تشريعات "مموهة".. كيف منع السيسي الجميع من منافسته على الرئاسة؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2103 في مصر، قال عبد الفتاح السيسي، إن الرئيس (الراحل) محمد مرسي استخدم الديمقراطية كسلم للصعود إلى السلطة، ثم انقلب عليها عبر تشريعات وقرارات رئاسية محصنة. الغريب أن ما قاله السيسي عن مرسي رغم عدم صحته، هو ما فعله وطبقه بالحرف الواحد منذ سيطرته على الحكم قبل 7 سنوات.

تعديلات تشريعية مستمرة، يستصدرها السيسي عبر البرلمان المصنوع على عينه، فيحكم قبضته على السلطة ويحصن نفسه وكبار قادة الجيش من ذوي البدلات المموهة (الملابس العسكرية) من أي هاجس قد يقلقهم أو يهدد وجودهم ومستقبلهم في الحكم.

صار المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يرأسه السيسي مهيمنا على جميع الآليات الدستورية والقانونية التي تنظم نقل السلطة، وأصبح الجيش المشرِف والمُراقِب الأول للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر.

تحصين المحصن

في 6 يوليو/ تموز 2020، أقر البرلمان المصري، تعديلات تشريعية تقضي "بعدم السماح لضباط الجيش العاملين أو المتقاعدين بالترشح لرئاسة الجمهورية، أو عضوية البرلمان إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة".

التعديل التشريعي الجديد، أغلق الباب أمام ضباط الجيش وتحديدا المتقاعدين، لمنافسة السيسي في الانتخابات، بعد أن كانت القوانين تسمح لأي عسكري ترك الخدمة أن يخوض أي انتخابات عامة، أما الآن فاشترط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

حسب موقع الهيئة الوطنية للإعلام (هيئة رسمية)، فإن "مجلس النواب (البرلمان) وافق على مجموع مواد مشروع قانون مقدم من الحكومة في شأن شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة".

وذكر أن القانون المقترح "يقضي بعدم جواز الترشح للضباط سواء الموجودين بالخدمة أو من انتهت خدمتهم بالقوات المسلحة لانتخابات رئاسة الجمهورية أو المجالس النيابية أو المحلية إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة".

كما يتضمن مشروع القانون فرض ضوابط على عناصر الجيش بعد انتهاء خدمتهم "بشأن إفشاء المعلومات التي اتصل علمهم بها أثناء الخدمة"، كما أورد موقع الهيئة الوطنية للإعلام.

القانون الجديد يحصن السيسي نفسه، ضد محاولات الجنرالات وضباط الجيش منافسته في الانتخابات، كما حدث قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2018، عندما تقدم رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق سامي عنان وأعلن  نيته الترشح للرئاسة قبل أن يتم إلقاء القبض عليه والتنكيل به، ثم الإفراج عنه نهاية 2019 بعدما أن أمضى نحو عامين في الحبس.

وفي 19 ديسمبر/ كانون الأول 2017، قضت المحكمة العسكرية بحبس ضابط الجيش المصري، أحمد قنصوه، 6 سنوات لإعلانه عبر مواقع التواصل الاجتماعي اعتزامه خوض انتخابات الرئاسة ضد السيسي.

تشريعات منصور

كانت البداية مع تولي المستشار عدلي منصور منصب الرئيس بشكل مؤقت عقب الانقلاب العسكري صيف 2013، وخلال مرحلة انتقالية انتهت بتولي وزير الدفاع (آنذاك) عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد.

منصور تولى الحكم 330 يوما، أصدر خلالها 28 قرارا بقانون بموجب الإعلان الدستورى الصادر فى 8 يوليو/ تموز 2013، والذي منحه سلطة التشريع حتى انتخاب رئيس الجمهورية ثم البرلمان. 

من أخطر التشريعات التي أصدرها منصور، تلك المتعلقة بالمؤسسة العسكرية، ووضعية وزير الدفاع، ففي 26 فبراير/ شباط 2014، أصدر قانونا يقضي بإضافة 4 مواد جديدة إلى قانون "القيادة والسيطرة"، الخاص بتنظيم المواقع القيادية في الجيش، والحالات التي يمكن فيها إعلان حالة الحرب.

ويوجب القانون "يكون وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ولا يجوز تعيينه من غير ضباطها، وأن يكون قد خدم في القوات المسلحة برتبة اللواء 5 سنوات على الأقل، وأن يكون تقلد فيها إحدى الوظائف الرئيسية".

وفي نهاية عام 2013، أصدر عدلي منصور، تعديلات على قانون المعاشات العسكرية، وقانون التقاعد، وعدل قانون المعاش العسكري ليصل إلى نسبة بدون حد أقصى، وكانت هذه بداية صعود معاشات العسكريين على حساب القطاعات المدنية الأخرى داخل الدولة.

