احتفال البوسنيين باعتناق الإسلام.. تقليد اجتماعي أم التزام بالدين؟

آدم يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في حين يقيم سكان العالم طقوسا خاصة للاحتفاء بالأعياد والمناسبات الوطنية، يحتفل البوسنيون بذكرى دخولهم الإسلام، وهو أجمل عيد تميزوا به ويعلنون دائما عن افتخارهم فيه.

ففي 28 يونيو/حزيران 2020، شهدت البوسنة اختتام فعاليات الذكرى 510، لاعتناقهم الإسلام، على يد الشيخ الصوفي القادم من الأناضول "أيواز دادا"، الذي يقولون إنه أول من نشر هذه الديانة في بلادهم، قبل نصف قرن من الفتح العثماني للبوسنة الذي تم في العام 1463، وللهرسك الذي تم في 1483، حيث تحكي رواياتهم التاريخية.

بحسب تلك المرويات، فإن الشيخ "دادا" العثماني وصل إلى منطقة "بروساج" البوسنية قبل 510 أعوام، وكانت بلادهم تشهد قحطا وجفافا شديدا، فأقام بينهم 40 يوما، يعبد الله ويدعو ويستسقي، حتى نزلت الأمطار وفاضت العيون، وجرت الأنهار، فاعتنقوا، عقب ذلك الإسلام، على يديه.

تقليد اجتماعي

منذ ذلك التاريخ، يحتفل البوسنيون بهذه المناسبة في كل عام، ويشيدون بها، ويثنون عليها، ويستمرون بالاحتفال لأيام، حتى أصبح جزءا من تقاليدهم وعاداتهم الاجتماعية.

تتضمن الاحتفالات عادة، حشدا لمئات الفرسان الذين يأتون على ظهر الخيول من المدن البوسنية إلى منطقة "بروساج"، التي زارها "دادا"، وفي هذه النسخة كان عدد الفرسان الذين وصلوا في إلى مكان الاحتفال نحو 244 فارسا، في تقليد سنوي اعتاد عليه أهل البلاد.

علاوة على ذلك، شهد الاحتفال فعاليات تذكير بما كانت عليه البوسنة قبل الإسلام، وكيف أصبحت، كما صاحب الفعاليات أداء للصلوات في مكان طلق، في طقس يحاكي صلاة العيد.

وفي كلمة له خلال المهرجان، قال أحمد عادل أوفيتش، مفتي مدينة "ترافنيك" البوسنية ورئيس اللجنة المنظمة للمهرجان: إن احترام المجتمعات لماضيها وتاريخها، ضرورة لمستقبل جيد.

بدوره، أشاد رئيس الاتحاد الإسلامي في البوسنة والهرسك، حسين قاواز أوفيتش، بتاريخ وماضي الشعب البوسني.

أغلبية مسلمة

تقع البوسنة والهرسك وعاصمتها سراييفو في جنوب أوروبا، وتحدها من الشمال كرواتيا، ومن الشرق صربيا، ومن الجنوب الجبل الأسود، ومن الغرب كرواتيا والبحر الأدرياتيكي، ويبلغ تعداد سكانها الإجمالي نحو 3.8 ملايين نسمة وفق تقديرات عام 2014.

يمثل المسلمون نحو 40 % من إجمالي عدد السكان، في حين يمثل المسيحيون الأرثوذكس نحو 31 ٪، أما المسيحيون الكاثوليك فيمثلون 15 %، و15 % تتقاسمها ديانات أخرى ولا دينيون.

أما التوزيع العرقي في البوسنة فهو على النحو التالي: 48 ٪ بوسنيون، 37.1 ٪ صرب، 14.3 ٪ كروات، 0.6 ٪ أعراق أخرى.

وقد كانت البوسنة والهرسك جزءا من يوغسلافيا الاتحادية، التي ضمت إلى جانبها، كرواتيا، صربيا، سلوفينيا، الجبل الأسود، مقدونيا وكوسوفو، وذلك قبل أن تحصل على استقلالها في عام  1995م.

لذلك، وبسبب ضمها لجمهورية يوغسلافيا الاتحادية، فقد أصبح البوشناق عرقية ضمن الأعراق التي سكنت واستوطنت هذه البلدة.

الحرية الدينية

عرفت البوسنة الإسلام قبل الفتح العثماني لها بنحو نصف قرن، إلا أنه لم يشهد انتشارا واسعا هناك إلا بعد الفتح الذي ابتدأ عام 1386، واكتمل في مملكة البوسنة في عام 1463، ثم اكتمل في الهرسك بعد ذلك بنحو عشرين عاما، أي في عام 1483.

كان العثمانيون قد اتخذوا من مدينة "إدرنة" المحاذية للممالك الأوروبية عاصمة لدولتهم عام 1363، ومن هناك كان الانطلاق لدول البلقان لتأمين الدولة العثمانية من الهجمات التي تأتيها من تلك الممالك المسيحية.

عقب الفتح، شرع البوشناق بالتحول للإسلام، ومع ذلك فلم تمارس الدولة العثمانية أي ضغوط عليهم للدخول فيه، فاستمروا في التدرج الطوعي نحو هذه الديانة واستغرقوا نحو قرنين من الزمان، حتى أصبح الإسلام دين الأغلبية هناك.

