3 عقود من التشرذم والفوضى.. هل يمكن للصومال الاتحاد من جديد؟

12

طباعة

مشاركة

سلطت مجلة "لوبوان" الفرنسية الضوء على القمة التي استضافها رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، في الفترة من 14 إلى 18 يونيو/ حزيران 2020، وجمعت رئيس الصومال محمد فارماجو وأرض الصومال موسى بيحي، حيث الخلافات بين هذين الزعيمين كبيرة.

وقالت المجلة: إن هذا الاجتماع يترك العديد من الأسئلة دون إجابة، على الرغم من توقيع الرئيسين على اتفاق مكون من خمس نقاط، بما في ذلك الالتزام ببناء الثقة أو الوعد بتطبيق الاتفاقات السابقة بشأن الاستثمارات والمساعدات الإنسانية".

وأشارت إلى أن التوترات لا تزال مرتفعة بين الإخوة الأعداء، فبعد مرور ستين عاما على الاستقلال، الذي أدى إلى اتحاد أراضي الصومال، أصبح الوضع مريرا، إذ انفصلت منطقتان وأعلنت أنهما "دولتان" - أرض الصومال، وبونت لاند في الشمال – إضافة إلى حركة الشباب التي تقف خلف أكثر الهجمات دموية في العاصمة مقديشو.

ضعف منذ الاستقلال

وأوضحت أنه خلال التاريخ الحديث للصومال، شهدت البلاد عدم استقرار وتفتت للمجتمع، فعند الاستقلال، في 1 يوليو/ تموز 1960، كانت الصومال بالفعل في وضع حساس، إذ إن الاستعمار المزدوج لها نهاية القرن التاسع عشر من قبل البريطانيين والإيطاليين، تميز بانقسام واقعي بين الشمال والجنوب.

بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح الجزء الذي كانت تسيطر عليه إيطاليا تحت إشراف الأمم المتحدة، "لكن المشكلة تكمن في أنه عام 1960، لم يتحقق سوى عدد قليل من المشاريع"، كما يقول للمجلة روبرت كلويفير، المتخصص في الشأن الصومالي بمعهد الدراسات السياسية بباريس (ساينس بو). 

وأوضح أن "البلاد دخلت سنواتها الأولى من الاستقلال بعدد محدود للغاية من البنى التحتية والمؤسسات، ففي حين جرى تدريب عدد قليل من الناس على الإدارة، استفادت العشائر بسرعة من هذا الغموض المؤسسي".

ووفقا للمجلة الفرنسية، وصلت الفوارق الاقتصادية بين الشمال والجنوب والتوترات المتزايدة بين المناطق - خاصة في أوجادين، التي لم تعترف الصومال بالولاية الإثيوبية عليها- إلى ذروتها عام 1969، حيث اغتيل رئيس البلاد عبد الرشيد علي شارماركي (يونيو/ حزيران 1967- أكتوبر/ تشرين أول 1969).

تبع ذلك انقلاب بقيادة المجلس الثوري الأعلى بقيادة قائد الجيش الصومالي اللواء محمد سياد بري، وهو حدث، بالنسبة للصحفي الصومالي محمد أودوا "يمثل بداية نظام قمعي، وسنوات طويلة من الديكتاتورية"، وفق ما قال للمجلة.

"فرق تسد"

عند توليه السلطة، نفذ سياد بري عملية مسح كاملة للعقد الماضي، حيث علق العمل بالدستور وأعلن رئيس الدولة الجديد عزمه إنهاء القبلية. وعلى غرار الريس التنزاني جوليوس نيريري، اعتمد على "الاشتراكية العلمية"، لتطبيق سياسة الإلهام الماركسي للمجتمع الصومالي. 

غير أنه من وجهة نظر المحلل السياسي الصومالي محمد حاجي حسين ريج، كان هذا "خطأ إستراتيجي" فـ"النظام الإلحادي" بالنسبة له، غير متوافق مع "دولة ذات أغلبية محافظة إسلامية"، والنتيجة "بدأ الشعب يرفض السلطة المركزية".

أما مات برايدن، مدير مركز سهن للأبحاث والتنمية البشرية والإعلام، فيرى أن سياد بري كان ناجحا، على الأقل خلال السنوات الأولى من حكمه "لاستعادة المشاعر القومية، وشيطنة سياسات العشائر في الماضي وتطوير الدولة، مسترشدة بعقيدتها".

