لوموند: بعد 100 عام على تأسيسه.. لبنان يعود قرنا للوراء

12

طباعة

مشاركة

بعد قرن على تأسيسه، أصبح لبنان يعاني من أزمات متعددة، نقدية واقتصادية وسياسية وصحية، وهذه الكارثة تجعل بعض الناس يشكون في قدرة البلاد على أن تولد من جديد.

كلمات تصدرت افتتاحية صحيفة "لوموند" الفرنسية، التي أشارت إلى أن 2020، هو عام الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس البلاد.

ففي 1 سبتمبر/ أيلول 1920، أعلن الجنرال هنري جوزيف أوجين غورو، ممثل السلطة الفرنسية الانتدابية على سوريا، أن دولة لبنان الكبير، كيان مستقل، منفصل عن سوريا، بحدود مماثلة لحدود البلاد الحالية.

مفارقة قاسية

ورأت الصحيفة أن المفارقة القاسية لهذا التاريخ هي أنه بعد مائة عام، تبدو دولة الأرز، المستقلة منذ عام 1943، وكأنها وطن في محنة، فالكارثة لحقت بشعب يواجه انهيارا حادا في العملة الوطنية وفقرا متسارعا، ليست اقتصادية ونقدية فقط.

وأضافت: "ما هو على المحك في هذا الإفلاس المروع، مستقبل البلد، وأساس وجوده وشيء من روحه"، مشيرة إلى أنه تاريخيا، كان لبنان الساحة التي صدرت فيها دول الشرق الأوسط منافساتها. 

ووفقا للصحيفة، تناوبت مصر وسوريا وإسرائيل وإيران والمملكة العربية السعودية على تأجيج الأزمات التي اندلعت هناك من الحرب الأهلية 1975-1990 إلى حملة الاغتيالات الموجهة في 2000.

وفي نفس الوقت، بفضل ديناميكية نظامه المصرفي والفندقي، تواصل لوموند، أصبح لبنان أيضا خزنة نخب المشرق والقاعدة الخلفية لأمراء الخليج ورجال أعماله.

وأكدت أن هاتين الميزتين الإقليميتين اللتين وضعتا لبنان محط اهتمام الجميع، سواء للأفضل أو الأسوأ، قد انتهت، كما أن القطاع المصرفي المنهار، الذي نمى لسنوات على مخطط "هرم بونزي"، سيستغرق سنوات لاستعادة مصداقيته، وذلك في إشارة إلى تشارلز بونزي واحد من أكبر المحتالين في التاريخ الأميركي.

ونقلت "لوموند" عن الكاتب دومينيك إدي القول: "لم يعد للبنان أصدقاء كثيرون ولم يعد لديه أعداء بعد الآن. وهذا يسبب اللامبالاة، وهو الشيء الأفظع".

وذكرت أنه في أكتوبر/ تشرين أول 2019، نزل عشرات الآلاف إلى الشوارع، للتعبير عن غضبهم من الطبقة الحاكمة التي استشرى فيها الفساد، والمطالبة بإنهاء الطائفية، وحاول اللبنانيون إعادة اختراع أنفسهم، ولبضعة أسابيع ساحرة، تبلورت دولة مستقلة لأول مرة عن لعبة القوى النافذة.

لكن هذا الاستقلال الجميل لم يدم، تقول لوموند، فبعد وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) وصعوبات الحياة اليومية الخانقة، هجر المعارضون والحالمون تدريجيا ساحة الشهداء، مركز الانتفاضة في بيروت.

وخلف كواليس حكومة حسن دياب، المكونة رسميا من التكنوقراط، يواصل زعماء النظام الطائفي تحريك الخيوط، مما يعرقل الإصلاحات الأساسية، التي كانت وحدها قادرة على إطلاق المساعدات الدولية، بينما تغرق السفينة.

وسلطت الصحيفة الفرنسية الضوء على الوضع الحالي للبلاد، منوهة إلى أنه بسبب نقص الوقود، يتم الآن تقنين الكهرباء، كما أغلقت بعض المستشفيات نظام التكييف وتوقفت معظم إشارات المرور في بيروت، بينما تحتضر المدارس الفرانكفونية التي كانت في السابق فخر البلاد.

وقد لفتت افتتاحية الصحيفة إلى مهرجان بعلبك الدولي المرموق، الذي اكتفى هذا العام بحفل يتيم لأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية، تم بثه يوم الأحد 5 يوليو/ تموز، دون جمهور، على جميع أجهزة التلفزيون في البلاد.

