بلومبرج: أنظمة عربية وغربية تقف عاجزة أمام تصاعد قوة تركيا إقليميا

12

طباعة

مشاركة

قالت وكالة بلومبرج الأميركية: إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحدى في سياساته الغرب بهدف جعل بلاده قوة إقليمية.

وذكرت بلومبرج في تقرير لها أن النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط تعيد تركيا إلي ماضيها العثماني، حيث تتصاعد خلافاتها مع الاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) لأن أنقرة تملك مفاتيح الأمن والاستقرار في تلك المنطقة الملتهبة بالصراعات.

وأكدت أن إعادة أردوغان افتتاح آيا صوفيا كمسجد للصلاة، رسالة تتويج تشير إلى مهمته الرامية إلى جعل تركيا قوة إسلامية على الساحة العالمية.

يتنقل الجيش التركي، ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، بين الصراعات المسلحة في سوريا وليبيا لشن هجمات على خصومه في العراق ليلا ونهارا عن طريق طائراته المسيرة والحربية ودباباته.

يأتي هذا في الوقت الذي تبحر فيه القطع البحرية التركية لحسم الصراع الدائر على مصادر النفط والغاز الطبيعي شرقي البحر المتوسط مع كل من اليونان وقبرص العضوين في الاتحاد الأوروبي.

تقول بلومبرج: "بعد ما يقرب من عقدين من الزمان على رأس دولة تمتد عبر الشرق الأوسط وأوروبا، يمكن القول إن أردوغان حول تركيا إلى قوة إقليمية ذات نفوذ دولي أكبر في مواجهة الغرب من أي وقت مضى منذ تأسيسها كدولة علمانية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك في 1923".

أسود بلا أسنان

تشير محاولة أردوغان الحثيثة لتوسيع نفوذه في منطقة كانت تحت الحكم العثماني لمئات السنين إلى أن تركيا تعاني الآن من صراع وتعارضها الحكومات العربية ذات الوزن الثقيل وتتعارض مع حلفائها التقليديين، ولكن في الوقت الراهن، لا يبدو أن هناك من يرغب أو قادرا على إيقافه.

وقال تيموثي آش، كبير المحللين الإستراتيجيين في الأسواق الناشئة: "تتمتع تركيا بميزة إستراتيجية، الحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي هو أسد بلا أسنان عندما يتعلق الأمر بأنقرة، وقد أدرك أردوغان ذلك منذ فترة طويلة".

فالولايات المتحدة، من جانبها كانت قد أدانت بعض جوانب سياسة أردوغان الخارجية، لكنها امتنعت عن اتخاذ إجراءات ملموسة ضد حليف رئيسي في الناتو.

أما فيما يخص الاتحاد الأوربي، فإن دور تركيا كحاجز ضد تدفق المهاجرين والمسلحين إلى أوروبا جعلها تنطوي على مخاطر كبيرة لفرض عقوبات تجارية على التنقيب عن الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط.

على أي حال، فإن العقوبات التجارية ستضر البلدان الأوروبية أيضا، والقليلون على استعداد لتحمل هذه التكاليف مع انتشار جائحة فيروس كورونا في الاقتصاد العالمي، تقول بلومبرج.

وتضيف: "بصفتها دولة متقدمة لعضوية الاتحاد الأوروبي وحليف واشنطن منذ فترة طويلة، اتبعت تركيا سياسة خارجية مستقلة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، ونجحت بذلك حتى الآن".

وتابعت: "تحدت تركيا واشنطن وحلف شمال الأطلسي من خلال شرائها نظام الدفاع الجوي S-400 من روسيا العدو التقليدي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومع ذلك فقد حصلت على موافقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإرسال قوات إلى صراعات قد تفضل واشنطن تجنبها".

في ليبيا، أدى التدخل التركي المبارك من قبل الولايات المتحدة إلى تحويل الصراع الداخلي الليبي إلى حرب معقدة بالوكالة، وهزيمة القوات المدعومة من روسيا للجنرال المنشق خليفة حفتر وإنقاذ حكومة أقرتها الأمم المتحدة.

في الوقت نفسه، جعل هذا الانتصار تركيا أقرب إلى مواجهة محتملة مع مصر والإمارات، الحلفاء الأميركيين أيضا، والذين يدعمون حفتر، وفق تقدير بلومبرج.

وعلي الجانب السوري، عملت تركيا مع موسكو لتفادي هجوم نظام بشار الأسد على معقل الثوار الأخير الذي قد يؤدي إلى أزمة جديدة للاجئين.

لكن هجومها في العام 2019 ضد الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة، الذين قاتلوا سلفا على الخطوط الأمامية للحرب ضد تنظيم الدولة، تسبب في غضب داخل أوروبا والكونجرس الأميركي، على الرغم من تأييد ترامب.