دستور 2014 

أدى دستور 2014 إلى إبعاد السلطة أكثر عن المدنيين، وذلك من خلال منحه القوات المسلحة سلطة وصلاحيات لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر الحديث. 

من أبرز القوانين المثيرة في ديباجة الدستور، المادة 201 التي نصت على، أن "يتم تعيين وزير الدفاع من بين صفوف الضباط". إضافة إلى ذلك، قضت المادة 234 بأن "يوافق المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع لمدة ولايتين رئاسيتين متتاليتين".

كما يوسع ذلك الدستور من نطاق الحماية القانونية الممنوحة للقوات المسلحة من خلال المادة 204، وتسمح هذه المادة بمحاكمة المدنيين، أمام المحاكم العسكرية إلى حد يتوافق مع المعايير الدولية والممارسات الجيدة، كما أنها تحمي موظفي الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية، ونظرائهم من أي إشراف مدني سواء كان قضائيا أو برلمانيا أو غير ذلك. إضافة إلى ذلك، تضع التشريعات ضباط الشرطة تحت سلطة القضاء العسكري، مما يؤدي إلى اكتساب الجيش قوة متزايدة في الشؤون القضائية".

وظهر من خلال ذلك الدستور أن الوضع الحالي لنظام الحكم في مصر يميـل نحو السيطرة العسكرية الكاملة. وإقرارات الحماية الدستورية والقانونية التي تتمتع بها القوات المسلحة، وتهيمن من خلالها على الوضع المدني وكامل مؤسسات الدولة بلا استثناء. 

في الفترة من 2015 إلى 2016، التي شهدت إجراء أول انتخابات برلمانية في مصر بعد انقلاب يوليو/تموز 2013، أقيمت "غرفة عمليات الانتخابات" داخل مقر المخابرات العامة، وفقا لتقارير صحفية، وشهادة أحد المشاركين السابقين في حملة السيسي الرئاسية.

وفي 10 يناير/كانون الثاني 2016، عقد البرلمان جلسته الأولى، واحتل العسكريون المتقاعدون كتلة ملحوظة من المقاعد البرلمانية قدرت بنحو 71 مقعدا، من العسكريين، والأمنيين السابقين.

كبار القادة

منذ صعود السيسي إلى سدة الحكم، اهتم بتحصين نفسه وتحصين كبار قادته، ففي 16 تموز/يوليو 2018، أوعز إلى مجلس النواب، بإقرار قانون معاملة بعض كبار قادة القوات المسلحة، ضمن  سلسلة من المناورات التشريعية الهادفة إلى ترسيخ سلطة الرئاسة على الجيش وتأمين حصانة لكبار العسكريين الذين قد يُتهمون بتنفيذ حملات قمع واسعة أو بالتورط في الفساد المالي.

حرص السيسي على تحصين كل من تورط من قادة الجيش في ارتكاب مجازر مروعة بحق المدنيين بعد الانقلاب العسكري، لا سيما عند فض ميداني رابعة العدوية والنهضة. 

نصت المادة الخامسة من القانون المذكور على أنه لا يجوز مباشرة أي تحقيق أو إجراء قضائي في مواجهة هؤلاء الضباط عن أي فعل ارتكبوه بصفتهم الرسمية في الفترة الممتدة من 3 تموز/يوليو 2013 إلى 10 كانون الثاني/يناير 2016، إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

الحقوقي المصري مصطفى عز الدين، قال "للاستقلال": "بعد الانقلاب العسكري في مصر، خضعت الدولة برمتها، ومؤسساتها المدنية والقضائية إلى الإرادة العسكرية، وهيمنة قادة القوات المسلحة، وبالتالي حاولوا تحصين أنفسهم، واكتساب المزيد من النفوذ والهيمنة".

وأضاف: "مصر ليست سابقة في هذا، فكل الدول التي شهدت انقلابات عسكرية مرت بهذه المرحلة، كما حدث في الأرجنتين، وتشيلي، وتركيا، إذ حاول الجنرالات تحصين أنفسهم وحماية وضعهم بشكل مستمر، ومع ذلك سقطوا وواجهوا المحاكمات أمام شعوبهم وقضاء بلادهم فيما بعد". 

عز الدين أكد أن: "العملية السياسية في مصر مرهونة بالحاكم العسكري الذي إذا سقط، سوف تسقط جميع إجراءاته، وتعود الأمور إلى طبيعتها، ويحاسب كل منهم على ما اقترف في حق شعبه، ولو بعد عشرات السنوات". 

وأردف: "على سبيل المثال البرلمان، الذي يعد واجهة التشريع والمساءلة الأولى في البلاد، تمت هيكلته من ضباط الجيش والشرطة المتقاعدين، من خلال تنسيق كامل مع أجهزة المخابرات، وبالتالي فإن مخرجاته ستكون متوافقة ومنفذة لإرادة الحاكم، ولن يكون صوتا للشعب بطبيعة الحال".