بتقطيع أجساد الإيجور.. كيف تجني الصين ملايين الدولارات سنويا؟

إسطنبول - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

من الخطير أن تكون في الصين من عرق آخر غير الهان الذين يشكلون الأغلبية، فقد اضطهدت الأقليات الدينية هناك لسنوات عديدة، ويُعتبر المسلمون والكاثوليك والتبتيون وحتى الفالون غونج أعداء للدولة بمعتقداتهم.

وفي 2014، بنت الصين معسكرات الاعتقال ذاتية الحكم في مقاطعة شينجيانج شمال غرب البلاد، والهدف منها هو حبس مئات الآلاف من أقلية الإيجور والقيرغيز والمسلمين الكازاخستانيين. 

وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن مليونا من الإيجور محتجزون حاليا بدون محاكمة ولا أي سبب محدد. وبالإضافة إلى الاحتجاز القسري في المخيمات تُزال أعضاء المحتجزين لإعادة بيعها.

بعد إنكار وجود هذه المخيمات لفترة طويلة، اعترفت الصين بها رسميا في أكتوبر/تشرين الأول 2018 تحت اسم "معسكرات التحول من خلال التعليم"، وبحسب العديد من المحققين، فإن سبب حالات الاختفاء هو تجارة الأعضاء.

استغلال الأقليات

في تحقيق أنجزته النسخة الفرنسية من موقع "فايس" الأميركي، أفادت أن الحكومة الصينية أطلقت في 2016 حملة فحص طبي شاملة في إقليم شينجيانج، وكانت الاختبارات إلزامية للإيجور الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و65 عاما، والهدف منها هو جمع قاعدة بيانات للمانحين في المستقبل.

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية خلصت في تحقيق استقصائي صدر في يونيو/ حزيران 2020، إلى أن الصين تستغل الأقليات العرقية، ففي حين تروج إلى أن الهدف من الفحوصات الشهرية هو تجنب الأمراض المعدية، إلا أن الصينيين الهان يمثلون أكثر من نصف السكان في شينجيانج ولا يجري اختبارهم.

وتعتبر الصين واحدة من أكثر الدول تقدما في عمليات نقل الأعضاء، إذ تجري عملية الزرع في وقت وجيز جدا، لكن الثقافة الصينية تحث على الحفاظ على الجسم سليما حتى بعد الموت.

وفي حين أن التبرع بالأعضاء ليس شائعا بين الصينيين إلا أن المتبرعين دائما متاحون داخل الصين، بحسب التحقيق، ولا يستغرق البقاء على لائحة انتظار متبرع سوى أياما أو أسابيع، فيما قد يستغرق في دول أخرى سنوات.

تستغرق عملية الزرع في الولايات المتحدة من 3 إلى 6 سنوات في المتوسط - بين الطلب وإيجاد المتبرع- في المدة نفسها يتم تسجيل 145 مليون متبرع بالأعضاء في الصين.

أخذت الصين لسنوات عديدة عينات من السجناء المحكوم عليهم بالإعدام قبل أن تعلن للمجتمع الدولي في 2015 نهاية هذه الممارسة.

وتشير تقارير حقوقية صينية وأجنبية إلى أن الصين لا تزال تستخدم وعلى نطاق واسع أعضاء السجناء في عمليات الزراعة.

وفي تقرير لها أصدرته في 2017 ذكرت منظمة العفو الدولية أن رفض الصين الدائم إعادة النظر في إلغاء عقوبة الإعدام يرجع إلى المكاسب المادية التي تحققها جراء المتاجرة بأعضاء سجناء محكوم عليهم بالإعدام.

وكان التقرير قد أشار إلى احتلال الصين المرتبة الأولى في قائمة الدول الأكثر تنفيذا لأحكام الإعدام في عام 2016.

"أعضاء حلال"

في 2006 أفادت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية أن حجم تجارة الأعضاء البشرية في الصين يصل إلى ما إجمالي قيمته مليار دولار سنويا، مستندة إلى تقارير حقوقية أفادت بأن عدد عمليات الزراعة كان -آنذاك- نحو 10 آلاف عضو سنويا، في الوقت الذي يوجد فيه عدد قليل جدا في سجل المانحين الرسمي.

وخلال إخراجهم لفيلم وثائقي يحمل عنوان "حصاد البشر: الاتجار في الأعضاء بالصين" عرضته شبكة "إس بي إس" الأسترالية في 2015، وصل فريق العمل إلى أن عمليات نقل الأعضاء تتراوح بين 60 ألف دولار وأكثر من 170 ألفا.

وأكد الوثائقي أن "مركز أورينت" لزراعة الأعضاء في إقليم تيانجين الصيني، أعلن وحده عن تسجيله إيرادات بقيمة 100 مليون يوان على الأقل (حوالي 16 مليون دولار أميركي) من عمليات زراعة الكبد وحدها في العام 2007.

