معهد دراسات إسرائيلي: هكذا أصبحت تل أبيب صديقة للأنظمة العربية

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب تستعد للدخول في مسار التعاون المتبادل، في تناقض كبير مع العقود الأولى لتأسيس الكيان، حيث حدثت نقلة نوعية من العداء والكراهية والرفض إلى التعايش والسلام وحتى التحالف.

وفي تحليله لأسباب ذلك التحول، يقول معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: "قد يكون التغيير نابعا من عدم وجود خيارات أخرى، ولكن الأمر أيضا يعكس الوجه المتغير للشرق الأوسط في السنوات الأخيرة: ضعف الدول العربية، انحدار العروبة، وصعود إسرائيل إلى درجة تحولها إلى جهة فاعلة إقليمية ذات أهمية عسكرية وسياسية وقوة اقتصادية".

وعلى كل حال فإن العلاقات التي أقامتها إسرائيل مع جيرانها العرب ترتكز على النظام والمصالح السياسية، لكنها تفتقر إلى دعم واسع بين الرأي الشعبي العربي.

واستعرض المعهد في ورقة بحثية عوامل تغير العلاقات العربية الإسرائيلية، وأجملها في أربعة أسباب رئيسية هي: ضعف الدول العربية، غياب المشروع القومي العربي، ظهور قوى إقليمية جديدة، وانحسار الربيع العربي. 

من الحرب إلى السلم

خلال العقود الأولى من تأسيس الكيان الإسرائيلي، كانت علاقاته مع العالم العربي المحيط به تتكون من صراع دموي بين اليهود والعرب على أرض فلسطين.

بدأ هذا الصراع خلال الفترة المتأخرة من الإمبراطورية العثمانية، عندما بدأت هجرة اليهود إلى أرض فلسطين، وتصاعد خلال سنوات الانتداب البريطاني.

بلغ الصراع ذروته في مايو/أيار عام 1948 التاريخ الذي تعتبره إسرائيل عام "استقلالها"، والذي شهد هزيمة مزدوجة طرفاها: العرب الذين يعيشون في فلسطين وأصبح العديد منهم لاجئين في الدول العربية المجاورة، وهزيمة الدول العربية التي أرسلت جيوشها للمشاركة في القتال بهدف معلن هو منع إقامة دولة يهودية.

كانت نقطة الانطلاق للجانب العربي في الصراع هي رفض حازم لا لبس فيه للاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، فضلا عن إقامة علاقات سلمية معها.

لقد شكّل الرفض العربي صورة ذهنية لدى العرب بأن القضاء على إسرائيل لم يكن فقط "ضرورة تاريخية"، حيث اعتبروا "تل أبيب" كيانا عدوانيا يهدف إلى التوسع.

ويضيف المعهد: "على مر السنين، ظهرت شقوق في جدران العداء التي تحيط بإسرائيل في المنطقة العربية، فقد بدأ العالم العربي بخطى بطيئة يتقبل وجود تل أبيب ويظهر استعداده لإنهاء الصراع وإقامة علاقات سلمية معها".

ومهدت حرب الأيام الستة في يونيو/حزيران 1967 وحرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 إلى حد كبير الطريق نحو التطبيع، وذلك لمساهمة هاتين الحربين في هز اليقين العربي بأن انتصارهم على إسرائيل مضمون على المدى الطويل، وبالتالي يجب عليهم المحافظة على الوضع الراهن حيث لا سلام ولا حرب.

كما اتضح للعرب أنهم إذا أرادوا استعادة الأراضي التي فقدوها خلال حرب الأيام الستة، ومن ثم الدخول إلى قلب وخزائن الولايات المتحدة من أجل معالجة مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية المحلية، فعليهم تحقيق تسوية سلمية مع إسرائيل.

كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات أول من اخترق جدار العداء العربي بزيارته التاريخية إلى القدس المحتلة في نوفمبر/تشرين الثاني1977. ووقع الجانبان بعد ذلك اتفاقية سلام في مارس/آذار 1979.

وبعد هزيمة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حرب الخليج في ربيع عام 1991 وتفكك الاتحاد السوفييتي في وقت لاحق من ذلك العام، قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك جيمس بيكر: إن هناك فرصة تاريخية لتعزيز حل سياسي بين العرب والإسرائيليين.

