الجزائر تطلب اعتذارا وفرنسا تناور بالرفات.. ماذا عن مستقبل العلاقة؟

وهران - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ بدء الحراك في فبراير/شباط 2019، والعلاقات بين الجزائر وفرنسا تعيش مرحلة من البرود أو الفتور، لكن مع قدوم الرئيس عبد المجيد تبون للحكم في ديسمبر/كانون الأول 2019، بدأت المياه الراكدة تتحرك شيئا فشيئا.

الحراك في الشارع ما زال مصرا على "القطع مع فرنسا"، فيما يطالب نظام تبون باريس بتقديم اعتذار واضح عن فترة الاستعمار، فهل يتجه النظام الجزائري إلى الاستجابة بالفعل للمطلب الشعبي، أم أن تحركاته الأخيرة مجرد مناورات لتهدئة الشارع؟. 

نصف اعتذار

في 8 يوليو/ تموز 2020، نشرت صحيفة "الخبر" الجزائرية خبرا بعنوان "مارين لوبان تستفز الجزائر"، تناول رد رئيسة حزب "التجمع الوطني" - اليميني المتطرف في فرنسا - مارين لوبان، على طلب الجزائر بتقديم سلطات بلادها اعتذارا رسميا عن 132 سنة من الاستعمار.

لوبان غردت على تويتر قائلة: "المسؤولون الجزائريون يطالبون بالاعتذار عن الماضي (الاستعماري)، من أجل التغطية على الحاضر: اقتصاد مدمر، شباب مهمش، دولة في طريق التفكك".

الصحافة الجزائرية فسرت تغريدة المسؤولة الفرنسية بأنها محاولة للفت انتباه الجزائريين إلى قضايا أخرى بعيدا عن مطالب الاعتذار.

في 3 يوليو/ تموز 2020، استقبل مطار الجزائر الدولي، طائرة هرقل سي-130 حاملة على متنها رفات 24 مقاتلا جزائريا ضد الاستعمار الفرنسي.

قائد أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة قال في كلمة له بالمناسبة: "24 بطلا من أبطال المقاومة، هم دفعة أولى تنقلهم طائرة من فرنسا حيث كانوا محجوزين، أبطال المقاومة الشعبية يعودون إلى الأرض التي ضحوا من أجلها بحياتهم وأرواحهم".

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي انحنى أمام النعوش كل على حدة، صرح فيما بعد أنه "نصف اعتذار"، وعبّر عن أمله في أن تُواصل باريس السير على هذا المنهج وتُقدم كامل اعتذارها.

وفي حوار له مع قناة "فرانس 24" قال تبون: إنه يريد اعتذارا من فرنسا عن ماضيها الاستعماري، وهو المطلب المحوري الذي يتفق عليه غالبية الجزائريين، على اعتبار أنه خيار لا يمكن التنازل عنه مقابل، تطوير العلاقات الثنائية.

من جهتها تحدثت صحيفة "الشروق" الجزائرية عن مطلب آخر، وهو تسليم الأرشيف الذي سرقته باريس. وأوردت الصحيفة تصريح المؤرخ الفرنسي لوكور غراند ميزون، المتخصص في العلاقات الجزائرية الفرنسية، الذي قال فيه: إن "بلاده تتحدث أكثر مما تفعل على صعيد الذاكرة".

ولفت إلى أن "الأرشيف الجزائري المسروق، ممنوع على الباحثين، ومسموح فقط لبعض المؤسسات الفرنسية مثل الشرطة والجيش، لكونهما متهمتين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال حقبة الاحتلال الفرنسي البغيض".

في مقال تحليلي له على موقع شبكة "دويتشه فيله" الألماني، قال الباحث التونسي المتخصص في شؤون المغرب العربي والعلاقات العربية الأوروبية، منصف السليمي: "في الجزائر كما في فرنسا اعتبر نقل الرفات خطوة تاريخية، لكنها لا تطوي صفحات التاريخ الأليم بين البلدين".

ورغم الآفاق الواعدة التي تحملها الخطوة الفرنسية بإعادة جماجم المقاتلين الجزائريين، بحسب الباحث، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعلى بعد 600 يوم من الانتخابات الرئاسية في 2022، وبحكومة جديدة تميل يمينا، يرجح أن يكون أكثر تحفظا في هذا الملف، خشية وقوعه تحت نيران اليمين المتطرف.

مرحلة برود

دخلت العلاقة الجزائرية الفرنسية مرحلة برود إثر رفع المحتجين في الحراك شعارات منددة بسياسات فرنسا تجاه الجزائر، واتهامها بأنها تدعم نظام بوتفليقة "الفاسد"، وأنها لم تعلن تأييدها لمطالب الحراك الشعبي إلا عند تيقنها من انتهاء مرحلة بوتفليقة.

في وقت لاحق اعتقلت السلطات الجزائرية أعضاء كبار في اللوبي الداعم لباريس، كما عطلت صفقات كبرى لشركات فرنسية هناك على غرار عملية شراء العملاق الفرنسي الناشط في قطاع الطاقة "توتال"، لأصول العملاق الأميركي "أناداركو" في الجزائر.

واتخذت العديد من الوزارات والمؤسسات العمومية في البلاد، إجراءات لتدعيم اللغة الإنجليزية وإسقاط الفرنسية المهيمنة، وهو مطلب طالما طالب به الجزائريون.

