اعتقل واغتال شخصيات أمنية رفيعة.. لماذا يفتك نظام الأسد برجاله؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

جملة من التساؤلات أثارتها عمليات الاغتيال وحملة الاعتقالات التي طالت مجموعة من كبار ضباط النظام السوري، لا سيما عن الأسباب الحقيقية وراء ما يجري من أحداث ضمن منطقة سيطرة بشار الأسد، وهل من دور لإيران وروسيا في إنهاء دور هؤلاء الضباط.

مواقع قريبة من النظام، أشارت إلى أن حملة الاعتقالات التي جرت نهاية يونيو/ حزيران 2020، استهدفت ضباطا كانوا يعلمون لصالح أميركا وإسرائيل، وتورطوا بتسريب معلومات عن مواقع عسكرية، وشخصيات بارزة وعلى رأسهم الجنرال الإيراني قاسم سليماني.

صراع محتدم

الاعتقالات طالت اللواء معن حسين، مدير إدارة الاتصالات في جهاز أمن الدولة الذي يقوده نائب رئيس النظام للشؤون الأمنية اللواء علي مملوك، والذي تم التمديد له للاستمرار في منصبه رغم تقاعده منذ 5 سنوات بقرار من رئيس النظام بشار الأسد.

وأظهرت وثيقة نشرتها مواقع قريبة من المعارضة السورية، تحمل توقيع وزير مالية النظام مأمون حمدان، صدور قرار في 14 يونيو/ حزيران 2020 بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة للواء معن حسين وزوجته وأولاده، من دون ذكر الأسباب.

لكن الباحث السياسي السوري سعد الشارع، عزا في حديث لـ"الاستقلال" أسباب الاعتقالات إلى التنافس والصراع المحتدم بين القوى الثلاثة النافذة في سوريا، وهي روسيا وإيران ونظام بشار الأسد.

الشارع قال: إن "المناطق التي تحت سلطة وسيطرة النظام، تتقاسم النفوذ فيها هذه القوى الثلاث، وهذا النفوذ ينسحب على المؤسسات الجيش وحكومة النظام، فعلى سبيل المثال، فإن الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد موالية لإيران، والفرقة الخامسة موالية لروسيا، والفرقة الأولى موالية للنظام نفسه".

وكشف الباحث السوري عن حالات اعتقال كبيرة طالت 20 شخصا، نفذتها قوة من الشرطة الروسية ترافقها مجموعة من الفيلق الخامس، بعدما داهمت مقرات للفرقة الرابعة والمليشيات الإيرانية وفيلق القدس في منطقة السومرية جنوب دمشق. كل ذلك يأتي ضمن الندية والتنافس، حيث تحاول كل قوة من هذه القوى إبعاد الشخصيات التي تشكل خطرا عليها. 

وعن تبريرات مواقع قريبة من النظام لاعتقال الضباط بأنهم كانوا يعملون لصالح جهات أجنبية، قال العميد منير الحريري ضابط سابق في شعبة الأمن السياسي السوري: "روسيا عندما جاءت إلى سوريا وشغلت قاعدة حميميم الجوية، استدعت الكثير من الضباط السوريين وجندتهم لصالحها".

وأوضح الحريري خلال مقابلة تلفزيونية في 28 يونيو/ حزيران 2020 أنه "عندما استدعى نظام الأسد هؤلاء الضباط، أبلغته روسيا أنها ستقطع اليد التي تمتد لهم، لذلك لم يتجرأ النظام على استدعاء أي ضابط سوري تلتقيه روسيا في قاعدة حميميم".

وأكد الضابط السوري السابق، وجود اختراقات إسرائيلية للنظام، بالقول: "الإحداثيات التي بواسطتها تقصف إسرائيل مواقع الوجود الإيراني في سوريا، يزودهم بها ضباط من المخابرات السورية ومنهم زهير الأسد، والنظام يعرف بذلك، وقام بنقله ووضع مكانه أحمد خليفة في قيادة الفيلق الأول".

تهدد النظام

وبالتزامن مع حملة الاعتقالات، وقعت عمليات اغتيال وحوادث سير طالت عددا من قادة وضباط في قوات نظام الأسد ومخابراته، خلال يونيو/ حزيران 2020، الأمر الذي أثار شكوكا بأنها مدبرة وتقف جهات وراء تلك العمليات في محاولة للتخلص منهم.

وتعليقا على الموضوع، قال الباحث السوري سعد الشارع: "ربما بدأت هذه القوى (إيران، روسيا، النظام) بتصفية الشخصيات التي تؤثر على نفوذها، وقبل فترة ليست بالبعيدة، حصل أمران مهمان، الأول هو حالات موت مفاجئة لكثير من ضباط النظام وسجلت 7 حالات حوادث سير في مدينة طرطوس وعلى طريق الرقة، وبعضها بريف دمشق لكبار ضباط في نظام الأسد".

