أجراس الكنائس تدق باستمرار.. لماذا انزعج البعض من رفع الأذان بتركيا؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ارتفعت أصوات المساجد التركية بالتكبير والأدعية والأذان في الذكرى السنوية الرابعة لفشل انقلاب 15 يوليو/تموز 2016، إحياء لذكرى المواطنين الأتراك الذين استشهدوا أثناء مواجهتهم الآلة العسكرية الانقلابية في تلك الليلة.

حسب وكالة الأناضول، فإن 90 ألف مسجد في عموم المحافظات التركية، صدحت بالأدعية ورفعت الأذان في إطار الاحتفالات الشعبية والرسمية التي تشهدها البلاد بمناسبة الذكرى السنوية للتصدي لمحاولة الانقلاب في منتصف يوليو/تموز 2016.

الغريب أن مواطنين من الأتراك والعرب المسلمين أبدوا انزعاجهم من الأمر واتهموا النظام التركي بإقحام الدين في السياسة، وبأنه يتاجر بالدين.

في حديث يقول المواطن التركي عثمان كايا: "رفع الأذان في ذكرى الانقلاب يأتي في سياق محاولة إضفاء القدسية على الأحداث السياسية، وهو يتنافى مع علمانية الدولة".

وقال حسان الحميدي وهو مواطن يمني مقيم في تركيا، لـ"الاستقلال": "الحزب الحاكم في تركيا يعمل على دغدغة عواطف ومشاعر الأتراك بصفته شعبا يحظى بأغلبية تقدس المظاهر الدينية، وأن رفع الأذان هدفه بعث رسالة تقول إن الانقلاب أمر يخالف الأذان والشريعة الإسلامية".

وفي تعليق على منشور في الفيس بوك كتب يحيى العلفي: "هذا (رفع الأذان) توظيف للدين لخدمة المشاريع السياسية مثل ما بيحصل عندنا (في اليمن) .. إلخ".

المفارقة العجيبة أن هؤلاء المعترضين لم يبدوا أي انزعاج من قرع أجراس الكنائس في مناسبات بعينها في أوروبا وأميركا وبعض الدول العربية، بل إن البعض رأى ذلك الإجراء مبررا، درجت عليه بعض الدول التي يعتنق معظم سكانها المسيحية.

في واقع الأمر، فإن رفع الأذان أو دق أجراس الكنيسة يعد، إلى كونه دعوة للصلاة، تقليدا عالميا ووسيلة من وسائل إيصال رسالة جماعية للناس، للتعبير عن مشاعرهم أو التضامن معهم، بما يتسق مع ثقافتهم الدينية وقيمهم الوطنية، كما يعد وسيلة من وسائل تحفيز الذاكرة الوطنية للشعوب، والتذكير بتضحيات الرموز الوطنية التي قضت في حدث معين وإبداء التقدير والامتنان لهم.

وتركيا التي يعتنق أكثر من 99% من سكانها الإسلام، عادة ما تحتفل في أكثر من مناسبة برفع الأذان، كتعبير عن الفرحة وإحياء لذكرى الشهداء الذين قضوا في ليلة الانقلاب، تماما كما تقرع أجراس الكنائس في دولة غربية لإحياء ذكرى مناسباتها الوطنية ونضالاتها التاريخية.

ذكرى العبودية

في الولايات المتحدة الأميركية مثلا، تدق أجراس الكنائس لمدة 15 دقيقة في 31 أغسطس/آب من كل عام في تمام الساعة 3 عصرا بالتوقيت المحلي للولايات المتحدة إحياء لذكرى جلب أول دفعة أفارقة مختطفين للولايات المتحدة ثم استعبادهم.

كانت أول دفعة من الأفارقة قد جلبت في شهر أغسطس/آب 1619، إلى ولاية فرجينيا، عبر سفينة برتغالية تحمل على متنها 20 إفريقيا من "أنجولا" تم اختطافهم من قبل قراصنة إنجليز من سواحل المكسيك أثناء بحثهم عن العمل.

وتدق الكنائس أجراسها في هذا التاريخ الذي يعد أول تاريخ للعبودية في الولايات المتحدة، وبحسب القس راندولف مارشال هوليريث، رئيس كاتدرائية واشنطن الوطنية، في خطبة له بهذه المناسبة، فإن الأجراس تدق تقديرا واعترافا بقوة الأفارقة في وجه الظلم والتجريد من الإنسانية.

وحسب مايكل توماس، أستاذ مساعد في مادة الفلسفة بجامعة "سوسكاهانا" ومنسق الدراسات الإفريقية في حديث لفرانس 24، فإن المحتفلين، وفي ظل تنامي علامات العنصرية والعنف، يستمدون من الماضي الطاقة التي تجعلهم يواصلون النضال ويدافعون عن أنفسهم".  

ويحظى هذا الاحتفال بتقدير المجتمع الأميركي، حتى من البيض أنفسهم، حيث كانت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، قد شاركت في الذكرى الـ400 التي صادفت أغسطس/آب 2019، وقامت بزيارة غانا لإحياء تلك الذكرى، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين الأميركيين من بينهم الرئيس دونالد ترامب، الذي ألقى كلمة بهذه المناسبة قال فيها: إن العبودية سلوك بربري.

