بعد اشتداد الأزمة.. لهذا يفضل اللبنانيون الهجرة على التظاهر

12

طباعة

مشاركة

بينما يغرق لبنان في الأزمة، يواصل العديد من المواطنين حزم أمتعتهم والاستعداد للمغادرة، بعد أن أصبحت بلادهم تفتقر إلى كل شيء، العلاج والغذاء وحتى الكهرباء.

هذا ما رصدته جيني لافوند صالح، مراسلة صحيفة "لاكروا" الفرنسية في بيروت، حول الوضع الذي وصل إليه اللبنانيون في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف ببلد الأَرز منذ أكتوبر/ تشرين أول 2019.

ويشهد لبنان مظاهرات واحتجاجات أعقبها أزمة اقتصادية خانقة، أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 50 % بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، التي حذرت بدورها من أزمة جوع كبيرة قد تضرب لبنان، لا سيما وأن نصف العائلات اللبنانية باتت بحاجة للمساعدات الغذائية.

وتصاعدت وتيرة المظاهرات خلال الأيام الأخيرة، مع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى أكثر من 10 آلاف ليرة لبنانية، بعد فقدان العملة الوطنية 70 ٪ من قيمتها منذ نحو 10 أشهر.

ونقلت مراسلة الصحيفة شهادات لمواطنين لبنانيين توافدوا على مطار بيروت الدولي بمجرد إعادة فتحه في 1 يوليو/ تموز للاستفادة من إحدى الرحلات التي عرضت في ذلك اليوم: اثنتي عشرة رحلة للخليج وخمسة لأوروبا، هربا من الأوضاع المزرية في بلادهم. 

وقالت إحدى تلك المهاجرات من البلاد، وتدعى عبير، شابة في الثلاثينيات من عمرها وهي تجر حقائبها بالمطار: "سأغادر وأنا أشعر بالألم، ولكن ليس لدي خيار آخر، بعد أن بات الوضع في لبنان كارثيا ولا أمل في الخروج من الأزمة والفساد".

عبير ستعود إلى دبي بعد أن تقطعت بها السبل لمدة ثلاثة أشهر ونصف في لبنان، مؤكدة "هذا البلد في كارثة، لقد اعتدنا بالفعل على انقطاع التيار الكهربائي والفساد، ولا أرى أي بادرة أمل".

وأعربت هذه اللبنانية، التي تظهر تعبيرات وجهها اشمئزازها من الوضع الحالي، عن شعورها بالقلق على والديها بعد مغادرتها، وكذلك على أختها التي تواصل دراستها الجامعية، قائلة: "جميع مدخرات والديّ مجمدة بسبب القيود المصرفية، ومن دبي، آمل أن يكون بإمكاني إرسال لهم ما يكفي من الدولارات التي يحتاجون إليها".

القوة الشرائية

وبحسب "لاكروا"، تواصل الأزمة الاقتصادية نشر الدمار، حيث شهد اللبنانيون الذين لا يزال لديهم عمل انخفاضا في القوة الشرائية، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 72٪ بين أكتوبر/ تشرين أول 2019 وأواخر مايو/أيار 2020، وفقا لجمعية حماية المستهلك.

ولفتت إلى أن الحكومة طلبت مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي، لكن المفاوضات لم تنته بعد، وفي هذه الأثناء، تفتقر البلاد إلى الوقود، وأصبح انقطاع التيار الكهربائي في ازدياد.

وذكرت أنه كل يوم يسمع المواطنون أخبارا مأساوية، ومن بينها إعلان الجيش التوقف عن استخدام اللحوم في وجبات الطعام التي تقدم للعسكريين أثناء وجودهم بالخدمة، بعد أن اختفت بالفعل من أطباق عائلات كثيرة.

وفي خضم انهيار اقتصادي متسارع، شهدت أسعار اللحوم خصوصا ارتفاعا غير مسبوق، إذ يبلغ سعر كيلوجرام لحم الغنم 80 ألف ليرة، بعدما كان قبل نحو شهرين ثلاثين ألفا، بينما ارتفع ثمن كيلوجرام لحم البقر من 18 ألفا إلى أكثر من 50 ألف ليرة.

وأوضحت الصحيفة الفرنسية، أنه بعد أسبوعين من إطلاق مبادرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان "ليبان تروك" هدفها تأمين خدمات مجانية للبنانيين، وكذلك فرص عمل.