في مارس/ آذار 2019، أخبر إنفير توهتي، وهو جراح أورام منفي من أقلية الإيجور المسلمة إذاعة "راديو فري آسيا" الأميركية أن العملاء الأساسيين الذين يشترون أعضاء الإيجور المسلمين، والتي تنتزع منهم وهم أحياء، هم سعوديون أثرياء.

عملاء خليجيون

وتستهدف الصين عملاءها الأساسيين عبر التسويق لهذه الأعضاء المُنتزَعة بطريقة غير مشروعة على أنها "أعضاء حلال".

تصريحات توهتي لم تتعد كونها اعتقادات لا يملك عليها دليلا، وأصر على أنه "من الأفضل عدم الحديث عن هذا الأمر لحين التأكد من صحته".

لكن تقرير "فايس" أكد أن الصين تستهدف بشكل رئيسي العالم الإسلامي لبيع هذه الأعضاء، وتشدد على أن "صاحبها لم يشرب يوما الكحول ولا أكل لحم الخنزير". 

وأفاد صحفي "نيويورك تايمز" بأن سعر "العضو الحلال" يكون ثلاث أضعاف العضو العادي.

لعدة سنوات، يوضح التحقيق الاستقصائي، كان مستشفى "تيانجين" المركزي في مرمى بصر المنظمات التي تكافح الاتجار بالأعضاء، ويقدم المستشفى حوالي 5 آلاف عملية زرع سنويا.

ويقول الصحفي الاستقصائي إيثان جوتمان: "لقد جمعت العديد من الشهادات والأدلة حول العدد المتزايد من المرضى القادمين من دول الخليج".

وهناك اتهامات بتورط الحزب الشيوعي الصيني في نقل كمية كبيرة من أعضاء الإيجور بين شنغهاي والمملكة العربية السعودية.

واعتبر جوتمان أن انعدام الشفافية في الصين يجعل من الصعب معرفة مكان إعادة استثمار الأموال، ويرى الصحفي بحسب تحقيقه أن الظروف مواتية لنشر الأموال في المستشفيات والمؤسسات المحلية للحزب الشيوعي الصيني وكذلك في معسكرات الاعتقال.

رصد الصحفي حالات الاختفاء العديدة لأفراد من الأقليات، وقال: إن 25 ألفا من الإيجور تتراوح أعمارهم بين 25 و35 عاما يقتلون كل عام من أجل أعضائهم، وأوضح أن كل المؤشرات تشير إلى أن الجثث أحرقت لإخفاء الدليل.

وقد أصبحت الصين أكثر حذرا منذ أن أصبح المجتمع الدولي مهتما بمعسكرات الاعتقال في شينجيانج. مع ذلك عبّر جوتمان عن اندهاشه من قلة الاهتمام التي أبداها المجتمع الدولي تجاه هذه الجريمة ضد الإنسانية، وقال بهذا الخصوص: "ربما يأتي الاقتصاد، لكن التاريخ يعيد نفسه وأوروبا لا تفعل شيئا".

صمت دولي

في يونيو/ حزيران 2019 أثبتت محكمة مستقلة في الصين بناء على طلب مجموعة "ETAC" (التحالف الدولي لمكافحة إساءة زراعة الأعضاء في الصين)، وجود سرقات كبيرة للأعضاء نظمت على مدى سنوات. وتوصلت المحكمة إلى أن الاتجار في أعضاء سجناء معسكرات الاعتقال، يجلب مليارات الدولارات كل عام.

وفي حين توجد بعض المؤشرات على الاتجار بأعضاء الأطفال أيضا، لا يوجد أي دليل على أن ذلك يجري في نطاق واسع. لكن بحسب صحفي "نيويورك تايمز" يتم استخدام هؤلاء الأطفال لتزويد سوق أخرى، وهي سوق العبيد الجنسيين.

وخلص تحقيق الموقع الفرنسي إلى أنه، وبينما تتراكم الأدلة حول هذا التطهير العرقي، لا يزال المجتمع الدولي حذرا من فكرة إدانة الصين لهذه الممارسات التي تشبه خطأ معسكرات الاعتقال النازية.

في 12 يونيو/ حزيران 2020، دعا أعضاء مجلس الشيوخ البلجيكي الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق في الاتجار بالأعضاء في الصين، لكن الطلب ليس جديدا، بحسب "فايس".

ففي 2019 طلب حامد صابي، وهو محام وعضو في محكمة الصين، من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان التحقيق في الأمر.

ومنذ مطلع العام 2020، يبحث عضو البرلمان الأوروبي في فرنسا، رافاييل جلوكسمان، ظروف احتجاز الإيجور في الصين، ويعتزم تشكيل لجنة تحقيق دولية وكذلك فرض عقوبات على الحكومة الصينية.

وقال جلوكسمان: "نحن نواجه دولة نفت وجود معسكرات الإيجور حتى العام 2019، وأخفت عن العالم ولادة كوفيد 19 (فيروس كورونا)".