أنقرة تخلت عن سياسة ضبط النفس.. لماذا صعدت من لهجتها ضد أبوظبي؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد أن التزمت كثيرا بضبط النفس تجاه ممارسات أبوظبي، يبدو أن تركيا اتخذت أخيرا قرارها بالتصعيد الدبلوماسي ضد الإمارات، وانتقلت من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل.

تركيا دعت الإمارات مرارا إلى التخلي عن اتخاذ مواقف عدائية ضد أنقرة، والالتزام بحدودها، واحترام القواعد الدولية المنظمة للعلاقات بين الدول، غير أن أبوظبي تمادت، وفتحت مع تركيا أكثر من جبهة.

تصعيد الإمارات ضد تركيا، دفع الأخيرة إلى اتخاذ قرارها بالتوجه ضد الإمارات من خلال القنوات الدبلوماسية والسياسية، وعبر الهيئات الدولية والأممية.

المندوب التركي الدائم في الأمم المتحدة فريدون سنيرلي أوغلو اتهم الإمارات بارتكاب جرائم حرب في اليمن، وتمويل جماعات إرهابية واستخدام الأطفال للقتال في معاركها، بالإضافة إلى إرسال مرتزقة للقتال في اليمن، واستخدامها سياسة التجويع كسلاح ضد ملايين اليمنيين.

في 2 يوليو/تموز 2020، بعث سنيرلي أوغلو برسالة إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اتهم فيها الإمارات بانتهاج سياسات تخريبية، وقمع الحركات الديمقراطية في المنطقة، وتأجيج حالة عدم الاستقرار السياسي في الصومال، ودعمها لنظام بشار الأسد في سوريا.

المندوب التركي أكد في خطابه أن الإمارات حاولت إسقاط حكومة ليبيا المعترف بها من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وارتكبت جرائم حرب عبر قصف المدنيين والبنى التحتية المدنية، كما انتهكت حظر توريد الأسلحة، وأرسلت مرتزقة من سوريا والسودان وتشاد إلى ليبيا. 

المندوب التركي دعا مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته في إيقاف انتهاكات الإمارات للقانون الدولي والإنساني، وتهديدها السلم والأمن الإقليمي والدولي.

رغبة دموية

ذلك التصعيد لم يقتصر على أروقة مجلس الأمن، بل سبقه تصعيد في 24 يونيو/حزيران 2020، حيث شن ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هجوما حادا على الإمارات والسعودية.

أقطاي قال: إن الإمارات والسعودية تمارسان الاحتلال وتدعمان الانقلابات في البلدان بالمنطقة، وأضاف أن تخوف البلدين من الديمقراطية دفعهما لإغراق العالم الإسلامي كله في بيئة دموية، وخلق مزيد من الفوضى، كي لا تكون الشعوب قادرة على المطالبة بإرادتها.

مستشار الرئيس استشهد بالوضع الذي صار إليه اليمن، موضحا أن "عاصفة الحزم"، التي تم إطلاقها، وإعلانها كرد على الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران، سرعان ما تحولت إلى حالة من الفوضى وممارسة الاحتلال.

تناول أقطاي، في معرض هجومه، الشأن المصري، وقال: إن الإمارات والسعودية تدفعان السيسي وتضغطان عليه من أجل التدخل المباشر في ليبيا، وغزوها بالنيابة عنهما، وقال: إن ذلك يعد انتحارا سياسيا بالنسبة لمصر، وتوريطا للسيسي.

وختم أقطاي هجومه بالقول: "لا ينبغي أن تكون تركيا مشكلة بالنسبة لمصر"، مؤكدا أن جميع الوقائع والحقائق تؤكد أن المصالح المصرية "تكمن في الوفاق مع تركيا، وليس في الاختلاف معها".

تدعم الإرهاب

الخارجية التركية شنت هجوما هي الأخرى على الإمارات، واتهمتها بممارسات سياسيات "منافقة" ودعم الانقلابيين، داعية أبوظبي إلى "التخلي عن اتخاذ مواقف عدائية ضد أنقرة، والالتزام بحدودها".

الخارجية التركية قالت في بيان أصدرته على لسان المتحدث باسم الوزارة حامي أقصوي، ردا على اتهامات إماراتية لتركيا بالتدخل في الشأن الليبي: إن الإمارات هي من قدمت لسنوات طويلة أسلحة ومعدات عسكرية، وأرسلت مرتزقة للانقلابيين في ليبيا، في إشارة إلى مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وأضاف أقصوي أن دعم الإمارات للتنظيمات الإرهابية لم يعد سرا، وأن المجتمع الدولي بات يعلم بذلك، ويعرف ممارسات الإمارات، ليس في اليمن أو ليبيا فحسب، بل في المنطقة بأسرها، بما في ذلك القرن الإفريقي.

