دحر انقلاب 15 تموز.. كيف حول تركيا إلى رقم صعب في الشرق الأوسط؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"المجموعة التي حاولت الانقلاب ستدفع ثمنا كبيرا، هذا التمرد سيؤدي إلى تنظيف القوات المسلحة التركية. تركيا الجديدة ستكون قوية ومختلفة عن تركيا القديمة". 

كلمات قالها الرئيس رجب طيب أردوغان، في أول ظهور له عقب محاولة انقلاب 15 يوليو/ تموز 2016 الفاشلة، وحملت وعدا قاطعا بميلاد تركيا الجديدة كقوة فاعلة في محيطها الإقليمي والدولي.

بالفعل، بعد الانقلاب الفاشل تحول نظام الحكم في تركيا إلى نظام رئاسي قوي، يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات فاعلة ويفصل بشكل قاطع بين سلطات الدولة الثلاث، التنفيذية (الرئيس) والتشريعية (البرلمان) والقضائية.

تمكنت تركيا بعدها من حماية حدودها الجنوبية مع سوريا والعراق، وأصبحت رقما فاعلا في الشرق الأوسط، حافظت على ثرواتها شرق البحر المتوسط، وأوقفت التحركات المريبة لليونان وقبرص الرومية ومصر، وعقدت اتفاقيات عسكرية مع الحكومة الشرعية في ليبيا، قضت من خلالها على طموحات الانقلابي المتمرد خليفة حفتر.

أصبح لتركيا ذراع طولى في المنطقة تحمي به مصالحها الإستراتيجية، وأمنها القومي، وشكلت حائط صد منيع أمام مؤامرات محور الشر (السعودية والإمارات ومصر) المحاصر لقطر، وأفشلت خطتهم في ابتلاع الدولة النفطية الصغيرة.

تقاطعات العراق 

حدود العراق المتاخمة للحدود الجنوبية التركية، كانت مقرا للعديد من القواعد العسكرية، التي ارتكزت فيها أنقرة بهدف التصدي لنشاط عناصر حزب العمال الكردستاني (PKK) الإرهابي، سواء في العراق أو سوريا ونقل الحرب إلى هناك بدلا من مواجهته داخل تركيا. 

تجلى الأمر عام 2017، عندما سارعت أنقرة بالتعاون مع بغداد، وفرضت حصارا بريا وبحريا على إقليم كردستان، لردع الأحزاب الكردية التي سعت إلى خلق أزمة ومحاولة الانفصال بالإقليم. 

في عام 2018، أقر رئيس وزراء تركيا (هذا المنصب لم يعد قائما حاليا) بن علي يلدريم خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي وجود 11 قاعدة عسكرية تركية داخل العراق، لكن العدد الحقيقي لهذه القواعد يصل إلى أكثر من 15 قاعدة، بعضها يقع على عمق 30 كيلومترا داخل إقليم كردستان، بحسب تقارير متعددة. 

من بين هذه القواعد قاعدة بعشيقة الواقعة على أطراف مدينة الموصل وهي تبعد أكثر من 140 كيلومترا عن الحدود التركية العراقية. وتضم القاعدة نحو 2000 جندي وعشرات الدبابات والمدافع بعيدة المدى.

الأمر لم يقف عند القواعد العسكرية، ففي 17 يونيو/ حزيران 2020، أعلنت تركيا أنها نشرت قوات خاصة في شمال العراق في إطار عملية برية ضد حزب العمال الكردستاني بمؤازرة من سلاحي الجو والمدفعية.

وزارة الدفاع التركية أرجعت العملية إلى "تزايد الهجمات في الآونة الأخيرة ضد مراكز الشرطة والقواعد العسكرية التركية" الواقعة قرب الحدود.

وتوغلت القوات الخاصة التركية، داخل الأراضي العراقية في العملية العسكرية التي أطلق عليها "مخلب النمر"، التي جاءت بعد نحو 48 ساعة من عملية جوية أطلق عليها "مخلب النسر"، وتم خلالها قصف أكثر من 80 هدفا لحزب العمال شمالي العراق.

نبع السلام

لم يقف التدخل التركي على العراق فقط، بل كانت سوريا هي المحور الأهم، باعتبارها التهديد الأكبر الذي يواجه أنقرة، بعد اندلاع الثورة قبل 9 أعوام.