وعُقد في أكتوبر/تشرين الأول 1991 مؤتمر سلام في مدريد، وانفتح بذلك فصل جديد في علاقات إسرائيل بالعالم العربي، تبعه مفاوضات سلام بين الجانبين، بما في ذلك مع الفلسطينيين.

أدت العملية السياسية العربية الإسرائيلية إلى توقيع اتفاقية أوسلو بين "تل أبيب" ومنظمة التحرير الفلسطينية (الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين) في أكتوبر/تشرين الأول 1993 وتوقيع اتفاقية سلام بين إسرائيل والأردن في نفس الشهر من عام 1994.

ويقول المعهد: "جرى تصميم اتفاقية أوسلو لتمهيد الطريق لتحقيق اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني يقوم على الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، بالحقوق الوطنية لكل طرف (أو المعروف بحل الدولتين)".

كما تضمنت العملية قناة متعددة الأطراف لتعزيز التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والدول العربية. تم إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات الدبلوماسية، وإن كان ذلك على مستوى منخفض بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، بما في ذلك تونس والمغرب وعمان وقطر.

غياب المشروع الجامع

حدث التغيير في الموقف العربي تجاه إسرائيل، والذي أدى في النهاية إلى توقيع اتفاقيات سلام معها، مع أفول فكرة  القومية العربية وتراجعها كقوة في العالم العربي.

فمع وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في سبتمبر/أيلول 1970، القائد الأكثر أهمية للقومية العربية في ذلك الوقت، وما حدث قبلها من هزيمة عربية "مخزية" في حرب الأيام الستة (النكسة)، وفق المعهد.

فقد كانت الناصرية ونضال مصر تحت قيادة ناصر ذات تأثير كبير -إن لم يكن هيمنة- في العالم العربي. بعد انحسار الناصرية حلت الأيديولوجيات والمذاهب المتنافسة محل القومية العربية، ولكنها فشلت في محاولتها توحيد العرب وهزيمة إسرائيل.

ويرجع المعهد الإسرائيلي السبب الأساسي لهذا الفشل إلى تراكم الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية المحلية التي أصابت أجزاء كبيرة من العالم العربي.

نشأت هذه الصعوبات بسبب النمو السكاني المتسارع، والعقبات التي تحول دون التحديث والتقدم الاقتصادي، وتخلف المجتمع العربي، وغياب التحول  الديمقراطي. وأخذت الفجوة التنموية بين العالم العربي وأجزاء أخرى من العالم تتسع بشكل مستمر.

وأضاف المعهد: "دفعت الصعوبات التي أصابت البلدان العربية المعنية كلا منها إلى إعطاء الأولوية لمصالحها الوطنية الداخلية، ولا سيما مصالح الحاكم ونظامه، وتقديمها على القومية العربية والتركيز على القضية الفلسطينية. وبالتالي فقدت هذه القضية الأخيرة مركزيتها وأهميتها".

وكانت النتيجة رغبة بعض الدول العربية، في تسوية "النزاع" مع إسرائيل وإحراز تقدم في العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية.

لم تكن إسرائيل المستفيد الوحيد من التغييرات على خريطة الشرق الأوسط، ففي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، برزت قوتان إقليميتان قديمتان جديدتان تسعيان إلى تعزيز مكانتهما الإقليمية هما: تركيا وإيران.

كان يُنظر إلى هذين البلدين في المنطقة على أنها امتداد سياسة إمبراطوريتين: العثمانية والفارسية الصفوية (التي خلفتها إمبراطورية قاجار)، والتي خاضت ضد بعضها البعض حروبا لمئات السنين.

سيطرت الإمبراطورية العثمانية على الشرق الأوسط لما يقرب من 500 عام، من أوائل القرن السادس عشر الميلادي وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما سقطت المنطقة في أيدي القوى الغربية: بريطانيا وفرنسا.

ويقول معهد الأمن القومي الإسرائيلي: "لدى تركيا وإيران الآن الفرصة لمحاولة استعادة مكانتهما السابقة. نجحت أنقرة تحت حكم رجب طيب أردوغان، الزعيم الجذاب لحزب العدالة والتنمية، في منح البلاد الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي"، على النقيض من جميع الحكومات التركية الأخرى منذ مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية الحديثة.