وكان السلطان محمد الفاتح تعهد بحماية أبناء الطوائف المسيحية الأرثوذكسية، وعلى غرار الكنائس الأرثوذكسية في السلطنة العثمانية، فقد حظيت الكنيسة الصربية الأرثوذكسية بدعم من الدولة العثمانية. 

وكانت فترة الوجود العثماني هناك من 1463 وحتى 1878، وخلالها تشكلت الهوية الحضارية، وغدت مركزا للثقافة الإسلامية القادمة مع الفاتحين العثمانيين، قبل أن تصبح تحت سيطرة الإمبراطورية النمساوية المجرية عام 1878، من خلال معاهدة برلين.

أكثر انفتاحا

مع أن البوشناق كانوا مسيحيين، فإنهم كانوا أكثر انفتاحا على الإسلام وأكثر تقبلا لاعتناقه من غيرهم في الممالك الأوروبية، لأن حضور الكنيسة كان ضعيفا هناك، وبالتالي فلم تشهد تنافسا بين الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية.

علاوة على ذلك فإن تدين البوشناق كان مختلفا عن المذاهب المسيحية الشائعة، فبحسب المؤرخ والمستشرق البريطاني الشهير توماس أرنولد (1864-1930) فإن أتباع الكنيسة البوسنية كانوا أكثر تقبلا لاعتناق الإسلام، لأن الكنيسة الكاثوليكية كانت تعتبرهم مبتدعين. 

يضيف أرنولد أن البوشناق رفضوا تقديس مريم العذراء ورفضوا الصليب كرمز ديني واعتبروا أن الانحناء أمام الأيقونات والرموز الدينية يحمل طابعا وثنيا.

وقد كان للحضارة العثمانية حينها أثر كبير في التحول الطوعي للإسلام، حيث شهدت المناطق الحضرية وأماكن التجار التي تمتلئ بمراكز التعليم وتوجد فيها الإدارة العثمانية، تحولا للإسلام أسرع منه في الريف، فلم يأت القرن السابع عشر، إلا وغالبية البوشناق كانوا قد أصبحوا معتنقين للإسلام.

قرن من المعاناة

منذ سيطرة الإمبراطورية النمساوية المجرية على البوسنة والهرسك في 1878، عقب ضعف الدولة العثمانية، تعرض مسلمو البوسنة لعمليات اضطهاد وحملات تنصير واسعة.

زادت تلك المعاناة، أثناء الحربين العالميتين، الأولى والثانية، حيث تعرض مسلمو البوسنة لأشد حالات الاضطهاد والتعذيب من قبل المسيحين الأرثوذكس، كما تعرضوا لأعلى درجات العنف من قبل الكاثوليك، عقب الحرب العالمية الثانية، على يد اليوغسلافي تيتو، حيث قضى على أكثر من ربع مليون مسلم في الفترة بين 1941 وحتى 1945.

وخلال فترة الحرب الباردة، استمرت معاناة المسلمين البوسنيين، في الاضطهاد والتضييق عليهم في ممارسة شعائرهم الدينية، من قبل السلطات في يوغسلافيا التي كانت حليفا للسوفيت في تلك الفترة، حتى انهار الاتحاد السوفيتي، واهتز كيان المعسكر الشيوعي في أوروبا الشرقية بشكل كامل.

مثل انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط الشيوعية، في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، فاتحة خير للبوسنيين، حيث تمكن المجلس النيابي للأقليات المسلمة في الاتحاد اليوغسلافي في 1990، من الإعلان عن دستور للمسلمين ينضم إليه جميع معتنقي هذه الديانة في يوغسلافيا.

وقد أعقب ذلك المطالبة بالاستقلال، بعد نحو عامين، إلا أنهم دخلوا في مرحلة جديدة من المعاناة والحرب استمرت منذ 1992 وحتى حصولهم على الاستقلال في 1995، دفعوا، خلالها، ثمنا باهظا.

في ذلك الوقت، ارتكبت بحقهم مجازر مروعة وطالتهم موجات تهجير قسري، قُتل فيها قرابة 8 آلاف مسلم من سكان البوسنة (البوشناق) خلال أيام قليلة في مدينة سربرنيتشا، حسب إحصائية اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

الجدير بالإشارة أن ذلك التمييز والاضطهاد، الذي استمر لأكثر من قرن، من قبل الكنيسة أولا، ثم المعسكر الشيوعي، جعلهم يعقدون مقارنة بين حماية الحرية الدينية التي كفلها لهم محمد الفاتح والسلاطين العثمانيون من بعده، وبين الاضطهاد الديني الذي مورس ضدهم سابقا.

وفي ذات الوقت فإن ذلك دفعهم للتمسك أكثر بهويتهم الدينية والتشدد في ممارسة شعائرهم بحرية، وجعلهم أيضا أشد تمسكا بمناسباتهم الدينية، ومنها احتفالهم، بالذكرى 510 لاعتناقهم الإسلام.