ولفت إلى أن "اعتقال أو إخفاء بعض الشخصيات المطلعة على الملفات الأمنية والخروقات التي كان يقوم بها النظام في السنوات السابقة، سببها إدراك النظام تماما بأن هذه الشخصيات تشكل خطرا عليه، وممكن أن تتواصل مع جهات دولية أو حتى محكمة الجنايات الدولية وتقدم شهاداتها على ما حصل مقابل تأمين حياتها".

وتابع: "لذلك النظام قام بعمليات اغتيال وحتى إخفاء واعتقال لكثير من الشخصيات النافذة، وهذا هو الدافع الأساسي. أما مبررات النظام أن هذه الشخصيات تقوم بعمليات التخابر أو تسريب معلومات وما شابه ذلك، فلا أعتقد أنها صحيحة".

وفي السياق ذاته، رأى أحمد الرحال الخبير العسكري العميد ركن السوري السابق أن عمليات الاغتيال المتزايدة بحق قادة وضباط نظام الأسد هي "بداية لعمليات تصفية بحق بعض الضباط الذين انتهت أدوارهم الوظيفية، أو أنهم من الذين يملكون معلومات لا تخدم النظام أو لهم تأثير عليه".

وأوضح الرحال في تصريحات صحفية في 7 يوليو/ تموز 2020 أن "كل من تورط مع نظام الأسد في جرائم ضمن ملفات معينة، فإن إغلاق تلك الملفات يكون بتصفية من اشترك بتلك الجرائم، كما حدث مع المشتركين في قتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري - على رأسهم اللواء غازي كنعان رئيس المخابرات السورية في لبنان سابقا - فإن النظام قتلهم جميعا".

ورأى أن "تورط ضباط نظام الأسد في جرائم الكيماوي، وقتل الشعب السوري بشكل عام عبر أوامر القصف وتصفية المعتقلين داخل السجون، إضافة إلى خط آخر يستدعي تصفية بعض مسؤولي النظام الذي يملكون أموالا وثروات طائلة جنوها عن طريق تشكيل مافيات تهريب وخطف وإتاوات، خلال الحرب والسنوات العشر من الثورة السورية".

اغتيالات بالجملة

مواقع سورية معارضة كشفت أن الأيام القلية الماضية، شهدت عمليات اغتيال واسعة في مناطق النظام السوري، حيث قتل العميد علي جمبلاط، في 6 يوليو/ تموز 2020، برصاص قناص في منطقة يعفور بالعاصمة دمشق، وهو مساعد لماهر الأسد القائد الفعلي للفرقة الرابعة، ومتهم بإعدامات ميدانية والتعذيب في  الغوطة الشرقية وعموم ريف دمشق.

قبل ذلك بيوم، قتل العميد في المخابرات الجوية ثائر خير بيك، إثر إطلاق نار عليه من مجهولين أمام منزله في منطقة الزاهرة بمدينة دمشق. تزامنا مع مقتل رئيس فرع المخابرات الجوية بالمنطقة الشرقية العميد جهاد زعل برفقة عدد من عناصره في ظروف غامضة على طريق دير الزور - دمشق.

كذلك، مقتل نزار زيدان القيادي في "الفرقة الرابعة" إثر انفجار عبوة ناسفة بسيارته في منطقة وادي بردى ريف دمشق، بعد أيام من اغتيال بلال بدر رقماني مسؤول الدراسات - التابع لفرع الأمن السياسي - في منطقة جبل الشيخ غربي دمشق.

ونقلت مواقع معارضة سورية أن العميد معن إدريس القيادي في "الفرقة الرابعة" قتل، في 29 يونيو/حزيران 2020، برصاص مجهولين أمام منزله في منطقة مشروع دمّر بدمشق، بعد يوم من مقتل العميد هيثم عثمان، مؤكدة أن القتيلين سجلهما حافل بالجرائم.

مصادر إعلامية تحدثت عن اغتيال العقيد سومر ديب المحقق في "سجن صيدنايا" سيئ السمعة والمعروف بـ"المسلخ البشري"، أمام منزله في حي التجارة بالعاصمة دمشق، جراء إطلاق النار عليه، وهو أيضا متهم بارتكاب جرائم تعذيب وقتل بحق المعتقلين.

من بين من تم اغتيالهم في 23 يونيو/حزيران 2020، اللواء شرف سليمان محمد خلوف مدير كلية الإشارة في حمص، والذي لقي حتفه في ظروف غامضة أيضا، حسبما أفادت مواقع معارضة.

وتعليقا على تزايد حالات التصفية الغامضة في صفوف ضباط نظام الأسد، قال الكاتب والمحلل السياسي السوري، زياد الريس: "النظام وفي عملية الترفيع الأخيرة في يوليو/تموز 2019 وما قبل، قرر أن ينهي عمل بعض الضباط، وعادة ما يكون إنهاء عمل الضباط في مواقع حساسة أو من يمتلكون معلومات تضر بمصلحة عصابة بالنظام هو تصفيتهم".

وأضاف الريس خلال تصريحات صحفية في 8 يوليو/ تموز 2020: أنه "بالفعل تم إنهاء حياة الضباط المؤثرين جدا والمطلعين على ملفات حساسة بهذه الطريقة في العاصمة دمشق".