الحروب العالمية

أجراس الكنائس تقرع أيضا في عدد من عواصم أوروبا، في 8 مايو/أيار من كل عام، وهي الذكرى السنوية لانتصار دول التحالف على دول المحور في الحرب العالمية الثانية.

وفي 8 مايو/ أيار 2020، أحيت كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا وأستراليا الذكرى الـ75 لانتصارها في الحرب العالمية الثانية واستسلام ألمانيا، رغم الأزمة الصحية الناتجة عن فيروس كورونا.

قرعت أجراس الكنائس في موسكو، في حين تأجل العرض العسكري المعتاد، الذي أقيم لاحقا في 24 يونيو/ حزيران 2020، تخليدا لذكرى انتصار جيش الاتحاد السوفيتي، وإحياء لذكرى 20 مليون جندي سوفيتي راحوا ضحية الحرب.

وفي ذلك السياق، تقرع أجراس الكنائس في عدد من الدول الأوروبية، من بينها بريطانيا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك في 11 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام إحياء لذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى 1918.

وتنطلق الأجراس في الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر في عدة كنائس، من بينها كاتدرائية القس بولس في لندن، وكاتدرائية سانت مارتن في براتيسلافا، وكاتدرائية القديس بطرس في روما، لتنضم إلى الاحتفالات العالمية لإحياء الذكرى المئوية للهدنة التي أنهت الحرب العظمى.

مناسبات وطنية

ومن الغرب إلى الشرق حيث قرعت أجراس الكنائس في عموم مدن سريلانكا لمدة خمس دقائق، في 21 أبريل/نيسان 2020، إحياء لذكرى مقتل نحو 279 شخصا، في هجمات نفذها انتحاريون في عدد من المواقع السريلانكية عام 2019.

ونقلت قناة "فرانس 24" الإخبارية، عن الكاردينال مالكوم راجينث، الذى يرأس الكنيسة الكاثوليكية فى سريلانكا، فى رسالة وجهها بهذه المناسبة "نحن نحيي هذه المناسبة بشكل خاص لجميع من فقدوا أحباءهم والمجروحين، لأنهم متسامحون ولم يلجؤوا إلى الغضب والكراهية".

وكما تقرع الكنائس أجراسها في المناسبات الوطنية، تقرعها أيضا في المناسبات الدينية بعدد من الدول، ففي 4 أبريل/نيسان من كل عام تقرع الأجراس في كل كنائس العالم بمناسبة عيد الفصح أو عيد القيامة، ويقرع أيضا في عيد الميلاد، ورأس السنة الميلادية، وبقية الأعياد الدينية المسيحية.

ولا يتوقف قرع الأجراس على المناسبات الوطنية والدينية بل يتعداه للمناسبات والأحداث الشخصية، فقد قرعت كنيسة ريدارهولم الملكية فى وسط العاصمة السويدية ستوكولهم، أجراسها، تأبينا لوفاة الرئيس المصري الأسبق حسنى مبارك، وذكر راديو سوا الأميركي أن مبارك كان قد حصل عام 1986 على درع سيرافيم برتبة فارس الذي أسسه ملك السويد فريدرك الأول عام 1748.

واحتفت صحف مصرية داعمة لنظام السيسي، بالخبر، ونقلت اليوم السابع عن صحيفة داغنز نيهيتر السويدية أن بيرساندين، وهو أحد العاملين في  الديوان الملكي السويدي، قوله: إن الديوان لا يأخذ موقفا من أفعال حامل الوسام، بل يتبع أعراف الديوان الملكي.

دول عربية

كذلك الحال في عدد من الدول العربية التي يعتنق بعض مواطنيها المسيحية تقرع الأجراس، ففي لبنان تقرع عند تنصيب المطارنة، وتقرع  في ذكرى وفاتهم.

وكانت ابرشية جبل لبنان للروم الأرثوذكس قد قرعت الجرس احتفالا بتنصيب المتروبوليت سلوان (موسي) مطرانا جديدا عليها، في كنيسة القديس جاورجيوس في بصاليم، وهو سلوك مألوف درج عليه التقليد المسيحي.

وفي الإسكندرية شمالي مصر، كلف البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بقرع الأجراس في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، تضامناً مع أسر الشهداء والمصابين في الحادث الذي استهدف مصلين في مسجد الروضة بمنطقة بئر العبد بمحافظة شمال سيناء عام 2017.

قرع الأجراس وصل إلى مستوى أن عددا من الكنائس الأوروبية قرعت أجراسها لمدة 3 أيام احتفاء بوفاة السلطان محمد الفاتح، بأمر من البابا.

في رسالة احتوت على جملة واحدة "لقد مات العقاب الكبير". فانتشر الخبر في البندقية ثم إلى باقي أوروبا، وراحت الكنائس في أوروبا تدق أجراسها لمدة 3 أيام بأمر من البابا.

ذلك التقليد المألوف لا يلقى أي استنكار، ولا يتهم ممارسوه بإقحام الدين في السياسة أو في المناسبات الوطنية، كما هو الحال مع الذين استنكروا رفع المساجد التركية للأذان في ذكرى الانقلاب واستشهاد نحو 250 مواطنا تركيا.


المصادر