معبر واحد للمساعدات.. كيف تخطط روسيا لتجويع مليون و300 ألف سوري؟

سليمان حيدر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تكتف روسيا بمشاركة النظام السوري في مجازره ضد المدنيين التي راح ضحيتها عشرات الآلاف منذ ثورة 2011، بل استخدمت إلى جانب طائراتها الحربية وأنظمتها الدفاعية الصاروخية سلاح التجويع ضد السوريين.

منذ عام 2014، تدخل المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر المعابر الحدودية مع الأردن والعراق وتركيا، لكن الفيتو الروسي الذي يهدف في نهايته إلى تجويع السوريين، أدى إلى وقف دخول تلك المساعدات في يناير/كانون الثاني 2020، عبر الأردن والعراق، والاكتفاء بإدخالها عبر معبري باب الهوى وباب السلام مع تركيا.

في 12 يوليو / تموز 2020، طلبت موسكو مرة أخرى إغلاق إحدى النقطتين والاكتفاء بمعبر باب الهوى المؤدي إلى إدلب فقط لتقديم المساعدات إلى النازحين شمال وشمال غربي سوريا، وإغلاق معبر باب السلام الحدودي المؤدي إلى منطقة حلب في الشمال السوري، بحجة أنه يمكن الوصول إلى شمال غربي سوريا من داخل البلاد عبر النظام السوري.

لويس شاربونو مدير شؤون الأمم المتحدة في منظمة هيومن رايتس ووتش قال: إن ما فعله مجلس الأمن إذعان لرغبات روسيا وقال في تصريح نقلته وكالة رويترز: "ذعن أعضاء المجلس ومنحوا موسكو ما تريده".

مشروع القرار الذي قدمته كل من ألمانيا وبلجيكا لإدخال المساعدات بنفس الطريقة السابقة، وافق عليه 12 عضوا من بين 15 في تصويت مجلس الأمن بعد امتناع كل من روسيا والصين والدومينيكان عن التصويت.

الأسوأ قادم

حسب المنظمات الإغاثية العاملة في سوريا، فإن الأوضاع في الشمال السوري تتجه إلى الأسوأ حيث قالت في بيان مشترك: إن القرار سيؤدي إلى فقدان العديد من الأرواح وسيزيد من معاناة مليون و300 ألف سوري يعيشون في المنطقة يعتمدون على الغذاء والدواء الذي تقدمه الأمم المتحدة عبر الحدود. 

واعتبرت وكالات الإغاثة القرار بمثابة ضربة مدمرة بعد تأكيد أول حالة إصابة بفيروس كورونا في إدلب، تلك المنطقة التي ضعفت بنيتها التحتية في مجال الصحة بشكل كبير.

عبد المجيد مراري مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة "افدي" الدولية لحقوق الإنسان يرى في تصريحات خاصة لـ"الاستقلال" أن الأمر في سوريا لا يزداد إلا كارثية وسوءا، وأن الضحية في ذلك هو المواطن السوري والنازحون إلى المناطق الأخرى وخاصة الحدود مع تركيا.

مراري أكد أن إدخال المساعدات من معبر واحد سيكون له أثر سيئ على الوضع الإنساني هناك، وخاصة الوضع الصحي حيث سيتسبب في إطالة مدة الانتظار، ما سيكون له آثار كارثية من ارتفاع نسبة الأمراض والوفيات في صفوف النازحين.

وأضاف مراري: "عندما كانت تدخل المساعدات من معبرين كانت الأزمة الإنسانية والكارثية دائما موجودة، وفي ظل الأوضاع الحالية وانتشار وباء كورونا الذي عجزت العديد من الدول الكبيرة عن مواجهته ومع تأكيد أول حالة إصابة بالفيروس في إدلب وانعدام أدنى شروط الرعاية الصحية فلن يزداد الوضع إلا سوءا".

وتساءل مراري: "كيف لنازح أن يواجه وباء عجزت أمامه دول كثيرة وهو لا يمتلك حتى الماء والطعام واللباس، العيب ليس في القرار وإنما في المؤسسات التي عجزت أن تصدر قرارا صحيحا". 

الصحفي مصطفى النعيمي المهتم بالشأن الإغاثي في سوريا قال: إن هناك ما يقرب من 320 شاحنة تمر شهريا من خلال معبر باب الهوى المؤدي إلى إدلب بالإضافة إلى بعض النازحين في بعض المناطق الأخرى سواء في مدينة سرمين في المخيمات الجديدة التي أنشئت حديثا وكذلك في مناطق قرى جبل الزاوية القريبة من جسر الشغور، حيث يوجد هناك أيضا مخيمات للنازحين تصلها المساعدات الأممية بشكل كامل.

وأكد النعيمي في تصريحات تلفزيونية لقناة "تي آر تي عربي" أن هناك قرابة المليون ونصف المليون نازح في الخيام على الشريط الحدودي مرورا بمدينة سرمده، وصولا إلى مدينة الدانة المكتظة بالسكان سيستفيدون من استمرار تقديم المساعدات عبر هذا المعبر.