في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، قامت القوات المسلحة التركية وفصائل المعارضة المتحالفة معها، بشن هجوم ضد المناطق الخاضعة لنفوذ قوات سوريا الديمقراطية (الكردية)، وشنت القوات الجوية التركية غارات على القواعد العسكرية، ونقاط الارتكاز المعادية لتلك القوات على الحدود السورية.

لم يقف النزاع عند هذا الحد، ففي ديسمبر/كانون الأول 2019، بدأت قوات النظام السوري، بدعم روسي، هجوما واسعا على محافظة إدلب، وفي 10 فبراير/ شباط 2020، أعلن نظام الأسد أنه سيطر على مساحة جغرافية تزيد على 600 كيلومتر مربع في إدلب وحلب، لتحاصر نحو 4 ملايين مواطن سوري.

أغرى التدخل التركي قوات نظام الأسد، الذين قاموا بمهاجمة نقطة عسكرية تركية في منطقة تفتناز الواقعة شمالي سوريا، أسفر عن مقتل 34 جنديا تركيا.

بعدها شن الجيش التركي حملة انتقامية على قوات نظام الأسد، وكثف وجوده على الحدود وزاد من عدد نقاط المراقبة في المنطقة التي يسيطر عليها مسلحو المعارضة من محافظة إدلب.

بعدها رسخت القوات العسكرية التركية من وجودها في نقاط المراقبة بإدلب، وفي 12 فبراير/ شباط 2020، توجه رتل من التعزيزات العسكرية، يضم عناصر من القوات الخاصة من مختلف الوحدات التابعة للجيش التركي، بالإضافة إلى راجمات صواريخ متعددة المزايا، وكذلك قوات المهام الخاصة (كوماندوز)، إلى نقاط المراقبة التابعة لها في محافظة إدلب شمالي سوريا.

وتوجد 12 نقطة مراقبة تركية في منطقة خفض التصعيد بإدلب السورية بناء على اتفاق أستانة.

وفي كلمة ألقاها أمام الجموع، بتاريخ 3 مارس/ آذار 2020 بالعاصمة أنقرة، قال الرئيس أردوغان: "كبدنا النظام السوري أكبر خسارة في تاريخه، وخسائر النظام البشرية والمادية حتى الآن ما هي إلا بداية، وإذا لم ينسحبوا إلى الخطوط التي حددتها تركيا في أقرب وقت ممكن فلن يبقى لهم رأس فوق أكتافهم، وسنؤكد لهؤلاء الغافلين أننا دولة كبيرة لا تنحني".

العمق الليبي 

سعي أنقرة لحماية مصالحها الإستراتيجية وأمنها القومي وثرواتها التاريخية 2016، لم تقف عند أعتاب سوريا والعراق فقط، بل امتدت إلى مناطق مثل ليبيا المهددة في ديمقراطيتها بفعل قوى إقليمية طامعة ومخربة وعاشقة للاستبداد مثل الإمارات ومصر وفرنسا، ففي 2 يناير/ كانون الثاني 2020، وافق البرلمان التركي على مذكرة تفويض تسمح بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا.

الدعم التركي لحكومة الوفاق الليبية ساهم في إنقاذ طرابلس من سقوط وشيك بيد مليشيا حفتر، وأتاحت لها التقدم وتحقيق مكتسبات مذهلة على الأرض، أنهت وجود حفتر في الغرب الليبي.

دعم أنقرة للحكومة نقل المعركة ناحية الشرق حيث تمركزات حفتر، وعملت البحرية التركية إلى جانب وحداتها الجوية والبرية في الصراع القائم، حيث إن العمليات المشتركة بين القوات البحرية والجوية والبرية أتاحت إنشاء قوة مهام بحرية قبالة السواحل الليبية.

ساهمت السفن الحربية التركية وسفن الاستطلاع والسفن المساعدة في منع التهديدات القادمة من البحر في ليبيا، وذلك بالتزامن مع الدعم اللوجستي المقدم من قبل الوحدات البرية التركية دون انقطاع.

بعد انتصارات الوفاق، التقى الرئيس أردوغان، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، بأنقرة يوم 4 يونيو/ حزيران 2020، وبحث الطرفان اَخر التطورات التي تشهدها الساحة الليبية، والخطوات الممكن القيام بها في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. 

أردوغان قال حينها: "نهدف إلى تحسين تعاوننا للاستفادة من الموارد الطبيعية شرقي البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك عمليات الاستكشاف والتنقيب والحفر".

وشدد: "وفق الاتفاقية التي بيننا، قررنا القيام بعملية تنقيب في البحر، وهناك تعاون في هذا المجال". وهو ما أقلق الأعداء والخصوم الطبيعيين لتركيا في المنطقة، وتحديدا قبرص الرومية، واليونان.