وأضاف: "يعتبر أردوغان العالم العربي والإسلامي وليس أوروبا، مسرحه المفضل للعمل، وحاول الاستفادة من الطابع الإسلامي لحزبه لتعزيز مكانته ومكانة تركيا لدى العرب بمساعدة الأحزاب السياسية الإسلامية ومعظمها ممن ينتمون إلى حركة الإخوان المسلمين، التي استفادت من موجة الربيع العربي لتحسين موقفها في بعض البلدان".

وفي حالات عديدة تمكنت تلك الأحزاب من الوصول إلى السلطة واحتفظوا بها لفترة: حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة، الإخوان المسلمون في مصر، وحركة النهضة في تونس. 

كما استفادت إيران من التغيرات في الشرق الأوسط، حيث بدأت طموحاتها في الوصول إلى النفوذ والهيمنة وإنشاء منطقة أمنية تمتد من سلسلة الجبال الإيرانية إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط ​​منذ عقود أو حتى مئات السنين.

كانت هذه الطموحات واضحة في ظل حكم الملكية التي سبقت النظام الحالي للجمهورية الإسلامية. كما استفادت إيران بشكل واضح من الحروب التي شنتها الولايات المتحدة في المنطقة، أولا في أفغانستان في شتاء عام 2001، ثم في العراق ربيع عام 2003، مما أدى إلى انهيار نظام حركة طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق.

كان هذان النظامان، يقول المعهد: عدوين مريرين لإيران، وكانا بمثابة ثقل موازن لطموحاتها التوسعية شرقا وغربا. كان لسقوط صدام حسين والإطاحة بالدولة العراقية أهمية خاصة، حيث تسعى إيران من خلالها الآن إلى اختراق الهلال الخصيب.

كما ساعدت تخبطات الإدارة الأميركية في أفغانستان والعراق طهران على تثبيت نفسها في الفراغ الذي نشأ بعد رحيل الولايات المتحدة وزيادة قوتها.

وبما أن إيران دولة تحاول الترويج للإسلام الشيعي واستخدامه لتعزيز مكانتها بين المجتمعات الشيعية في جميع أنحاء العالم العربي، فإن صعودها يُنظر إليه بريبة، حيث أنه صعود للعالم الشيعي على حساب السني الممثل للأغلبية المسلمة.

ويقول المعهد الإسرائيلي: "بذلت إيران جهودا حثيثة لتطوير القدرات النووية، وصممت مخططات للإرهاب والتخريب بين المجتمعات العربية ذات الحضور الشيعي لزعزعة استقرار العديد من الدول العربية، وخاصة دول الخليج، مثل السعودية والبحرين وحتى الكويت. وقد أدت هذه الإجراءات إلى شعور دول الخليج بالتهديد، وأظهرت مخاوفها من إيران".

ومع صعود الخطر الإيراني وظهور شبح الهيمنة، اتخذت العديد من الدول العربية، مثل دول الخليج، احتياطات عديدة لتكثيف تعاونها مع إسرائيل وقبول المساعدة ضد التهديد الإيراني.

أما التعاون السطحي فقد بدأ في وقت مبكر من التسعينيات، في أعقاب عملية السلام العربية الإسرائيلية بقيادة الولايات المتحدة، حيث جرى تدشين التواصل بين إسرائيل ودول الخليج، وإنشاء قنوات للتعاون السياسي والأمني بينهما، وتوسيع العلاقات التجارية والاقتصادية، التي كانت تبقى في السابق على مستوى منخفض وعلى نطاق صغير. 

أفول الربيع العربي

كان الربيع العربي، الذي بدأ في ديسمبر/كانون الأول 2010 نقطة تحول في تاريخ المنطقة حيث غير بشكل كبير النظام السائد في الدول العربية، بما في ذلك العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب.

أدى الربيع العربي إلى زعزعة استقرار العديد من بلدان المنطقة، وإسقاط بعض الأنظمة التي أمضت عقودا في السلطة. وفي وقت ازدهاره، بدا وكأنه يشكل تحديا لشرعية الحدود والنظام السياسي للقرن العشرين في العالم العربي التي تم تحديدها في مؤتمر سان ريمو في أبريل/نيسان 1920.

تمت الإطاحة بنظامي زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، واستولت الأحزاب السياسية الإسلامية على السلطة لفترة وجيزة، ولكن عاد هذان البلدان في نهاية المطاف إلى نقطة البداية قبل الربيع العربي.

