منذ 6 سنوات.. لماذا تأخرت زيارة ملك إسبانيا إلى سبتة ومليلية؟

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الحكومة الإسبانية في 2020 رفضت أن يكرر الملك الابن فيليبي السادس خطأ الملك الأب خوان كارلوس الأول في 2007، وأعلنت من نفسها إلغاء الزيارة الملكية إلى سبتة ومليلية.

في 7 يوليو/ تموز 2020، ألغى القصر الملكي الإسباني زيارة الملك فيليبي السادس وعقيلته الملكة ليتيثيا كانت مقررة إلى مدينتي سبتة ومليلية، الواقعتين شمالي المغرب والخاضعتين للإدارة الإسبانية ما أثار جدلا عن سبب إلغاء الزيارة.

الصحافة الإسبانية رجحت أن الملكين تراجعا عن زيارة المدينتين، وذهبت إلى حد طرح سؤال على وزيرة الخارجية، أرانشا غونزاليز لايا، خلال مؤتمر صحفي، حول دور ملك المغرب محمد السادس في منع الملكين الإسبانيين من زيارة المدينتين.

غونزاليز نفت علمها بأي تدخل من قبل الملك المغربي ومطالبة الملكين بعدم إدراج سبتة ومليلية في برنامج زياراتهما للمناطق ذات الحكم الذاتي الإسبانية، مشيرة إلى التزام الملكين بالاهتمام بكافة المناطق الإسبانية ودعمها بعد معركة "كوفيد 19".

على الجانب الآخر، وفور الإعلان عن إدراج الزيارة في جدول الجولة الملكية (قبل الإلغاء)، عكست الصحافة المغربية امتعاض دوائر الحكم داخل المملكة من الزيارة التي لم تكن الأولى التي أعلن عنها القصر في إسبانيا.

فهل تدخل القصر الملكي في المغرب بالفعل في إلغاء زيارة ملك إسبانيا إلى المدينتين الواقعتين شمال أراضيه، والتي يعتبرهما محتلتين من طرف الجارة الأوروبية؟.

أمر حكومي

كشفت صحيفة "بيريوديستا ديخيتال" الإسبانية، بأن رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، هو من منع زيارة الملكين إلى سبتة ومليلية، عبر النفي رسميا إدراج المدينتين في برنامج الزيارات التي يقوم بها الملكان للمدن الإسبانية لدعم السياحة والاقتصاد بعد الركود الذي تسببت فيه جائحة كورونا.

ونقلت الصحيفة عن مصادر مقربة من القصر، أخبارا تفيد بتوتر العلاقات بين القصر ورئيس الحكومة قد يصل إلى تقديم الأول احتجاجا علنيا بسبب تدخل سانشيز في برنامج الزيارات الملكية، والذي وصفته الصحيفة بـ"المستفز".

أفاد المصدر ذاته بأن القصر غضب بحدة، ليس فقط بسبب التدخل، بل أيضا بسبب إعلان ذلك عبر خبر رسمي على وكالة الأنباء الرسمية للبلاد "إيفي"، وأن الملكين علما بالخبر عن طريق الصحافة.

"بيريوديستا ديخيتال" ذهبت إلى حد القول: إن سانشيز منع الزيارة "حتى لا يُغضب الملك محمد السادس والمغرب"، بسبب خوفه من "العقاب"، رغم دعوات الوطنيين اليمينيين للملك لزيارة المدينتين، لما تحمله الزيارة من رمزية للتأكيد على سيادة إسبانيا عليهما. 

في أواخر 2019 أعلن حاكم مليلية، إدواردو دي كاسترو، أنه وجه دعوة للعاهل الإسباني لزيارة المدينة، وصرح للصحافة بأن الزيارة ليست إلا "مسألة وقت"، مضيفا أن فيليبي السادس "بدا متحمسا للفكرة وأخبره أنه بالفعل كان يخطط لزيارة المدينة". ويرى حاكما المدينتين، أن الزيارة الملكية تأخرت لأزيد من 6 سنوات.

وفي سنة 2017، تلقى العاهل الإسباني دعوة أخرى من حاكم سبتة خوان بيباس، وذلك بعد 10 سنوات من زيارة والده للمدينة، لكن الملك الذي كان قد مضى على جلوسه على العرش 3 سنوات حينها فضل تأجيل الزيارة.

تحدثت الصحافة بعدها عن عدم رغبته في توتير العلاقات بين بلاده والمغرب، وأنه يسعى للحفاظ على علاقة الصداقة التي تجمعه بالملك محمد السادس. 

تجربة سابقة

في 2002 وصل التوتر أوجه بين البلدين وكاد يصل إلى حرب عسكرية بسبب اعتزام المغرب إحداث مركز لمراقبة السواحل. وعاشت العلاقات حينها أسوأ فتراتها اقتصاديا وأمنيا.

انتهت الأزمة في 2004، بسقوط الحزب الشعبي في الانتخابات أمام الحزب الاشتراكي العمالي بقيادة خوسي لويس رودريغيث ثباتيرو، الذي كان يميل إلى التعاون مع الرباط.