في يناير/ كانون الثاني 2020، دعا تبون إلى أن يسود "الاحترام المتبادل" العلاقات الجزائرية الفرنسية، وذكّر بأن "الجزائر ليست محمية لفرنسا"، وأوضح أن "الجزائر بجيلها الجديد وقيادتها لا تقبل بأي تدخل أو أن تمارس عليها وصاية".

تبون برر في مؤتمر صحفي عقده مع وسائل إعلام وطنية مرحلة الفتور في علاقات البلدين، بالقول: "الجزائريون بعد أن  تيقنوا أن هناك تدخلا في شؤون بلادهم عقب تصريحات من الجانب الفرنسي في بداية الحراك الشعبي". 

الرئيس الجزائري كان يشير حينها إلى تصريحات ماكرون مع بداية الحراك الشعبي في الجزائر في 22 شباط/فبراير 2019، وإشادته بقرار بوتفليقة عدم الترشح لولاية خامسة، لكنه دعا إلى "مرحلة انتقالية في آجال معقولة" ورأت سلطات الجزائر في تلك الدعوة "تدخلا في شؤون" البلاد.

لكن بعد سنة من تصريح ماكرون، سعت فرنسا إلى إعادة إحياء العلاقات الثنائية خلال زيارة لوزير خارجيتها جان إيف لودريان للعاصمة الجزائرية في 21 يناير/ كانون الثاني 2020.

وقال لودريان خلال تلك الزيارة: "لقد جرت الانتخابات الرئاسية وهناك الآن حكومة جديدة تريد فرنسا العمل معها".

تقويم لا قطيعة

فيما يتعلق بتقييم طبيعة المرحلة التي وصلت لها العلاقات الجزائرية الفرنسية وهل هي "مقاطعة أم قطيعة"، يقول دكتور العلاقات الدولية والعلوم السياسية، محمد سليم حمادي: إنها أكاديميا تعتبر كلمة خاطئة من حيث المبدأ.

وتابع حمادي في حديث لـ"الاستقلال": "نحن نعرف أن العلاقات الدولية بين الدول سواء كانت تعيش نوعا من التوتر في معظم الحالات أو تتميز بحسن العلاقات، لا تصل إلى مرحلة قطع العلاقات إلا في مستويات دنيا".

وأضاف: "حتى بين الدول التي بينها مشاكل هناك وساطات، عبر ممثلي الدبلوماسية التي تقوم على الحد الأدنى من الأعمال القائمة بينها. كلمة قطع العلاقات بالنسبة لي هي كلمة مرضية عند البعض الذين يريدون المتاجرة أو لا يفهمون في السياسة أو أنهم يريدون التشويش".

واستدرك موضحا: "لكن أن تقوم العلاقات بين الدول على أساس المساواة أو منطق رابح رابح وليس رابح خاسر كما حدث في كثير من الحالات في الجزائر ويحدث إلى وقت قريب، من خلال إعادة مراجعة العلاقات، فهذا هو الأمر الطبيعي والصحي في العلاقة بين البلدين".

واصل حمادي حديثه مفسرا: "أولا فرنسا تملك 6 مليارات دولار استثمارات في الجزائر، وهي ثاني مصدر للجزائر بعد الصين للمنتجات، يعني السوق الفرنسية والمصالح الإستراتيجية يمتد عمرها إلى أكثر من 3 عقود، ولا يمكن أن تمحى بجرة قلم، ولا يمكن لأحد من الطرفين أن يجازف بهذه العلاقة، لأنها في الأخير مصالح اقتصادية وحيوية ومصالح لها علاقة بالجوانب الأمنية أيضا للدول".


المناكفة السياسية

المتحدث أكد أنه سيتم إعادة بناء العلاقات بمفهوم جديد من الحركية المجتمعية في الجزائر، قائلا: "الحراك في الجزائر طالب بقطع العلاقات، لكن عموم الناس والجماهير لا يمكن أن تتصور كيف تفكر الدولة وكيف تعالج مصالحها، لذلك أعتقد أن إعادة بناء هذه المصالح والعلاقات ستكون وفق شروط جديدة تمليها المرحلة".

واعتبر حمادي أن الجزائر ستعيد تقييم هذه العلاقة باعتبار أنها ظلت لسنوات ضحية علاقات غير متزنة بين باريس والجزائر. وأضاف: "أعتقد أنه في القادم من الأيام ستعرف نوعا من المناكفات السياسية بين الطرفين، إذ ستدفع الجزائر باتجاه فرض واقع معين والتخلص من الوصاية في كثير من المجالات خاصة بعد التخلص من منظومة الفساد السابقة، التي ورطت البلد شعبا وحكومة وسياسة ومؤسسات".

وتابع: "فيما ستحاول فرنسا استرضاء الجزائر من أجل عدم مضايقتها في الكثير من الملفات سواء الداخلية المتعلقة بالاستثمارات خاصة في مجال النفط والمحروقات والبتروكيماويات".

وأيضا على مستوى الإقليم، بحسب المتحدث، "تحديدا تحرك الدبلوماسية الجزائرية مع نظيراتها ممن تتفق معهم في الرؤية الإستراتيجية، مثل روسيا وبعض الدول الإقليمية، والتي أعتقد أنها أصبحت تضايق فرنسا بطريقة ما".

حمادي ذكر أن ذلك يأتي في الوقت الذي "تورطت فيه فرنسا إلى حد كبير في مالي سنة 2012، وكذلك في ليبيا، وهذا الأمر لم يعد يسعفها، خاصة بعد إعلان الجزائر دعمها لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، والتي أصبحت متقدمة في الميدان، وهو ما يهدد مصالح فرنسا".