في تونس، يقول المعهد: "كانت بعض القوى العلمانية التي استعادت السلطة جزءا من حكومة بن علي. أما في مصر، فقد استولى الجيش على السلطة في 2013 في انقلاب عسكري بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، وأطاح بحكومة الإخوان المسلمين التي ترأسها محمد مرسي. وفي ليبيا واليمن، أدت الإطاحة بالنظام الحاكم إلى انهيار الدولة القومية واندلاع الحروب الأهلية الدموية".

في اليمن، سيطرت القوات الموالية لجماعة الحوثيين (سميت على اسم مؤسسها حسين الحوثي التابع لفرقة الجارودية من الزيدية)، على صنعاء، عاصمة اليمن.

وأصبحت إيران الداعم الرئيسي للحوثيين في معركتهم للسيطرة على اليمن، والذي يعتبر الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية.

ويوضح المعهد: "كانت الإدارة السعودية تخشى منذ فترة طويلة من سيناريو تحول اليمن إلى خط أمامي إيراني، يمكن أن تهدد منه مدن المملكة بوابل الصواريخ وحصار الشحن في مضيق باب المندب عند مدخل البحر الأحمر".

الخوف من الحوثيين وإيران، اللذين زادا من مشاركتهما في اليمن بمساعدة حزب الله (في لبنان)، وحدتا دول الخليج بقيادة السعودية. وفي مارس/آذار 2015، أطلقت دول الخليج "عاصفة الحزم"، وهي عملية عسكرية جوية تهدف إلى منع الحوثيين من السيطرة على البلاد وحرمان إيران من المعقل الذي كانت تأمل في الحصول عليه في جنوب شبه الجزيرة العربية وعند مدخل البحر الأحمر.

وبعد سنوات من الحرب، لم تكن المملكة العربية السعودية قادرة على تحقيق النصر، وتورطت في حرب طويلة في اليمن أدت إلى تفاقم التحديات الأمنية التي أوجدتها المساعدة التي قدمتها إيران للحوثيين.

أظهر بيان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكتوبر/تشرين الأول 2019 أن إيران وضعت صواريخ متقدمة في الأراضي اليمنية قادرة على ضرب أهداف إسرائيلية، وأصبح اليمن مصدر قلق ليس فقط للمملكة العربية السعودية، ولكن لإسرائيل أيضا.

وفي سوريا، يواصل المعهد الإسرائيلي: "تمسك بشار الأسد بالسلطة، ولكن في صراعه من أجل المحافظة على الكرسي، جر بلاده إلى حرب أهلية مطولة ودموية قتل فيها أكثر من نصف مليون سوري وفر ملايين آخرون من البلاد، وأصبحوا لاجئين".

الأهم من ذلك هو حقيقة أن "انتصار بشار الأسد" قد تحقق بعملية إنقاذ في سبتمبر/أيلول 2015 حيث دخلت روسيا وإيران الحرب إلى جانبه. أعطت مشاركة هذين البلدين التأثير والسيطرة على الأحداث في سوريا.

وبذلك تمكن الكرملين من لعب دور رئيسي في رسم خريطة المنطقة وتصميم صورتها وفقا لمصالح روسيا وأهدافها التاريخية في الشرق الأوسط، وجاء صعود موسكو على حساب واشنطن.

في نهاية المطاف، كان اندلاع الربيع العربي مؤشرا على نهاية النفوذ الأميركي الممتد في الشرق الأوسط والذي بدأ بعد حرب الخليج في ربيع عام 1991 واكتسب قوة أكبر عندما تفكك الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام.

صعود قوى إقليمية

وفي ظل إدارتي الرئيسين الأميركيين السابق باراك أوباما والحالي دونالد ترامب، أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة تريد فصل نفسها عن المنطقة العربية ومشاكلها.

ويقول معهد الأمن القومي الإسرائيلي: "لم تعمل روسيا في فراغ ولم تكن القوة الوحيدة في المنطقة. كانت إيران ومليشياتها جزءا من المحور الشيعي الراديكالي الذي ظهر في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة، بمثابة منصة وشريك مفيد لموسكو في استئناف مكانتها".

ومن المفارقات أن الربيع العربي، الذي اعتبره الكثيرون داخل المنطقة وخارجها على أنه تجديد للدماء في العالم العربي السني ردا على التحدي الشيعي الذي يواجهه، قد عزز المحور الشيعي، بدلا من إضعافه.

