مصطفى الرميد.. سياسي مغربي وحلقة الوصل بين الإسلاميين والمخزن

مهدي القاسمي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحول وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، إلى الشخصية الأهم على موقع "فيسبوك" في المغرب، الذي لا تتصدره حاليا سوى الأخبار المتعلقة بتفشي فيروس كورونا.

بدأت القصة مطلع يونيو/حزيران 2020، عندما تداولت إحدى الصحف خبرا عن أن مديرة مكتب الرميد الخاص للمحاماة المتوفية غير مسجلة في صندوق الضمان الاجتماعي، وهو ما يخالف القانون.

ويستغل عدد من أرباب العمل العاملين عبر عدم التصريح بهم في الضمان الاجتماعي حتى لا يدفعوا المستحقات التي تفرضها عليهم الدولة.

قامت الدنيا ولم تقعد وواجه الوزير المنتمي لحزب "العدالة والتنمية"، وأبرز صقوره، سيلا من الانتقادات والهجمات وصلت إلى حد المطالبة بإقالته. 

ليست الهجمة الأولى التي يتعرض لها وزير العدل والحريات السابق، بل هي آخر المحاولات الحثيثة للنيل من سمعته وضرب مصداقيته، ومن خلاله الحزب السياسي الوحيد الذي يمثل الإسلاميين في المغرب. 

الرقم الصعب

في 20 يونيو/ حزيران خرج والد مديرة المكتب المتوفية، جميلة بشر، ليؤكد أن الأسرة لم تشتك على الوزير، وأوضح في تصريح مكتوب، أن الرميد كلف ابنته وهي على قيد حياتها بتسجيل نفسها بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لكنها رفضت، مع استعداده لأداء غرامات التأخير في التصريح.

وشدد الوالد على أن ابنته رفضت تمكين المكتب من صورها وبطاقتها الوطنية، الأمر الذي جعل الرميد يدفع لها في أواخر 2019 مبلغا قدره 23 مليون سنتيم (ما يقارب 23 ألف دولار) وضعته في حسابها البنكي قبل مرضها، كما أدى كافة مصاريف استشفائها، بحسب رواية الوالد. 

لم تكن الوثيقة التي نشرتها وسائل الإعلام كافية لإسكات الأصوات التي وصلت حد المطالبة باستقالة الوزير، واتهامات للحزب في البرلمان، ما جعل "العدالة والتنمية" يفتح تحقيقا مع مصطفى الرميد أمام لجنة النزاهة والشفافية داخل الحزب.

وقبل صدور نتائج التحقيق أكد النائب الأول للأمين العام للحزب، سليمان العمراني، أن قياديي الحزب ومسؤوليه "مستهدفون".

الاستهداف الذي تحدث عنه العمراني تمكن بالفعل من الإيقاع ببعض المسؤولين داخل الحزب ورموزه، لكن الرميد ظل "الرقم الأصعب" وذلك بشهادة معارضيه.

في تدوينة له عن الجدل القائم، قال الصحفي المنتمي للتيار المعارض للإسلاميين، يونس دافقير: إن "مصطفى الرميد ليس مجرد وزير دولة مكلف بحقوق الإنسان، ولا مجرد عضو في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بل هو شركة تأمين الإسلاميين لدى الدولة، وهو ضمانتهم أيضا".

الصحفي المطلع على ما يدور في دوائر القرار داخل المملكة، أضاف في تدوينته: أن "الرميد شريك في رئاسة الحكومة، وأنه جزء أساسي في توازنات ومعادلات سياسية وحزبية".

وختم بالقول في حق أبرز صقور "العدالة والتنمية": "الرميد أشياء كثيرة وليس مجرد وزير".

وفي رد على المطالبين باستقالة الرميد، قال دافقير: "وأنت تفكر في دعوته للاستقالة تذكر كل ذلك، وتذكر أن استقالة الرميد يمكنها أن تهدم الحكومة وكل توازناتها السياسية جميعا".

مصطفى الرميد ليس مجرد وزير دولة مكلف بحقوق الإنسان.

والرميد ليس مجرد عضو في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية.

الرميد...

Posted by ‎يونس دافقير‎ on Monday, June 22, 2020

الخط نفسه أخذه الصحفي رضوان الرمضاني، والمنتمي لنفس التيار، والذي قال في تدوينة له: إن "كل ما كُتب لا يجدي لشيطنة الرجل الذي قد يكون خطأه الوحيد أنه غلّب الجانب الإنساني على القانوني، لكن تصويره كمصاص دماء سيكون ظلم في حقه، لأنه ليس صاحب شركة حتى يستفيد من عدم التصريح بموظفيه في الضمان الاجتماعي". 

الصراحة لله قريت بزاف ديال التدوينات والمقالات على الرميد وقضية الضمان الاجتماعي، ولكن هاد الشي كامل ما خلانيش نبدل رأيي...

Posted by Ridouane Erramdani on Saturday, June 20, 2020

وفي مقال له قال الصحفي مصطفى الفن: إن "الرجل سياسي محترم كان ولا يزال يمارس السياسة بعفة ومنسوب عال من الجدية". وأضاف: "الرميد استؤمن على ملفات كبيرة وتحمل مسؤوليات حساسة في هرم الدولة وأدارها بزهد ونقاء عاليين، هذه حقيقة يشهد بها الخصوم قبل الأصدقاء".

وأكثر من هذا، "فالرجل بعيد كل البعد حتى عن الشبهات الصغيرة فأحرى أن (لا) تكون له يد في ملفات فساد أو سرقة مال عام أو شطط في استعمال النفوذ والسلطة"، بحسب المقال.

