دعوات لوقف تصوير أعمالها بتركيا.. ما سر الأزمة بين أنقرة ونتفليكس؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أزمة جديدة نشبت بين منصة "نتفليكس" عملاق الإنتاج الفني والدرامي، وتركيا بسبب ما تم تداوله مؤخرا عن رفض أنقرة الترويج للشذوذ عبر محتوى "نتفليكس" الذي يشاهده ملايين البشر حول العالم، ونحو مليون ونصف مواطن تركي.

في 19 يوليو/ تموز 2020، كشف الإعلامي التركي جونيت أوزدمير عن صدام بين أنقرة، و"نتفليكس"، بسبب المسلسلات التي تروج لـ "الشذوذ" وهو ما قد يؤدي لأن تصبح تركيا أول دولة تحظر هذه المنصة.

دعوات عديدة في تركيا خرجت تطالب بمنع مشاهد "الشذوذ" من الظهور في المسلسلات، وتزامنت هذه الدعوات مع أخبار تم تداولها على وسائل إعلامية ومنصات تواصل اجتماعي، بشأن اعتزام نتفليكس، إيقاف تصوير مسلسلاتها في تركيا.

وذكرت الأنباء أن سياسة مجابهة الشذوذ الجنسي في الأعمال الفنية والدرامية التي اعتمدتها تركيا يشمل جميع ما ينتج أو يعرض على أراضيها من مسلسلات تحتوي على مشاهد تروج لهذا الفعل ولا يخص نتفليكس وحدها.

"نتفليكس" تنفي

وفي 20 يوليو/ تموز 2020، نفت "نتفليكس" صحة "الشائعات" المتداولة بشأن حصول مفاوضات بينها وبين أنقرة، تم على إثرها إيقاف إنتاج المسلسلات التركية.

المنصة أكدت في بيان رسمي، "استمرارية التزامها تجاه المشتركين في تركيا وحول العالم"، مشيرة إلى أنهم "فخورون بالأسماء الموهوبة التي عملوا معها، ومتحمسون جدا للمشاريع القادمة".

فيما نشر نائب رئيس مجلس الإدارة ورئيس قسم الترويج والإعلام في حزب العدالة والتنمية، ماهر أونال، عبر حسابه على تويتر قائلا: "شركة نتفليكس لم تلتق بأي من المسؤولين سواء في دائرة الاتصالات التابعة للرئاسة، أو مع حزب العدالة والتنمية. فما الذي يدفعهم للتفكير بالانسحاب من تركيا؟".

قبل أن يواصل تصريحاته بالقول: "أنا على ثقة بأن نتفليكس ستبدي تعاونا أكبر تظهر من خلاله حساسية أعلى تجاه القيم الثقافية والفنية في تركيا"، ما يؤكد وجود ملاحظات من قبل المسؤولين الأتراك على محتوى المنصة. 

"العشق 101"

في وقت سابق، وخلال مشاركته في برنامج الإعلامي التركي جونيت أوزدمير، تحدث أونال عن عمل درامي أنتجته المنصة العالمية، ويروي قصة شاب "شاذ". 

أونال قال: "بات هذا الأمر ظاهرا بين الشباب.. أرادت نتفلكس إعداد عمل درامي داخل تركيا، وبالفعل تم إعداد سيناريو العمل الذي تبين أنه يتناول قصة شاب تركي شاذ متمرد على المجتمع اسمه (عثمان)".

تبين بعد ذلك أن العمل الدرامي الذي لم يذكر نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، اسمه هو مسلسل "العشق 101" الذي تم عرضه بالفعل على المنصة وحظي بمشاهدات واسعة.

واعتبر البعض عدم إظهار شخصية "عثمان" في ذلك العمل الدرامي كشخصية "شاذة" بأنه نوع من الرقابة التي فرضتها حكومة أنقرة على المنصة.

وفي سبتمبر /أيلول 2019، قدمت نتفليكس طلبا للحصول على ترخيص لمواصلة العمل في تركيا، وفق قواعد بث جديدة على الإنترنت، تدفع بموجبه الشركة 0.5 في المئة من العائدات في تركيا للحكومة.

المنصة أعلنت أنها تخدم 1.5 مليون مشترك في تركيا وتصل إلى نحو 10% فقط من الأسر التركية، رامية إلى توسيع قاعدتها في المجتمع التركي الذي اعتبرته "سوقا مهما ومصدرا مربحا" في وقت تتصاعد فيه المنافسة.

وفي 4 ديسمبر/ كانون الأول 2019، أجرت وكالة الأناضول التركية الرسمية، مقابلة مع بلين ديشطاش، مخرجة المحتوى بمنصة مشاهدة الأفلام والمسلسلات "نتفليكس"، التي قالت: إن "تركيا دولة غنية بتراثها التاريخي والثقافي، وتمتلك الكثير من كتاب السيناريو والفنانين والمخرجين الموهوبين الذين يمكنهم نقل هذا الموروث الثقافي الغني إلى العالم عبر الدراما".

وشددت حينها: "نعمل لضمان مشاهدة المسلسلات التركية في كل بقاع العالم، ونحن في نتفليكس نساهم في تحقيق هذا الهدف من خلال عرض الأفلام والمسلسلات التركية في 190 دولة في آن واحد".

وأضافت: "تركيا دولة مهمة جدا بالنسبة لنا ولذلك نهتم أثناء اختيار الأعمال التي سنستثمر فيها بأن تحتوي قصة العمل على العناصر المحلية التي تعكس الثقافة المحلية، كما نحرص على ألا تكون الحكايات مكررة تم تناولها كثيرا قبل ذلك. فنحن نهدف لتقديم موضوعات جديدة مبتكرة".

