"لوموند" تكشف الجانب الخفي لاهتمام أميركا مجددا بليبيا

12

طباعة

مشاركة

تعيد الولايات المتحدة اهتمامها تدريجيا بالقضية الليبية الشائكة للغاية، حيث يشتبك العديد من حلفائها على الأرض، ويجد اللواء المتقاعد خليفة حفتر نفسه مهمشا بسبب انتكاساته الأخيرة. 

صحيفة "لوموند" الفرنسية نشرت تقريرا للكاتب فريديرك بوبان عن أسباب الاهتمام الأميركي بالصراع الدائر في ليبيا رغم تخليها عنه منذ سنوات.

وقالت الصحيفة: "تخرج واشنطن من غياب طويل في المسرح الليبي لمواجهة التأثير المتزايد للروس في برقة (شرقا)، حيث حذر عدة مسؤولين أميركيين من تنامي دور موسكو وتأثيره الضار على هذا النزاع وأوروبا".

وأكدت أنه بعد الغياب الذي أعقب صدمة الهجوم الإرهابي في 11 سبتمبر/ أيلول 2012 ضد قنصليتهم ببنغازي، الأمر الذي أدى إلى مقتل السفير كريستوفر ستيفنز، يستيقظ الأميركيون بشأن القضية الليبية، من خلال نشاط دبلوماسي لم يبذلوه قط منذ بداية 2020.

ووفقا لفريدريك ويري، الباحث في مركز كارنيجي للسلام فإن "هذه نقطة تحول مهمة"، حيث أن التحول المفاجئ في الصراع ظهر بشكل واضح مع وصول مرتزقة روس في خريف 2019 - ما بين 800 و1200 - تابعون لشركة فاجنر الأمنية القريبة من موسكو، لمساعدة حفتر في معركته التي أطلقها في أبريل/ نيسان 2019 ضد حكومة الوفاق الوطني بطرابلس، المعترف بها دوليا.

فمنذ الهزيمة التي تكبدها حفتر في أوائل يونيو/ حزيران 2020 على أبواب العاصمة وانسحابه إلى معقله ببرقة، كان الأميركيون يراقبون انتشار الوجود الروسي في شرق ليبيا عن كثب، والذي يبدو أن حجمه يزداد.

وأوضحت "لوموند" أن أفريكوم، قيادة الجيش الأميركي في إفريقيا، استنكرت يوم 29 مايو/ أيار، وصول "ما لا يقل عن أربعة عشر مقاتلة ميج 29 وعدد من مقاتلات سوخوي 24" من روسيا، إلى ليبيا بعد مرورها بسوريا، حيث العديد من هذه المقاتلات "أعيد طلاؤها لتمويه أصلها الروسي".

وفي 18 يونيو/ حزيران، نشرت أفريكوم، صورة القمر الصناعي لطائرة ميج - 29 متمركزة في قاعدة الجفرة، وقالت إنه تم التقاط صورة لها أيضا بالقرب من سرت، وهو ما يعد إشارة إلى التوتر الأميركي العلني.

كما جاء لقاء الجنرال ستيفن تاوسند قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا في 22 يونيو/حزيران مع رئيس الوزراء الليبي فايز السراج بحضور السفير الأميركي ريتشارد نورلاند، ليعكس اهتمام واشنطن المتزايد بالشأن الليبي في ضوء التطورات السريعة التي يشهدها هذا البلد.

واعتبر ديفيد ماك السفير السابق بالخارجية الأميركية، في تصريحات أن تطورات الأسابيع الأخيرة دفعت "لتمتع القوى المرتبطة بحكومة الوفاق الوطني بالزخم على الأرض، في حين بدأت القوى المرتبطة بالجنرال خليفة حفتر تعيد حساباتها بشأن مزايا وعيوب الولاء لقيادته".

حفتر وأميركا

وتساءلت الصحيفة: "هل أدركت واشنطن قبل عام أن المشير حفتر، الذي استفاد بعد ذلك من ولاء العديد من المسؤولين الأميركيين، سيسهل الوجود الروسي في ليبيا؟".

ولفتت إلى أنه عندما أطلق حفتر قواته من الجيش الوطني الليبي (ANL) في 4 أبريل/ نيسان 2019 لمهاجمة حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، لم ينتقده الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بل على العكس تماما.

وبعد حوالي عشرة أيام من الهجوم، أثني ترامب على حفتر - وليس على فايز السراج المعترف به دوليا - وأشاد الرئيس الأميركي بـ"دوره الهام" في مكافحة الإرهاب و"تأمين موارد البلاد النفطية".

وتنوه الصحيفة الفرنسية بأنه في ذلك الوقت، لم يجد البيت الأبيض شيئا خاطئا في الهجوم، الذي سحق وساطة الأمم المتحدة، بل بدا أنه يوافق عليه سرا. 

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، قدم جون بولتون، مستشار الأمن القومي آنذاك، نصيحة لحفتر قبل بضعة أيام من الهجوم قال فيها: "إذا كنت تريد الهجوم، فقم بذلك بسرعة".

وذكّرت بأن حفتر هو أحد معارف الولايات المتحدة القدامى، حتى أنه حصل على الجنسية، التي اكتسبها خلال منفاه لمدة عشرين عاما (1991-2011) في فولز تشيرش، بولاية فيرجينيا، وهي مدينة كبيرة تقع على بعد حوالي عشرة كيلومترات من لانجلي، مقر وكالة المخابرات المركزية "سي أي إيه".