غير أنه عام 1977، أدت حرب أوجادين مع إثيوبيا إلى تغيير الوضع، ويقول روبرت كلويفير: "بعد الهزيمة الصومالية، تحول النظام إلى الديكتاتورية"، واستخدم سياد بري، الذي أعلن نفسه معاديا لنظام العشيرة، هذا الأمر لمصلحته. 

من جهته أوضح مات برايدن أن رئيس الدولة "استخدم الشبكات الأسرية هذه لتفكيك المجتمع الصومالي".

فيما يؤكد روبرت كلويفير أنه "رسميا، كان النظام لا يزال يحارب القبلية. لكن في الواقع، نظام العشيرة ظل ساريا، وشبكة الأمان الاجتماعي كانت هي الوحيدة للسكان. والرئيس على علم بذلك، ومن الثمانينيات، أصبحت هجمات العشائر منتظمة لتقسيم الحكم بشكل أفضل".

ويقول الباحث جان كريستوف مابير، في مقال نشر في المراجعة الجيوسياسية لمجلة هيرودوت: "خلال هذه الفترة تجذر التدمير الذي لا يرحم في المجتمع الصومالي، وهو مصدر جميع العلل".

وأضاف: "تخلى الرئيس عن مقاليد السلطة لأقاربه، وأعضاء عشيرته، على حساب جميع المكونات الأخرى في بلاده، كما استبدل سلطة المجالس التقليدية بسلطة ممثلي الدولة، وبالتالي حرمان الصوماليين من حل الأزمات". 

أما "بالنسبة لتوترات العشيرة واستياء السكان المتزايد، ردت الدولة بالقمع، وتم تشكيل العديد من الجبهات وحركات التحرير وفقا للمصالح الخاصة للعشائر. وكانت نقطتهم المشتركة الوحيدة هي إرادة الإطاحة بالنظام، بينما أصبحت الأمة الصومالية الفتية المنقسمة بعمق على حافة الانهيار"، يواصل الباحث.

عقد من الفوضى

وبحسب المجلة، أدى هذا إلى التعجيل بسقوط الرئيس، ووصل الأمر إلى ذروته في 26 يناير/ كانون ثاني 1991 حيث تم الإطاحة به، وفي اليوم التالي، سقط القصر الرئاسي على أيدي متمردي المؤتمر الصومالي الموحد (USC). 

وبعد ذلك بيومين، عين هذا الأخير رئيسا جديدا للصومال، وهو علي مهدي محمد، الذي خلف سياد بري حتى نوفمبر/ تشرين ثاني 1991، وبعده شهدت البلاد عقدا من الفوضى.

المشهد السياسي بات مجزأ للغاية بين العشائر والحركات المسلحة وأمراء الحرب، بينما سبب الجفاف مجاعة قاتلة، حيث تمنع الاشتباكات وصول المساعدات، ووصلت حصيلة القتلى إلى 300 ألف، وبدأ الاتحاد يتصدع، ففي مايو/ أيار، أعلنت منطقة أرض الصومال، وهي مستعمرة بريطانية سابقة تشكل قبيلة العيسى أغلبيتها- استقلالها. 

ويقول مات برايدن: "أدى استياء شعب الشمال عام 1981 إلى تشكيل الحركة الوطنية المتمردة الصومالية"، ولقمعها استخدم النظام ممارسات يمكن وصفها بأنها إبادة جماعية. 

ومع ذلك، ظلت الحركة مرتبطة رسميا بالوحدة الصومالية، لكن في عام 1991، بعد سقوط النظام، أعلنت السلطات الجنوبية عن حكومة وطنية جديدة دون مشاركة الحركة الوطنية، وهي القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير، حيث مطالب الاستقلال كانت أقوى.

وتنوه المجلة بأنه في حين أن أرض الصومال، التي لا يعترف بها المجتمع الدولي، تقوم ببناء المؤسسات ونظامها الخاص، فإن بقية البلاد تغرق في الأزمة، حيث تم استدعاء القوات الأميركية، بموجب تفويض من الأمم المتحدة، عام 1992، لكن مهمتها "استعادة الأمل" كانت فاشلة. 

غادرت الأمم المتحدة البلاد في عام 1995، وبالتالي، استبدلت المؤسسات الخاصة تدريجيا بالحكومية، وقدمت الخدمات من قبل العشائر التقليدية، وفي عام 1998، أعلنت منطقة أخرى، بونتلاند، استقلالها الذاتي.

