جون لويس.. رفيق درب مارتن لوثر وأيقونة نضال حاربت العنصرية وترامب

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"تأسف أميركا اليوم لرحيل أحد أعظم الأبطال في تاريخها"، هكذا نعت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، الناشط الأميركي، عضو الكونغرس جون لويس (80 عاما)، الذي وافته المنية، الجمعة 17 يوليو/ تموز 2020. 

لويس هو أيقونة الدفاع عن الحقوق المدنية والحريات لأصحاب البشرة السمراء في الولايات المتحدة، ورفيق درب مارتن لوثر كينغ، وصاحب المسيرة النضالية العظيمة التي جعلت كبار رجال المجتمع الأميركي، من الساسة والمؤثرين في الرأي العام، ينعون لويس، ويتسابقون إلى كتابة كلمات الرثاء في حقه، ويتذكرون مسيرته النضالية المشرفة.

طلاب اللاعنف

ولد جون لويس في مدينة تروي، بولاية ألاباما الأميركية، 21 فبراير/ شباط 1940، وهو الثالث من بين 10 أشقاء في عائلته.

نشأ لويس في مجتمع أسود بالكامل تقريبا، وسرعان ما أصبح مدركا للفصل العنصري الموجود في هذه الولاية الجنوبية بالولايات المتحدة.

انخرط جون لويس في النضال لنيل حقوق السود منذ بداية حياته، حيث بدأ بتنظيم اعتصامات في عدد من المطاعم التي تفرض الفصل العنصري، وقبض عليه حوالي 20 مرة خلال الاحتجاجات المستمرة، قبل تأسيس لجنة التنسيق الطلابية اللاعنف (S.N.C.C)، ثم قيادتها فيما بعد، وبذلك أصبح جون لويس في النهاية زعيما وطنيا لحركة الحقوق المدنية واحترام كرامة الإنسان.

في إحدى مقابلاته، قال لويس متحدثا عن تلك الفترة: "عايشت التمييز العنصري عندما كنت طفلا صغيرا.. رأيت إشارات تقول (رجال بيض، رجال ملونون، نساء بيضاوات، نساء ملونات)".

وأضاف: "أتذكر عندما كنت طفلا صغيرا أذهب مع إخوتي وأخواتي وأولاد عمي إلى المكتبة العامة لنحاول الحصول على بطاقات المكتبة من أجل رؤية بعض الكتب، وكان يخبرنا أمين المكتبة أن المكتبة مخصصة للأشخاص البيض فقط وليست من أجل الملونين".

وذكر أنه "خلال إحدى رحلات الطفولة إلى بوفالو، بنيويورك، رأيت للمرة الأولى رجالا بيضا وسودا يعملون معا من أجل إلغاء الفصل العنصري في نوافير المياه، وبدأت أؤمن أن تحقيق المساواة هو أكثر من مجرد حلم". 

"لدي حلم"

كمعظم أبناء جيله استمع جون لويس إلى المناضل الأميركي الراحل مارتن لوثر كينغ، عبر الراديو، وأعجب به وهو يلقي الخطابات الحماسية، ويوجه الجماهير لانتزاع حقوقهم والدفاع عنها، وهو ما التزمه لويس وسار عليه حتى التقى لوثر كينغ عام 1958 وهو ابن 18 عاما. 

جاءت اللحظة الأهم في حياة جون لويس، عندما كان أصغر قادة المسيرة التاريخية إلى واشنطن عام 1963، التي ألقى فيها مارتن لوثر كينغ خطابه الشهير "لدي حلم".

جاءت السنوات التالية لذلك الحدث أكثر اضطرابا، مع النشاط الملحوظ لحركات النضال من أجل حقوق السود في ما يتعلق بحركة الحقوق المدنية.

وخلال فترة تولي رئاسة لجنة التنسيق الطلابية اللاعنف (S.N.C.C)، فتحت اللجنة مدارس الحرية، وأطلقت مشروع صيف الحرية في ميسيسيبي، ونظمت بعض جهود تسجيل الناخبين خلال مسيرات "سِلما" الاحتجاجية للحقوق المدنية.

وبصفته رئيسا لتلك اللجنة، كتب لويس خطابا يرد فيه على مشروع قانون الحقوق المدنية عام 1963، منددا بالمشروع لأنه لم يحم الأميركيين من أصل إفريقي من وحشية الشرطة أو يمنحهم حق التصويت في الانتخابات.

"الأحد الدامي"

أصبح لويس معروفا على المستوى الشعبي الأميركي، خلال دوره البارز في المسيرات الاحتجاجية إلى مدينة سلما بولاية ألاباما، عندما قاد مع زميله الناشط هوشيا ويليامز في 7 مارس/ آذار 1965، الصفوف في اليوم التاريخي الذي أصبح معروفا في التاريخ الأميركي باسم "الأحد الدامي".

عبر لويس بأكثر من 600 متظاهر جسر (إدمون بيتوس) في سِلما، وفي نهاية الجسر، لاقتهم الشرطة وأمرتهم بالتفرق، وعندما توقفوا للصلاة أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع وهاجم الجنود المتظاهرين وضربوهم بالعصي.

تعرض جون لويس لكسر في جمجمته لكنه استطاع الهرب عبر الجسر إلى كنيسة "براون تشابل" في سِلما، قبل أن يتمكن زملاؤه من أخذه إلى المستشفى، وظهر على كاميرات التلفاز في ذلك اليوم يناشد الرئيس جونسون للتدخل في ألاباما.

حمل لويس ندوبا وتشوهات من ذلك الحادث على رأسه، رافقته حتى الوفاة، وفي عام 2015، مع إحياء ذكرى مرور 50 عاما على "الأحد الدامي" عبر جون لويس الجسر مجددا، لكن هذه المرة مع الرئيس باراك أوباما أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة. 

