لوموند: هكذا أصبح لبنان ضحية التوترات بين واشنطن وطهران

12

طباعة

مشاركة

كان الهدف من الاجتماع الذي جرى بين وزير الخارجية اللبناني "ناصيف حتي" وسفيرة واشنطن في بيروت دوروثي شيا يوم 29 يونيو/ حزيران هو التهدئة، لكن التصريحات السابقة التي أدلت بها الدبلوماسية الأميركية ضد حزب الله، الذي يتمتع بوزن ثقيل في الحياة السياسية وحليف طهران، أثارت الجدل.

ووفقا لمراسلة صحيفة "لوموند" الفرنسية لور ستيفان، فقد كشفت هذه التصريحات أيضا عن انقسامات أعمق وسط الأزمة الاقتصادية بين من يعتقدون أن لبنان محاصر بسياسة "أقصى ضغط" أميركي ضد إيران، وأولئك الذين يتهمون الحزب الشيعي اللبناني بقيادة البلاد نحو الجمود والعزلة.

وأشارت المراسلة إلى المقابلة التي أذيعت مساء 26 يونيو/حزيران مع تلفزيون العربية الحدث السعودي، حيث اتهمت السفيرة حزب الله بـ "منع أي حل اقتصادي" في لبنان و"سحب مليارات الدولارات التي كان ينبغي أن تذهب إلى خزائن الحكومة". 

وفي اليوم التالي، قرر قاضي الأمور المستعجلة في مدينة صور اللبنانية محمد مازح منع السفيرة من الإدلاء بأي تصريح صحفي ومنع وسائل الإعلام اللبنانية أو الأجنبية بإجراء أي مقابلة معها لمدة سنة، وتوقيف الوسيلة الإعلامية عن العمل لمدة مماثلة في حال عدم التقيد بهذا القرار وتغريم المخالفين مبلغ 200 ألف دولار أميركي.

وبعدها، استدعى المجلس الأعلى للقضاء القاضي محمد مازح لاستيضاح حيثيات قراره، مما دفعه للاستقالة من منصبه في السلك القضائي. 

"الضغط الأقصى"

وبينت مراسلة الصحيفة أن كل هذه التدخلات قسمت اللبنانيين جذريا، بحسب حساسيتهم السياسية، ونقلت عن خبير سياسي طلب عدم ذكر اسمه "لم يكن تدخل السفيرة دبلوماسيا على الإطلاق. هل يمنحها عملها الحق في توزيع الأدوار الجيدة والسيئة؟، لكن قرار القاضي كان غير مناسب أيضا، فالأمر متروك للحكومة للتعامل مع السفيرة".

ورأت المراسلة أن هذا الجدل كشف عن المناخ المتفجر الذي تغرق فيه البلاد، فالتوترات تتصاعد هناك، على رقعة الشطرنج السياسي وأيضا في الشارع، حيث يتم اختراق الاحتجاجات المتفرقة بشكل متزايد من قبل الأحزاب، وتسقط الليرة اللبنانية في السوق الحرة.

وبحسب المصدر نفسه، فإن جميع الأطراف في النظام اللبناني مسؤولة عن الكارثة التي تشهدها البلاد، فالفساد والنهب مستمر منذ فترة ما بعد الحرب الأهلية (عام 1990) بمعرفة الجهات الغربية التي تطالب الآن بالإصلاحات، مؤكدا أن ما يحدث في لبنان لا ينفصل عن السياق الإقليمي.

ولفت إلى المواجهة الأكثر تعقيدا بين إيران والولايات المتحدة والقرارات الأميركية بشأن المنطقة، بدءا من قانون قيصر الذي يحظر أي دعم للنظام السوري، مرورا بـ "صفقة القرن"، خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المزعومة لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

ويوضح هيكو ويمن، المتخصص في لبنان بمجموعة الأزمات الدولية (ICG) أن تصريحات دوروثي شي جاءت متسقة مع إستراتيجية واشنطن "أقصى ضغط" ضد إيران وحلفائها.

وقال: إن "تصريحات السفيرة صدرت بالفعل على أعلى مستوى في الإدارة الأميركية. تريد الولايات المتحدة الضغط على حلفائها الأوروبيين لتبني نفس الحزم بشأن الإصلاحات المطلوبة في لبنان، والتي يزعمون أنها مستحيلة مع حزب الله".

الشعب يدفع الثمن

لكن المواجهة تتجاوز النطاق اللبناني، ويقول ويمن: "لدى حزب الله مجال صغير للرد، حيث يستطيع أن يلقي باللوم على الولايات المتحدة بالوقوف وراء كل المتاعب التي يشهدها لبنان، ولكن ماذا بعد؟".

وبين أنه في منتصف يونيو/حزيران، اتهم حسن نصر الله، زعيم حزب الله الذي يخضع للعقوبات الأميركية، واشنطن "بالضغط على بنك لبنان لمنعه من ضخ ما يكفي من الدولارات في السوق". 