وأنهى الصحفي المغربي حديثه بالقول: "الحال أن ما وقع ليس سوى مخالفة تشبه قطرة ماء في بحر من نزاهة ذمة لا يختلف حولها اثنان".

كيل التهم

كانت هذه آخر القضايا التي استهدفت سمعة وذمة الرميد منذ مشاركته في حكومة 2012 كوزير للعدل والحريات، وهي إحدى أقوى الوزارات، ثم وزيرا لحقوق الإنسان في 2016، غير أن استوزاره في المرة الثانية كان خارج اقتراح رئيس الحكومة، الذي يقترح التشكيلة الحكومية على الملك. ويكاد الرميد يصل إلى رئيس حكومة فعلي.

لكنها لم تكن الأولى، ففي مطلع 2020 ضجت مواقع التواصل الاجتماعي والصحف في المغرب بقضية فساد أخلاقي لمحام انتمى للعدالة والتنمية، لكنه لم يكن يوما عضوا بارزا فيه ولا أحد قياداته، فزعمت بعض الصحف المعادية للحزب أنه صهر الرميد، ولم تكف عن ترديد ذلك إلى أن خرج المعني لينفي الأمر، وينكر معرفته بالوزير.

وفي يونيو/ حزيران 2019 لجأ الرميد إلى القضاء ضد موقع إلكتروني اتهمه بالسهر في أحد ملاهي العاصمة الرباط الليلية.

وقال الرميد في تدوينة على "فيسبوك": إن "الموقع المذكور عاد اليوم ليمارس خطيئة الافتراء عليّ بادعائه أنني شوهدت ذات ليلة بأحد الملاهي الليلية بالرباط حيث الخمر والنساء!".

وأضاف الوزير: "لم يسبق لي والحمد لله أبدا طوال حياتي أن ولجت علبة ليلية، ولم يسبق لي أن دخلت مطعما ليلا إلا مرفقا بأهلي وأصدقائي".

السلام عليكم يأبى موقع برلمان كوم مرة أخرى إلا أن يقع في خطيئة الكذب والافتراء على المصطفى الرميد، وهو الذي سبق أن مارس...

Posted by ‎المصطفى الرميد El Mostapha Ramid‎ on Monday, June 17, 2019

مخاطَب الدولة

يحاول خصومه باستمرار إبراز دفاعه عن الملكية البرلمانية، في حين قال مصطفى الرميد في أحد حواراته: "أنا إسلامي ديمقراطي مَلَكي، وأنا شخصيا أدافع عن الملكية ولكن أقول: إنه ينبغي المواءمة بين الإسلام كمرجعية والديمقراطية كمنهج والمَلَكية كنسق، وهذا لا يتأتى إلا إذا أعدنا النظر في توزيع السلطة".

وأكد السياسي البارز أن ما يعبّر عنه بهذا الخصوص هو وجهة نظره الخاصة وليس بالضرورة وجهة نظر الحزب، وزاد قائلا: "إن الأسس التي انبنى عليها النظام السياسي المغربي هي المرجعية الإسلامية، والملكية كنظام سياسي والديمقراطية كآليات لتنظيم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين".

لكن ما يجهله من يسلطون الضوء على هذا الجانب لخلق نوع من الحزازات بين الرميد والقصر، هو أن الرجل هو مخاطَب الدولة في الحزب منذ عهد الملك السابق الحسن الثاني. 

الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية السابق، عبد الإله بن كيران، دافع في إحدى تصريحاته عن موقفه الرافض للملكية البرلمانية.

جاء ذلك بعد أيام من تعليق الرميد على الموضوع، وقال ابن كيران في 2019: إن "الرميد لم يقل شيئا جديدا بالنسبة لي". 

وأضاف موضحا: "لقد قال إن الملكية البرلمانية هي الحل، لكن شروطها غير متوفرة، إذن هي لا شيء.. انتهى الكلام".

من المعارضة

دخل مصطفى الرميد الذي رأى النور سنة 1959 بإقليم الجديدة (على شريط المحيط الأطلسي) معترك السياسة منذ المدرسة الثانوية، حيث تم توقيفه عن الدراسة مرتين بسبب صراعاته مع التيار الماركسي.

انضم الرميد إلى صفوف الشبيبة الإسلامية منذ سن 14، وبعد 6 سنوات في صفوفها وجه رسالة لزعيمها عبد الكريم مطيع، يطالبه بتحديد موقف الشبيبة في مجموعة من القضايا منها البيعة، وكانت الرسالة سببا في استبعاده من التنظيم. 

مارس الرميد العمل السياسي داخل الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية (حزب العدالة والتنمية حاليا)، وتقلد مهام حزبية عديدة إذ أشرف على رئاسة الكتلة النيابية، والفريق النيابي للحزب لولايتين متقطعتين، ثم رئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان إحدى ركائز العمل التشريعي بالغرفة الأولى.

زاول المحاماة ابتداء من سنة 1984 وإلى 2012 عندما أصبح وزيرا، اشتهر بمناصرة الحركات الإسلامية، وامتد صيته إلى خارج المغرب عندما آزر سنة 1990 مناضلي حركة النهضة التونسية.

لا يجيد مصطفى الرميد الكلام الكثير و"الشعبوية"، يعمل في صمت ويدرك من يعرفه فقط أنه سياسي برصيد ثقيل بدأ بمراكمته من المعارضة ليصل إلى النقطة التي يقف فيها الآن: "رجل دولة". 

قلة ظهوره الإعلامي وإتقانه لتقنيات الحوار  برصانة والكاريزما السياسية التي يحوز عليها، جعله رقما صعبا على من يتصيدون أخطاء كل منتم للحزب الإسلامي الوحيد في البلاد.