نشأة "الشباب"

ولفتت "لوبوان" إلى أنه في عام 2004، تم تشكيل حكومة اتحادية انتقالية وعين عبد الله يوسف أحمد رئيسا، غير أن الحكومة المركزية لا تزال بعيدة عن كونها حقيقة واقعة، إذ تطور اتحاد المحاكم الإسلامية واكتسب شرعية بين السكان. 

ويؤكد روبرت كلويفر أن "اتحاد المحاكم نجح في استعادة السلام الاجتماعي وفاز بثقة الصوماليين. بينما إصرار الولايات المتحدة على جعل حركة الشباب جماعة إرهابية عزز التأييد العام لها".

وتابع عام 2006، عندما غزت إثيوبيا الصومال لمحاربة الفصائل الإرهابية المختلفة رسميا، ظهرت حركة الشباب، التي كانت الذراع العسكري لاتحاد المحاكم الإسلامية وانهزمت أمام القوات التابعة للحكومة الصومالية غير أنها انشقت عن المحاكم بعد انضمامه إلى ما يعرف بـ"تحالف المعارضة الصومالية".

ووفقا للمجلة الفرنسية، سرعان ما نمت هذه الحركة وفي عام 2008، سيطرت مليشياتها على أجزاء كبيرة من الإقليم، بما في ذلك العاصمة مقديشو، غير أن كينيا أطلقت عملية "ليندا نشي" أو "حماية البلد" لتأمين حدودها. 

وفقدت "الشباب" مكاسبها عام 2012، لا سيما بفضل بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في الصومال، لكن رد فعل المجموعة المرتبطة بتنظيم االقاعدة هائل، إذ يعمل أعضاؤها على زيادة الهجمات ضد الأراضي الصومالية وعبر الحدود. 

ففي 2 أبريل/نيسان 2015، خلف هجوم على جامعة جاريسا في كينيا، 152 قتيلا، من بينهم 142 طالبا، وعلى الرغم من الدعم العسكري الأميركي – إذ يشن الجيش بانتظام ضربات بطائرات بدون طيار على معاقل "الجهاديين"- لا تزال الحركة تهدد سلامة ملايين الصوماليين.

وفي هذا السياق، يرى روبرت كلويفير أن الدولة اليوم "حتى إذا كان التطور النسبي ملحوظا في العاصمة، ليس لها أي سيطرة تقريبا على البلاد". 

وبالنسبة للباحث، الفيدرالية التي تأسست عام 2016 "متوقفة، إذ تعمل كل منطقة كدولة صغيرة، بغض النظر عن غيرها، وغالبا ما تدير العشائر سلطة هذه المناطق. كما يعترف الناس بأن نظام الإدارة الذي أقامته الشباب، على العكس، يعمل بشكل جيد وليس فاسدا".

نموذج أرض الصومال

ويرى مات برايدن أن "التحديات هائلة، إذ لا تزال هناك العديد من التوترات التي لم يتم حلها، والتي فاقمتها الحكومة الحالية من خلال محاولة تركيز السلطة والموارد على حساب المناطق".

وبالنسبة للمتخصص في هذه الدولة، فإن مفتاح المشكلة يكمن في "مبدأ تقرير المصير"، فإذا استمرت الصومال في إنكار حجج أرض الصومال التاريخية والقانونية والسياسية والأخلاقية من أجل الاستقلال وفرض الوحدة بالواقع فلن يتحقق الاستقرار بالبلاد أبدا.

فيما يؤكد روبرت كلويفير أن "نظام أرض الصومال أثبت جدارته، فالانتخابات تجري بهدوء وانتقال السلطة حقيقي".

وتابع: "أصبح هذا الوضع ممكنا، في رأيي، لأن السلطات في المنطقة تركت لعمل ذلك، ولم يكن هناك تدخل ولا تأثير خارجي، كما هو الحال في أماكن أخرى بالصومال".

وبين أنه "بعد مرور ثلاثين عاما تقريبا على إعلان استقلاله، لا يزال هذا البلد غير معترف به من قبل المجتمع الدولي، الذي لم يمنحه أي مساعدة افتراضيا"،

لكن الوضع في النهاية مفيد له، لأن البلد كان عليه أن يتطور ويعتمد على موارده الخاصة، وهو نموذج يراه كلويفر "مفتاح المشكلة الصومالية".