قصف قاعدة الوطية.. هل يعجل بطرد مليشيا حفتر من سرت؟

12

طباعة

مشاركة

تمكنت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا من استعادة قاعدة الوطية العسكرية الإستراتيجية بعد 14 شهرا من محاولات عبثية من قبل اللواء الانقلابي خليفة حفتر للسيطرة على طرابلس والمدن المحيطة بها. 

لكن، في 4 يوليو/تموز 2020، تعرضت هذه القاعدة لاستهداف جوي ونشرت قوات الوفاق صورا تظهر شيئا من الأضرار التي لحقت بهذه القاعدة في محاولة من حفتر لاستدامة عدم الاستقرار في المنطقة والبلاد برمتها وفي الحقيقة هو يتلقى الدعم من أجل تحقيق هذا الهدف. 

الهجوم على القاعدة في هذا التوقيت يبدو لافتh، إذ يتزامن مع مباحثات عسكرية أجراها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مع مسؤولين ليبيين في العاصمة طرابلس.

وتطرقت مجلة إيطالية وصحفيتان تركيتان إلى الجهات المتوقعة التي تقف خلف الهجوم في وقت يسود الهدوء الحذر مدينة سرت غرب البلاد.

وتريد حكومة الوفاق المعترف بها دوليا وحليفتها تركيا انتزاع سرت من حفتر الذي بدأ عملية عسكرية في 4 أبريل/ نيسان 2019 للسيطرة على طرابلس.

وتقول صحيفة يني شفق التركية: إنه "من الواضح أن أولئك الذين نفذوا هذا الهجوم كانوا يقصدون التعتيم أو الإحباط أو إعطاء رسالة حول هذه الزيارة إلى أكار والوفد المرافق له".

من الفاعل؟

حتى هذه اللحظة لا يوجد تصريح رسمي من أنقرة حول المتورط في هذا الهجوم لكن لا يعني ذلك أن الفاعل غير معروف، تقول الصحيفة.

الكاتب التركي محمد اجيت نقل عن مسؤول في وزارة الدفاع قوله: "بدون تردد من قام بهذا الهجوم هي الإمارات العربية المتحدة".

ويتابع في مقاله بصحيفة يني شفق: "هذا لا يجب أن يدهش أحد فأبوظبي متورطة في كل حركة تعاكس بها السياسات الداخلية والخارجية لتركيا ومنذ مدة".

أضف إلى ذلك أن بعضا من المقربين من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ومنهم الأكاديمي عبد الخالق عبد الله كتب على تويتر: "لقد لقنت الإمارات تركيا درسا" قبل أن يقوم لاحقا بمسح هذه التغريدة والسبب في ذلك معروف، "لقد تلقى الكثير من التوبيخ حول هذه التغريدة". 

وأوضح الكاتب: "لا شك أن أنقرة تكن الكثير من مشاعر الغضب لأبوظبي منذ سنوات، كانوا وراء جميع أنواع طعنات الظهر وخلق مجموعات ضغط مصطنعة وإدارة حملات بقوة المال، وهذه لم تكن كافية بل تورطوا أيضا في تنظيم مظاهرات مثل غيزي بارك 2013 والدعم الواضح الذي كان مقدما للانقلابيين في 15 يوليو/تموز".

وأظهرت أنقرة الكثير من الصمت والصبر إزاء هذا كله، ولكن من الواضح أن هذا الصبر على وشك النفاد، يتابع الكاتب: "هناك إشارات على ذلك بالفعل وعزز من ذلك الهجوم الأخير على قاعدة الوطية، ومن الواضح أن ثمة ردا منتظرا على هذا كله".

أما الكاتب إسماعيل ياشا فكتب في صحيفة ديرليش بوسطاسي أن الهجوم أحدث أضرارا في الممتلكات لكنه وبحسب المعلن لم يحدث خسائر في الأرواح سواء الليبيين أو الأتراك وقد كان كلاهما يوجد في تلك القاعدة.

تابع: "ظهرت ادعاءات مختلفة في ليلة الهجوم. جادل البعض بأن فرنسا هي من نفذت الهجوم وادعى آخرون أن الطائرات الروسية وراءه وفيما تحدث البعض أن الإمارات هي التي تورطت بالهجوم".

وقال عبد الملك المدني، المتحدث باسم عملية بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق: إن الهجوم نفذته طائرة الإمارات ميراج 2000-9، التي أقلعت من قاعدة سيدي البراني بالقرب من الحدود المصرية الليبية. 

الهدف من الهجوم

وقال وزير الدفاع الليبي صلاح الدين نمروش: إن الهجوم سيتم الرد عليه في الزمان والمكان المناسبين للهجوم الذي نفذت الطائرات الأجنبية دون ذكر بلد بعينها.