تجويع السوريين

اعتبر مراري، روسيا والصين متورطتين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا باستخدامها حق الفيتو ضد قرارات تسهم في تخفيف معاناة النازحين السوريين على الحدود، وأنهما متورطتان في إبادة الشعب السوري والأبرياء. وأكد أن جريمة منع إدخال المساعدات الإنسانية للنازحين في ظل أزمة كورونا لن تكون إلا جريمة أخرى تضاف إلى سجل جرائم الدولتين والنظام السوري في شخص بشار الأسد.

ويقول ياسر الفرحان عضو الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة: إن الجميع يعرف الأسباب الداعية لقرارات مجلس الأمن التي بدأت في 2014 ومن خلال القرار 2165 الذي تضمن السماح بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود.

وأوضح الفرحان في تصريحات خاصة لـ"الاستقلال" أن "الأسباب الموجبة لهذه القرارات هو السلوك الممنهج باستخدام سلاح التجويع للسوريين وحرمانهم من الماء والغذاء والدواء وبالتالي تعطيل إدخال قوافل المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة إلى المناطق المحاصرة وبالتالي حرمان  المحتاجين المستهدفين منها".

مشيرا إلى أن النظام أراد أن يستخدم هذه المساعدات لأغراض سياسية وقام بمنحها لقطاعات عسكرية وقام بتغذية اقتصاده في الحرب على الشعب السوري. 

وأكد الفرحان أن إغلاق الحدود بشكل جزئي وفتح منفذ واحد فقط لن يفي بالغرض وسيمنع وصول المساعدات بشكل كاف لكل المناطق في الشمال السوري، وفي شمال غربي البلاد.

واعتبر الفرحان أن الحل الأمثل لهذه الأزمة هو تجاوز مجلس الأمن وأن تقوم الجهات المانحة بإيصال المساعدات عبر الحدود ومن خلال المنظمات الإنسانية العاملة، مشيرا إلى العديد من المنظمات الإغاثية التي تعمل على الحدود التركية السورية وتستطيع إيصال هذه المساعدات. 

وأضاف الفرحان: "شاهدنا IHH والهلال الأحمر التركي يقومان بإيصال المساعدات في أكثر من تجربة من خلال مانحين متعددين سواء كانت جهات حكومية أو منظمات إنسانية أو منظمات دولية، وبالتالي نحذر من استغلال النظام لهذه المساعدات حينما توزع من خلاله"، مطالبا بالاعتماد على المنظمات التي تعمل بشكل مستقل، والخروج من استعصاء مجلس الأمن وإحالة الملف إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.

آلية عرقلة

مراري أكد أن المجتمع الدولي لا ينتبه إلى الكوارث الإنسانية التي وقعت في حق الشعب السوري الذي يدفع ثمن الخلافات والحسابات الدولية وضعف المؤسسات الدولية خاصة مؤسسة مجلس الأمن التي أصبحت آلية لعرقلة كل الإجراءات الإنسانية.

وأضاف مراري: "للأسف الشديد نحن نعي أنه لا يمكن تمرير أي قرار بالفيتو الروسي والصيني وحتى الفيتو الأميركي أحيانا في قضايا أخرى وبالتالي آلية مجلس الأمن تعد آلية عرقلة، وكأننا نعمد إلى عدم تمرير بعض القرارات وعدم إنجازها وتنفيذها عندما نمر عبر مجلس الأمن".

وقال مراري: "هذه الأسباب جعلت المنظمات الحقوقية وبعض المؤسسات الأخرى بالإضافة إلى المعارضة السورية تطالب باعتماد آلية أخرى غير مجلس الأمن، وأنه لا بد من اتخاذ قرار بالمرور على الجمعية العمومية دون المرور على مجلس الأمن".

وطالب الجمعية العامة بأن تصدر قرارا في ذلك ويتم التصويت عليه من غالبية الدول حيث له من القوة القانونية ما لقرارات مجلس الأمن، وبالتالي يتم تعيين وتحديد آلية دولية لتنفيذ قرارات الجمعية العامة. 

الفرحان قال لـ"الاستقلال": إن الائتلاف السوري طرح في وقت إعمال ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنع الدول الأطراف في النزاع من التصويت وبالتالي يمنع روسيا من تعطيل الإجماع الدولي في مجلس الأمن، وكذلك الأمر ما تفعله الآن الصين، مطالبا بوجوب إصلاح المؤسسة الدولية وتطوير آليات إيصال المساعدات الإنسانية لأن غاية إنقاذ المحتاجين هي غاية قصوى يجب أن تعطى أولوية".

من جهته، أوضح  مراري: "لم نر في قضايا عدة سواء في الملف السوري أو العراقي أو القضية الفلسطينية أو في غيرها من القضايا أن مجلس الأمن اتخذ قرارات شجاعة ومنصفة وعادلة، هناك قرارات من مجلس الأمن وتخرقها إسرائيل".

وشدد على ضرورة إعادة إحياء مؤسسات المنتدى الدولي أو ما يصطلح عليه إعادة هيكلة الشرعية الدولية وإعطائها قيمة وصلاحية أكبر مع إيجاد آلية لتنفيذ كل القرارات سواء الصادرة عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة أو الصادرة عن مجلس الأمن.