ودعا المتحدث باسم الخارجية التركية، الإمارات إلى التخلي عن اتخاذ مواقف عدائية ضد تركيا، وإبداء الاحترام تجاه وحدة الأراضي العربية والسياسة الداخلية للدول.

ولفت أقصوي إلى أن الاتهامات الإماراتية ضد تركيا، ليست إلا محاولة للتغطية على الأنشطة التخريبية التي تقوم بها الإمارات. قائلا: "تركيا تبدي دائما الاحترام بالوحدة السياسية للدول العربية ووحدة أراضيها، ومن هذا المنطلق وقفت إلى جانب الشرعية في ليبيا ودعمت جهود الحل السياسي".

سر التوقيت

ذلك التصعيد الدبلوماسي ضد الإمارات دفع كثيرين للتساؤل عن سر التوقيت، ولماذا قررت أنقرة الآن التصعيد بعد سنوات من توتر العلاقات بين البلدين.

وللإجابة على هذا السؤال قال الكاتب والصحفي التركي حمزة تكين لـ"الاستقلال": "لا يمكن الحديث عن أن تركيا أرادت أن تصعد الآن، لمجرد أنها تريد أن تصعد تجاه إدارة الإمارات، بل الوضع كما يقال من يدق الباب يسمع الجواب، وإدارة الإمارات هي التي دقت الباب التركي، من خلال محاولة المس بتركيا وإزعاجها في العديد من الملفات، ليس آخرها القضية الليبية".

يتابع تكين: "الكثير من التقارير الأمنية السياسية والإعلامية أكدت أن أصابع إدارة الإمارات أصبحت سلبية في العديد من الملفات في شمالي العراق، وشمالي سوريا، دعم تنظيمات إرهابية، حتى أن هناك تقارير عن دعم إماراتي للمحاولة الانقلابية الفاشلة، بالإضافة إلى ما تفعله الإمارات في الصومال، وما تفعله في ليبيا من دعم للانقلاب بشكل صريح وعلني، وما فعلته من دعم للانقلاب في مصر، وما تفعله مع القضية الفلسطينية، ودعم تقديم فلسطين على طبق من ذهب للاحتلال الإسرائيلي".

يضيف الصحفي التركي: "وبالتالي الخلافات كبيرة وإستراتيجية بين تركيا ونظام الحكم في الإمارات، والتصعيد الدبلوماسي يأتي في هذا السياق، الأمور تتطور يوما بعد يوم، وإدارة الإمارات مصممة ومستمرة في هذه السياسية العدائية، ليس لتركيا فحسب، بل هي عدائية لشعوب المنطقة بشكل كامل".

وعن عداء الإمارات لتركيا، قال تكين: "وصل العداء لتركيا، لأن تركيا اختارت خيار الشعوب في المنطقة، وانحازت للشعوب، لذلك وصل الأمر إلى الصدام الدبلوماسي حاليا، بين البلدين، وهذا هو سياق التصعيد".

تصعيد متزايد

يتابع الصحفي التركي: "المشروع التركي في المنطقة ليس مشروعا تخريبيا ولا إقصائيا، ليس مشروعا مبنيا على دعم الانقلابات، ولا مشروعا مبنيا على دعم الأنظمة الدكتاتورية، ليس مشروعا ينبني على القتل، هناك فرق واختلاف بين المشروعين (التركي والإماراتي)، لهذا فإن تركيا ماضية في طريقها، وبالتالي التصعيد سيزداد في الأيام المقبلة بكل تأكيد". 

وعن طبيعة ذلك التصعيد القادم، يقول تكين: "تركيا الآن مقبلة على القيام بحركة سياسية دبلوماسية، وذلك بفتح الباب مع الجانب الإيراني، لمحاولة إيجاد حل للمأساة التي يعيشها الشعب اليمني، بفعل السياسات الخاطئة للدول في اليمن، وسياسات الإمارات تحديدا التي تسعى لتقسيم اليمن إلى دولتين أو أكثر ربما، والاستحواذ على الأراضي اليمنية".

وختم تكين حديثه بالقول: "وبالتالي ربما يكون اليمن ساحة صدام جديدة بين إيجابية تركيا وسلبية إدارة الإمارات بشكل عام في اليمن، ولا بد أن يأتي يوم تُحاسب فيه الإمارات على ما فعلته في اليمن، وعندما يأتي ذلك اليوم ستكون تركيا بكل تأكيد إلى جانب الشعب اليمني في محاسبة من أوصل بلده إلى هذا الحال السيئ، مع الأسف الشديد".