وفي 2007 استدعت الرباط سفيرها من مدريد بسبب زيارة العاهل السابق خوان كارلوس الأول للمدينتين اللتين يطالب المغرب باسترجاعهما، وهدد ذلك بقطع العلاقات بين البلدين.

واجهت الحكومة الإسبانية بعدها موجة المهاجرين غير الشرعيين، الذين توقفت السلطات المغربية عن منعهم من اختراق الحدود بسبب توقف التعاون بين الجارتين.

وبسبب زيارة ملكية في بلد يسود فيه الملك ولا يحكم، وجدت الحكومة الإسبانية نفسها متورطة في ملفات لا يمكن حلها بشكل أحادي، في الوقت الذي كانت فيه الرباط ترفض أي تعاون معها.

رئيس الحكومة آنذاك، ثباتيرو خرج ليصرح بأن زيارة الملك والملكة تأتي "لتأكيد حرصهما على المدينتين" أما العلاقات مع المغرب "فجيدة جدا وستظل كذلك"، لكن الأخير كان له رأي آخر.

وبالفعل منذ توليه عرش إسبانيا في 19 يونيو/ حزيران 2014 خلفا لوالده الذي تنازل عن منصبه بسبب تقدمه في السن، أتم الملك فيليبي السادس زيارة جميع مناطق إسبانيا بما في ذلك جزر الكناري وهي أبعد نقطة من التراب الإسباني عن شبه الجزيرة الإيبيرية، لكنه ظل يؤجل زيارة سبتة ومليلية، رغم تلقيه دعوات صريحة من رئيسي حكومتيهما المحليتين.

الاقتصاد أولا

تشهد العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا نموا مضطردا في السنوات الأخيرة، بلغت ذروته بمجالات الاقتصاد والتعاون الأمني والاستخباراتي، فضلًا عن دعم سياسي تقدمه مدريد لجارتها الجنوبية داخل الاتحاد الأوروبي.

بحسب إحصائيات رسمية، تطورت واردات المغرب من إسبانيا بين 2013 و2017 من 4.8 مليارات يورو إلى 6.85 مليارات يورو (16.9 % من جملة واردات المغرب من الاتحاد الأوروبي)، فيما قفزت صادرات المغرب إلى إسبانيا في تلك الفترة من 3.27 مليارات يورو إلى 5.46 مليارات يورو، إذ تمثل حصتها ضمن تلك الموجهة للاتحاد الأوروبي 23.7%.

ومن المتوقع أن تتطور التبادلات التجارية بين البلدين من حوالي 12 مليار يورو حاليا إلى 24 مليار يورو في 2025، وفق الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وتخضع هذه المبادلات، لاتفاق الشراكة المبرم بين المغرب والاتحاد الأوروبي في مارس/ آذار عام 2000.

ويعتبر المغرب ثاني شريك تجاري لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، فيما تعتبر إسبانيا الشريك التجاري الأول للمملكة. وتصدر أكثر من 20 ألف شركة إسبانية منتجاتها نحو المغرب، بينما تتمركز أكثر من 800 شركة بالمملكة وأكثر من 600 شركة لديها أسهم في شركات مسجلة في المغرب.

وتخضع مدينتا "سبتة" و"مليلية" للنفوذ الإسباني، رغم وجودهما أقصى الشمال المغربي، ويبلغ عدد سكان مليلية حوالي 70 ألف نسمة، وتخضع لسيطرة إسبانيا منذ عام 1497.

وترفض المملكة المغربية الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على المدينتين، وتعتبرهما جزءا لا يتجزأ من التراب المغربي، وتطالب الرباط مدريد بالدخول في مفاوضات مباشرة معها على أمل استرجاعهما.

احتلال صريح

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الأول، خالد الشيات، يرى أنه إذا كانت شوكة في العلاقات المغربية الإسبانية تشوش عليها بشكل كبير، فهي قضية احتلال المدينتين وباقي الجزر المغربية المحتلة منذ قرون من طرف إسبانيا.

أفاد الدكتور في تصريح لصحيفة "الاستقلال"، أن هناك نقاشا قائما من الناحية القانونية، لكن بالنسبة للمغرب كما لمجموعة من الدول لا شك أن هذه المدن تدخل في باب الاحتلال المستمر وهو وضع استثنائي في العلاقات الدولية الراهنة.

وشدد المتحدث على أنه إذا كان شيء يمكن أن يقض مضجع العلاقات بين البلدين فهو هذا الأمر، لذلك فإن التصريح بأن هناك زيارة لرئيس الدولة، وهو الملك، للمدينتين كان محرجا جدا بالنسبة للمغرب، الذي يحاول أن يقيم نوعا من التوازن في علاقته مع إسبانيا.

وقال الشيات: إن المغرب وصل إلى ذلك مع بداية الألفية بالمعيار الاقتصادي، وأولوية العلاقات الاقتصادية مع إسبانيا، التي أدت إلى توازن كبير، سواء كانت حكومة يمينية أو يسارية إلى حين حدوث هذا التحول العام مع دخول أحزاب جديدة منها "بوديموس" الذي تحول معه المشهد الحزبي، وكان هناك أحيانا نوع من التدخل لا سيما فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية.