ومنح أوباما، جون لويس، وسام الحرية الرئاسي، وهو أعلى تكريم مدني أميركي، في حفل أقيم بالبيت الأبيض عام 2011.

عدو ترامب

عرف لويس بموقفه المناهض للرئيس ترامب، وهاجمه في مقابلة مع شبكة "إن بي سي" الأميركية في يناير/ كانون الثاني 2017 قائلا: "لا أعتبر هذا الرئيس المنتخب رئيسا شرعيا.. أعتقد أن الروس شاركوا في المساعدة على انتخاب هذا الرجل، وساعدوا في نسف ترشيح هيلاري كلينتون، سأتغيب عن حفل تنصيب الرئيس لأول مرة منذ أن أصبحت عضوا بالكونغرس في 1987".

ورد ترامب على تلك التصريحات، بطريقة غاضبة في تغريدة على تويتر، قال فيها: "على عضو الكونغرس جون لويس أن يقضي وقتا أطول في إصلاح ومساعدة منطقته التي تعاني من وضع مزر وتتداعى.. ناهيك عن انتشار الجريمة، بدلا من الشكوى الزائفة بشأن نتيجة الانتخابات. كلام كثير ولا فعل أو نتائج، أمر محزن".

ضمير الكونغرس

في 18 يوليو/ تموز 2020، نشرت صحيفة "لوبوان" الفرنسية عن وفاة جون لويس، الناشط التاريخي البارز في مجال اللاعنف والحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأميركية.

ووصفت "لوبوان" الفرنسية، لويس، الذي رحل عن (80 عاما)، بأنه أيقونة النضال الأميركي الإفريقي، الذي خاض معركة شاقة طوال حياته  ضد التمييز العنصري والظلم حيث تعرض للضرب المتكرر من قبل الشرطة واعتقل العديد من المرات في الاحتجاجات ضد الإبادات الجماعية أو قوانين الهجرة.

الصحيفة الفرنسية قالت عن لويس: إنه "نظرا لكونه أحد أكثر الأصوات احتراما للعدالة والمساواة في البلاد، فقد اشتبك مرارا وتكرارا مع الرئيس دونالد ترامب، حيث قاطع تنصيبه واستشهد بالتدخل الروسي في انتخابات 2016 للتشكيك في شرعيته".

ونقلت الصحيفة عن نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، أن جون لويس، قد "جسّد (ضمير الكونغرس) ومع ذلك، فقد تنحى عن منصبه في الكونجرس في الأشهر الأخيرة للخضوع لعلاج السرطان".

مات مناضلا 

رغم معاناته من سرطان البنكرياس، في أيامه الأخيرة، لكن لويس عاد إلى واشنطن في يونيو/حزيران 2020 في أوج الاضطرابات التي جرت بعد مقتل جورج فلويد، للمشاركة في مظاهرة حركة "حياة السود مهمة" ضد التمييز العنصري، وصرح حينها خلال جلسة مناقشات في الكونغرس بشأن العنصرية بأن "الرياح تعصف والتغيير الكبير يصل".

لويس أعلن في ديسمبر/ كانون الأول 2020، أنه "يعاني من سرطان البنكرياس من المرحلة الرابعة"، وتعهد بمحاربته، بينما كان يواصل خدمة ناخبيه في المنطقة الخامسة بولاية جورجيا، خلال انتخابات الكونغرس.

وأصدر بيانا في ذلك الوقت قائلا: "لقد خضت نوعا من القتال من أجل الحرية والمساواة وحقوق الإنسان الأساسية خلال معظم حياتي. ولم أواجه على الإطلاق قتالا مثل الذي أخوضه الآن".

وفي 17 يوليو/ تموز 2020، لم يستطع لويس أن يكمل نضاله، وتوفي متأثرا بمرضه بعد مسيرة طويلة وحافلة.

من أبرز الناعين لجون لويس، الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي نشر عبر حسابه على انستجرام، صورة له مع جون لويس، صحبها بتعليق: "لا يستطيع الكثير منا أن يعيش ليرى إرثنا الخاص يلعب دورا كبيرا بهذه الطريقة الرائعة والملموسة. فعل جون لويس. وبفضل ذلك، أصبح لدينا الآن أوامر، أن نستمر فى الإيمان بإمكانية إعادة بناء هذا البلد الذى نحبه إلى أن تفي بوعدها الكامل".

"ابن النجار"

وكتب نهاد عوض، مدير عام مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية بواشنطن، عبر "تويتر" قائلا: "رحيل عضو الكونجرس جون لويس أحد قادة الحريات المدنية التاريخية في أميركا ورفيق درب مارتن لوثر كنج.. وداعا أيها الأسد.. وداعا أيها القائد.. على دربك سنبقى حتى تحقيق العدالة  للجميع.. إنا لله وإنا إليه راجعون".

وكتبت الإعلامية الأميركية، نادية كارترز، عبر تويتر، قائلة: "وفاة جون لويس عضو الكونغرس وأيقونة حركة الحقوق المدنية، بعد معركة مع السرطان، اعتقل أكثر من 40 مرة في الستينيات وكان من أهم قادة الحركة، شارك في المسيرة الشهيرة في سلما ألاباما للمطالبة بحق السود في التصويت إلى جانب مارتن لوثر كنج. الرحمة لروحك جون لويس".

ووصف عند رحيله بمقولة مأثورة معبرة عنه بأنه "ابن النجار الذي أصبح لا يقهر، وواحد من أصغر فرسان الحرية الذين قاتلوا الفصل بين السود والبيض في نظام النقل الأميركي أوائل الستينيات من القرن الماضي".