"الأسوأ لم يأت بعد".. ماذا ينتظر لبنان بعد تصاعد الأزمات؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الأسوأ لم يأت بعد"، هكذا صرح السياسي اللبناني وليد جنبلاط، معلقا على الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان في الوقت الحالي، مضيفا: "زمن الرفاهية انتهى، وسنعود إلى حياة الأجداد وأكل الدجاج والبرغل".

ومع أن معظم اللبنانيين لم يعرفوا الرفاهية منذ عدة عقود، فإن هذا التصريح أثار فزع الكثيرين، بسبب استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي.

كما تأتي الأزمة وسط نذر حرب أهلية جديدة، حيث كشفت صحيفة التايمز البريطانية أن لبنان بات يعيش حاليا ضمن مفاهيم الحرب الأهلية الجديدة. وفي التقرير قالت الصحيفة: إن الرئيس اللبناني ميشال عون تحدت عن تحول الاحتجاجات الاقتصادية إلى طائفية.

وأضافت الصحيفة البريطانية أن الاحتجاجات التي اندلعت إثر انهيار الليرة اللبنانية، أخذت شكلا طائفيا وتحولت لاشتباكات بين الشيعة والسنة، وكذلك بين المسلمين والمسيحيين، بشكل أعاد للأذهان التصدعات التي تميزت بها الحرب الأهلية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
 
وكان عون قال في اجتماع له مع الحكومة: إن هناك حركات محملة بالتوتر الطائفي خرجت بطريقة مشبوهة، بعضها يستغل غضب الناس والمطالب الشرعية لزرع العنف والفوضى من أجل تحقيق أجندة خاصة.

ففي حديث لـ"الاستقلال"، يقول المحلل السياسي وأستاذ القانون العام والجنائي طارق شندب: إن "لبنان يتجه إلى المجهول، غدونا في مواجهة اقتصادية صعبة جدا، يتحدث الجميع عن انهيار أمني قريب، لتغطية الفشل السياسي، وغدا اقتصاد لبنان القائم على الاقتصاد الحر تابعا للمحور (محور الممانعة أو حزب الله) لا يمتلك ما يأكله، إن صح التعبير".

ويضيف: "يتحكم حزب الله بالسياسة الداخلية والخارجية، وهي المليشيا المحسوبة على النظام السوري والصين والروس، وكلها أطراف تحت العقوبات الأميركية، وأتوقع انفجارا اقتصاديا غير مسبوق".

أزمة مالية

ومنذ مايو/أيار 2019، يعاني لبنان من أزمة اقتصادية خانقة، حيث تسبب تباطؤ تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية بأزمة مالية، وشح في النقد الأجنبي، الأمر الذي دفع السلطات إلى تحميل المواطنين مزيدا من الأعباء، فقررت زيادة الضرائب على بعض المحروقات وسعت لفرض ضرائب جديدة على بعض تطبيقات الإنترنت.

غير أن تلك الإجراءات لم تسهم بحل المشكلة بل زادتها تعقيدا، حيث اندلعت احتجاجات شعبية في عدة مدن لبنانية، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، اتهمت الحكومة بالفساد المالي، وطالبتها بالرحيل. 

وبطريقة دراماتيكية، تسببت الاحتجاجات بهلع رؤوس الأموال الوطنية، وولدت أزمة ثقة بالبنوك اللبنانية من قبل الشركات المحلية والخارجية، التي هرعت لسحب أموالها وودائعها في آن واحد.

وبحسب رئيس جمعية مصارف لبنان، سليم صفير فقد سحبت رؤوس الأموال الوطنية نحو 3 مليارات دولار في 6 أشهر، ووضعت تلك الأموال في المنازل.

وما ضاعف من الأزمة المالية أن البنوك اللبنانية، لا سيما الأهلية والبالغ عددها نحو 42 بنكا، لم تتمكن من التعاطي مع طلبات المودعين المتزايدة بسحب الودائع المالية، لأن معظم الودائع لم تكن سائلة.

ومع تفاقم الوضع اضطرت الحكومة اللبنانية لتقييد الصرف وسحب الأموال والودائع المحلية والأجنبية، وتخفيض الحد الأعلى للسحب إلى 1000 دولار كحد أقصى أسبوعيا، وفرضت حظرا على التحويلات الخارجية، للحد من خروج العملة الأجنبية، في مسعى منها لإنقاذ الاقتصاد من التهاوي والانهيار.