وحجة واشنطن هي "أن حزب الله كان يرسل هذه العملات إلى سوريا"، وهو ما أنكره نصرالله الذي حذر "للذي يضعنا بين خيارين إما نقتلك بالسلاح أو بالجوع أقول: سيبقى السلاح بين يدينا ونحن سنقتلك"، في إشارة إلى مطالب نزع سلاح الحزب، المصنف كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة.

ووفقا لمصدر دبلوماسي، من الواضح أن السياق الإقليمي وإستراتيجية الضغط الأميركي يؤثران على الوضع بلبنان، لكن هذا لا يبرر عدم إجراء الإصلاحات، حيث يتم رفض الطبقة السياسية بأكملها، بسبب الفساد وسوء الإدارة المتراكم.

وفي ظل مهارتهم في استخدام التوترات الإقليمية لصالحهم، يواصل القادة السياسيون نضالهم من أجل السلطة أو المكاسب المالية، والحركة الاجتماعية أضعف من أن تصمد أمامهم. 

وفي إشارة إلى فشل الإصلاح، استقال مؤخرا آلان بيفاني، المسؤول الرفيع بوزارة المالية، الذي ساهم في صياغة خطة الإنقاذ الحكومية للمساعدة المالية.

وقال في تصريحات صحفية: "من جنى الأرباح الطائلة على مدى سنوات طويلة من جيوب اللبنانيين، ما زال يرفض أن يساهم ولو بجزء من تغطية الخسائر بينما يريدون أن يدفع الشعب ثمنها، نحن مشرفون على مرحلة جديدة من الاستيلاء على أصول اللبنانيين بالمواربة".

"بلدك يعتني بك"

وفي سياق الأزمة المالية التي يعاني منها لبنان سلطت الصحيفة في تقرير آخر الضوء على معاناة الإثيوبيات اللائي يعملن في الخدمة المنزلية.

وقالت "لوموند": "في الليل، شابات إثيوبيات جالسات على رصيف تحت نوافذ قنصليتهن، في الحازمية، إحدى ضواحي بيروت، يتهامسن بالأمهرية - لغة إثيوبيا الرسمية- بينما تنام أخريات على الأرض أو على قطعة من الورق المقوى، مكتظات أمام حقائب رخيصة متجمعة على الحائط، تلخص السنوات التي قضوها في لبنان يعملن بالمنازل".

وأشارت إلى أن الإثيوبيات يشكلن أكبر مجموعة من عاملات المنازل الأجانب في لبنان، ويعانين أيضا من الأزمة الاقتصادية والمالية الخطيرة التي تمر بها البلاد.

ونقلت الصحيفة عن مازة، 23 عاما، مربية وعاملة منزل سابقة القول: "أخبرتني سيدتي (صاحبة العمل) أنه لم يعد بإمكانهم الدفع لي، كنت أجني 150 دولارا، وكان يمكنني البقاء معهم دون أجر، رفضت عرضا (جديدا)، وأحضروني إلى هنا، وقالوا: بلدك يجب أن يعتني بك".

ونوهت الصحيفة الفرنسية بالوضع غير القانوني لبعض الإثيوبيات، مثل تيجيست، 35 سنة، التي كانت تعيش مع عائلتها في السنوات القليلة الماضية، مع زوجها السوداني وطفليها.

وتقول للصحيفة: "كانت الحياة اليومية لا تطاق في المنزل. كان زوجي يسبب الكثير من المشاكل، في الآونة الأخيرة أصبح عاطلا عن العمل، وبات الغذاء مكلفا للغاية (بسبب التضخم). أنا هنا في الشارع مع الأطفال. صادرت السيدة التي كنت أعمل عندها جواز سفري، لقد هربت من منزلها لأن الأجر كان سيئ للغاية، والقنصلية لا تساعدنا على الإطلاق".

وأكدت "لوموند" أن مشاهد البؤس هذه ليست سوى الجزء المرئي فقط من هذه المعاناة، ففي الضواحي الفقيرة حول بيروت، حيث يعيش المهاجرون، هناك العديد من الأكواخ المليئة بالضيق والانتظار، ومن بينهم زينة، 26 سنة، عاطلة منذ الخريف، واستقرت في زقاق في مخيم مار إلياس الفلسطيني. 

هذه الشابة تشترك في سكنها مع نساء إثيوبيات أخريات وتقول: "أريد العودة إلى بلدي، لا يوجد عمل لأحد هنا منذ الآن، لا للبنانيين ولا للأجانب، غالبا ما نأكل فقط الخبز والطماطم".

أما مارثا، 25 سنة، وهي بدون وثائق فقالت: "في إثيوبيا، سأكون في نفس الوضع، لكنني سأكون مع والدي، عندما يكون الأجر 5000 ليرة لبنانية في الساعة (أقل من دولار في السوق السوداء)، كيف يمكنني دفع تذكرة طائرة بسعر 680 دولارا للعودة إلى وطني؟".

وفي البيت المجاور، تشير الصحيفة، تعيش عشرون مواطنة في بيت مؤقت تحت سقف من الصفيح، لكنهن رفضن التحدث إليها، بينما كن يحاولن تهدئة امرأة شابة تعاني من انهيار عصبي بسبب الوضع الذي وصلت إليه.