زخم دولي بعد اغتيال الهاشمي.. هل يستثمره الكاظمي لإنهاء "اللادولة"؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي حدثا اعتياديا في العراق، وإنما كان بمثابة "اللحظة الفاصلة" التي وضعت السلطات في مواجهة مباشرة مع المليشيات لإعادة فرض هيبة الدولة، لا سيما بعد الزخم الداخلي والخارجي الكبير الذي كسبته الحادثة.

بعد اغتيال الهاشمي في بغداد 6 يوليو/ تموز 2020، تعهد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بملاحقة الجناة لينالوا جزاءهم العادل، مؤكدا عدم السماح بعودة الاغتيالات ثانية إلى المشهد العراقي، وأن الحكومة ستعمل على حصر السلاح بيد الدولة.

تفكيك بطيء

وعن إمكانية الحكومة في ضرب المليشيات، ربط محللون حادثة اغتيال الهاشمي، بالعملية الأمنية التي اعتقل فيها 14 عنصرا من "كتائب حزب الله" في 26 يونيو/ حزيران 2020، وأفرج عنهم بعدها بأربعة أيام، رغم ضبطهم مع صواريخ كانت معدة لاستهداف مقرات حكومية.

الباحث في الشأن السياسي مهند البدري، رأى في حديث لـ"الاستقلال" أن "دور هشام الهاشمي المتميز بالجرأة وقوة طرحه إزاء الفصائل المسلحة، تطور إلى تحديد المسميات وكشف حقيقة الأدوار بدقة، والذي يتوافق مع مشروع الكاظمي".

ولفت إلى أن "استهداف الهاشمي يمثل ضربة مباشرة لمشروع الكاظمي ومعه الوجود الأميركي في العراق، وهو إعلان مواجهة مستمرة ومتصاعدة"، مؤكدا أن بيانات الإدانة والاستنكار التي تخطت حدود العراق لها مغزى كبير، ولذلك فإن الكاظمي عليه أن يفي بوعده ويكشف القتلة".

وتابع البدري: "الكاظمي بحاجة للمزيد من الدعم والشجاعة للمضي في تفكك المعسكر الشيعي المسلح والذي يحظى برضا واضح من المعسكر السياسي التقليدي المتمثل بتحالف الفتح بقيادة هادي العامري، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي".

واستبعد الباحث أن يستثمر الكاظمي التأييد المحلي والدولي في مواجهة المليشيات، لأن "الأمر يحتاج إلى شجاعة وجرأة وتحمل للتبعات التي قد تشعل حربا بين القوى والفصائل الشيعية، وبالتالي فإنه ربما يذهب إلى خيار تفكيك هذه المنظومات بعمل بطيء وهادئ".

من جهته، رأى السياسي العراقي مشعان الجبوري، أن الكاظمي يفتقد للأدوات في معركته مع قتلة الهاشمي، بالقول: "الأجهزة الأمنية ذات لون طائفي واحد (الشيعة)، والجهات المتمردة والتي تتحدى الدولة هي من المكون ذاته، وبالتالي لا يمكن له محاسبة القتلة".

وأوضح الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية، في 8 يوليو/ تموز 2020 أن "حادثة اقتحام المليشيات للمنطقة الخضراء بعد اعتقال مجموعة منها جنوب بغداد، أظهرت فقدان الكاظمي للأدوات لمواجهتهم، فقد رفض مسؤول حماية المنطقة تنفيذ أوامره، بحجة أنه شيعي، ولا يريد أن يتورط بدماء الشيعة".

ويأتي اقتحام المنطقة الخضراء على يد مليشيات "كتائب حزب الله" بعد اعتقال عناصرها بعملية أمنية نفذها جهاز مكافحة الإرهاب، في جنوب بغداد، والتي أعلنت السلطات حينها أنها أسفرت عن القبض على 14 عنصرا كانوا ينوون إطلاق صواريخ على مقرات حكومية.

ناقة صالح

الخبير السياسي والإستراتيجي العراقي الدكتور أحمد الأبيض، رأى أن "رحيل هشام الهاشمي فيه مقاربة من قصة ناقة نبي الله صالح التي جلبت الخراب على قوم ثمود بعدما عقروها".

ولفت الأبيض خلال مقابلة تلفزيونية في 7 يوليو/ تموز 2020 إلى أن "التاريخ يتغير بالأحداث، وأن اغتيال الهاشمي اختبار ثان للكاظمي، بعد العملية الأمنية التي اعتقل فيها عدد من عناصر المليشيات جنوب بغداد في 26 يونيو/ حزيران 2020".

ووصف حادثة الاغتيال بأنها "مفصل تاريخي" وعلى حكومة الكاظمي الانقضاض على العصابات، لأنه من تجرأ على الهاشمي يريد إيصال رسالة لكل الناشطين بأننا سنكمم أفواهكم بالرصاص.

وبخصوص الإدانات الخارجية، قال الأبيض: "الخارجية الأميركية أصدرت بيانات عدة عن الحادثة شديدة اللهجة وفيها تحذير إلى الكاظمي شخصيا، بمعنى أنك تستطيع معرفة القتلة وعليك أن تتخذ إجراء".

ونوه إلى أن الكاظمي إذا لم يتخذ الإجراء في الوقت المناسب والذي هو قصير جدا اليوم أو غدا، وأن يكون إجراء سليما وليس ترقيعيا، لأن هناك شكوك بأن تأتي الأجهزة الأمنية بثلاثة أو 4 أشخاص وتقول هؤلاء هم القتلة حتى يغلق الملف.

وشدد الأبيض على أن هناك اهتماما عالميا بالقضية، والدليل ما صدر من  الخارجية الأميركية والجامعة العربية وسفارات الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني أنها ستتابع الأمر، وأن الحكومة مسؤولة عن جلب القتلة.

