"فورين بوليسي": القاعدة جددت إستراتيجيتها بهدوء لتخلف تنظيم الدولة

12

طباعة

مشاركة

نشر معهد "فورين بوليسي" للأبحاث السياسة الخارجية مقالا لكولن كلارك، باحث في برنامج الأمن القومي بمعهد أبحاث السياسة الخارجية (FPRI)، وفي مركز صوفان وخبير في العلوم السياسية مساعد في مؤسسة راند البحثية،  قال فيه إنّ "فقدان تنظيم الدولة لآخر أراضيه، جعل الحركات المسلحة تدخل مرحلة جديدة".

وأضاف الباحث في مقاله، إنّ "السؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين هو ما إذا كانت القاعدة قادرة على الاستفادة من هذه اللحظة واستعادة هيمنتها باعتبارها أكثر التنظيمات الإرهابية السنية قدرة على ذلك".

ورأى خبير العلوم السياسية، أن "العامل الأكثر أهمية الذي يحدد مسار القاعدة في المستقبل هو ما تعلمته المجموعة على مدى السنوات الخمس الماضية وكيف تسعى إلى تحقيق التغيير في منظمتها".

استغلت الساحات غير الخاضعة للحكم 

اعتبر الباحث أن "البيئة التي يعمل فيها التنظيم أحد أكثر العوامل المؤثرة على إرادته وقدرته على التعلم". موضحا أن "البيئة بتحدياتها وظروفها هي المختبر الذي يحدث فيه التعلم  والتغلب على العقبات ويساعد في تشكيل الفرص المتاحة للمجموعة الإرهابية لكي تسعى إلى تحقيقها".

ورأى خبير العلوم السياسية، أن "قوات مكافحة الإرهاب الغربية، ركزت  خلال السنوات الخمس الماضية، على محاربة تنظيم الدولة، ما أعطى القاعدة المساحة والفرصة  للمناورة والتخطيط والتدريب".

قال كلارك، إن "القاعدة استفادت من الدول الضعيفة والفاشلة، من خلال أذرعها في سوريا والصومال واليمن وغرب إفريقيا، وحوّلت الساحات غير الخاضعة للحكم إلى أماكن خاضعة لإدارة التنظيم، وعملت من خلال أتباعها على مستوى القاعدة الشعبية من أجل توليد الشرعية السياسية بين السكان المحليين".

وأوضح المقال أن "هذه السمة كانت هي المميزة للتنظيم في سوريا، حيث خففت الجماعة من نبرتها وسيطرتها عن تنظيم الدولة الأكثر وحشية. وعلى ما يبدو، حتى الآن، أن القاعدة هي آخر جماعة متمردة صامدة في سوريا، خصوصا في جميع أنحاء محافظة إدلب".

لفت كلارك إلى أن "الولايات المتحدة تشعر بالقلق أيضا إزاء انتشار القاعدة في جنوب غرب ليبيا، وانتشار مخزونات الأسلحة الفضفاضة في جميع أنحاء المغرب العربي والساحل".

وزاد "ما يثير القلق بشكل خاص وجود أنظمة الدفاع الجوي المحمولة في كل مكان -ما زال هناك أكثر من 15 ألف من هذه الصواريخ لا أحد يعلم عنها شيء- ما يشكل تهديدًا كبيرًا للطيران المدني".

واعتبر خبير العلوم السياسية، أن "الأوضاع تحدد ما ينبغي على الجماعة أن تتعلمه"، وأعطى الكاتب مثالا "كيف توجه الجماعة النصيب الأكبر من مواردها نحو تعزيز القدرات العسكرية، في حالة حصارها عبر قصف جوي ثابت. وكيف تكرس معظم جهودها للبقاء على قيد الحياة، حيث يستهلك الأمن التشغيلي نطاقا أكبر من المعتاد".

كيف تتعلم القاعدة؟ 

وربط كلارك في مقاله بين الظروف وقدرة التنظيم على التعلم والتكيف، قائلا، "عندما تتعرض بيئة العمل لتغيير كبير، قد تضطر الجماعات الإرهابية إلى تغييرات جذرية حتى لا تتعرض للتهميش، وتحتاج  أيضا إلى المرونة واقتناص الفرص أمام التحولات الديناميكية السياسية".

ولم يستبعد الباحث أن "تكون للقاعدة فرصة للسيطرة على المزيد من الأراضي، مع سحب إدارة ترامب للقوات الأمريكية من أماكن مثل سوريا وأفغانستان وغرب إفريقيا، خاصة في مناطق مثل الساحل وربما أفغانستان إذا قدمت طالبان ملاذا آمناً للقاعدة".

ورأى كلارك أن "الجهات الفاعلة عندما تفكر أبعد من حدود محاولة البقاء على قيد الحياة حتما ستصل إلى ترسيخ ثقافة التعلم". موضحا، "تتيح [الذاكرة التنظيمية] لأي مجموعة الاستفادة من قدرات أعضائها دون الاعتماد فقط على فرد واحد أو كادر حصري من المواهب".

بمعنى آخر، أضاف الباحث، "تساعد الثقافة التنظيمية الأفكار على تخطي الأفراد لفترة طويلة بعد مغادرتهم، مما يوفر آلية للبقاء على قيد الحياة للمجموعات التي تواجه قيادتها خطرا ثابتا بالقتل أو الأسر".

