الشيخ الخليلي.. مفتي عمان الذي هنأ أردوغان بآيا صوفيا وترحم على سيد قطب

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في رسالة بدت سياسية أكثر من كونها تهنئة شخصية، أصدر مفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي بيان تهنئة لتركيا، والرئيس رجب طيب أردوغان،  بمناسبة إعادة افتتاح مسجد آيا صوفيا.

الشيخ الخليلي كتب في البيان: "نهنئ الأمة الإسلامية والشعب التركي، وعلى رأسه قائده المحنك رجب طيب أردوغان، إزاء قرار إعادة فتح جامع آيا صوفيا للصلاة بعد 86 من تحويله إلى متحف".

ووصف الشيخ الخليلي تلك الخطوة بـ"الموفقة من الشعب التركي وقائده، الذين لم يثنهم ضجيج الناعقين من الحاقدين على الإسلام والمتآمرين عليه"، في إشارة عدها مراقبون موجهة إلى أنظمة الحكم في السعودية والإمارات ومصر، الذين أزعجهم القرار التركي.

مفتي السلطنة وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعبارات القائد، المحنك، المغوار، في سلوك عده متابعون، ردا على الهجوم وعبارات التخوين والألفاظ السوقية التي يتلفظ بها إعلام التحالف الثلاثي التابع لأنظمة دعم الانقلابات ضد تركيا وأردوغان.

جرأة وتحد

المتتبع لسياق الأزمة التركية الخليجية، ولكمية الضخ الإعلامي في الهجوم على تركيا، يدرك حجم الجرأة في بيان المفتي الرسمي لعمان، وهي جرأة تصل لحد التحدي في مواجهة الموقف المعادي لتركيا.

لم يكن ذلك البيان صادرا عن سلطة رسمية، بل عن سلطة دينية، لكن تلك السلطة الدينية هي المسؤول الرسمي عن الفتوى في دولة عمان، وهو الأمر الذي تم احتسابه كتوجه رسمي للنظام السلطاني في عمان، الذي عادة ما يلتزم الحياد في مواقفه من الأزمات السياسية.

البيان واللغة الصارمة التي احتواها، كان ردا كافيا على موقف مسقط من توجه أنقرة، وهي خطوة تتجاوز فكرة الحياد التي لطالما التزمتها عمان منذ عقود، وهو ما يدفع للتساؤل ما إذا كان سلطان عمان الجديد طارق بن هيثم قد قرر التقدم للإمام في سلوك الحياد الذي عرفت به السلطنة.

هجوم إلكتروني

عقب ذلك البيان شن مغردون إماراتيون وسعوديون حملة إلكترونية هاجموا فيها الشيخ الخليلي، فكتب الإماراتي عبد الله عبد الخالق تغريدة قال فيها: "بالمكشوف وعيني عينك أصبح أكبر مطبل ومزمر ومصفق للعثماني الخبيث أردوغان".

من جهته كتب الإعلامي السعودي منصور الخميس تغريدة قال فيها: "مفتي سلطنة عمان هو نائب (الشيخ يوسف) القرضاوي في اتحاد جماعة الإخوان، لذلك هو رأي غير مستغرب من عضو في هذا التنظيم الدولي الموضوع على قائمة الإرهاب، مع احترامي لكل الأشقاء في سلطنة عمان الحبيبة، هذا الواقع لا يمكن إنكاره، والخليلي مثله مثل القرضاوي و(سلمان) العودة وبقية الإخونجية".

إثر تلك الحملة اندلعت حملة مضادة للدفاع عن الشيخ الخليلي تحت هاشتاج #كلنا_الشيخ_أحمد_الخليلي، وفي تغريدة كتبها الناشط العماني عبد الله المقدم: شيخ جليل، بحر من العلم والمعرفة، متواضع بسيط، قمة في الأخلاق، حليم، قليل الكلام، ولكن كلامه القليل يجد قبول الجميع واحترامهم، لأنه تقي ملتزم ولا يخاف في الله لومة أحد، لله درك يا شيخنا، تكلمت بصدق فأوجعت من لا ذمة لهم، خونة الدين والشرع، ونقول لهم موتوا بغيضكم يا جبناء!