بتعاونها مع روسيا، أصبحت إيران عنصرا مهما في أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط، وأصبح ينظر إليها داخل المنطقة وخارجها على أنها أحد أهم الفاعلين القادرين على الإسهام في الاستقرار.

وهكذا تمكنت طهران من الاستفادة من الوضع الفوضوي في المنطقة لتعزيز قبضتها في العراق وسوريا، وحتى في اليمن.

العديد من الدول العربية، وخاصة منطقة الخليج بشكل عام، تعتبر التوسع الإيراني تهديدا وجوديا لها؛ حيث لجؤوا إلى إسرائيل لأنهم يعتبرونها فاعلا إقليميا مهما، وأيضا كحليف وشريك محتمل، ضد التهديد المتزايد لطهران.

في بداية الأحداث كان يُعتقد أن إسرائيل من المحتمل أن تعاني نتيجة الربيع العربي، حيث أدت الانتفاضات العربية إلى الإطاحة بأنظمة تعتبر حليفة لها، وبالخصوص نظام مبارك في مصر.

كما اعتبرت تل أبيب أن الاتجاه الناشئ في السنوات الأولى من الربيع العربي نحو الحركات الإسلامية المعززة مثل الإخوان المسلمين، الذين اكتسبوا السلطة في مصر وحكموا هناك لمدة عام تقريبا، تطورا سلبيا يمكن أن يشكل تهديدا لإسرائيل.

ومع ذلك، فإن "الفوضى" التي سادت العالم العربي، وجهود الأنظمة العربية للاحتفاظ بالسلطة على الرغم من التهديدات التي واجهتها، عززت موقف إسرائيل، وقادت بعض الدول العربية، ولا سيما السعودية ودول الخليج، وكذلك مصر والأردن للتعاون مع إسرائيل في الأمور ذات الأهمية، وفق المعهد.

هذا التعاون يذكرنا بشدة بتحالف سابق، وبطريقة أكثر عملية، تعاون إسرائيل السري في أواخر الخمسينيات، بما في ذلك في المخابرات والأمن، مع إثيوبيا وتركيا وإيران ضد القوة الصاعدة للرئيس المصري جمال عبد الناصر.

ولكن هذه المرة، لم يكن التعاون موجها ضد مصر، التي كانت بدلا من ذلك شريكا مهما في شبكة العلاقات العربية-الصهيونية، جنبا إلى جنب مع دول أخرى انضمت إلى قوى ضد تهديد إيران، وربما أيضا ضد طموحات الهيمنة التركية، وفي محاولة لمحاربة ووقف الحركات الإسلامية التي زاد حضورها في العالم العربي.

كان من الممكن أن تكون تركيا، أكبر دولة سنية مسلمة، -وإن لم تكن دولة عربية- بمثابة محور لحملة إقليمية عامة من قبل الدول السنية المعتدلة الموالية للغرب والتي تهدف إلى مواجهة إيران ووقفها.

ولكن هذا السيناريو لم يحدث، يواصل المعهد: "انتهى تحالف تركيا الوثيق مع إسرائيل في أوائل التسعينيات مع صعود أردوغان إلى السلطة، وحاولت أنقرة استخدام الربيع العربي لركوب الموجة الإسلامية التي بدت وكأنها تجتاح البلدان العربية. ولكن، كانت هزيمة الإخوان المسلمين بمثابة هزيمة لتركيا"، وفق قوله.

وبعد الربيع العربي، أصبحت الدول العربية التي كانت إسرائيل معها في صراع طويل الأمد وغير قابل للحل، من بينها مصر والسعودية، حليفين بسبب "التهديد الإيراني، وبدرجة أقل بسبب التحدي التركي".

وفي الوقت نفسه، فإن هذا التعاون مع الدول العربية له حدود واضحة بسبب انعدام الرغبة والقدرة في إشهار هذه العلاقات وتعميمها، وجعلها تتجاوز العلاقات الأمنية بين الحكام ومؤسسات الدفاع إلى التطبيع والسلام لدى الشعوب العربية.

وتعكس العلاقات الحالية بين إسرائيل والعالم العربي الوجه المتغير للمنطقة والمراحل الأساسية التي مر بها، وقبل كل شيء تلاشي المشروع القومي العربي وانحصار الربيع العربي، إلى جانب زيادة نفوذ إيران وتركيا القوتين اللتين تحددان مسار الشرق الأوسط.