الكاظمي يوقف رواتب "محتجزي رفحاء".. ماذا وراء القرار؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا يزال الجدل قائما بين القوى السياسية في العراق، بعدما اتخذت حكومة مصطفى الكاظمي قرارا بإيقاف العمل بقانون "محتجزي رفحاء" وتعطيل رواتب المستفيدين من هذا القانون، الذي شرعه البرلمان عام 2006، ضمن ما يعرف بقوانين "العدالة الاجتماعية".

ويُعرّف قانون "السجناء السياسيين" بالعراق الذي شرعه البرلمان عام 2006 محتجزي رفحاء على أنهم "أصحاب الانتفاضة الشعبانية عام 1991 (ضد نظام صدام حسين) الذين اضطرتهم ظروف البطش والملاحقة لمغادرة العراق إلى السعودية، هم وعوائلهم إضافة إلى الذين ولدوا داخل مخيمات الاحتجاز".

ومنح القانون "محتجزي رفحاء" امتيازات برواتب مخصصة لكل من أقام في تلك المخيمات ولو لمدة أسبوع واحد، أكان رب العائلة أو فردا منها، بحيث تم تحديدها بنحو 1.2 مليون دينار عراقي (تعادل نحو 1000 دولار). ومع هذا الراتب مبالغ أخرى إذا كان الشخص قد تعرض للاعتقال بسبب آرائه أو نشاطاته السياسية ما قبل عام 2003.

لكن قرار الكاظمي بإيقاف رواتب هذه الشريحة أثار غضبا واسعا لدى بعض القوى الشيعية، والتي وصفته بأنه غير قانوني لأن الدستور لا يعطي الحق لرئيس الوزراء العراقي إلغاء قانون صادر من البرلمان، وإنما يكتفي بطلب من السلطة التشريعية للنظر فيه.

رئيس الحكومة العراقية، رد في مقطع فيديو نشره مكتبه الإعلامي في 20 يونيو/ حزيران، بأن الحديث عن تراجع بخصوص قطع مزدوجي الرواتب وما يخص محتجزي رفحاء -البالغ عددهم نحو 30 ألفا- لا صحة له وغير قابل للنقاش، وسيتم تنفيذه، لأنه لا يجوز لفئة تأخذ 3 أو 4 رواتب على حساب آخرين محرومين.

رغم الضغوط السياسية، مضى الكاظمي بقراره القاضي بإيقاف الرواتب المزدوجة، ومحتجزي (مخيم) رفحاء، إذ أعلنت الحكومة في 23 يونيو/ حزيران "إيقاف ازدواج الرواتب والمستحقات، واقتصارها على من لا يتجاوز راتبه الشهري مليون دينار (نحو 800 دولار أميركي)، شرط أن يكون مقيما داخل العراق وربا لأسرة ولا يتقاضى راتبا آخر من الدولة".

وإلى جانب الرواتب، يحصل أيضا "محتجزو رفحاء" على علاج وسفر ودراسة مجانا على نفقة مؤسسة السجناء السياسيين، ويبلغ مجموع نفقات ما يترتب عليه هذا القانون سنويا أكثر من 40 مليار دينار (35 مليون دولار تقريبا) وامتيازات أخرى تتمثل بمنحهم قطع أراض ووظائف لأبنائهم.

حرف البوصلة

لكن التساؤل الأبرز بخصوص يدور حول توقيت اتخاذ مثل هذا القرار، على الرغم من الجدل الكثير الذي أثاره لسنوات طويلة، وهل بالفعل الأسباب تتعلق بالعجز الذي تعانيه الميزانية والتلكؤ في سداد رواتب الموظفين والمتقاعدين، أم أن للقرار أبعاد أخرى؟

وتعليقا على ذلك، قال الإعلامي العراقي أحمد الأعظمي في حديث لـ"الاستقلال": إن "تقنين قانون رفحاء براتب واحد لا يتعدى المليون دينار (نحو 800 دولار أميركي) لشخص واحد فقط من العائلة شهريا لا شك بأنه قرار صائب، لكن محاولة تسويقه على أنه النصر العظيم والفتح المبين، هو الطامة الكبرى".

وأضاف: "هذا التقنين بالتزامن مع هبوط أسعار النفط الحاد وانهيار الاقتصاد العراقي بالكامل وشيوع الفساد المالي والإداري والسياسي وغلق ملفاته واحدة تلو الأخرى وهروب الفاسدين بالأموال التي سرقوها إلى الخارج، والتي قد ترشحهم إلى المناصب ثانية، لا يشكل سوى واحد بالمئة من دعم الموازنة فحسب إن لم يكن أقل بكثير".

وبخصوص توقيت اتخاذ القرار، رأى الأعظمي أن "له غايات سياسية عدة، أهمها التغطية على بيع النفط العراقي بالكامل إلى الشركات الاحتكارية العالمية، وغايته التغطية وتسهيل عملية المصادقة والموافقة على الاقتراض الداخلي والخارجي، فللموافقة على الاقتراض لا بد من عملية بطولية - وهمية - تسبقها وتمهد لها كقرار رفحاء".