ويبقى السؤال: ما هو الهدف من هذا الهجوم؟!، من الواضح أن من قام به هم أنصار حفتر ولا أحد يشك في ذلك، لذلك، فإن الهدف الأساسي للهجوم هو إعطاء الروح المعنوية للقوات تحت قيادة حفتر، الذين هزموا بشدة في غير معركة وخسروا غير أرض وليتم استبدال هذا كله بالقول: إن ما يحدث ليس إلا استراحة محارب. 

وتابع الكاتب: "شارك ما يعرف بالذباب الإلكتروني من السعوديين والإماراتيين والمصريين بحماس على وسائل التواصل الاجتماعي معلقين على ذلك الهجوم كما لو تم محو القاعدة من الخريطة".

وأضاف: "من الواضح أنهم احتاجوا إلى انتصار فعلي لدرجة أن قناة العربية السعودية، التي تبث من الإمارات، عرضت لقطات فيديو من لعبة الكمبيوتر ARMA 3 على حساباتها ونشرتها على أنها صور للهجوم على القاعدة والهدف الثاني هو بالطبع إثارة استفزاز تركيا وإشعارها بأنها لا تسيطر على الميدان".

 لكن الإمارات تعرف تماما أن مثل هذه الخطوات ليس لها أي قيمة وهي ضربات تنفذ على عجل وبدون أدنى قدر من التخطيط، يقول الكاتب.

على الجهة المقابلة، تركيا لا تفعل الشيء نفسه، فهي تعي تماما ماذا تفعل وتخطط لكل خطوة تقوم بها وتحسب لها ألف حساب وهي بالنهاية تريد أن تكون إنجازاتها راسخة ومتينة.

وختم الكاتب: "تركيا تواصل تنفيذ خططها واحدة تلو الأخرى دون الالتفات إلى هذه التشويشات هنا أو هناك مع عدم نسيان أن ثمة ردا قويا ورادعا على من يستهدف مكانا يوجد فيه جنود أتراك".

حرب لا تنتهي

بدورها، أجرت مجلة "ستارت" الإيطالية حوارا صحفيا مع الأكاديمية والمحللة الإيطالية ميكالا ميركوري مؤلفة كتاب "ليبيا المجهولة"، حول تطورات الوضع هناك بعد قصف قاعدة الوطية الإستراتيجية وتحركات الأطراف الخارجية في هذه المرحلة من الصراع، خاصة دور دولة الإمارات المؤيد لحفتر ومناورات مصر.

وقالت المجلة: إن الهجوم الغامض على قاعدة الوطية، التي تسيطر عليها الآن القوات التركية الداعمة لحكومة الوفاق الوطني، أعاد تسليط الأضواء على حرب يبدو أنها لا تنتهي أبدا.

فبعد أيام، لا تزال هوية الطائرات التي نفذت الهجوم على القاعدة وخلفت تدمير ثلاثة أنظمة دفاع تركية مضادة للطائرات لغزا، وقد تنذر هذه العملية بتجدد الأعمال العدائية المجمدة في الوقت الحالي.

وفي حديثها للمجلة، أكدت الأكاديمية ميكالا ميركوري أنه لا يمكن في الوقت الحالي تحديد بدقة الجهة التي تقف وراء الهجوم.

لكن من المؤكد أن حقيقة واحدة يجب أخذها بعين الاعتبار، وهي أن الوطية قاعدة إستراتيجية تقع في غرب البلاد استعادتها مؤخرا قوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا بعد أن كانت خاضعة لسيطرة حفتر. لذلك من السهل أن يُنسب الهجوم إلى الطرف الداعم للجنرال المنقلب.

أما بخصوص اسم هذه الجهة المسؤولة عن الهجوم، ذكرت ميركوري أن البعض تحدث عن مقاتلات ميراج الإماراتية وهجومها المحتمل انطلاقا من قاعدة سيدي براني في مصر.

وذكر آخرون، خاصة المصادر المحلية، أن الطائرات المنفذة للقصف فرنسية الهوية وقدمت من البحر بينما يعتقد البعض الآخر أنها أقلعت من قاعدة الجفرة، الخاضعة لسيطرة الروس. 

وبينت أن جميع هذه الجهات، التي لا توجد أدلة حول مسؤوليتها عن الهجوم، تدرك أن قاعدة الوطية إستراتيجية للطرف المقابل في عملية استعادة سرت، التي تمثل في هذه اللحظة مسرح الحرب المحتمل التالي بين المعسكرين المتعارضين. وتحظى بأهمية كبيرة للغاية بالنسبة للفرنسيين والروس وبالطبع أيضا لحفتر.