تسامح مذهبي

تعددت مواقف الشيخ الخليلي وأدواره التي كانت محل تقدير كثير من العمانيين، من بين تلك الأدوار جهوده في التأكيد على التسامح المذهبي، حيث كان للمؤسسة الدينية التي يرأسها مفتي عمان الشيخ الخيلي دور واضح في احتواء التنوع المذهبي في المجتمع العماني، بعيدا عن حالة الصراع، كما هو الحال في بعض الدول التي يحتدم فيها الخلاف بين السنة والشيعة كالعراق ولبنان واليمن.

أكد الخليلي على هذا الخطاب أكثر من مرة، حيث صرح أن التنوع المذهبي ظاهرة صحية وطبيعية يجب الاستفادة منها، لا جعلها سببا من أسباب التفرق والصراع.

وفي حوار للشيخ الخليلي على قناة الشروق سأله المذيع: بعض الناس يطرح معادلة ثنائية: إما أن يصير المسلمون على مذهب واحد، وإما أن يشرع بعضهم في محاربة بعض، فهل هناك طريق ثالث بدل هذين الطريقين؟.

فرد الشيخ الخليلي: "لا يتبين لي أن هنالك حلا لهذه المشكلة إلا أن يوجد التسامح بين الأمة، أنا لا أقول بأن كيانات الأمة تذوب بحيث يطغى كيان على كيان، لكنني أقول بأنه يجب أن يكون الأمل واحدا والألم واحدا، والهدف واحدا والمبدأ واحدا، وعندما يتيسر ذلك فإنه ولا ريب سيكون هناك تسامح بين الأمة، والتسامح لا يُمنع معه الاختلاف في وجهات النظر، حتى عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقع الاختلاف، ولكن مع ذلك لم يتشتتوا ولم يتفرقوا".

لوحظ، أكثر من مرة، أن الشيخ الخليلي يؤم مصلين من مذاهب عدة، وقد بدا البعض ضاما يديه في الصلاة، بينما بدا البعض الآخر غير ذلك، وهو ما يشير إلى تنوع مذاهب المصلين، ويشير في ذات الوقت إلى المرونة في التعامل مع ذلك التباين المذهبي.

المذهب الرسمي في عُمان هو الإباضية، وقد استقر بها الإباضية الذين قاموا بعدة ثورات على الخلفاء الأمويين والعباسيين في المنطقة الداخلية وخاصة نزوى والتي تم اختيارها في عام 2015م عاصمة الثقافة الإسلامية.

وينتشر أهل السنة في جميع أجزاء عُمان من أتباع المذهب الحنفي والشافعي والحنبلي، وفيها قلة من الشيعة تتركز في بعض المناطق مثل مطرح بمحافظة مسقط وولايات الباطنة خاصة التي تقع على الساحل.

ويضرب المثل بسلطنة عمان في التسامح المذهبي، والتعايش بين كافة الطوائف، ويرجع ذلك للمبادئ التي يقوم عليها المذهب الإباضي الحاكم وإنصافه بين جميع المواطنين، فمثلا ولاية الخابورة تجمع بين المذاهب الإباضية والسنية والشيعة.

سيد قطب

في ذروة الهجمة الإعلامية والسياسية على تنظيم الإخوان، باعتباره أحد أهم روافع الثورات في دول الربيع العربي، شنت وسائل الإعلام في دول الثورات المضادة حملة تحريض ضد الإخوان وتشويه لرموزهم خاصة الشهيد الراحل سيد قطب، واعتبرته الإرهابي الأول، وكالت له الشتائم.

في مقابل ذلك، ظهر الخليلي متزنا في حديثه عن سيد قطب، ففي سؤال وجهه المذيع للشيخ الخليلي على قناة عمان الرسمية، عن رأيه في كتاب "في ظلال القرآن" لسيد قطب، قال الخليلي: "سيد قطب أراد ربط الناس بالقرآن من خلال مؤلفه. مؤلف سيد قطب لم يكن تفسيرا بل كان إيحاءات تأتي لسيد قطب فيدونها".