ويعد القطاع المصرفي للبنان عمود الاقتصاد الوطني، كما يعتبر أحد أكبر القطاعات المصرفية العربية والدولية مقارنة بحجم الاقتصاد الوطني.

وتبلغ الأصول المجمعة لهذا القطاع 4 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي الإسمي للبنان، وفق تقديرات صادرة عن اتحاد المصارف العربية في أكتوبر/تشرين الأول 2018، ما يعني أن أي خلل يصيب القطاع  المصرفي سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد اللبناني بشكل مباشر.

وبحسب صحيفة ليزيكو الفرنسية فإن ما ضاعف من الأزمة المالية هو عجز الحكومة اللبنانية عن سداد ديونها البالغة 80 مليار دولار، وتخلفها عن موعد السداد المستحق في مارس/آذار 2020، بالتزامن مع  خفض وكالات التصنيف الرئيسية الثلاث (ستاندرد آند بورز، فيتش، وموديز) للتصنيف السيادي للبنان.

ووفق ما قال طارق شندب لـ"الاستقلال" فإنه قد نتج عن تلك الأزمة أن فقدت الليرة 80٪ من قيمتها، وما زال التدهور مستمرا، "ووصلنا إلى مكان توقفت فيه المساعدات الدولية والعربية للبنان، وأصبحنا أمام شبه انهيار".

وتابع: "هناك سرقة لأموال الناس، فساد غير مسبوق في الإدارات، لم يعد المودعون قادرين الحصول على أموالهم وإيداعاتهم، نتيجة الفساد وتهريب أموال البنوك إلى الخارج لبعض القوى السياسية، بالإضافة إلى التهرب الضريبي، ودعم النظام السوري بمواد أساسية من الدولة، كالمازوت والقمح، ما تسبب في تكبد الدولة خسارات كبيرة".

عودة للتاريخ

الأزمة التي عجز بسببها كثيرون عن تأمين الاحتياجات الأساسية، دفعت لبنانيين لتدشين مبادرات أهلية للتخفيف من آثارها، ومنها مبادرة "لبنان يقايض" التي شهدت تفاعلات واسعة على صفحات الإنترنت.

وتقوم فكرة هذه المبادرة على مقايضة سلعة بأخرى، وعادة ما تكون المبادلة بين منتج ثانوي وسلعة أساسية، وكانت سيدة لبنانية قد عرضت طقم أكواب فاخر، مقابل الحصول على حليب للأطفال.

كما أن هناك آخرين قايضوا أشياءهم الثمينة التي كانوا قد اقتنوها في وقت سابق، باحتياجات أساسية بعد أن ضربت الأزمة معظم الفئات الاجتماعية، وأحالت الطبقة المتوسطة إلى فقيرة.

وكانت الإعلامية اللبنانية هناء حمزة كتبت في تغريدة لها على "تويتر": "علبتا مربى مقابل علبة حليب، مقايضة بين اللبنانيين هذه الأيام، لعن الله الطبقة الحاكمة الفاسدة التي أوصلت شعب البلد إلى هذا الدرك".

هذه الفكرة وإن كانت عملية فإنها مرعبة في ذات الوقت، إذ تعيد للأذهان فكرة القبائل العربية الضاربة في عمق التاريخ التي كانت تقايض التمر بالقمح والشعير بالملح.

وكان الممثل اللبناني الشهير ميشال أبوسليمان ظهر في مقطع فيديو، جرى تداوله على نطاق واسع في منصات التواصل الاجتماعي، وهو ينبش في براميل، بدت كما لو أنها للقمامة ويأكل منها.

وعلق أبو سليمان قائلا: "تريدون أن تسألوا ما إذا كان ميشال أبو سليمان يأكل من الزبالة؟، نعم، علينا أن نعتاد على الأكل من الزبالة؛ لأنه إذا لم ننزل إلى الثورة وأخذنا بحقوقنا، فبعد 6 و8 أشهر سنأكل جميعا منها".

المحاور الإقليمية

يرى متابعون أن الأزمة الحالية سببها في الأساس الطبقة السياسية التي تمارس الهدر والسطو على المال العام لموارد الدولة المتمثلة بالضرائب والجمارك، بالإضافة إلى المنافذ والموانئ والمعابر الحدودية.