وأشار إلى أن "قرار رفحاء وبرغم أهميته إلا أنه حرف البوصلة عن كارثة المنافذ الحدودية والموانئ التي تسيطر عليها المليشيات والأحزاب وعائداتها الشهرية المالية ضخمة، وغطى على المشاريع الوهمية المتلكئة، وعلى ملفات فساد أخرى".

 وأوضح: "الهدف من القرار أيضا تهدئة الشارع مؤقتا ريثما يكتشف حجم الكارثة وهدر المال العام الهائل والذي إذا ما قيس برواتب رفحاء فإنه سيكون بمثابة صفر على الشمال لا أكثر".

وخلص الأعظمي إلى أن "الكاظمي يبحث عن بطولات وهمية سرعان ما ستتضح هزالتها وعدم جديتها ووضاعتها عاجلا غير آجل وإن كان جادا فعليه السيطرة على المنافذ الحدودية، واستعادة الأموال المهربة إلى الخارج بما لا يقل عن 400 مليار دولار".

انقسام شيعي

وبما أن قانون "رفحاء" يتعلق بشريحة من المكون الشيعي حصرا، فقد شكل انقساما سياسيا تجاه قرار الكاظمي، إذ اتخذت القوى القريبة من إيران موقفا متصلبا ضد قطع الرواتب أو حتى تقليلها، لكن آخرين أيدوا الإجراء وكان اعتراضهم على قانونيته، حيث طالبوا بعرضه على البرلمان لإعادة صياغته.

وعلى رأس المطالبين بعدم المساس بجماعة رفحاء، كان رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، الذي حذر الكاظمي من التعرض إلى هذه الشريحة لأنها ستسبب هزة للنظام السياسي.

وقال المالكي خلال مقابلة تلفزيونية في 13 يونيو/ حزيران 2020: إن "على الكاظمي الاقتراض وصرف رواتب هذه الشريحة، من أجل عدم اهتزاز الحكومة، ونحن لا نريد ذلك لها".

من جهته، قال قيس الخزعلي زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" المقربة من إيران خلال تصريحات له في 23 يونيو/ حزيران 2020: إن "قرار رئيس الوزراء مخالف للقوانين العراقية"، مبينا: "لا يوجد راتب لمحتجزي رفحاء وإنما تعويض مالي نتيجة الضرر الذي حصل بهم".

وفي المقابل، أوضح حسن الجنابي النائب عن كتلة "الحكمة" البرلمانية أن "أغلب نواب البرلمان ليس لديهم اعتراض على قرار رئيس الوزراء بقدر اعتراضهم على قانونية الإلغاء".

وأوضح الجنابي في تصريحات صحفية أن "الكتل السياسية ترى ضرورة تعديل قانون محتجزي رفحاء وإيجاد حالة من العدالة الاجتماعية، وهناك مقترح للتعديل منذ عام ونصف في لجنة الشهداء البرلمانية حتى قبل تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة".

قضية الرفحاويين

للتعريف أكثر بهذه الشريحة، فإنه بعد حرب الخليج عام 1991، شهد العراق انتفاضة شعبية ضد نظام صدام في مناطق عديدة جنوب وشمال البلاد، تحديدا في شهر مارس/ آذار من ذلك العام والذي صادف في حينها الشهر الهجري شعبان، ومن هنا أخذت التسمية "الشعبانية" وفق وسائل إعلام محلية.

وفي حينها تصدى لها النظام الذي أطلق عليهم اسم "غوغاء" الموالين لإيران وأعدم الكثيرين منهم، وتعرض آخرون للتعذيب، وهو ما دفع بالعديد من المشاركين في "الانتفاضة" إلى الهرب من الملاحقة ليغادروا العراق ويدخلوا إلى السعودية مع عائلاتهم لاجئين.

وبنت السلطات السعودية مخيما في محافظة رفحاء بالقرب من الحدود العراقية، حيث وضع فيه المشاركون في الانتفاضة مع عائلاتهم، وبقي هذا المخيم موجودا حتى عام 2006 عندما أغلقته السلطات السعودية، بعد حصول العديد منهم على إقامات في دول أجنبية مثل الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وكندا والدنمارك وفنلندا وهولندا وسويسرا والسويد.

وهناك اختلاف وتفسيرات عديدة لأعداد العراقيين في هذا المخيم، إذ تشير أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين إلى حدود 21 ألف شخص خلال سنوات 1991 وحتى 2003، فيما تشير أرقام وزارة الخارجية السعودية إلى 35 ألف شخص.

وبسبب تعاقب الأجيال، بلغت الأعداد الحالية المسجلة رسميا نحو 150 ألف مستفيد من التعويضات لمحتجزي رفحاء، حسبما قال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي في تصريحات صحفية.