حماية قطر

عندما أقدم رباعي الحصار المكون من (السعودية - الإمارات - البحرين - مصر) على محاصرة دولة قطر في 5 يونيو/ حزيران 2017، سعت تركيا إلى مناصرة الدوحة وإرسال قوة عسكرية تحسبا لتطور الأوضاع هناك، وخشية الذهاب إلى تدخل عسكري من قبل تلك الدول.

وفي 7 يونيو/ حزيران 2017، وقعت اتفاقية عسكرية بين قطر وتركيا تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وصادق عليها البرلمان التركي، واعتمدها الرئيس أردوغان في التاسع من الشهر ذاته.

وفي 13 أغسطس/ آب 2019 تم نشر صور من داخل القاعدة العسكرية التركية، في قطر المعروفة باسم "طارق بن زياد"، وأكدت الإعلامية التركية "هاندا فيرات" التي كانت ضمن فريق الزيارة أن "أعداد القوات التركية المتمركزة في قاعدة طارق بن زياد ستزداد في المستقبل القريب". 

وقالت فيرات في تقريرها: "الجنود الأتراك يواصلون أداء واجباتهم في الدوحة، تحت قيادة القوات المشتركة القطرية التركية ودرجة حرارة تصل إلى 47 مئوية، وأعدادهم سوف تزيد في المستقبل القريب. القاعدة العسكرية الدائمة لتركيا في قطر تتمتع بأهمية تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين".

لا شك أن وجود قوة عسكرية تركية في زمام محيط دول التعاون الخليجي، أقلق الرياض وأبوظبي، وساهم في توتر العلاقات أكثر مع أنقرة، التي اتخذت إستراتيجية مجابهة التهديدات خارج حدودها.

القرن الإفريقي

من المحيط العربي الشرق أوسطي، إلى إفريقيا، كان الحضور التركي ممتدا، وتحديدا في الصومال، إذ إن موقعها الجغرافي المتميز، الذي يربط بين القارات، وباعتباره ممرا مهما للطاقة في العالم، إضافة إلى الثروات الواعدة التي يمتلكها الصومال والمخزون النفطي به جعله مطمعا للكثيرين.

وجود قوة بحجم تركيا وضع حدا لهذه المطامع والحفاظ على ثروات الصومال لأهلها وشعبها، في ظل محاولات مستميتة من معسكر محور الشر (القاهرة وأبوظبي والرياض) لفرض الهيمنة والسيطرة على الإقليم، والبحر الأحمر، والقرن الإفريقي.

في 30 سبتمبر/ أيلول 2017 تم افتتاح القاعدة، بحضور رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري، ورئيس هيئة الأركان العامة التركي خلوصي أكار (وزير الدفاع الحالي)، الذي أعلن، أن القاعدة هي الأكبر من نوعها.

أكدت تلك الخطوة أن الدور التركي المتنامي في الصومال منذ سنوات، اتخذ هذه المرة نقلة نوعية بافتتاح المعسكر التدريبي الكبير، ما يدلل أن أنقرة تنظر إلى علاقاتها مع مقديشو باعتبارها علاقات إستراتيجية.

القاعدة العسكرية التركية في الصومال، قادرة على استقبال قطع بحرية وطائرات عسكرية إلى جانب قوات كوماندوز، وهو ما أزعج الدول الخليجية، حيث اعتبر المحلل السعودي المقرب من السلطات إبراهيم آل مرعي افتتاح المركز العسكري في الصومال "يمثل تهديدا صريحا للأمن الوطني السعودي والمصري".

وفي أغسطس/ آب 2017، أرسلت تركيا نحو 200 مدرب من جيشها وعددا من الآليات العسكرية إلى الصومال لتدريب أكثر من 10 آلاف و500 جندي صومالي رشحتهم الأمم المتحدة.

وفي 19 مايو/ آيار 2019، كتب "زاك فيرتين" الزميل الزائر بمركز بروكنغز في الدوحة، بحثا مطولا، قال فيه: "هدف تركيا بوجودها في القرن الإفريقي يأتي ضمن سياسة الانفتاح على إفريقيا التي اعتمدتها أنقرة".

وذكر فيرتين أن "دولا مثل الصومال والسودان شكلت أهدافا طبيعية للتعاون التركي، من حيث اعتبارها أدوات أساسية في القوة التي ينتجها أردوغان".