في الوقت ذاته لا يزال الحديث عن العقوبات على استلام تركيا منظومة S-400 الروسية والتوغلات في شمال سوريا مستمرا في الكونغرس، حيث تآكل تدريجيا الدعم العميق والتعاطف مع أنقرة.

وبلغت تلك العلاقات المتدهورة ذروتها في العام 2019 بسبب تصويت مهم رمزيا للاعتراف بمذبحة الأرمن عام 1915 على أنها إبادة جماعية، بسبب اعتراضات تركيا وترامب، ومع ذلك، نجت البلاد حتى الآن من العقاب الجسيم، حيث يسير أردوغان في خط رفيع بين تحدي أصدقائه وضمان بقاء بلاده حليفة لهم.

ويرى فادي حاكورة، الذي يدير برنامج تركيا في مركز تشاتام هاوس في لندن أن علاقات أنقرة مع الولايات المتحدة جيدة للغاية على مستوى القيادة، لكنها سيئة للغاية على المستوى المؤسسي.

ويقول: إنه "بات من الواضح أن أردوغان يراهن على ترامب، وقد نجحت خطته حتى الآن، ولكن لا يمكنك إدارة سياسة خارجية مثل هذه حيث يمكن أن تتحول الاحتمالات ضدك، كل شيء يمكن أن يتغير إذا فاز جو بايدن في الانتخابات القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني".

لا يملكون القرار

على صعيد المنطقة العربية التي تعاني من الاضطرابات، تقول بلومبرج: إن أصدقاء أردوغان قليلون في حين أن قائمة منتقديه هم من أصحاب الوزن الثقيل العربي متمثلين في مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ويتهم المنتقدون العرب، تركيا، بالسعي إلى تقويض الاستقرار السياسي والتدخل في الشؤون العربية من خلال دعم جماعات المعارضة الإسلامية مثل الإخوان المسلمين المحظورة أو "المقموعة" من قبل العديد من الحكومات، وفق الوكالة الأميركية.

وتقول: "ما لم ينخرط أردوغان في بعض الدبلوماسية الجادة والتحولات السياسية الجذرية، فمن الصعب على تلك البلدان أن تسمح لأنقرة بإثبات نفسها كقوة رئيسية في ليبيا"، وفق رأيها.

وقال حاكورة: "فاز أردوغان بسلسلة من الانتصارات التكتيكية، لكنه كان إما غير راغب أو غير قادر على تحويلها إلى مكاسب إستراتيجية لأن ذلك يتطلب دبلوماسية مكثفة وليس فقط تدخلات عسكرية"، وفق تعبيره.

على الجانب الأوربي، تعتبر تركيا في الوقت نفسه شريكا لا غنى عنه ومشكلة في نفس التوقيت.

فمصر وإسرائيل واليونان المتوسطيون (يطلون على البحر المتوسط) والشركاء المحتملون في مشروع خط أنابيب وكذلك الاتحاد الأوروبي شجبوا جميعا إعلان تركيا بدء استكشاف الغاز قبالة جزيرة قبرص المقسمة.

وبات من غير الواضح ما إذا كانت أي شركة ستقدم عطاءات في ضوء النزاعات الإقليمية، ولكن الرسالة لم تكن كذلك؛ فساحل تركيا المطول شرق البحر المتوسط يمنحها مقعدا على الطاولة.

وتقول بلومبرج: "في الوقت الذي تكون فيه تركيا ملجأ لـ 3.6 مليون سوري، فهي تسيطر أيضا على صنبور كبير للهجرة إلى الغرب، مما يجبر المسؤولين الأوروبيين على التحرك برفق".

من جانبه، أدان الاتحاد الأوروبي، بشكل متوقع، قرار تركيا الأخير بتحويل آيا صوفيا مرة أخرى إلى مسجد وهدد بتوسيع القائمة السوداء الأوروبية التي استهدفت حتى الآن تركيين بسبب محاولة أنقرة للتنقيب عن الغاز.

ومع ذلك، مثل الناتو، فإن الاتحاد الأوروبي يشير أيضا إلى الرغبة في تخفيف حدة التوترات مع دولة لا تزال محورية لأمنه.

وقال نهاد علي أوزكان الخبير الإستراتيجي في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية في أنقرة: "يكسب أردوغان الدعم من بعض القوميين والقاعدة الشعبية للمتدينين في الداخل وكذلك بعض أركان الشرق الأوسط".

واستدرك: "لكنه (أردوغان) يزيد من خطر تشكيل ائتلاف مناوئ من الدول الغربية، بالإضافة إلى تلك الموجودة في العالم العربي والمنزعجة بشكل متزايد من السياسة الخارجية التركية الحازمة"، وفق تعبيره.