وحسب المحلل العراقي، فإن حكومة الكاظمي سيطاح بها إذا لم تنقض على العصابات التي تبتلع الدولة، لافتا إلى أنه من غير هذا الفعل واستثمار الزخم فستتبخر الحكومة قريبا، لأن ما يبقيها حاليا هو صمت الشارع حتى اللحظة.

وتابع: "عندما يتحول هذا الصمت إلى صراخ من الألم لن تبقى هذه الحكومة. وهو اختبار عسير جدا وليس لدى الكاظمي وقت كبير، لذلك عليه أن يبتعد عن الاستعراض الإعلامي والتصريحات حتى يرينا الفعل، لأن الشارع متألم".

وخلال مؤتمر صحفي في 8 يوليو/ تموز 2020، اتهم وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، "المليشيات" المدعومة من إيران بالوقوف وراء عملية اغتيال الهاشمي، مطالبا الحكومة العراقية بمحاسبة الجناة بأسرع وقت.

كما نددت كل من الأمم المتحدة وبريطانيا باغتيال الهاشمي التي وصفتها بـ"الخسيسة"، ودعت بغداد إلى محاسبة المسؤولين عن العملية بدعم من المجتمع الدولي.

رسالة تحد

محللون سياسيون فسروا حادثة اغتيال الهاشمي على أنها رسالة تحد لحكومة الكاظمي، لأن الخبير الأمني كان مدافعا عن الحكومة وخطواتها في مواجهة جماعات  "اللادولة" التي لا تريد إرساء مؤسسات الدولة.

ورأى الكاتب أياد العنبر أن "الهاشمي كان مدافعا عن حكومة الكاظمي وخطواتها في المواجهة مع الجماعات التي تريد إحراجها وإضعافها أمام الرأي العام".

وأضاف: "دفاع الهاشمي لم يكن بعنوان رسمي وإنما إيمانا منه بأن الدولة يجب أن تفرض سيطرتها ونفوذها. وبهذا الموقف كان أكثر شجاعة من جوق المستشارين الذين عينهم الكاظمي، وبعد أن كانوا ينتقدون واقع اللادولة اختاروا اللوذ بالصمت والسكن بالقصر الرئاسي في المنطقة الخضراء".

المفارقة في اغتيال الهاشمي، بحسب العنبر، هي أن الحكومة ولا من نفذ أمر الاغتيال كان يتوقع تعاطف الرأي العام ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية والصحف العالمية والبعثات الدبلوماسية، ولم يكن التعاطف الشعبي مع الاغتيال موضوعا عفويا، وإنما كان تعبيرا واستنكارا لاغتيال مَن يدافع عن الدولة.

وأردف: "لا يزال الكثير من العراقيين يعولون على حكومة الكاظمي باتخاذ خطوات نحو الجماعات التي تريد أن تبقي وضع اللادولة". وأكد أن حادثة اغتيال الهاشمي لا يمكن أن يوازيها رد فعل إلا بإعلان بداية المعركة ضد كل من يريد أن يعلو على الدولة، ويريد إرسال رسائل الاغتيال والتهديد بالقتل كتحد للحكومة ولكل الأصوات التي تدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة وفرض هيبتها.

وفي السياق ذاته، رأى الكاتب المختص في قضايا الشرق الأوسط جورج مالربينو في مقاله بصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية في 8 يوليو/ تموز 2020 أن اغتيال الهاشمي يمثل رسالة موجهة إلى رئيس الحكومة الذي دخل في مواجهة محفوفة بالمخاطر مع المليشيات النافذة المؤيدة لإيران، التي تمثل دولة حقيقية داخل الدولة، والتي كان يندد بها هشام الهاشمي بانتظام.

وزاد قائلا: بعد أن سئموا من التدخل الإيراني في شؤونهم، يرحب معظم العراقيين بمعركة رئيس الوزراء ضد الميليشيات. لكن يطرح الجميع السؤال ذاته: هل يمكن أن يكون لمصطفى الكاظمي الوسائل اللازمة لكسب حرب النفوذ الضارية؟".

وأشار مالربينو إلى أنه في المرحلة الحالية، يسعى رئيس الحكومة العراقية تهدئة اللعبة سياسيا لمواجهة تهديدات معلنة من قبل خصومه، محاولا الحصول على الدعم الأجنبي، لمواصلة خطوته ضد المليشيات، بما في ذلك دعم فرنسا. وأيضا يسعى الكاظمي إلى الحصول على دعم أميركي خلال زيارته المقبلة لواشنطن.

والهاشمي (47 عاما) هو عضو في المجلس الاستشاري العراقي الذي يضم نخبة من الأكاديميين والباحثين والسياسيين السابقين لتقديم الاستشارات لصناع القرار، له عدة مؤلفات وعشرات الدراسات عن التطرف والجماعات المسلحة وعمل مستشارا لعدد من كبار المسؤولين في الحكومة العراقية، وفي عدد من مراكز الأبحاث العراقية والغربية وهو كثير الظهور كخبير أمني في الفضائيات المحلية والعربية.

عمل الهاشمي طيلة سنوات مع كبار مسؤولي الدولة العراقية الأمنيين والتنفيذيين ضمن تخصصه في دراسة وتحليل الجماعات المسلحة العاملة في العراق، وتقديم الاستشارات للأجهزة الأمنية حول تلك الجماعات وتأثيرها على الأوضاع الأمنية في العراق، بما فيها تركيزه بعد انتهاء العمليات القتالية ضد تنظيم الدولة نهاية 2017 على نمو المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران ومناهضتها بالدعوة إلى مركزية مؤسسات الدولة.