كان لا بد للمغرب أن يكون له موقف معين من هذا الأمر، الموقف المغربي ثابت، يتابع دكتور العلاقات الدولية، وهو أنه "يرفض الوضع القانوني بصفة عامة".

قبل أن يزيد: "كل الأشكال التي تريد أن تكرس هذا الوضع على المستوى الواقعي هي مرفوضة من طرف المغرب، بما فيها الزيارات التي يمكن أن يقوم بها رئيس الدولة الإسبانية لهذه المناطق، للتذكير بالطابع لما يسمى بالشرعية للوجود الإسباني في هاتين المدينتين".

المغرب يعتبر أن هذا وضع احتلال لا يمكن أن يوصف بأي وصف آخر. المنطقة الحرة أو الحكم الذاتي، مهما حاولت إسبانيا تسميته، يبقى وضعا يفرضه محتل على أراض معينة لا يعني المغرب في شيء، بحسب الشيات.

واستطرد مضيفا: "ما يعني المغرب هو أنه يجب أن يكون هناك حوار حقيقي وأن يبدأ هذا الحوار الذي دعا له الراحل الحسن الثاني منذ زمن بعيد لإيجاد حل للوضع القانوني للمدينتين".

الحل في رأي الشيات هو استرجاع المغرب للجزيريتن إلى جانب جزر أخرى خاصة بعد الأزمة التي حدثت في بداية الألفية، في الجزر التي وقعت فيها مناوشات بين الجيشين المغربي والإسباني، والتي كانت ستؤدي إلى مواجهة مباشرة بين البلدين وهذا أمر يعرف العالم بأن له تبعات سياسية كبيرة جدا لا يمكن أن نعرف مداها. 

روابط أقوى

تحاول إسبانيا، بحسب أستاذ العلاقات الدولية، إضفاء نوع من الشرعية على وجودها في المدينتين، لكن الأمر بالنسبة للمغرب محسوم.

واعتبر خبير العلاقات الدولية أن زيارة من هذا القبيل في وضع العلاقات المستمرة، ستكون على حساب العلاقات الجيدة بين البلدين، إذا في الحالات التي تريد فيها إسبانيا أن تصعد، مشددا: "هذا خطاب تصعيدي ومعادي تجاه المغرب، أن يقوم ملك إسبانيا بزيارة مناطق مغربية محتلة".

لذا كان تساؤل لماذا هذه الزيارة في وضع تعرف فيه العلاقات استقرارا بين البلدين، وقال: "أنا أعتقد أن التراجع عن هذه الزيارة يدخل في هذا النسق، يعني ليس هناك داع لتأجيج هذه العلاقات بموضوع حساس جدا بالنسبة للمغرب".

لولا احتلال المدينتين وباقي الجزر المغربية الأخرى من طرف إسبانيا، لكانت العلاقات المغربية الإسبانية من أحسن العلاقات التي يقيمها المغرب مع أي دولة خارجية، لأنها بالفعل علاقات مثالية.

اعتبر المتخصص أنه من الطبيعي أن تكون هناك مناوشات ولا سيما بدخول الاتجاهات اليسارية في الحكومة الإسبانية المقربة تقليديا من الجزائر وجبهة البوليساريو، هذا شيء طبيعي في العلاقات، لكن الذي وضع حدا لكل التحولات التي حدثت في العلاقات المغربية الإسبانية هو أن مدريد أهم وأول مستثمر أجنبي في المغرب، وأول زبون للمغرب، يعني هذا الأخير يمون إسبانيا.

هذه معطيات أساسية بالإضافة إلى وجود رأس مال بين البلدين، وتكثيف للعلاقات الاقتصادية بين البلدين وتعزيزها بعلاقات ثقافية واجتماعية، لا ننسى وجود جالية مغربية كبيرة في إسبانيا وهناك جالية موسمية في مجموعة من المناطق الإسبانية.

كل هذه النقط تعزز هذا الترابط بين الدولتين، يصعب على دولة أن تضحي بهذا الاستقرار والانتعاش الاقتصادي لصالح قضايا سياسية ليست ذات أولوية بالنسبة إليها. 

المغرب وضع إطارا عقلانيا للنزاع مع إسبانيا على المستوى السياسي، وفي إطار حوار مفتوح وإيجاد حل متوافق عليه في إطار سلمي، على إسبانيا أن تختار هذا الحل حتى تنأى عن أي جانب آخر يمكن أن يؤجج الصراع مع المغرب، وفق الشيات.

ولأنه لا يمكن للمملكة، حكومة وملكا وشعبا، أن تتعامل بشكل آخر إلا أن تطالب بمناطق محتلة من طرف إسبانيا على اعتبار أن هذا احتلال، وفق مراقبين.

وختم الشيات بالقول: إذا كانت إسبانيا تملك أدوات للضغط على المغرب مثل الزيارات وغيرها فالمغرب أيضا يملك وسائل للضغط على إسبانيا، لكنهما جاران لا يمكن لأحدهما أن يتجاوز هذا الوضع الجغرافي القاري.