وأكدت على أن البعض رأى في هذا الحفل، الذي تم تصويره في معبد باخوس، صورة لنهضة البلاد مستقبلا، فيما رأى فيه آخرون قد يكونون أكثر تشاؤما أو أكثر واقعية "قداس دفن بعض لبنان".

الهرب للخارج

من جهتها نشرت صحيفة "ليبراسيون" عدة تقارير عن الانهيار الكارثي للبنان، الذي دفعت الأزمة التي يمر بها العديد من مواطنيه إلى الهرب للخارج.

وقالت الصحيفة: "أصبح لبنان في حالة اضطراب، بعد أن دمرته أزمة اقتصادية باتت إنسانية". ونقلت عن الكاتبة اللبنانية هالة مغني، استنكارها للإهمال الناتج عن الطبقة السياسية في البلاد، والتي تعتمد على النظام الطائفي للحفاظ على مزاياها.

ورأت الكاتبة أن "الدولة ماتت"، موضحة أن الأزمة الاقتصادية والمالية مدمرة، فالعملة المحلية، فقدت 80٪ من قيمتها خلال تسعة أشهر فقط، والتضخم أصبح خارجا عن السيطرة، لأن جزءا كبيرا من الاقتصاد اللبناني يعتمد على الواردات ولكن أيضا لأن الكثيرين يستغلون الوضع لتحقيق الثراء. 

كما أشارت إلى أن الحياة اليومية باتت عنيفة، ونتيجة اليأس، انتحر ثلاثة أشخاص في يوليو/تموز 2020، وبينما تتضاعف مشاهد الفقر المدقع، يتبادل المواطنون ملابسهم بالطعام، ويترك الطلاب المدرسة.

وبينت "ليبراسيون" أنه في مواجهة هذه الأزمة الاقتصادية الحادة، يحاول المزيد من اللبنانيين الهجرة بأي ثمن، على الرغم من صعوبات مغادرة البلاد.

وأكدت أنه على الطريق السريع الذي يمتد على طول الساحل من بيروت، حيث يرفرف العلم الكندي على ممثلية دبلوماسية شديدة الحماية، ينتظر زوجان، تحت أشعة الشمس الحارقة، مجموعة من الوثائق ليتم إحضارها من قبل حارس أمن داخل المبنى.

أما جوزيف، لبناني غاضب يبلغ من العمر 38 سنة، كان طيارا في شركة طيران الشرق الأوسط وانخفض راتبه بنسبة 40 ٪ مؤخرا، نتيجة للأزمة الاقتصادية الخطيرة التي تمر بها البلاد، فيقول: "هذه مستندات لطلب الإقامة الدائمة"، مضيفا: "أصبح هذا البلد غير مستقر وفاسد، لا أريد أن يكبر أطفالي هنا".

فيما قالت زوجته كريستي، حامل في شهرها السابع: "لم نعتقد يوما أننا سنأتي إلى هنا، غير أنه هذه المرة تم القضاء على لبنان فعلا".

وبعد أن أغلقت نافذة الأمل للتغيير، قال يوسف: بينما كان جالسا مع أصدقائه على شرفة أحد المقاهي "لم نرغب في الهجرة لكنهم أجبرونا على ذلك". وبينت الصحيفة أن هذا اللبناني البالغ من العمر 26 عاما يسعى للحصول على درجة الماجستير في التسويق الرقمي بلندن في بداية العام الدراسي. 

وبعد مرور ثلاثين عاما، لم يعد السكان يفرون من القصف ولكن من الانهيار المالي المدمر، وبينهم أحمد الذي فقد كل شيء. 

فهذا الرجل الذي بدأ العمل في سن 13 عاما، افتتح لتوه صالونا لتصفيف الشعر، وهو مشروع استثمر فيه كل مدخراته، قبل أن تحطم الأزمة محله الوليد.

وفي ظل هذا الوضع استنجد بصهره الذي يعيش في مونتريال الكندية، و"توسل إليه لمساعدته" على الاستقرار هناك، قائلا: "إنني على استعداد لبيع كل ما تبقى وسيارتي ومجوهرات زوجتي، لمغادرة لبنان".

وتنوه الصحيفة الفرنسية بأنه إذا كان الكثيرون يرغبون في المغادرة، فإن القليل منهم يستطيع تحمل ذلك، نتيجة العديد من العوائق التي تحول دون الهجرة ومنها: صعوبة الحصول على تأشيرات، العثور على وظيفة، وأيضا العملات الأجنبية، حيث إن البنوك لديها عمليات سحب محدودة بشكل كبير".

ونتيجة لذلك، حتى أولئك الذين يحملون جوازات سفر أجنبية - كثير منهم لبنانيون - يجدون أنفسهم محاصرين.