ويرجع هؤلاء الأزمة إلى عدة أسباب، منها الخلافات القائمة بين زعماء القوى السياسية، واصطفاف بعضهم ضمن معسكرات ومحاور إقليمية، انعكست على الوضع الداخلي في لبنان.

وبحسب طارق شندب "فإن الأزمة الحالية في لبنان تراكمت منذ نحو 3 عقود، أي منذ عام 1992، ثم شهدت تحولا خطيرا منذ مقتل رئيس الحكومة رفيق الحريري في 2005، حيث شهد الشارع اللبناني انقساما عموديا، وتحولت اليوم إلى أزمة اقتصادية، واندلعت على إثرها ثورة ضد الفساد وضد السياسيين".

إلا أن مليشيا حزب الله عارضتها بقوة الأمر الواقع، تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب واستعمال السلاح، وكانت الدولة بأجهزتها تقف إلى جانب الميلشيا، فسرقت أموال المودعين، وبات الوضع الاقتصادي منهارا، فتوقفت التحويلات من الخارج، وسحبت البنوك الدولية اعتماداتها من لبنان، ولم يعد أحد يثق بالاقتصاد اللبناني، وفق شندب.

وبحسب صحيفة ليزيكو الفرنسية فإن "الوضع الاقتصادي المزري في لبنان يعود إلى سنوات من سوء الإدارة والحوكمة، والتي أثارت أيضا حركة واسعة من التنافس".

ولفتت إلى أن الوضع دفع جزءا كبيرا من اللبنانيين إلى الاحتجاج منذ شهر أكتوبر/ تشرين أول 2019، على الفساد وسوء خدمات المياه والكهرباء والنفايات العامة، فضلا عن المحسوبية، كما يتضح من الإنفاق العام الاستثنائي والتحصيل الضريبي المنخفض للغاية، وفقا للمعايير الدولية.

ويرى البعض أن القوى السياسية في حزب الله التي ربطت توجهات لبنان بالقضية السورية جلبت للبلاد مزيدا من الخراب والأزمات، بينما يقول المدافعون عن الحزب: إن الأزمة لا علاقة لها بسوريا وأن سببها "المؤامرات الأميركية والإسرائيلية التي تهدف لإخضاع البلد اقتصاديا وسياسيا".

ويرجع هؤلاء الناشطون الأزمة الاقتصادية إلى عدة أسباب أهمها "الخلافات القائمة بين زعماء القوى السياسية واصطفاف بعضهم في لعبة المحاور الإقليمية".

وكانت الاحتجاجات السابقة رأت أن الطبقة السياسية التي تحكم البلد منذ عقود، هي السبب في تدهور الوضع، ولذلك رفع المتظاهرون شعار "كلن يعني كلن" الذي لم يستثن أحدا بما فيه حزب الله.

الضربة القاضية

ضاعفت أزمة كورونا من الأعباء على الوضع الاقتصادي في لبنان، فقد أتت بالنسبة لهم في ظرف بالغ الحساسية.

فبسبب الإغلاق والتقييد وإجراءات الحجر، للحد من تفشي فيروس كورونا، فقد كثيرون أعمالهم ومصادر رزقهم، في حين جرى تسريح آخرين من وظائفهم، وأعلنت عدد من المؤسسات والشركات اللبنانية إفلاسها.

وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، قد حذرت في 25 أبريل/نيسان 2020، من "جوع" يتهدد اللبنانيين، جراء انتشار فيروس كورونا المستجد. وقالت في بيان: إن "الملايين من سكان لبنان مهددون بالجوع بسبب إجراءات الإغلاق المتصلة بالوباء، ما لم تضع الحكومة على وجه السرعة خطة قوية ومنسّقة لتقديم المساعدات".

وأضاف البيان: أن "وباء كوفيد-19 تسبب في تفاقم أزمة اقتصادية مدمرة كانت موجودة أصلا".

وكان تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية قد كشف أن أزمة كورونا تعيد إحياء المخاوف المتعلقة بتخلف الدول الناشئة عن سداد الديون، وأن لبنان منهك اقتصاديا من قبل الوباء، وقد أعلن تخلفه عن السداد في 9 مارس/آذار 2020.

وبحسب استبيان أجرته شركة InfoPro، فإن حوالي 20% من الشركات اللبنانية أغلقت أبوابها قبل كورونا، في حين توقفت 12% من الشركات عن العمل أو علقت عملياتها، في مقابل نحو 30 % من الشركات خفضت القوى العاملة لديها إلى نحو 60%.