وكان الخليلي إذا خطب أو أفتى ومر على ذكر سيد قطب ترحّم عليه. هذا الموقف يشير إلى أن الشيخ الخليلي كرأس للمؤسسة الدينية في عمان اختطّ لنفسه خطا مختلفا عما هو سائد في المؤسسات الدينية الأخرى في الإمارات والسعودية ومصر حاليا.

وسيط خير

قبل نحو عقدين من الزمان شهدت عمان تناميا لحركات إصلاح ديني، وتنظيمات حركية دينية على أراضيها، وتم اعتقال عدد من الشباب المنتمين لتلك التيارات الحركية، لكن الشيخ الخليلي استثمر مكانته لدى النظام الحاكم واستثمر علاقته بالسلطان قابوس، فشفع وتوسط للإفراج عن بعض الشباب، ولم يقم بدور المحرض عليهم، كما هو مألوف عن بعض مشايخ أنظمة الانقلابات.

كذلك الحال أيضا في حراك شباب الحركة الإصلاحية الدستورية في صحار، التي اندلعت متزامنة مع اندلاع ثورات الربيع العربي، توسط الشيخ الخليلي  لإخراج بعض الشباب من المعتقلات، وكان ذلك الدور محل تقدير كثير من العمانيين الذين أثنوا عليه وعلى جهوده.

سيرة ومسيرة

ولد الشيخ أحمد بن حمد الخليلي عام 1942 في جزيرة زنجبار بشرق إفريقيا، وهي الجزيرة التي كانت تتبع عمان حتى 12 يناير/ كانون الثاني 1964، قبل أن تتحول تبعيتها لتنزانيا فيما بعد.

وفي الجزيرة العمانية في قلب المحيط الهندي، تلقى الخليلي علومه الأولية والدينية على يد عدد من المشايخ، وفي عام 1964، وبعد سيطرة الحزب الأفروشيرزاي بمساعدة من بريطانيا على الجزيرة، عاد الشيخ أحمد الخليلي بصحبة والده إلى ولاية بهلا وسط عمان.

عقب وصوله، عمل مدرسا للقرآن الكريم والعلوم الشرعية في الولاية، ثم انتقل للتدريس بمسجد الخور في العاصمة العمانية مسقط.

بعد نحو 10 سنوات من عودته، وفي عام 1974 تحديدا، عين الخليلي مديرا للشؤون الإسلامية في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في السلطنة وهو أول منصب رسمي له في المؤسسة الدينية.

لم يلبث الشيخ الخليل أن عين بعد سنة واحدة مفتيا عاما للسلطنة عام 1975، وتم منحه حقيبة وزارية، ونال ثقة السلطان قابوس بن سعيد بعد 5 سنوات من توليه الحكم.

منذ ذلك التاريخ يتبوأ الخيلي منصب مفتي سلطنة عمان ومرجعها الفقهي، وقد أبدى خلال مسيرته المهنية انضباطا واضحا، واتزانا فريدا، وكان له حضور واسع في الإعلام المحلي والخارجي.

إلى جانب منصبه كمفتي عام السلطنة، كان الخليلي رئيس مجلس إدارة مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية، وتبوأ منصب الرئيس الفخري لكلية العلوم الشرعية، ورئيسا للجنة المطبوعات بوزارة الثقافة والتراث، وعضو مجلس أمناء جامعة نزوى العمانية.

وعلى الصعيد الخارجي، يشغل الشيخ الخليلي عضوية مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وعضوية مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي، هي مؤسسة دينية فكرية أسسها الحسن بن طلال في الأردن عام 1980، وتقوم بمساهمات في مجال حوار الأديان والحضارات،

بالإضافة إلى ذلك يشغل الخليلي عضوية مجلس أمناء الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام أباد بباكستان، ويتبوأ منصب نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب. 

ويلاحظ أن الشيخ الخليلي يركز في عضوياته على المؤسسات الفكرية والإسلامية التي تتبنى التقريب بين المذاهب، والحوار بين الأديان والحضارات، وقد كان لمركزه هذا دور في الدعوة للتسامح المذهبي والديني في المجتمع العماني.