يبدأ سعر الاشتراك الشهري في نتفليكس داخل تركيا من 18 ليرة (أقل من 3 دولارات) للحساب العادي، الذي يتيح مشاهدة الأفلام من جهاز واحد، ويبلغ سعر اشتراك الحساب الفائق 42 ليرة (6 دولارات) ويوفر المشاهدة من 4 أجهزة في نفس الوقت.

وتنشط الشركة في تركيا بشكل كبير، وأنتجت فيها العديد من المسلسلات والأفلام الرائجة، من أبرزها مسلسل الخيال "المحافظ"، الذي أنتجته شركة O3 Medya، كما أنتجت نتفليكس مسلسلا عن قصة حياة السلطان محمد الفاتح، تحت مسمى "الصعود العثماني-Ottoman Rising".

وفي 9 أبريل/ نيسان 2020، شنت حملة غضب واسعة في تركيا ضد شبكة "نتفليكس" وتهديد بعمل حملة إلغاء اشتراك مليونية، بسبب رد "نتفليكس فرنسا" على أحد المتابعين الأرمن حول إن كانوا يفكرون بتقديم عمل عن الأرمن فجاء الرد أن شبكة "نتفليكس" فكرت جديا بإنتاج فيلم عن الإبادة الأرمنية، الأمر الذي جعل بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي يصبّون جام غضبهم على "نتفليكس" كون تركيا ترفض حتى اليوم الاعتراف بأن ما حصل ضد الأرمن مجزرة جماعية.

عسل مسموم 

صحيفة "الاستقلال" نشرت تقريرا في 26 يناير/ كانون الثاني 2020، بعنوان "نتفليكس.. لماذا تحرص على إقحام المثلية الجنسية في أعمالها؟".

تحدث التقرير عن إقحام شبكة "نتفليكس" الأميركية، الكثير من مشاهد الشذوذ في أفلامها ومسلسلاتها، وتناول إشكاليات الشبكة في العديد من الدول، ومنها دول غير إسلامية مثل البرازيل، بسبب كسر المنصة الأميركية العديد من العادات والتقاليد والحواجز الثقافية للدول.

بدأت الأزمة عندما عرضت الشبكة الترفيهية، فيلما ساخرا أنتجته مجموعة كوميدية برازيلية في ديسمبر/كانون الأول 2019، وعنوانه ""The First Temptation of Christ، ويعني "الإغواء الأول للمسيح".

صوّر الفيلم الذي تبلغ مدته 46 دقيقة سيدنا عيسى عليه السلام على أنه "شاذ جنسيا"، وأظهر والدته السيدة العذراء كمدمنة للحشيش! ما دفع مليوني برازيلي إلى توقيع عريضة إلكترونية تطالب "نتفليكس" بحذفه.

الموقعون على العريضة اعتبروه "يسيء للمسيحيين". كما دعا كثيرون إلى مقاطعة المنصة، وبينهم سياسيون محافظون. وتطور الأمر عشية احتفالات عيد الميلاد 2019، عندما ألقيت قنابل مولوتوف على مقر مجموعة الكوميديين البرازيليين "Porta dos Fundos، في مدينة ريو دي جانيرو. وأدت هذه الاحتجاجات إلى إصدار أمر يجبر منصة "نتفليكس" على سحب الفيلم الساخر لتهدئة غضب المعترضين. 

 

تحارب الشذوذ

من خلال مؤسساتها الرسمية تعمل الدولة التركية على التوعية بخطورة "الشذوذ" على الأسرة والمجتمع، مؤكدة في كل مرة أنه من المحرمات التي يحاربها الشرع الحنيف.

في إحدى خطاباته يوم 29 يونيو/ حزيران 2020، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان، تصديه لهذه الظاهرة ومن يدعمها، قائلا: "يهاجم البعض قيمنا الوطنية والروحية بخبث.. يستهدفون تسميم العقول الشابة من خلال تطبيع الانحرافات الملعونة (الشذوذ) عبر تاريخ البشرية.. أولئك الذين يدعمون مثل هذه التيارات الهامشية التي على عكس إيماننا وثقافتنا هم شركاء لنفس الفاحشة في أعيننا".

وفي 29 أبريل/ نيسان 2020، كان رئيس الشؤون الدينية التركية علي أرباش، في أول خطبة جمعة من شهر رمضان، قد ذكّر الناس بالأوامر التي فرضها الله على عباده المسلمين، والمحرمات التي أمرهم أن يجتنبوها.

وقال أرباش حينها: إن "الزنا من الكبائر وإن الشذوذ من الأمور المحرمة، والحكمة من ذلك أن هذه الأمور تجلب الأمراض، وتقطع أواصر المجتمع، وهي من أكبر أسباب البلاء والفيروسات.. تعالوا نقاتل معا لحماية الناس من هذا الشر".

ونشر رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون تغريدة، ردا على الذين يهاجمون أرباش بسبب خطبته عن الشذوذ، أكد فيها "أن ديننا الحنيف هو الذي أعطى لكل الكائنات قيمتها وأضاء لنا الطريق في الماضي والحاضر، وقواعده ليست تلك التي يكيّفها ويفسرها على أهوائهم أولئك الذين يهاجمون الأستاذ علي أرباش".

وفي سبتمبر/أيلول 2019، صرح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، بأن واشنطن أرسلت إلى الجمعيات الناشطة في العاصمة التركية للدفاع عن الشذوذ 22 مليون دولار بحجة دعم الحريات.

وفي إطار التصدي للشذوذ، غرد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة إبراهيم قالن على تويتر، قائلا: "خسر الدنيا والآخرة من يتطاول على أحكام الله تعالى في أرضه وزمانه الذي خلقهما".