واستطرد خبير العلوم السياسية، "عندما تتمكن الجهات الفاعلة غير الدول من التواصل بفعالية داخل منظماتها وعبرها، فإنها تبرهن على القدرة على نقل المعرفة وأفضل الممارسات والدروس المستفادة من خلال الشبكات الشخصية ومن المستويات العليا للقيادة".

كانت سوريا أحدث مختبر تعليمي

وأخذ الكاتب القاعدة كمثال في مقاله؛ وقال "تمكن المفجرون، في ماراثون بوسطن، من صنع قنابلهم بمساعدة مجلة "إنسباير" التابعة للقاعدة على الإنترنت، والتي قدمت الإرشادات اللازمة للمنفذين لبناء أجهزتهم المتفجرة".

ونبّه مقال فورين بوليسي أن "الأكثر أهمية بالنسبة للإرهابيين هو نقل المعرفة شخصيا، وهو ما يساعد في غرس المعرفة العملية والتجريبية التي لها قيمة أكبر بالنسبة للإرهابيين مقارنة بالوثائق أو الأدلة التعليمية التي يتم العثور عليها على شبكة الإنترنت".

وبالنسبة للباحث، "كانت سوريا أحدث مختبر تعليمي للجهاديين المنتسبين للقاعدة، وهي منطقة شاسعة سافر إليها المقاتلون الإرهابيون الأجانب وشبكاتهم وتعلموا وتفرقوا. وقد أظهرت الصراعات السابقة في أفغانستان والبوسنة والشيشان والعراق، جدوى الوصول إلى معسكرات التدريب، والتي توفر للمتشددين الفرصة لتبادل التكتيكات وبناء الخبرات في صناعة القنابل، والاتصالات المشفرة، والاستخبارات المضادة".

وتابع كلارك، "تخدم هذه المعسكرات أيضا كجهات تنسيق للتلقين العقائدي ونشر الدعاية، مما يعزز جاذبية القاعدة وإيديولوجية بن لادن"

ولفت الكاتب إلى أن "أحد الأمور التي يمكن للجهات الفاعلة أن تستفيد منها من دراسة سلوكيات الآخرين، هو معرفة ما إذا كانت قاعدة معلوماتهم قديمة أو غير فعالة". معتبرا أن "الكيانات التي تظل متسقة وسط التقلبات دائما ما تقوم بتحديث بياناتها باستمرار، ومراجعة طرق عملها وتغييرها لما هو أفضل".

تقنياتها

"ومن الأمور التي تساعد على التعلم هو مدى الإستعداد لخوض المخاطر والإدارة بأسلوب يقبل الاستقلال الذاتي فى إدارة العمليات في المستويات الأدنى"، بحسب المقال.

وأضاف كلارك، "قد شجع الأسلوب التنظيمي للقاعدة منذ فترة طويلة على اعتماد تقنيات إرهابية مبتكرة، بما في ذلك التقنيات التي ابتكرها أفراد خارج الحدود التنظيمية للجماعة".  

من بين الطرق التي يرى الباحث أنه من المحتمل أن تسعى القاعدة من خلالها إلى التقدم في تنظيمها، "الاستعانة بالموظفين على غرار الموارد البشرية للمساعدة في عملية التوظيف، والتعرف على مهارات مجنديها من أجل العثور علي الطريقة الأكثر فعالية للاستفادة من تلك المواهب".

وشدد كلارك على أن "تجربة  القتال في سوريا وسعت من نطاق اتصالات القاعدة، ونظرا لانتشار الجماعات الجهادية في مختلف أنحاء العالم -67 مجموعة نشطة اعتبارا من عام 2019- سيكون هناك المزيد من الفرص للقاعدة للعمل مع إرهابيين من أصحاب الفكر المماثل من شمال إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا".

التهديد يتفاقم

وتابع مقال فورين بوليسي، "يتفاقم التهديد بفعل العولمة، فبعد انتعاش القاعدة في سوريا أصبحت شبكتها الإلكترونية الآن أكثر قوة، وأصبح بوسعها تحقيق العديد من أشكال التعاون المختلفة. وكما أثبت تاريخها، فقد نجحت القاعدة في التغلب على العقبات التي تحول دون تشكيل التحالفات التي ابتليت بها جماعات إرهابية أخرى".

"وبينما كان العالم يركز على ظاهرة تنظيم الدولة، منذ بزوغها في عام 2014، فإن الجماعات المرتبطة بالقاعدة في سوريا واليمن وفي جميع أنحاء غرب إفريقيا قد اندمجت مع المقاتلين المحليين"، بحسب كلارك، الذي استشهد بتحليل الأستاذ بجامعة جورج تاون، بروس هوفمان: "إن إستراتيجية القاعدة على مدى السنوات الخمس الماضية كانت بمثابة إعادة بناء بهدوء وصبر".

وخلص الباحث إلى أن "القاعدة قد تزيد من تلميع صورتها باعتبارها الطليعة الحقيقية للمتمردين الإسلاميين الملتزمين بالدفاع عن المسلمين، من خلال الانخراط في بعض الصراعات التي تعتبر جوهرية ورمزية بشكل كبير، مثل إقليم كشمير المتنازع عليه".

وختم خبير العلوم السياسية مقاله بالقول، "إذا كانت المجموعة قادرة على تركيز مواردها بنجاح على ضرب الغرب، فإن الشهرة التي تصاحب هجوما إرهابيا واسع النطاق قد توفر الزخم الضروري للقاعدة لتحل محل تنظيم الدولة كزعيم للحركة المسلحة العالمية".