وفي سؤال عن رد الفعل الذي يمكن توقعه من تركيا الآن، تعتقد مركوري بأنه على الرغم  من عدم سقوط ضحايا، فإن تركيا يمكنها أن تعتبر الهجوم ذريعة للحرب وتقرر تكثيف أعمالها العسكرية تجاه شرق ليبيا نحو سرت، التي تمثل للجانب الآخر خطا أحمر ينبغي الدفاع عنه بأي ثمن.

وفيما يتعلق بتحرك الجهات الفاعلة الأخرى المشاركة في النزاع، أشارت الأكاديمية الإيطالية أن الآونة الأخيرة شهدت بروز الدور المصري الذي حاول فرض نفسه من خلال اقتراح خريطة طريق لهدنة في البلاد، رفضتها حكومة الوفاق وتركيا أيضا مما أدى إلى التهديد بدخول الصراع من قبل الجانب المصري. 

وترى الكاتبة أن مصر لا تزال تنتهج خط وساطة ولن تنفذ، على الأقل على المدى القصير، أعمالا مثيرة.

إقناع الإمارات

ومن جانبهم، يحاول الروس إيجاد اتفاق مع تركيا لحماية مصالحهم التي تتجاوز ليبيا، حتى أنه كان هناك حديث عن اتفاق مسبق بين أنقرة وموسكو يضمن للأخيرة منفذا للبحر في منطقة برقة في مقابل قواعد تركية في الوطية. لكن هناك لاعب أكثر مدعاة للقلق وهو دولة الإمارات.

وباتت الإمارات الراعي الوحيد الذي لا يزال يدعم الجنرال حفتر بالأسلحة، ولا نية لها في الانسحاب من هذه الحرب بأي ثمن، لأنها استثمرت الكثير فيها، وفق المجلة.

وتتابع: "ليس من قبيل الصدفة أن الشكوك في هجوم الوطية تركزت بشكل رئيسي على طيرانها الحربي. لذا فهي الطرف الذي يجب العمل على إقناعه في أي مفاوضات سلام واستقرار في ليبيا".

وفيما يتعلق بالعملية الدبلوماسية، تشرح مركوري أن أي مفاوضات بين الطرفين في هذه المرحلة تصبح صعبة بشكل موضوعي بسبب معضلة سرت، التي يرغب كلاهما بشدة في السيطرة عليها.

وعلى عكس مدينتي ترهونة وبني وليد وبلدات النواحي الأربعة (غربا) لم تسقط مدينة سرت (غربا) بسرعة كما كان متوقعا، فيما نُقل عن الروس أنها "خط أحمر" لا يجب الاقتراب منه، مقابل إصرار الحكومة الليبية على اقتحامها مهما كان الثمن، وهو ما يعكس أهميتها الإستراتيجية لكافة الأطراف.

فسرت (450 كلم شرق طرابلس) تتوسط أكبر مدينتين في البلاد، إذ تقع في المنتصف بين عاصمة البلاد طرابلس وعاصمة إقليم برقة في الشرق بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس).

وتاريخيا تتبع سرت إقليم طرابلس، وهي آخر مدينة كبيرة في الغرب الليبي لم يتم تحريرها بعد، وسيطرت عليها مليشيا حفتر لأول مرة في يناير/كانون الثاني 2020 فقط، بعد خيانة الكتيبة 604 المدخلية، للقوات الحكومية، وأغلب عناصرها من قبيلة الفرجان، التي ينتمي إليها حفتر.

لكن ما يمكن ملاحظته بحسب المحللة الإيطالية، هو انفصال بين السياسة التي انتهجتها حتى الآن المؤسسات الدولية، والتي توقفت في يناير/كانون الثاني 2020 مع فشل مؤتمر برلين، وما يحدث على أرض الواقع من حرب وقتل وتفجيرات. لذا لا تزال اللعبة مفتوحة والمؤسسات الدولية والجهات الفاعلة عاجزة ومقسمة كالمعتاد. 

وإذا أُضيف إلى ذلك استقالة ممثل الأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة، وحالة الجمود في أوروبا وحلف شمال الأطلسي، تصبح المعادلة بسيطة نوعا ما، ولا ترى ميركوري من خلالها أي احتمال حاليا من أن تتمكن المؤسسات الدولية من القيام بدور في هذه الأزمة.

وبشأن أزمة توقف إنتاج النفط، أكدت ميركوري أن إعادة توزيع عائدات النفط هو في الواقع أحد مفاتيح الأزمة الليبية، لكن هناك عقبات هائلة تحول دون ذلك.

وشددت على أهمية أن تدار العائدات من قبل جهة واحدة هي المؤسسة الليبية للنفط، والتي يجب أن تُوفر لها الظروف في أقرب وقت ممكن للعودة لإدارة الإنتاج وتوزيع العائدات بشكل عادل بمساعدة الأطراف الدولية الأخرى.