وأصبح لدى المجموعة على فيسبوك بالفعل أكثر من 50 ألف مستخدم مستعدون لاستبدال الحليب أو حفاضات الأطفال والأطباق مقابل الزيت أو الأدوية.

وفي خضم الأزمة، وقعت عمليات سطو أخذ خلالها اللصوص الطعام فقط، كما أنه في 2 يوليو/ تموز فقط، انتحر شابان، أحدهما في بيروت العاصمة والآخر بالقرب من صيدا (الجنوب)، حيث تشير الدلائل إلى أن إقدامهم على ذلك يرتبط بشكل واضح بصعوباتهم المالية.

وفي اليوم التالي، ذهب أبوان شابان إلى شركة الكهرباء في البحصاص، شمال البلاد، ومعهما طفلهما البالغ من العمر 9 أشهر، وطالبا الشركة بتوصيل جهاز التنفس الاصطناعي لابنهم بعد توقفه في المنزل بسبب نقص الطاقة.

تضاؤل الأمل

وتقول "لاكروا": إن التدهور السريع للوضع، إلى جانب عدم وجود أي أمل في الحل، يدفع أولئك الذين يستطيعون الهجرة إلى ترك لبنان، وهو أمر ليس بجديد في بلد كان لديه دائما شتات كبير.

لكن بعد الأمل الذي أثارته الانتفاضة الشعبية التي بدأت في أكتوبر/ تشرين أول 2019، ضد القادة الذين اعتبروا فاسدين وغير أكفاء، تجمد هذا الأمر، توضح الصحيفة.

ويقول مروان، 28 سنة، مهندس عاطل عن العمل: "أغادر دون النظر إلى الوراء"، ففي غضون أسابيع قليلة، سيسافر إلى مونتريال الكندية، حيث لديه بالفعل عائلة "على أمل بناء مستقبل هناك".

وأضاف: "أنا على استعداد للبدء من جديد، الشيء الرئيسي بالنسبة لي هو إيجاد استقرار وراتب يتيح لي تحقيق مشاريعي. هنا ليس لدي آفاق مستقبلية".

أما كارلوس، 23 سنة، فاختار الهجرة إلى فرنسا حيث حصل على تأشيرة للانضمام إلى كلية إدارة الأعمال، ورغم أن الدراسة في الخارج كانت جزءا من خططه، فقد دفعته الأزمة إلى المغادرة.

ويقول للصحيفة: "أريد أن أبني نفسي، وأجد وظيفة تتماشى مع مهاراتي"، ويتساءل، وهو قلق أيضا على عائلته التي لا تزال في لبنان إذا بقيت هنا، كم سأربح؟ لا أستطيع أن أرى والداي وأشقائي يتضورون جوعا، جسدي سيكون في فرنسا، لكن قلبي سيظل هنا".

وبالنسبة لهبة وزوجها وأطفالهما الثلاثة، فسيتوجهون إلى الولايات المتحدة في أغسطس/ آب 2020.

وأكدوا للصحيفة: "نحن نعيش في قلق من عدم القدرة على توفير الضروريات الأساسية لأطفالنا: الصحة بينما بدأت المعدات تنفد، التعليم بالمدارس التي من المرجح أن تغلق، القطاع الخاص الذي توقف، ناهيك عن المشاكل المالية حيث مدخراتنا مجمدة في البنوك".

وتعترف هذه الناشطة، التي شاركت في الانتفاضة الشعبية أن "هذا هو القرار الأكثر صعوبة في حياتي، لكن لا يمكنني القتال من أجل لبنان إذا لم أستطع البقاء. أريد أن أتمكن من العودة أقوى وأنقل هذا إلى أطفالي".

ولفتت الصحيفة إلى رسالة كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، نهاية يونيو/ حزيران، التي أعربت فيها عن أسفها لغياب أي "انفراجة" في مناقشاتها مع السلطات اللبنانية، ودعتهم إلى "الوحدة والعمل الحاسم".

كما حذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يوم 1 يوليو/ تموز أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية (البرلمان) من أنه "مع تفاقم الأزمة الاجتماعية وتباطؤ الإصلاحات فإن خطر العنف يزداد" بلبنان.