وتساءلت: هل وجوده في المكان كان عشوائيا؟، مؤكدة أن السر يكمن في أن حفتر كان "موردا" للمخابرات الأميركية بعد فشله عام 1986 في تشاد وتلقيه هزيمة شنيعة أمام الخصوم الذين ساندتهم فرنسا جوا.

وكان الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي كلف حفتر بقيادة القوات الليبية في تشاد سنة 1986، لكنه وقع في الأسر سنة 1987 في شريط "أوزو" مع عدة مئات من العسكريين الليبيين، واتهمته أوساط القذافي بالخيانة والتخلي عن الجيش في الصحراء وترك جنوده يقعون في الأسر.

وبقي حفتر وجنوده في الأسر لفترة طويلة، وبعد ذلك أُفرج عن بعضهم ليعودوا إلى بلادهم، بينما انضم قسم آخر إلى المشير الليبي الذي تحالف مع "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا"، وأسس جناحها العسكري "جيش التحرير الوطني"، سنة 1988، ونُقل الجميع عام 1990 إلى زائير ومن ثم إلى الولايات المتحدة، وأُقيمت لهم معسكرات تدريب في ولاية فرجينيا.

واستمر هذا الارتباط، الذي كانت له ثمار بعد ذلك بكثير، حيث تتابع "لوموند" أن أحد أقارب حفتر قال: إن الأخير ساعد القوات الخاصة الأميركية في عام 2014 في اعتقال أحمد أبو ختالة في بنغازي وهو أحد المتورطين باغتيال السفير كريستوفر ستيفنز في نفس المدينة.

الخطر الروسي

وتقول "لوموند": "عشية هجوم حفتر على طرابلس، أخذ هذا الارتباط بعدا جديدا بالكامل نتيجة الجغرافيا السياسية الإقليمية، ودافع اثنان من حلفاء واشنطن الرئيسيين في المنطقة، مصر وبشكل خاص الإمارات العربية المتحدة، عن هجوم حفتر لدى دوائر السلطة في واشنطن".

كما عرضوه على أنه حصن ضد منتسبين إلى جماعة الإخوان المسلمين وما تسميها "الفصائل الإجرامية التابعة للمليشيات المحيطة بالسراج في طرابلس".

وبحسب فريدريك ويري "في ذلك الوقت كان هناك تعاطف أو تفاهم ضمني في واشنطن مع أهداف هجوم حفتر".

وعلى وجه الخصوص، يبدو أن الدبلوماسيين الأميركيين يعطون مصداقية للتصريحات الصادرة من أبوظبي، مع استثناء الانجراف العسكري والاستبدادي للمشير، الذي يغض الطرف عنه عدد من الغربيين.

غير أن وصول مرتزقة فاجنر إلى طرابلس غير الخطاب في واشنطن، ويقول لويري: "إذا كانت هناك بعض التنازلات الخطابية نحو هذا الثلاثي ربما لإبقاء الإماراتيين، فإن المسؤولين الأميركيين يسلطون الضوء الآن بشكل خاص على الخطر الإستراتيجي الروسي في ليبيا".

وأشارت إلى أنه في انتقاداتهم يتجنب الأميركيون التدخل التركي، كما لو كانوا راضين سرا عن إغلاق أنقرة طريق طرابلس أمام روس فاجنر.

وصرح السفير الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند للصحافة "بدأ التصعيد الحقيقي في أكتوبر/ تشرين أول 2019 بتدخل فاجنر، وكان التدخل التركي ردا على ذلك".

التقارب مع السراج

ومن خلال تقديم تدخل أنقرة على أنه "رد فعل" بحت، فإن موقف واشنطن مختلف عن باريس، التي تنتقد بشكل رئيسي ما تسميه السلوك "العدواني" لتركيا قبالة الساحل الليبي دون الحديث كثيرا عن الروس.

ويقول بيير رازو، مدير الأبحاث في معهد الدراسات الإستراتيجية للمدرسة العسكرية (Irsem): إن "الولايات المتحدة لن تغضب من تركيا، فبالنسبة لها أنقرة أصبحت إستراتيجية، فهي أفضل حصن ضد روسيا، أو حتى ضد الصين في المستقبل".

وفي هذا السياق، تساءلت لوموند، إلى أي مدى ستكون واشنطن مستعدة للذهاب إذا عزز الروس وجودهم في برقة؟ مبينة أن التقارب مع قوات حكومة الوفاق كان واضحا، كما يتزايد تقارب السفير نورلاند  لفايز السراج ويشيد "بإسهاماته في هزيمة الإرهاب".

وخلافا لانفصالهم العام عن المسارح الخارجية، هل سينتهي الأمر بالرد على دعوة وزير الداخلية فتحي بشاغا، الذي أبدى استعداد حكومة الوفاق لمنح أميركا قاعدة عسكرية؟ تتساءل لوموند.

وأشارت الصحيفة إلى تكهن ديبورا جونز، السفيرة الأميركية السابقة في ليبيا (2013-2015) بأنه "إذا كان الروس سيقيمون قاعدة في برقة كجزء من التقسيم الفعلي لليبيا، أعتقد أننا سنفكر بجدية في إنشاء وجود دائم غرب ليبيا".