة الإسلامية يتوافق مع المنهجية التي طالب فيها الطيبي، ونشرت  بيانًا بعنوان: "بدنا الناس تقرر"، غير أنها آثرت الوحدة، وعملت مباشرة على دعوة كل الأطراف المعنية للجلوس على طاولة الحوار والخروج بشكل جديد للقائمة المشتركة. 

عُرف عن الطيبي شهرته الشخصية على مدار تاريخ مشاركته في "الكنيست"، والحركة التي يرأسها إنما هي حركته الشخصية. لا يوجد مشروع وطني عند الرجل، إلا أنه يحظى بشعبية كبيرة، وهذا يظهر من خلال التفاعل معه في وسائل التواصل أو على مستوى استطلاعات الرأي. في مقابل الطيبي هناك مؤسسات حزبية تختلف كثيرا فيما بينها، إلا أنها تمتلك مشروعا سياسيا واضح المعالم في أقل تقدير، وتاريخا أوسع من دائرة الشخص الواحد.

وأشار استطلاع صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إلى أن القائمة المشتركة من غير الطيبي ستحصد 6 مقاعد في الانتخابات القريبة، وهو نفس عدد المقاعد الذي سيحصده الطيبي نفسه في قائمة مستقلة. وعلى ما يبدو فإن الطيبي يراهن على شعبيته ويريد أن يثبت لبقية الأحزاب أنه القوة الأولى جماهيرا، وليس الأخير في المعادلة الرباعية.

في استطلاع آخر للقناة الثانية عشرة الإسرائلية، والذي نشر في موقع "ماكو" كذلك، أظهر نفس النتائج، حيث ستحصل القائمة المشتركة على 6 مقاعد، وستحصل القائمة بقيادة الطيبي على 6 مقاعد.عليه فإن الحديث عن إعادة تركيب القائمة المشتركة سيكون أمرا في غاية الصعوبة، بل ربما من المستحيل إعادة تركيب القائمة على حسب الشروط السابقة. فالطيبي يراهن على قوته الشخصية، واستطلاعات الرأي تدعم توجهه هذا.

الاتصال بين الأحزاب العربية ضعيف إلى درجة، أن رئيس القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية الشق الجنوبي) منصور عباس نشر أكثر من مرة دعوة لرؤساء الأحزاب الأربعة عبر صفحته على "فيسبوك"، وهذا يدل على ضعف التواصل بين الأحزاب وهشاشته.

تفككت القائمة المشتركة، وانقسمت إلى قائمتين تضم الأولى كل من الحركة الإسلامية والتجمع، بينما تضم القائمة الثانية تحالف الجبهة مع العربية للتغيير، ولذلك قد لا تشهد انتخابات الكنيست القريبة تحركا فلسطينيا موحدا في مواجهة تكتل اليمين حول نتنياهو.